إحياء ذكرى فيلسوف مصري في الكويت

03:29 مساءً الأحد 27 مارس 2016
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

احتفى المكتب الثقافي المصري في الكويت  في إطار أسبوعه الثقافي الحاشد  بذكرى الفيلسوف الراحل الدكتور فؤاد زكريا، بمشاركة الدكتور عبدالله الجسمي استاذ الفلسفة في جامعة الكويت، والدكتور فهد راشد المطيري أستاذ اللسانيات في الجامعة نفسها.

المفكر الكبير الدكتور فؤاد زكريا

المفكر الكبير الدكتور فؤاد زكريا

رحب الدكتور نبيل بهجت بالحضور والمشاركين وأوضح أن النشاط يأتي في إطار أسبوع ثقافي زاخر بالأنشطة الثقافية والفنية والفكرية، وقال: خصصنا اليوم كاملا لذكرى المفكر الكبير فؤاد زكريا لعدة اسباب، فقد كان احد المثقفين الفاعلين الذي ارتضى أن يشتبك مع الواقع ليغيره مهما كانت العواقب، وتصدى لأولئك الذين يسعون لإبطال فاعلية الإنسان في الأرض، كما أنه اشرف على إدارة واحدة من اهم اصدارات الفكر في مصر ثم انتقل للكويت ليصبح رئيسا لتحرير احدى اهم المطبوعات الفكرية العربية آنذاك. فهو واحد من الذين حرصوا على تجديد الفكر وعلى عقلانية الإنسان وفرديته. والتأكيد على كل ما هو إيجابي في ثقافتنا العربية.
من جهة أخرى شكر الكاتب إبراهيم فرغلي الدكتور نبيل بهجت على إقامة هذه الأمسية وأضاف: يسعدني تقديم أمسية تتناول أفكار الفيلسوف والمفكر المصري الكبير فؤاد زكريا، لاعتبارات عديدة من بينها أن أفكاره عن الفلسفة من بين المرجعيات الأساسية التي أضاءت لي شخصيا طريق العقلانية، كما أن ترجمته البديعة لكتاب الفيلسوف والعالم البريطاني برتراند راسل تاريخ الفكر الغربي وفرت لي مصدرا مهما للتعرف على أبرز مدارس الفلسفة الغربية المعاصرة بعد التعرف إلى أصولها الأولى الإغريقية. وقد وقع الاختيار على كتابه المهم التفكير العلمي، لعدة أسباب أهمها أننا نعيش اليوم في أجواء يبدو العرب فيها وقد ضلوا طريقهم بالفعل بعيدا عن العقلانية وبعيدا عن المنهج العلمي في التفكير.
وقدم فرغلي د.فؤاد زكريا قائلا أنه ولد في العام 1927 وتوفي في العام 2010وتخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة عام 1949. وعمل أستاذاً رئيساً لقسم الفلسفة بجامعة عين شمس حتى 1974. ترأس تحرير مجلتي “الفكر المعاصر” و”تراث الإنسانية” في مصر . ثم عمل أستاذاً للفلسفة ورئيساً لقسمها في جامعة الكويت (1974 – 1991).
ثم قرأ فرغلي ورقة الدكتور عبدالله الجسمي الذي حالت ظروف عن حضوره في اللحظات الأخيرة وقدم فيها الجسمي قراءته لكتاب التفكير العلمي.
أوضح الجسمي أن “التفكير العلمي” من الكتب المرجعية التي تختزل تفكير مرحلة تاريخية هامة للأمة العربية من حيث تشخيص مشكلة التفكير السائد فيها وكيفية الخروج منها. والسبب الرئيس الذي يعود وراء الاهتمام بإقتناء الكتاب حتى الآن هو الحاجة الماسة لما يطرحه من أفكار. فمستوى الثقافة العربية في الفترة التي صدر فيها الكتاب، كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن . فقد ازدادت مظاهر التعصب والتطرف وصولاً إلى العنف والإرهاب وإنتشرت مظاهر الخرافة والشعوذة والدجل وسيادة أنماط مختلفة من التفكير تتعارض مع التفكير العلمي، وبرزت فئة، تحت مسميات مختلفة، تحاول تطويع العلم ونظرياته وإنجازاته وفق مظاهر الثقافة والاعتقادات السائدة، ناهيك عن تراجع العلم والمؤسسات التعليمية المختلفة عن لعب دور فعال في المجتمع لتغيير ثقافته وتحول بعض المؤسسات العلمية أو التعليمية الى دكاكين شهادات أكاديمية.

