ياسين عدنان | هوت ماروك

10:19 صباحًا الأربعاء 29 يونيو 2016
ياسين عدنان

ياسين عدنان

شاعر وروائي وإعلامي من المغرب

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

image

مقطع من هوت ماروك:

كأنّ المدينة غير المدينة. كأنّ يدًا خفيّةً غيَّرت المحل والشارع والمعالم كلّها في غفلةٍ منك يا رحّال. تفتح الكومبيوتر وتَضيع لساعاتٍ وسط لُججه الزرقاء. من فيسبوك إلى هوت ماروك. من هوت ماروك إلى فيسبوك. وحين رفعتَ رأسك لتتفقّد العالم من حولك هذا الصباح وجدتَ المحلّ غير المحلّ. والشارع غير الشارع. والمدينة غير المدينة. كأنّك من أهل الكهف يا رحّال.. فكَمْ لبثتَ بهذا الكهف الافتراضي؟ اخرج من جُحرك أيها السنجاب وتفقّد العالم من حولك.

شارع الداخلة، حي المسيرة ، مراكش، بعدسة رشيدة الرزقي

شارع الداخلة، حي المسيرة ، مراكش، بعدسة رشيدة الرزقي

لكنّ الخروج لم يعد مُتاحا بالسَّلاسة القديمة. هل تذكُرُ الشارع الفسيح الذي كان هنا؟ أين الشارع يا رحّال؟ كأنّ أحدهم طواه وخبّأه في جيبه ومضى. مَن سَحب الشارع من مكانه وأنبت هذا السوق؟ كأنّها ساحة جامع الفنا. الصخبُ سيّد المكان. لغطُ الباعة. صراخُ الأطفال. منبّهاتُ السيارات. حفلةُ عناقٍ جماعيٍّ لا سبيل إلى تفاديها. موجٌ يعانق موجًا. أمام سيبر أشبال الأطلس، يتدافع المارّة بالمناكب داخل ممرّ ضيّق لأن الجزء الأكبر من الرصيف احتلّه باعة الرّيكلام من المعاطف والكنزات وسراويل الجينز حتى ملابس النساء الداخلية مرورا بالأحذية الرياضية والجوارب وأنواع العطور. وراء باعة الرّيكلام، يصطفُّ في الأماكن المخصّصة لوقوف السيارات بائعو الفواكه. تين شوكي، برتقال، خوخ، عنب، بطيخ، تفاح أو رُمّان حسب الفصل. ثم بائعات الخبز والبَغْرير والمسمّن. رغم أنّ الشارع يتوفّر على أكثر من مخبزة عصرية، إلّا أن خبز قارعة الطريق أشهى على ما يبدو. وهناك أيضا بائعو العصائر، وعربات ساندويتشات النقانق، وأكواز الذرة المسلوقة، وشوربة الحلزون بالأعشاب. المارّة يتبضّعون وسط الزحمة ويتناولون العصائر والساندويتشات المعطّرة بما تنفثه عوادم السيارات، رغم خنقة الشارع. ولأن أصحاب السيارات لا يمكنهم التنازل عن حقِّهم، فإنهم يركنون سياراتهم وراء المُتبضِّعين مباشرة، في عرض الشارع تمامًا. أحيانا تحتكُّ مقدّمة السيارة بمؤخرة امرأة تساوم من أجل كيلو عنب أو رمان فيندلع شجار غالبًا ما يتدخّل البائع لإطفائه طالبًا من الزبونة المُحتدّة وصاحب السيارة المتحرّشة لعن الشيطان والصلاة على النبي. فـ”الساعة دايزة وكلٌّ سيقضي غرضه.. غير شوية ديال الصبر أوصافي”. ولأنّ طبقات الباعة المتجوّلين دقّوا الأوتاد في الشارع واحتلّوا حتى محطّات الوقوف التي كانت الباصات تستغلها لإنزال الركاب وفسح الطريق أمام صعود آخرين، فإن سائقي حافلات الخطّ رقم 12، التي تخترق شارع الداخلة ذهابا وإيابا، سلّموا بقضاء الله. صاروا يقترحون على الراغبين في النزولِ الهبوطَ في بداية الشارع ثم يشرعون في السياقة بسرعة انتحارية وسط الطريق المكتظّ لكي لا يعتقلهم أحد قبل أن ينفذوا بحافلاتهم خارج شارع الداخلة. لكن الرّكّاب تنبّهوا لمكرهم، فصاروا يعترضونهم بشكل جماعي -مثل ميليشيات مدرّبة- لإجبارهم على الوقوف. هكذا تتوقّف حركة المرور لدقائق قد تتجاوز العشرة أحيانًا في انتظار أن يصعد الرّكّاب.
ياه يا رحّال، ليس هذا هو شارع الداخلة الذي تعرفه.

ياسين عدنان

ياسين عدنان

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات