ما أن تحل ذكرى 25 أبريل وهو اليوم الذى استردت فيه مصر سيناء الحبيبة بعد انسحاب أخر جندى إسرائيلي وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد وكان الانسحاب عام 1982 واكتمل التحرير برفع علم مصر على طابا عام 1989م إلا وتذكرت أجواء لقائي معه وكم المعلومات التى قصها على وكواليس التفاوض مع العدو الإسرائيلى ولكن الأهم عندى فى ذاك اللقاء كان خروجي بتكوين صورة كاملة الملامح عن شخصيته فى كل مراحل عمره ( طفل – ابن –زوج – أب – جد ) وما منحته له الحياة من دروس وتجارب .
ولا أنكر أننى فى طريقي إلى مكتبه راودتني أفكار كثيرة كان أولها كيف لى أن أقف وجهاً لوجه محاورة هذا العملاق الدبلوماسي الكبير الذى أطلق عليه بيجين ذات يوم أنه ( الفتى الشرير ) لشجاعته وقوة حجته واستماتته فى الدفاع عن حق أرضه المشروع ، ولكن ما أن دخلت مقر مكتبه الكائن فى ذاك المبنى الشاهق الارتفاع المقابل لمبنى مجلس الدولة والمطل على نيل مصر الخالد .. إلا وتبدل إحساسي بسعادة غامرة لبشاشته وابتسامته الودودة الهادئة والأهم من ذلك كله كان صدق الحوار الذى دار بيننا وكأنه من أب لابنته لا من عملاق الدبلوماسية المصرية وسيد الحوار على مائدة المفاوضات الدولية .
القدوة
كان لابد لى أن أسأله عن سر شجاعته وقوة منطقه فى المفاوضات مما جعل مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل يصفه بالفتى الشرير فى مباحثات الإسماعيلية عام 1977م .. فسألته من هو القدوة الذى شكل هذا الفتى الشرير ؟
قلت له المرأة هى أساس الأسرة .. فما هى ملامح المرأة التى قامت بتربية عصمت عبد المجيد ؟
وأتذكر جيداً نظرة الحنين والتأثر الجميل لذكريات الماضى التى ظهرت على ملامحه وحبه الشديد لأمه التى وصفها بأنها واحدة من أعظم الأمهات , فرغم كونها ربة أسرة مثل كثير من الأمهات المصريات إلا أنها إمرأة رائعة فى العطاء , شديدة الحزم مع العطف الدائم ، تنتمى إلى أسرة ذات سمعة طيبة فى مدينة الأسكندرية وهى أسرة الناضورى ، وقامت بتربيتنا تربية أخلاقية وإسلامية محافظة ورغم أن أبى مات وهى فى ريعان شبابها ولكنها قامت بتربيتنا أنا وأخوتي ولم تتخلى عن دورها تجاهنا كأم وأب فى وقت واحد
سألته : ماذا كانت شروطك لاختيار رفيقة الحياة ؟
فأجاب : لم يكن لدى شرط بالمعنى المتعارف عليه ، فأنا تزوجت زواجاً أسرياً والطبيعي لدى أن أجد إمرأة شبيهة بأمي فى إيمانها وإخلاصها للزوج ، وقد وفقني الله سبحانه وتعالى بان تم الاختيار على زوجتي السيدة إجلال وهى أيضاًمن أسرة تتميز بالأخلاق والسمعة الطيبة وزواج الأسرة فى هذا الوقت كان شيئاً معتاداً وزوجتي خريجة كلية البنات جامعة الأسكندرية ، وأدين لها بالفضل الكثير لأنها تحملت معى حياة السفر والتنقل كدبلوماسي ظل فى الولايات المتحدة لمدة إحدى عشر عاماً كسفير لمصر لدى الأمم المتحدة، وهى مدة طويلة لأي دبلوماسي ، ومع ذلك كانت لى فى غربتي نعم العون والسند .
قلت له : أراك تتحدث عن الزواج بمفهوم الارتباط الأسرى الوثيق .. ألا ترى معى أن الزواج اليوم لم يعد يتميز بهذه الصلة القوية بين الأسرتين مما يؤدى إلى زيادة معدلات الطلاق ؟
أجابني : لدى ثلاثة أبناء رجال هم دكتور مهندس/ فهمى عبد المجيد ، والمهندس هشام ، والمحاسب شريف ، كنت حريصاً عند زواجهم أن أؤكد لهم على شيء مهم وهو أن الأخلاق ثم الأخلاق هى الأساس .
كنت حريصة فى حواري معه ان أتعرف على وجهة نظره فى المرأة بشكل خاص .. وجاء رده لقد علمنى التاريخ والظروف التى عشتها أن الحياة رجل وامرأة لذلك احترم المرأة جداً وأقدرها فهى أمى وزوجتي وكنت أتمنى ان يكون عندى بنت ولكن الله عوضني عن هذا الإحساس فى أحفادي البنات .
وأسأل نفسى الآن .. يوم أن جلست محاورة د /عصمت عبد المجيد عميد الدبلوماسية المصرية ،الرجل الذى شغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية , ونائب رئيس الوزراء ووزير خارجية مصر عام 1985 م وسفيراً ومندوباً دائماً بجمهورية مصر العربية لدى الأمم المتحدة بنيويورك (1972- 1983م ) وكان يؤكد لى قدرة المفاوض المصرى فى استرداد طابا بفضل حجة التاريخ والجغرافيا وقدرة رجال القانون فى إدارة المعركة بثبات وعزيمة وتصميم .. وتمر السنون منذ لحظة لقائي به فى مكتبه عام 2008 حتى يأتى اليوم الأسود صباح السبت 17 ديسمبر 2011م ليؤكد لى هذا اليوم أن الامة التى يحرق فيها الكتاب متمثلاً فى حرق مقر المجمع العلمى المصرى بشارع القصر العينى ، والقضاء على 70% من محتوى مكتبته العريقة فهى بلاشك أمة مستهدفة من عدو لا ينسى عدو تمت هزيمته عسكرياً فى حرب الفخار اكتوبر 73ودبلوماسياً فى مفاوضات طابا .. لذلك لا أستبعد أن يكون حرق المجمع العلمى المصرى فعلاً مدبراً وليس فعلاً عشوائياً، كما أن اعتقادي الراسخ أن ما يحدث على أرض سيناء اليوم إنما هو تدابير شيطانية ومؤامرة دولية لنفس العدو الدائم طمعاً فيها نظراً لأهميتها {الدينية والتاريخية والسياسية والعسكرية } لذلك يتصدى الجيش المصرى العظيم بكل حسم وحزم لتلك المؤامرة من خلال العملية سيناء 2018 وهى الحملة العسكرية المصرية الشاملة لتحرير سيناء بالكامل من سيطرة داعش والتى بدأت فى 9 فبراير 2018 م فى شمال ووسط سيناء ومناطق آخرى من دلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية .
ويقيني الذى لا يقبل الشك أن البلد التى رفضت التفريط فى 1020 مترا مربعا من أرضها وهى مساحة طابا , وقامت بكل جهد ممكن لاستردادها (عن طريق التحكيم الدولى ) من عدو اعتاد تزوير الحقائق واغتصاب الأرض العربية على مدى تاريخه الأسود , هى نفس البلد القادرة بحول الله وقوته وبفضل جنودها البواسل على القضاء على الإرهاب الأسود ومؤامرات الخبثاء فى أعز وأطهر الأماكن على قلب كل مصرى .
وكما قال لى د/ عصمت عبد المجيد فى ختام حواري معه { مبدأي فى الحياة لا يصح إلا الصحيح } لذلك يقيني أنه سيأتي اليوم الذى سنرى فيه سيناء خالية تماماً من الإرهاب الأسود ، وستظل جزءاً أصيلاً من الوطن الأم مصر مهما دبر الأعداء لتغيير ملامحها فأرض الفيروز التى أرتوت بدماء شهداء الوطن فى ملحمة العبور 73 ستبقى مصرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها لأنه ( لا يصح إلا الصحيح )كما قال لى الفتى الشرير الذى وجدته من أرقى وأنبل الرجال.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.