إبراهيم فرغلي يقدم الأمسية متوسطا د. نبيل بهجت ود. فهد المطيري

إبراهيم فرغلي يقدم الأمسية متوسطا د. نبيل بهجت ود. فهد المطيري

ما هو التفكير العلمي
وقال الجسمي أن: أحد أهم أسباب شعبية هذا الكتاب وانتشاره هي عدم تعامله مع العلم كظاهرة مادية صرفة لها قوانينها وحقائقها الخاصة. وانعكس ذلك على طبيعة التفكير العلمي نفسه الذي ميزه د. فؤاد زكريا حيث أشار الى أنه ليس تفكير العلماء بالضرورة . فالتفكير العلمي الذي يعنيه لا يتعلق بالعلماء ومختبراتهم بل هو تفكير يمكن استخدامه لتفسير الموضوعات التي تتجاوز الجوانب المادية الصرفة والتي نعيشها في واقع الحياة اليومية. فقد كان د.فؤاد زكريا يهدف الى النظر الى موضوعات وقضايا الحياة اليومية بطريقة عقلانية ومتجردة من الجوانب الذاتية والأهواء الشخصية والتفسيرات الغائية أو حتى الخرافية، وإعطائها تفسيرات واقعية وموضوعية تكون صحيحة أو أقرب الى الصحة. فالعلم في مجتمعنا محصور بالدرجة الأولى في المعاهد والجامعات أو المؤسسات الأكاديمية فقط ويعيش عامة المجتمع في عالم آخر لا علاقة له في العلم ومناهجه وتطبيقاته، فالعلم لا يلعب دوراً حاسماً في تشكيل الثقافة في المجتمع العربي بل تقوم الثقافة على أسس اجتماعية ومسلمات فكرية غير قابلة للنقد أو التحليل.
تحديث المجتمع
وأضاف: أن تركيز الكتاب على التفكير العلمي يعني ضمنياً رفض أي نمط من أنماط الأدلجة في بناء وتحديث المجتمع . فالعلم، بشقيه الطبيعي أو التجريبي من جهة والإنساني والإجتماعي من جهة أخرى، تم استخدامه لإحداث تغيرات جذرية طالت جميع مظاهر المجتمع وبشكل متعدد ومتنوع وانعكس على ثقافته، بينما تمثل الأيديولوجيا نمطاً وحيداً من التفكير وتقود للعقائدية والجمود وإقصاء الآخر وإخضاع كل شيء لسلطتها. وقد وقف د. فؤاد زكريا طيلة حياته ضد مبدأ الخضوع للسلطة خصوصا السلطة الفكرية ودافع عن استقلال العقل وحريته عن أية مؤثرات ثقافية أو اجتماعية أو فكرية.
محاضرة لافتة
وقدم الدكتور فهد راشد المطيري محاضرة لافتة بدأها قائلا:
أبدأ حديثي بسؤال على النحو التالي: لماذا الاحتفاء بهذا الكتاب على وجه الخصوص؟ ثمة أكثر من سبب: أولا، هو كتاب من أشد كُتب الدكتور فؤاد زكريا اتصالا بواقعنا اليومي، ولعله أيضا من أكثرها شمولية لكلّ ما كتب، وثانيا، هو كتاب من تلك الكتب التي لا تعود معها كما كنت قبل أن تقرأها، وثالثا، هو كتاب من تلك الكتب التي تقرؤها في صباك فتنبهر، ثم تعود إليها بعد سنين طويلة فإذا بالانبهار وقد استحال إلى ابتسامة راضية وماكرة في آن واحد، فأما الرّضا فمردّه أنّك تدين لهذا الكتاب بالشيء الكثير، وأمّا المكر فمصدره أنك تدرك كم كان الكاتب نفسه مدينا لمن قرأ لهم من مفكرين أجانب، كأمثال “برتراند رسل” و”موريس كوهين” و”إرنست نيجل”.
يقع الكتاب في سبعة فصول، وجاء الفصل الأول تحت عنوان “سمات التفكير العلمي”، حيث يستعرض الكاتب خمس سمات لهذا التفكير المنظّم والملتزم بمبادئ المنطق السليم، وهي سمات تشير إلى التراكمية، والتنظيم، والبحث عن الأسباب، والشمولية واليقين، والدقة والتجويد، ثم جاء الفصل الثاني بعنوان “عقبات في طريق التفكير العلمي”، وفي هذا الفصل يستعرض الكاتب عقبات الاسطورة والخرافة، والخضوع للسلطة، وإنكار قدرة العقل، والتعصب، والإعلام المضلل، ثم ينتقل الكاتب في الفصل الثالث إلى الحديث حول “المعالم الكبرى في طريق العلم”، متقصيا تاريخ العلم منذ العصر القديم، مرورا بالعصور الوسطى، وانتهاء بالعصر الحديث، ثم ينتقل في الفصل الرابع إلى تناول العلاقة بين “العلم والتكنولوجيا” ليوضّح كيف كانت التكنولوجيا بمعناها الواسع مستقلة تاريخيا عن البحث العلمي، ثم ما لبثت أن اتصلت بالعلم المعاصر اتصالا وثيقا، وبعد الانتقال في الفصل الخامس إلى تقديم “لمحة عن العلم المعاصر” من خلال تبيان أساسه النظري وتعداد إنجازاته المتعددة، يصل الكاتب إلى الفصل السادس للحديث حول “الأبعاد الاجتماعية للعلم المعاصر”، حيث يستعرض عددا من المشكلات التي تشير إلى أهمية العلم بالنسبة إلى المجتمعات الحديثة، وهي مشكلات تتعلق بالغذاء والمسكن والبيئة والموارد الطبيعية والوراثة والتسلّح، وقد نالت مشكلة التسلح على وجه الخصوص اهتمام الكاتب لما لها من آثار كارثية على مستقبل فصيلة الإنسان على وجه هذه الأرض! أخيرا، يصل الكاتب إلى الفصل الأخير من كتابه ليتطرّق إلى ملامح “شخصية العالم”، ومن بينها الروح النقدية والنزاهة والحياد.
وختم الدكتور المطيري حديثه بسؤالين افتراضيين: السؤال الأول، ماذا كان سيقول الدكتور فؤاد زكريا لو أنّ الأقدار أتاحت له أن يشهد اندلاع الثورة المصرية؟ ليس عندي أدنى حول موقفه الداعم لكلّ ثورة عادلة، ولعله كان سيذكرّنا بضرورة التقليل من أهمية تحديد هوية الحاكم في مقابل التركيز على ترسيخ بناء دولة المؤسسات التي لا تستمدّ قوتها من هوية الحاكم، وهو بذلك يسير على إثر “كارل بوبر” ونظرته المنهجية إلى طبيعة “المجتمع المفتوح وأعداؤه”! أما بالنسبة إلى السؤال الافتراضي الثاني، فبإمكاننا أن نصيغه على النحو التالي: ماذا لو جاء فؤاد زكريا في بيئة مغايرة أكثر تقدّما وأعلى رُقيّا؟ في يقيني أنه كان سيستمثر ثروته المعرفية وذكاءه الحادّ في تعميق البحث الفلسفي الصرف، بدلاً من استنزاف جُلّ طاقته في إقناعنا بأهمية التفكير العلمي، ولكم أطلق الراحل في هذا الكتاب على وجه الخصوص دعوات متكررة حول ضرورة الأخذ بأسباب العلم، فها هو يكتب قائلا في صفحة 92 من الكتاب: “أنتهز الفرصة لأعيد ترديد هذه الدعوة، آملا أن يتأثر بكلماتي هذه مسئول ذو نفوذ، ومتمنيا أن يكون هذا المسئول من الاستنارة بحيث يدرك مدى أهمية الموضوع الذي أدعو إليه، وهي أمنية أرجو ألاّ تكون عزيزة المنال”! من المؤسف حقا أنّ تثبت الأيام أنّ أمنية الراحل كانت، على أهميتها، عزيزة المنال فعلا!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات