ثروت عكاشة يعيد اكتشاف الفـن الهندي

10:32 صباحًا الثلاثاء 27 يناير 2015
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

coverليس هناك ما هو أكثر دلالة على اتساع ثوب كلمة الفن الفضفاض من هذا الكتاب الموسوعي الذي يقدم صورة موجزة ـ على ضخامتها ـ لفنون النحت والعمارة والدراما والموسيقى في شبه القارة الهندية. والمصنف الضخم (433 صفحة من القطع الكبير) معزوفة في سيمفونية ثلاثية لفنون الشرق الأقصى، يكملها الدكتور ثروت عكاشة بفنون الصين واليابان، وهو ـ في الوقت نفسه ـ جزء من عمارة شيَّدها واحد من صناع الثقافة العربية المعاصرة باسم موسوعة تاريخ الفن: العين تسمع، والأذن ترى، بلغت الثلاثين جزءا.

يستهل المؤلف كتابه بتوطئة تاريخية ضرورية تتناول نشأة الشعب الهندي، تلك النشأة التي نرى لها أبلغ الأثر على الفنون الهندي ذاتها. وهذا يبدو من الوهلة الأولى على التيارات الحربية التي جرت في مياه بحر التاريخ الهندي، فبعد أن اجتاح داره الأول  شاه الفرس وادي السند والبنجاب قبيل نهاية القرن السادس ق.م. وأخضعهما لسلطان الإمبراطورية الفارسية، ظلت المنطقة ترزح تحت وطأة حكم الأسرة الأخمينية إلى أن احتلها الإسكندر الأكبر عام 325 ق.م. بعد أن أوقع الهزيمة بالملك دارا الثالث. ومع نهاية القرن الرابع ق.م، خضعت مملكة ماجاده في وادي نهر جانجه (الجانچ) لحكم أسرة  موريه  لتغدو حينذاك أعظم ولايات الهند شأنًا. وما لبث تشاندره جوپته أحد قادة طبقة الكشتريه العسكرية ومؤسس أسرة موريه التي حكمت الهند ما ينوف على مائة وسبع وثلاثين سنة أن استرد سهل السند من اليونانيين، وعاش مواطنوه في رخاء مقيم في ظل حكومة عادلة قوية بالرغم من سلطة الملك المطلقة. وكان جيشه يتشكّل من ستمائة ألف من جنود المشاة ومن ثلاثين ألفًا من الفرسان وتسعة آلاف من الفيلة علاوة على العجلات الحربية. واعتلى العرش من بعده حفيده أشوكه (264 – 227 ق.م) ليرفع من شأن إمبراطورية الهند بعد توحيدها للمرة الأولى.

غير أن وحدة الهند السياسية لم تستمر طويلاً بعد وفاة أشُوكه، فأخذت إمبراطوريته في التفكّك شيئًا فشيئًا إلى أن تبوّأت أسرة  سونجه  (176 – 64 ق.م) الحكم، فبذلت جهودًا مُضْنية للحيلولة دون هذا التفكّك واستطاعت الحفاظ على المكانة الفنية والثقافية للبلاد إلى حد كبير.

أشرف أبو اليزيد يرحب بالدكتور  ثروت عكاشة لدى زيارته مقر مجلة "العربي" في الكويت

أشرف أبو اليزيد يرحب بالدكتور ثروت عكاشة لدى زيارته مقر مجلة “العربي” في الكويت

مع بداية القرن الرابع الميلادي عادت الوحدة السياسية ترفرف من جديد على الهند بزعامة أمير ماجَادَه المعروف باسم تشاندره جوپته، وقد تزعّم أسرة جوپته التي امتدّ حكمها للهند على مدى قرنين متواليين. وتميّزت فترة حكم هذه الأسرة برُقيّ المستوى الفني والثقافي الذي واصل ازدهاره دون توقّف حتى بعد سقوط هذه الأسرة. وتُعدّ هذه الحقبة قمة الحضارة الهندية القديمة في كل الميادين، سواء في مجال البحوث الفلسفية التي وضعت أسس تطور العقيدة البوذية في آسيا، أو نهضة الشعر والموسيقى والدراما التي بلغ بها الشاعر الدرامي الأشهر كاليداسه مؤلف مسرحية شاكونتله شهيرة الذروة. وازدهرت كذلك فنون العمارة والنحت والتصوير الجداري، فإلى جوار السُتوپه البوذية شُيّدت المعابد الهندوكية الصغيرة نسبيا من مواد صلبة تدوم طويلاً، على حين استمر بناء المعابد الصخرية لعدة قرون تالية لجأ الفنانون خلالها إلى استلهام الأعمال السابقة، مع الإسراف في استخدام النقوش والزخارف في أعمال النحت والتصوير على نحو ما نرى في كهوف أچانته وبادامي وإللّوره، والحرص على صقل أسطح منحوتاتهم الأنيقة، والالتزام بطابع فني ينزع باضطراد نحو الروح الشرقية، حتى اشتهر هذا العهد عن حق بأنه ذروة الحضارة الهندية. ولنا أن نتصوّر مدى عمق الوعي الديني في الهند إذا عرفنا أن الزمن قد حفظ لنا ما يربو على ألف ومائتي معبد من المعابد الكهفية من بين ألوف المعابد التي شيّدها البوذيون، فضلا عما شيّده الچيينيّون والبراهمة.

  • شبه قارة الفن

مثلت الهند بموقعها جزيرة تصافحها أمواج الجهات الأربعة للفنون العالمية، ويقول الدكتور ثروت عكاشة  أن عمارة المعابد الهندية قد لحقها الكثير من التطور بعد حقبة جوپته، ليتحول حرم المعبد فيأخذ شكل البرج يعلوه سقف مقبّب أو برجي الطابع، وخاصة في معمار شمال الهند في بوفانيشواره وخاچواراو، على حين اتخذت السقوف في جنوب الهند شكلا هرميا، مثلما هو الحال في تانچور، كما لم يعد حرم المعبد مبنى قائما بذاته بل أصبح يشكّل جزءا فحسب من مجموعة كبيرة من المباني يحيط بها جميعًا سور خارجي.

بعد أن اغتصبت أسرة تشوله (840 – 1267) الحكم في الإقليم الواقع بين مادوره ومدراس وميسور، تداعت دولتهم واندمجوا ضمن أرفع الأقاليم الجنوبية شأنًا وهي دويلة فيچانه نجر التي أطلق اسمها أيضا على عاصمتها المنشأة عام 6331. وقد تولّت مسئولية الحفاظ على الثقافة الهندية أمام سطوة الغزو الأفغاني والفتح المغولي أسرة هويشاله (1110 – 1327) وأسرة پانديده (1212 – 1327) ثم مملكة فيچانه نجر التي بلغ ثراؤها ما يفوق أي مدينة أخرى بالهند، وتسنَّم الأدب فيها ذروة ما بعدها ذروة باللغة السنسكريتية وبلهجة أهل الجنوب. وما لبث الأهالي أن ارتدّوا عن البوذية واعتنقوا مذهبا من مذاهب البراهمة يدين بربوبية فنشو وحده دون سائر أرباب الهندوكية.

غير أن العهد الذهبي ما لبث أن انطفأت شعلته حين زحف المغول من أواسط آسيا صوب الجنوب. وانبرت هذه الممالك الثلاث تكافح الغزاة المغول حتى عام 1565 إلى أن غلبهم المغول المسلمون على أمرهم، وأسّسوا بعد غزوه لوادي الجانچ (جانجه) إمبراطورية قوية ذات بأس شديد أعادت للمرة الثالثة في تاريخ الهند الوحدة السياسية إلى البلاد.

وكان أعظم أباطرة المغول بلا نزاع هو الإمبراطور أكبر (1556 – 1605)، الذي كان حاكما شديد التسامح أُشْربَ حبّا وإعجابا بالثقافة الهندية، وشهد عصره هو وبعض من تولوا الحكم بعده مثل چهانجير (1605 – 1627) وابنه شاه چهان (1627 – 1658) حقبة ازدهار للفن الهندي – الإسلامي، أو ما يسمى بالفن المغولي الذي ما لبث أن تدنّى نتيجة تعصّب الإمبراطور أورانجزيب 1659 – 1707) واضطهاده للهندوس، مما أدى إلى خلل التوازن السياسي في أنحاء الإمبراطورية حتى انتهت فترة حكمه بالفوضى التي سادت أنحاء البلاد. ثم وجّه أورانجزيب الضربة القاضية إلى الفن المغولي ذاته باضطهاده الفنانين وتحريمه تصوير الأشكال الآدمية. وفي الوقت نفسه هبط مستوى الفن الهندي حتى فقد قواه الدافعة الأصلية، ثم مضى متخبّطا يمارس أسلوبا مكلّفا شديد العناية بالتفاصيل، وهو ما يظهر أثره أيضًا في انحدار مستوى عمارة المعابد وزخارفها التي شيّدت منذ القرن الثامن عشر.

بوذا واقفا، من مقاطعة بيهار في الهند، عهد بالا، بين القرنين الثامن والعاشر الميلاديين، متحف أونتاريو الملكي

بوذا واقفا، من مقاطعة بيهار في الهند، عهد بالا، بين القرنين الثامن والعاشر الميلاديين، متحف أونتاريو الملكي

  • من بوذا إلى النيرفانه

وإذا شئنا أن نأخذ مثلا على التأثيرات الخارجية في الفنون الهندية، فلنتناول تصوير بوذا، أحد أهم العناصر الفنية في كتاب الفن الهندي. فقد كانت السنوات الأولى التي أعقبت غياب بوذا هي حقبة تحريم تصويره، فخلت المصاطب من صورته ولم تضمّ غير عظامه. ومن هنا كانت هذه المصاطب هي النمط المبكّر للفن البوذي، ولم يُقْدم الفنانون على إعداد صور أو منحوتات لبوذا إلا بعد وفاته بقرنين من الزمان في عصر الملك أشوكه. وعندها أسرف الرهبان في اختلاق الأساطير التي تزعم أن الفنانين قد تمثّلوا صورة بوذا من مجرد التطلّع إلى ظلّه!

وهكذا لم يبدأ تصوير شخصية بوذا إلا خلال الفترة الانتقالية بعد ظهور المسيحية، ويرجّح علماء الآثار أن مردّ ذلك إلى تأثير الفن المتأغرق، الذي نشرته الأسرات اليونانية الملكية الحاكمة في الشمال الغربي للهند، وفرضه مدرسة النحت البوذية – الإغريقية التي ازدهرت في تلك الأقاليم بعد انتهاء الحقبة المتأغرقة، فإذا بها تبتكر ما يدعونه النمط الأبوللوني لبوذا.  وبصفة عامة، يمكن القول إن السماح بتمثيل شخص بوذا نفسه، كان له تأثير كبير على معظم المدارس الفنية المعاصرة، وإن حافظت كل من مدرستي الفن؛ ماتهوره وأمارفتي على تمثيل الرموز القديمة، إلى جوار تمثيل شخص بوذا.

سنجد العديد من المنحوتات البوذية – المتأغرقة، سواء من التماثيل أو النقوش البارزة بين أطلال معابد الستوبه بالشمال الغربي للهند، تقف بمعزل عن المنحوتات الهندية الصرفة، فهي بالرغم من أن موضعاتها بوذية، إلا أن طرازها متأغرق، فضلاً عن أن زخارفها تضمّ إلى جوار بعض موضوعات هندية بحتة صيغًا إغريقية مثل المراوح النخيلية وأوراق الكروم، وولدان الحب، وتماثيل الأتالانت المجنّحة، والتيجان الكورنثية، التي تتخلها تماثيل منمنمة لبوذا، تؤكّد الأثر الهندي.

ويمكننا التعرّف على بوذا الأبوللوني بعلاماته المميزة مثل خصلة الشعر بين العينين، وعجلة الشريعة المقدسة تشاكره بين كفّيه، وشعره المضفور وراء عنقه بخيط دقيق، والذي بدا في البداية متموّجًا، ثم ما لبث أن صار مجعّدًا، وتميّزت ملامح وجهه بالأنف الإغريقية والحواجب المقوّسة، والعينين شبه المغمضتين المتأملتين، والزائدة المتدليّة من إحدى أذنيه الضخمتين الرامزتين إلى حياة بوذا أميرًا، كما تسربل برداء الرهبان، الذي تبدو أطواؤه بوضوح.

بوذا صائما، تمثال مصنوع من العاج وجد في كشمير

بوذا صائما، تمثال مصنوع من العاج وجد في كشمير

وتكشف معابد العقيدتين البوذية والهندوكية المخفورة في الصخر عن الولع بالتزويق بالزخارف، لا فوق الجدران فحسب، بل فوق الأعمدة الملتصقة بالجدران، حتى تكاد تصل إلى النضد والأفاريز العليا. وكست الأعمال البوذية مسحة التجرّد والسلام والإحساس بالسكينة، كما ارتفعت قامة التماثيل، التي لم تعد مستقلة، قائمة بذاتها، بل مستندة إلى النُّصب والجدران. وخضع تمثيل بوذا لقواعد وأصول لا يجوز الخروج عليها، فإذا ملامح وجهه تنطق بالاستغراق الشديد في التفكير، ولم تلبث عباءة بوذا، التي بدت في أول الأمر حافلة بالطيّات الأنيقة، إن غدت شفّافة، تكشف عن قوام الجسد، ثم سرعان ما توارت طيّاتها لتلتصق العباءة بالجسد، حتى بتنا عاجزين عن الاستدلال عليه إلا بالتطلّع نحو العنق والمعصم والساق. وعادة ما يبرز الوجه من الهالة الدائرية الواسعة المزدانة بتويجات زهور اللوتس وأوراق الشجر. كذلك بدا البوديثاتفه بالمواصفات التشكيلية نفسها التي لبوذا، واكتسى بما يكشف عن مكانته السامية، باستخدام قماش الكتان الملفوف حول الحقو والردفين.

حين نمر بالصفحات سنتعرف على كثير من المفردات الهندية التي دخلت الفكر العالمي، في فنه وفلسفته، ولعل أبرزها :النرفانه. وهي مصطلح سنسكريتي يعني غاية ما ينتهي إليه الفكر البوذي، ويدلّ في الفلسفة الهندية على الفناء في الإله المعشوق، أي فناء الذات في الكل، ويعني لغويا التلاشي، كما هي الحال في اللهب يأخذ في الخمود مع فراغ الوقود. والمقصود هو خمود كل شهوة جسدية وتحلل الذاتية مما يعلق بها من أدران الحياة عامة لذة ونشوة وعاطفة وحين يبلغ المؤمن التسامي فوق هذه الشهوات ينتهي إلى الخلاص الروحي والنورانية، وهي النرفانه.

ويكاد المفسّرون للفكر البوذي لا يتفقون فيما بينهم على رأي واحد، فبينما يذهب بعضهم إلى أن النرفانه هي إدراك المرء في طبيعته من طبيعة بوذا، يذهب آخرون إلى أن النرفانه عسير سبر غورها. وإذا كان مدلولها هو الاستنارة، وهو ما لا يتسنّى إلا بعد الوقوع على الحقيقة وإدراك كنهها – مما يقتضي المرور بمراحل شتّى إلى أن تخلص الروح من التناسخ فلا موت ولا حياة من جديد – لهذا فإن غاية ما يقال عنها هو تبيُّن الطريق المؤدي إليها.

  • الفنون الهندية : سمات ودلالات

تجود الإرادة الإلهية علينا حينًا بعد حين بنفحات روحانية تتمثّل في اصطفائها فيضا آدميا فذّا يؤدي دورا بالغ التأثير في البشر على مدى القرون، تارة تصطفي رسولا لهداية الناس إلى دروب الحق والجمال والمناقب، وأخرى زعيمًا يقود قومه إلى الخلاص، أو موسيقيّا تسكن ألحانه الوجدان الإنساني إلى ما شاء الله، أو شاعرًا يأسر القلوب على مر الدهور.

ويختار الدكتور ثروت عكاشة من هؤلاء ثلاثة كواكب لامعة في سماء الأدب الهندي الكلاسيكي، هم: فالميكي مؤلف ملحمة الرامايْنه، وفيدا فياس مؤلف ملحمة المهابْهارات، والشاعر كاليداسه (كاليداشه) الذي أبدع باقة من الروائع الأدبية في مجالي الدراما الملحمية وفي تفجير ينابيع الشعر الخالد. ولنأخذ الشاعر الدرامي الهندي الأشهر كاليداسه مثالاً، فنقرأ من قصديته الدرامية التي تحمل عنوان كوماراسامْبافه شعرًا يتجلّى فيه الجانب الشهواني وهو يصف تساقط رذاذ المطر على جسد الرّبة پارفتي زوجة الإله شيفه مع مطلع الصيف وهي مستغرقة في صلاة التوبة: تنهمل قطرات المطر على أهدابها، فتستقر هنيهة قبل أن تنسل لتلامس شفتيها، ثم تنساب رقراقة نحو صدرها العاجيّ فتتعثّر وتتشتّت مُلتمسة طريقها خلال ثنيّات جسدها، إلى أن تقرَّ في سُرّتها. ألا ما أشهى شفتيها المكتنزتين النضرتين كفاكهة يانعة، وما أصلب نهديها المكوّرين، يسوّر محيطهما سلسال من قطرات المطر المنسابة فوق صدرها، ويبرز انسيابها البطء فوق جذعها تضاريس جسدها أنملة فأنملة. لقد استغرقت القطرات زمنا… طال، كي تبلغ قاع سرّتها الشهية.

ولا يجب أن يدهشنا ذلك النثر الصافي بالغزل الحسي، لأن مما يسترعي النظر والدهشة والتعجّب، أن تمثيل الجماع الجنسي فوق الأبواب، قد نشأ أيضًا بكهف بوذي ، ديني،  حيث تصوّر النقوش المنحوتة ثنائيات العشّاق ، جنبًا إلى جنب، مع ثنائيات الجماع ، كما تمثّل رجلاً يحمل امرأة عارية. وما من شك في أن تصوير مثل هذه المشاهد يتعارض مع مبدأ الإعراض عن المتعة والمباهج من أي نوع كانت، المنقوش بوضوح فوق مدخل هذا الكهف المخصص للرهبان البوذيين المعتزلين!  وباستعراض صيغ الميتهن (العشق والجماع) منذ بداية ظهورها فوق الآثار الحجرية خلال القرن الثاني ق.م، إلى القرن الثالث الميلادي، يستلفت انتباهنا التزايد التدريجي للحسيّة في تصوير هذا النمط الفني، حيث تبدو ثنائيات العشق فوق أسوجة بهارُت وسانشي وهي تحمل القرابين المقدّمة إلى الآلهة.

العمارة الهندية: كتاب الفن مفتوح

بدأ تشييد العمارة الهندية المبكّرة بالخشب، ثم ما لبث البناءون منذ عهد أشوكه أن حاكوا هذا النموذج المبكّر مع استخدام قوالب الطوب والحجر، وتشكّلت الأنماط المختلفة للأسقف كروية الشكل، والقبوات الأسطوانية، والشبابيك الجمالونية، والأعمدة الملتصقة بالجدران والطُّنف على غرار النماذج الأصلية الخشبية. وكان طبيعيًا – لاسيما في المراحل المبكّرة – أن يكون جانبٌ من العمارة الهندية محفورًا في الصخر، بمعنى أن تُحفر الصومعة في جوف الكتلة الصخرية أو بإزالة سطحها الخارجي لتغدو معبدا قائما بذاته. ولاتزال نماذج من هذه المعابد قائمة إلى اليوم.

ولعل أروع هذه المعابد هو المعبد الهندوكي في كايلاشه (اسم فردوس الإله شيفه بجبال الهملايا) حيث غاص البنّاءون حوالي ثلاثين مترا داخل الصخر لتشكيل المعبد، ثم التفتوا إلى الجدران ليحوّلوها إلى أعمدة سامقة وتماثيل آسرة ومنحوتات بارزة، كما زوّدوا ثلاثة من جوانب المعبد المحفور بالخلوات والمصلّيات. ومن المعروف أن العَقْدَ لم يستخدم قط كعنصر معماري في مجال العمارة الهندية قبل دخول المغول إلى الهند، وإن استخدمت التّقبية – وهي نوع من التسقيف بعقود حجرية متراصّة بين حائطين متوازيين – في العمارة المحفورة في الكتل الصخرية.  كما أن هناك أنماطا معمارية خاصة استخدمتها العقيدتان البوذية والچيينيَّة أشهرها الستوپّه ما لبثت أن اكتست بالحجر تحيط بها الأسوجة المزوّدة بالمنحوتات الزخرفية. وأهم عناصر الستوپه هي القبّة، وغرفة صغيرة على مستوى الأرض في منتصف الستوپه لحفظ اذخائر المقدسة يحرَّم دخولها بعد الفراغ من تشييدها.

وقد شكّل القرنان الأول والثاني الميلادي عصرًا زاهرًا للفنون في أنحاء الهند بأسرها، يشهد على ذلك السياج المحيط بستوپه أمارفتي الذي يحمل جامات ونقوشا منحوتة غاية في الروعة والجمال. وتشكّل مجموعات النحت التي يحتفظ بها متحف مدينة مدراس والمتحف البريطاني كنزًا زاخرًا يُشير إلى عظمة الحضارة الهندية خلال تلك الآونة، حيث نرى سردًا منقوشًا لقصص حيوات (تقمّصات) بوذا الدنيوية السابقة چاتاكه وقصص حياة بوذا ومآثره أفادهن التي لم تصوّر في أي موقع آخر، مثل لوحة تفسير حلم المايا  ولوحة عبادة بوذا. وبينما تحفل مدارس بهارُتْ وأچانته وسانشي وغيرها من المواقع بلوحات النقش البارز السّردية، تنفرد مدرسة أمارفتي باختياراتها الحكيمة المُثلى لموضوعات نقوشها التي لا سبيل إلى العثور على مثيل لها في أي موقع آخر، فضلاً عن أسلوبها الإجمالي المُتميز بعرض صورة كاملة لموضوع بعينه دون تطرُّق إلى التفصيلات.

وقد أسفر ازدهار التجارة، وما تمخّض عنه من رخاء في المدن عن ظهور مجتمع الرفاهية الموسر المنعّم بدءًا من القرن الأول الميلادي. وكان مجتمعًا متحضّرًا، رهيف الذوق، عاش حياة مترفة، وأنفق ثرواته على تنمية الفنون الرفيعة من رقص ودراما وشعر وموسيقى ولهو ومرح.غير أن البناء الاجتماعي والاقتصادي، ما لبث أن تغير مع بزوغ القرن الخامس، فانحسر الرخاء، وتردّت أحوال التجار وطبقة المياسير، وبدأ الإقطاع ينشب مخالبه، فظهرت طبقة جديدة من القادة العسكريين وكبار المزارعين الأثرياء، استولت على مقاليد الأمور، بعد أن استتبّ لها الأمر. وعلى الرغم من ازدهار البوذية في غربي الهند – بل وأجزاء من شرقيها ! إلا أن البراهمانية، ما لبثت أن اكتسبت العديد من الدُّعاة، وسدنة المعابد، والمؤيدين المتحمّسين، كما تدفقت على المعابد الهبات، التي أنفقت على تشييد المزيد من المباني الدينية وزخرفتها. كذلك شاءت الظروف أن تظهر العقيدة التانترية في تلك الآونة، فغلب تأثير بدع السِّحر على فنون ذلك العهد. كذلك زوّدت بعض المعابد في الفترة ما بين القرن السادس إلى التاسع بوفرة من المنحوتات المثيرة المستلهمة من كتاب الكاماسوتره، التي تزخر بالمشاهد الجنسية الصريحة والوضعات الشاذة. كما تدلّ الآثار المتخلفة عن عبادات القضيب، التي يرمز إليها المنهير، والعمود الهرمسي، على أن التاريخ القديم قد شهد بدوره بعض العبادات الماجنة المكرّسة للإخصاب، وبعث الموتى إلى الحياة، وأن لمعظم آلهة ديانات البحر المتوسط ذات الأسرار المقدّسة – مثل عقائد ديونيسوس وهرميس وإيزيس وعشتار – بعض السمات الجنسية الصريحة.

الحضارة الهندية والإسهام الإسلامي

حين أسّس ظهير الدين محمد بابر – سليل الغازي التتري تيمورلنك أبا والغازي المغولي جينكيز خان، أما – إمبراطورية المغول الإسلامية بشمال الهند على أطلال سلطنة دهلي، نقل معه حضارة الإسلام. وكان بابر مؤسس هذه الأسرة المغولية بالهند مسلمًا سنيا، ولد بفرغانة في تركستان الآن عام  1483. وعندما بلغ الرابعة عشرة، كان حلمه أن يؤسّس مملكة خالها في مخيّلته، فاستولى في عام 1500 على سمرقند، ولكن ما لبث أن استردّها منه الأوزبكيون. وجاء نصره الأكبر في عام 1504 عندما استولى على مدينتي كابُل وغزنه، وبعدها قاد حملات خمس عبر الممرات المنيعة في شمالي غرب الهند نحو الهندوستان  على رأس عشرة آلاف محارب. وفي عام 1526، أوقع فرسانه ومدفعيته الهزيمة بكل من إبراهيم اللودي سلطان دهلي المسلم، وراجا جوالبور الهندي في بانيبت بالقرب من دهلي، ولم يمض عام إلا وكان قد قضى على الجيوش الهندية المتحالفة لأمراء الراجبوت، فأحكم بذلك قبضته على هندوستان.

 

ومع أن بعض المسلمين من العرب والأتراك والفرس قد جاءوا قبله إلى الهند لتأسيس أسر حاكمة منذ القرن السابع كما قدّمت، فلقد أصبح بابر أعظم قوة إسلامية حكمت الهند على مر الأيام. وإذ كان محاربًا بطبعه، فلم تتوقف حملاته التوسّعية، إلى أن لحقه المرض عام 1530، فأوصى بعرشه إلى ابنه همايون. وعلى الرغم من غزواته الظافرة بالهند، إلا أنه لم يأنس قط بالعيش فيها، وهو ما يتضح في مذكراته إذ يقول: ما أندر ما في الهند من مفاتن، كما نراه في هذه المذكرات، يعيب على الهند إنجازاتها الفنية، إذ لم تكن في رأيه تقوم على أسس رصينة أو يسودها التناسق.

وقد ازدادت العناية بتصوير المخطوطات مع دخول الإسلام إلى الهند في القرن التاسع. وعلى العكس من الصور الجدارية والزخارف المعمارية، كان في الإمكان إخفاء المخطوطات وحجبها عن الأنظار في الفترات المتراوحة، التي يبلغ فيها التزمّت أشدّه بين رجال الدين من المسلمين. وبعد أن تم لمحمد الغوري فتح شمال الهند إلى مصب نهر الجانج جانجه، أقام مولاه التركي قطب الدين أيبك واليًا عامًا على دهلي، وانتهز هذا الوالي الفرصة بعد وفاة مولاه عام 1206، فنصب نفسه حاكمًا عامًا على شمال الهند. وكانت هذه أول دولة إسلامية حاكمة في الهند، عُرفت باسم دولة المماليك، وتبعتها دول أربع إسلامية، إلى أن جاء الفتح المغولي للهند. ولم تكن هذه الدول الإسلامية تجمعها وحدة أسرية غير تلك الصفة، التي جمعت بينهم، وهي أنهم سلاطنة دهلي، لأن مقر حكمهم كان في مدينة دهلي.

تاج محل

ربما أختتم هذه القراءة العجلى لموسوعة الدكتور ثروت عكاشة عن الفن الهندي باختيار نموذجين تناولهما بشيء من التفصيل، الأول يجسد إحدى آيات فن العمارة، فيما يمثل الثاني فرادة الحس الإنساني في الفلسفة الهندية التي غلفت آدابها.الأول هو تاج محل الذي شيده شاه جهان ضريحا لزوجته الأثيرة ورمزًا خالدًا للجمال، والثاني للشاعر الذي وصف ذلك الضريح بقوله: حسب شاه جهان أنه قد سكب على ضفة النهر دمعة واحدة التصقت بوجنة الزمان وأعني به شاعر الهند الأشهر رابندرانات طاغور.

 

مشهد مرسوم يعود للقرن الثامن عشر يصور تاج محل ، وتبدو أعلاه حديقة ضوء القمر

مشهد مرسوم يعود للقرن الثامن عشر يصور تاج محل ، وتبدو أعلاه حديقة ضوء القمر

ما يكاد الزائر يجتاز البوابة الرئيسة لمجموعة مقام تاج محل، التي يصل ارتفاعها إلى حوالي ثلاثين مترًا، حتى يطالعه المنظور المتناغم المدروس برويّة للحدائق، وأحواض المياه المنسقّة حول القناة الرئيسة، وفق النموذج الفارسي المعروف باسم جهار باغ، أي الحدائق الأربع، وهو النموذج، الذي اقتبسه عن الفرس بابر، مؤسس الدولة المغولية بالهند عام 1526.

تنقسم حديقة تاج محل إلى أربعة أقسام بواسطة قناتين طويلتين متقاطعتين، كما ينقسم كل قسم بدوره إلى أربعة أقسام أقل مساحة، تحفّها جميعًا ممرّات مرصوفة بالحجر الرملي الأحمر. ولا جدال في أن هذه الحديقة بتنسيقها الرصين البديع، تضفي على هذا المقام التذكاري جمالاً بغير حدود. وثمة حوض فسيح للمياه من المرمر الأبيض، يعكس صورة الظلال الضبابية لمبنى مقام تاج محل، وصفوف شجر السرو المحاذية، ينتهي قبيل المبنى الرئيس بما يربو قليلاً عن عشرة أمتار، ولا يزيد عمق حوض المياه والقنوات عن متر ونصف. وتوشّي صفحة المياه نافورات تأخذ شكل الزهور، وقد زُوّدت بشبكة صرف تحت الأرض، تنتهي إلى خزانات لحفظ المياه المستقاة من نهر جومانه لتزويد الحوض والنقوات بالمياه، ولري الحدائق.

يقول المؤلف: وكم أذهلت الحديقة الفارسية المعروفة باسم جهار باغ أساطين المعماريّين المتخصصين في تشييد الأضرحة بإيران والهند منذ زمن بعيد. ولعل القنوات الأربع، التي تتشكّل منها الجهار باغ رمز لأنهار الجنة، التي جاء ذكرها في القرآن الكريم: {مثل الجنة التي وُعد المُتّقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشربين وأنهار من عسل مصفّى ولهم فيها من كلّ الثمرات ومغفرة من ربّهم}. سورة محمد، آية: 51. وما أكثر ما تغنّى الشعراء الفرس – وبصفة خاصة حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وخسرو الدهلوي – بالحدائق والجداول والزهور يعدّونها رموزًا لملكوت الله، وجنّات النعيم، التي وُعد بها المتّقون. وكم شبّهوا جداول الحديقة بأنهار الجنة، والزهور بالعشّاق يتبادلون غسيل أقدامهم بالماء المتدفّق، وشبّهوا أحواض البساتين بنهر الكوثر ذي الماء الزّلال. كما يتجلى الإيحاء بالفردوس حين نتطلّع بالماء المتدفّق، وشبّهوا أحواض البساتين بنهر الكوثر، ذي الماء الزّلال، أو حين نتطلّع إلى زخارف الزهور المنبثقة من الزّهريات في الإيوان الجنائزي الرئيس بالمقام، حيث تبدو لنا لوحات جدارية من الرخام المحفور حفرًا بارزًا لزهريّات تحمل أنواعًا مختلفة من الزهور، وثمار الفاكهة، وعناقيد الكروم، وحبّات العنب، يحدّدها إطار من الرخام المكفّت بزخارف تجمع بين الصيغ الهندسية والنباتية من الأحجار شبه الكريمة، والراجح أنها تشير إلى النعيم، الذي وُعد به المتّقون. ونجد هذا العنصر الإيقونوغرافي الأثير في الفن الفارسي، الذي يجعل من الضريح انعكاسًا للجنة، فوق سطح الأرض في أضرحة أخرى غير تاج محل، مثل الزهريات المنقوشة على الجدران الداخلية بضريح الوزير اعتماد الدولة بآجرا، وزخارف بعض قاعات القلعة الحمراء بآجرا.

  • رابندرانات طاجور

درج معظم الشعراء القدامى في الهند على نظم الشعر في مدح الملوك والأمراء لإضفاء البهجة على حياتهم، وإزجاء أوقات فراغهم. وفي المقابل، كانت هناك أيضًا صفوة من الشعراء، يؤمنون بأن الشعر هو الصورة الصادقة الأمينة، التي تعكس سرّ الحياة، مثل الشاعرين فالميكي وكاليداسة، وحكماء العصور الوسطى الراسخين مثل كبير وناناك، وتشانديداس، الذين التزموا في أشعارهم بالصدق والواقعية، ومن هنا اكتسبت كتاباتهم، بل وسلوكهم الشخصي، مصداقية وأهمية رمزية لا تعكس جوهر عصورهم فحسب، بل تُفصح بالمثل عن كيفية صياغتهم لهذا الجوهر. وعندما شارفت مرحلة الإقطاع في تاريخ الهند على الغروب، وبزغ العصر الحديث، ظهر في أفق الهند شاعر احتل المكانة والأهمية نفسها، الي احتلّها أولئك السابقون، وهو النجم الساطع رابندرانات طاجور، الشاعر والمؤلف والروائي والمسرحي والموسيقي والمصوّر والفيلسوف والمتصوّف والتربوي، والمصلح الاجتماعي، والحائز على جائزة نوبل للآداب، والفائز بأرفع وسام من ملك السويد، وبرتبة فارس سير من العرش البريطاني.

بطاقة طوابع تذكارية تحتفل بطاغور

بطاقة طوابع تذكارية تحتفل بطاغور

لم يكن طاجور، الذي امتدت حياته ثمانين عامًا عبر القرنين التاسع عشر والعشرين، ليستسلم لطاغوت الاستعمار البريطاني الغاشم، أو يلتفت إلى نظم قصائد الإطراء، والثناء لراجاوات الهند والحكام الإنجليز، بل انبرى بكل حماسة ينشر في العالم بأسره فلسفة شاعر عامر الإيمان بالتجانس والتوحّد بين البشر، وأخوّة الشعوب، مهما اختلفت لغاتهم، وعقائدهم واهتماماتهم، لأنهم جميعًا في عُرفه أبناء الله الواحد الأحد، خالق الكون ومدبّره، فالحياة في رأيه عيد حافل يُسهم فيه كل شعب بما يملك من مصابيح المعرفة والبهجة والمحبّة.

كان طاجور أحد أدباء الهند القلائل، الذين شكّلت سيرتهم الذاتية التاريخ العاطفي والعقلاني لأمتهم. لقد كانت مشاعره وأفكاره وهواجسه وشخصيته جميعًا مشحونة بعقيدة مثالية يمكن تعريفها بـالمعرفة الحدسية، وخلاصتها أن السلبية ليست إلاّ مظهرًا جزئيًا للإيجابية، فالوجود خال من الأسى والفراق والموت، ولايزال الإنسان منذ بدء التاريخ إلى اليوم ينشد القيمة المعبّرة عن الإنسانية الخالدة، سواء في مجال العلم أو الفعل أو الأخلاق أو الإبداع، أو المشاركة الوجدانية، التي هي قيمة الإنسان الخالد غير القابل للفناء. نعم، الموتُ لنا بالمرصاد، لكننا لا نفنى ولا نزول.

تكمن عبقرية طاجور في قدرته على التسلّل إلى جوهر النفس الإنسانية إلى أن يحتويها. وهو ما عبّر عنه في وضوح الدكتور طه حسين بقوله: إن الذي يملأ نفسك في حضرة طاجور هو تجلّي فكرته الروحية في كل شيء من كيانه المادي. ولم يظفر أديب هندي بإعجاب مثقفي الأمة العربية وتقديرهم بمثل ما ظفر به طاجور، فإذا هم يحتفون به عندما زار مصر عام 6291، وفي مقدّمتهم الدكتور طه حسين ولطفي باشا السيد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والأستاذ عباس العقاد. وقد نظم طاجور الشعر الرومانسي شابًا ثم انطلق في شعره الصوفي حتى انتهى إلى شعره الواقعي.وبعد صدور ديوان جيتا نجالي، الذي يتضمن قصائد روحانية من وحي الخيال، حصل طاجور، وهو في الثانية والخمسين من عمره على جائزة نوبل في الآداب عام 1913، وقيمتها آنذاك ثمانية آلاف جنيه! فكان أول أديب شرقي ينال هذه الجائزة، ولم يلبث أن تبرّع بربع قيمة هذه الجائزة للإنفاق على صرحه التربوي والتعليمي قشقابهاراتي، الذي أنشأه ورعه في شانتي نيكتان.

كان طاجور هنديّا يذوب عشقًا في وطنه. نراه يحدّد لأهله وعشيرته السبيل القويم المؤدي إلى رفعة شأنهم وخلاصهم، فيقول:

حيثما يتحرّر العقل من الخوف ويشمخُ الرأس عاليًا،

وحيثما تتوافر المعرفة بلا قيود،

وحيثما لا يتفتّت العالم إلى شظايا تفصلُ أجزاءها عن بعضها جدران لمحليّة الضيّقة،

وحيثما تنطلق الكلمات من أعماق الحقيقة،

وحيثما يمدّ الكفاح الذي لا يعرف الكلل ذراعيه ليُعانق المثل الأعلى،

وحيثما لا يضلّ تيار العقل الرائق طريقَه فيتخبّط في صحراء العادات المرذولة،

وحيثما تنطلق عقولكم نحو الفكر والعمل المُتنامي لبلوغ فردوس الحرية،

أناشدُك ربّاه أن توقظ قوْمي من غفلتهم وغفوتهم.

إنها رسالة خالدة، تصلح لكل زمان، مثلما هو الفن الهندي الخالد، وموسوعته التي قدمها لنا ثروت عكاشة.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات