تثير آخر لوحة عرضتها الفضائية السورية مؤخراً، من لوحات «تنذكر وما تنعاد»، تأليف سامر سلمان، إخراج علي شاهين، التي تتحدث فيها شخصية الإرهابي المنضوي في «حركة إسلامية متطرفة» باللغة العربية الفصحى، أكثر من إشارة تعجب.. من دون أن يكون لنطقه بها أي تسويغ منطقي، إذ إن معظم الشخصيات «المتطرفة» هي في الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية شخصيات ليست عارفة بالدين بل جاهلة بأبسط أركانه، بمعنى أنها ليست على صلة وثيقة بالقرآن الكريم، فمن أين سيأتي لها إتقانها للفصحى؟ وعلى أي مستند يرتكز هؤلاء الكتاب في ما يفعلون؟. إذ إن الإنسان المسلم عموماً مهما كانت جنسيته، وإن أتقن تلاوة القرآن الكريم، سواء استوعب كل ما يقرأ أم استوعب جزءاً صغيراً منه، فهذا لا يعني بالضرورة إتقانه التحدث بالفصحى!.
وهذا الخطأ، من وجهة نظرنا، يتكرر في مسلسلات عدة تسنى لنا مشاهدة بعض منها بفترات زمنية متباعدة، وهي «ما ملكت أيمانكم، حلاوة الروح، بعض لوحات من بقعة ضوء، بلا غمد».
ولم يكتف كاتب «تنذكر وما تنعاد» في آخر لوحة عرضت، بعنوان «إلى داعش»، بذلك الخطأ غير المسوّغ، بل ربط بين إدمان مشاهدة الشخصية التي جسّدها «زهير عبد الكريم» لمسلسل (باب الحارة) وبين توجهه للالتحاق بـ«داعش»، وبهذا يحمّل الكاتب سلمان مسلسل (باب الحارة) أكثر مما يحتمل على الرغم من أنه عمل لا يحمل أي قيمة فكرية. كما غاب عن ذهن الكاتب أنه ربما كان أعضاء لجنة رقابة النصوص الدرامية هم ذاتهم الذين وافقوا على العملين، فمن يكون صاحب المسؤولية في توجه مُشَاهِدْ (باب الحارة) إلى العمل الإرهابي إذاً؟.
وبالعودة إلى مسألة التحدث بالفصحى، وهي الأهم، فلو أن مسلسلاً ما حاول تقديم شخصيات تتلكأ باللغة، وشخصية أخرى تسخر منهم بالسرّ أو بالعلن وتجازى على فعلتها، لكانت المسألة أكثر إقناعاً للمشاهدين، فكانت الشخصيات الإرهابية ستُرسم على أنها تتمثّل الدين واللغة بمظاهر خارجية فقط.
فإتقان اللغة العربية الفصحى يجب ألا يربط أبداً بالدين الإسلامي، لأننا هكذا نسيء للغة وللمؤمنين بالإسلام في آن معاً، إذ إن اللغة العربية أقدم من الدين الإسلامي، فهو الذي جاء بها لا هي. كما أنه لا يعني أن كل امرئ لا يتقن العربية الفصحى محادثةً؛ هو غير متدين، وبعيد عن الدين الإسلامي، وإلاّ أسقطنا من تعداد المؤمنين كل المسلمين غير العرب!.
فهذه قضية شائكة ولا يجوز الخلط فيها على هوى كتّاب الدراما التلفزيونية، لمجرد اندفاعهم العاطفي لإدانة هؤلاء الإرهابيين! فضلاً عن أننا لا نعرف إن كان أي كاتب منهم قد عرف شخصياً بعض أعضاء تلك المجموعات أو خالطهم سراً لأجل أن يكشف لنا فكرهم التدميري، أمّا اعتمادهم على ما تصدره تلك المجموعات من بيانات مكتوبة أو شفهية على لسان متزعم لهذه الحركة أو تلك، مصورة ومبثوثة عبر وسائط الميديا، فهذا متكأ غير كافٍ لأن كل البيانات أو الخطابات لأمثال هؤلاء، أو غيرهم في مواقع قيادية مختلفة (سياسية، اقتصادية، رياضية…) إن لم يكتبها شخص متقن للغة فهو يقوم بتدقيقها لتكون ميسرة واضحة وتصل كل الشرائح المقصودة بها والمعنية بالخطاب.