مركز جابر الأحمد الثقافي : مركز الأمل والمستقبل

11:10 صباحًا الأحد 20 نوفمبر 2016
د. عبد الرحيم العلام

د. عبد الرحيم العلام

رئيس اتحاد كتاب المغرب، مستشار شئون المغرب العربي في آسيا إن

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
مركز جابر الأحمد الثقافي

مركز جابر الأحمد الثقافي

لا أخفي أن شعورا عارما وطافحا بالدهشة قد تملكني لحظتها، وأنا أحضر فعاليات افتتاح مركز جابر الأحمد الثقافي، بدولة الكويت، بدعوة كريمة من وزارة الإعلام؛ شعور سرعان ما امتزج بشعور آخر متأصل فينا جميعا، أملاه، هذه المرة، اعتزازي بكل ما يتحقق، في هذا البلد أو ذاك، من مشاريع ومنجزات ومعلمات ثقافية وفنية، تعيد الرونق إلى قلوبنا، والثقة إلى نفوسنا، بالانتماء إلى هذا الوطن العربي الكبير، في وقت استبد بنا فيه شعور غريب بانتمائنا القاسي إلى هذا الوطن، بما يعرفه من انكسارات وتراجعات وأزمات وحروب وصراعات وتقسيمات طائفية وداخلية، بل ومستقبل مفتوح على المجهول وعلى كل الاحتمالات.

غير أن دولة الكويت التي عودتنا دائما على الانتصار للفرح، ولكل ما ثقافي ومعرفي وعلمي وإعلامي وتنويري، على امتداد مسيرتها التنموية الطويلة، حتى قبل استقلالها، تبرهن اليوم، مرة أخرى، على أن الرهان على العمل الثقافي، يشكل في العمق أحد الرهانات الاجتماعية والتنموية الكبرى،

من هنا، فما شاهدناه إبان افتتاح مركز جابر الأحمد الثقافي، يزكي في جانب منه تلك الأدوار الريادية والطلائعية التي اضطلعت بها دولة الكويت، وحافظت عليها، عقدا بعد آخر، وجيلا بعد جيل، بمثل ما يعزز مكانة الكويت الثقافية عربيا، باعتبارها بلدا عرف، منذ زمان، بمراكزه ومؤسساته وأنديته الثقافية، في زمن تخلت فيه بعض البلدان عن حضورها وأدوارها الثقافية التقليدية، في سياق ما يعرفه عالم اليوم من أزمات وتداعيات عاصفة، نتيجة تنامي أشكال الصراعات والتطرف والإرهاب، وغيرها، هنا وهناك.

غير أن دولة الكويت، ربما أرادت أن تقول لأبنائها وللعالم من حولها، من خلال تشييدها لهذه المعلمة الحضارية البديعة (مركز جابر الأحمد الثقافي)، أنها بلد ماض قدما في انتهاج سياسته التنوبرية، المنفتحة على الافق الثقافي والفني والجمالي الكوني، مواصلة، عبر ذلك، تحقيق رهاناتها على الثقافة لبناء الإنسان والعقل والوجدان وتقوية روح الانتماء.

جئت إلى الكويت لاشهد عن قرب، من موقعي الاعتباري، على ولادة لحظة تاريخية جديدة في عالم الثقافة والفن والإبداع بهذا البلد العربي الاصيل، الذي عودنا دائما على التجدد والعطاء، بحضارته وتاريخه وتراثه وإنجازاته، وبمراكزه ومؤسساته الثقافية والعلمية، وبفنونه ودورياته ومجلاته الثقافية والإعلامية. توجهنا في ذلك الصباح الجميل، إلى المركز الثقافي، يغمرنا شوق عارم لرؤية هذه المعلمة الثقافية، كان صباحا كويتيا بامتياز، وكأن الجميع قد استشعروا أنهم ذاهبون إلى حفل أسطوري، بما يليق به من زينة وبهجة، وبما تستلزمه الاحتفالية من زينة وتطيب.

IMG_3318

في طريقنا إلى مقر بناية المركز، كنا من جنسيات مختلفة، كان بيننا صحافي من كوريا، قدم بدوره ليشهد على ميلاد لحظة جديدة في تاريخ الكويت الطافح بالمحطات المضيىة، كنا، ونحن نقطع تلك المسافة القصيرة التي تفصل بين الفندق والمركز، وكأننا في سباق محموم حول من تعن له بناية المركز الثقافي، الأول، إذ سرعان ما أصابتنا الدهشة جميعا، وقد تراءت أمامنا تلك الجواهر البديعة الثلاث، متلألئة ومشعة، ومرحبة بضيوفها وزوارها، تكاد تقول خذوني… أحسست لحظتها، حتى قبل أن أدلف إلى داخل البناية، أنني أمام أعجوبة جديدة من عجائب حضارة العصر ورقيها، ولا غرابة في ذلك، ما دامت الإرادة قائمة، والفرح الثقافي الكويتي متواصل، إذ كثيرة هي المناسبات الكويتية الجميلة التي رسخت فينا الأمل والإيمان بالحياة والجمال، في وقت أصبحنا نعيش فيه زمنا عربيا صعبا، لا مكان فيه سوى للشعور بانعدام اليقين في الحاضر والمستقبل …

ما أن دلفنا فضاء إحدى تلك الجواهر الثلاث، حتى تجدد لدينا، مرة أخرى، ذلك الشعور بالاندهاش، زاد من حدته ومن متعته، افتتاح حفل الافتتاح الذي بدأ في موعده المحدد، خلافا لما تعودناه في وطننا العربي، من تأخير في المواعيد الرسمية الأخرى، دون أي اعتبار للمناسبة ولا لضيوفها. لكن الكويت، من منطلق إيمانها بقيمة الزمن وبسرعته اليوم في عالمنا، كانت مرة أخرى في الموعد، بمثل ما تم إنجاز هذه المعلمة في موعدها المحدد أيضا، وفي زمن قياسي قد لا يدركه العقل العربي، تم ذلك في اثني وعشرين شهرا فقط لا غير، لكنها إرادة التحدي والإنجاز التي تملكت أهل الكويت، منذ زمان، قيادة وشعبا، ليكونوا في موعد آخر مع التاريخ.

IMG_3319كانت لحظات حفل الافتتاح وفقراته متنوعة وبديعة جدا، أثارت إعجاب الحضور، بل ونالت في كثير من المرات تصفيقاتهم، بما قدمته من مشاهد وعروض مثيرة وذات قيمة عالية وعالمية، اختيارا وأداء وإخراجا، شملت عرضا لكل مرافق ومسارح وصالات وأجنحة الجواهر الثلاث، بتصاميمها الجميلة والمدهشة رونقا وإتقانا، بل إن درجة متعتنا وانتشائنا قد تفاقمت، ونحن نتابع العروض التمثيلية والفنية والموسيقية والغنائية والاوبرالية، في تنوعها وبهائها وروعتها وجمالها، إذ امتزج فيها الحضاري والتاريخي والتراثي بما هو عصري وفني، محلي وكوني، فكانت تلك اللحظات المضيىة في حجم هذا الحدث العظيم، وفي مستوى ما تستحقه هذه المعلمة الباذخة والرائعة، التي تم تشييدها وإبداعها وتصميمها من قبل سواعد الشخصية الكويتية، بكل كفاءة واحترافية ومهارة وفنية وإتقان …

عدنا إلى الفندق، وقد تركنا بعضا من ذواتنا ووجداننا هناك، أما ما تبقى فينا، فكان، في المساء، في موعد مع حكاية شهرزاد لسيرة الجواهر الثلاث، وهي تنسج للبحر الذي يقابلها، حكاية التفاؤل والأمل في المستقبل، والثقة في الثقافة والفن بوطننا العربي،

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات