لا أراني

11:32 صباحًا الجمعة 19 أكتوبر 2018
احمد الشهاوي

احمد الشهاوي

شاعر من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

A300C26C-C309-4E4E-83DD-DCD0F43A37E7ما أن بدأتُ  قراءة قصيدتي ” لا تَصْطَدْ سَمَكًا جَائِعًا ” من كتابي الشعري ” لا أراني ” في أمسية شعرية لي بدبي   (أكتوبر 2017 ميلادية ) ، أقول في مطلعها : 

” لا الإلهُ ينْجُو

ولا أنتَ ” .

حتى طلب مني أحد الحضور ، وهو أستاذٌ مصري أزهري متخصص في الشريعة يعمل في إحدى جامعات الإمارات ، أن أفسِّر له ما قلتُ ، على الرغم من أنني لستُ في محاضرة أو محاورة أو اعترافات ؛ كي يكون هناك نقاش مفتوح بين الحضور ، وأن للأمسيات الشعرية تقاليدها الراسخة والمعروفة لمن أنصت  إلى الشِّعر من قبل ، وعلى الرغم – أيضًا – من أن الشِّعر يُدْرك ولا يُترك للشَّرح على طريقة الحصص المدرسية ، ويُحسُّ ولا يُدْرس ، لأن النصوص – عادةً – يكون تأويلها على عدد أنفاس الخلائق ، واعتبر – في سهولة ويسر وهو جالسٌ في مقعده – ما قلته شِرْكًا ، وهو الحُكم المجاني المتعجِّل ( أو الفتوى )  الذي يستسهله كثيرٌ من الشيوخ على اختلاف مستوياتهم التعليمية والمعرفية .

 ودهشتي كانت كبيرة لسببين : الأول أن شيخًا أزهريًّا من مصر لا يستطيع التفريق بين الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد ، وبين الإله المتعدِّد ، فالله الواحد متجلٍّ في  الثقافة الدينية لدي أهل الإسلام ، والإله المتعدِّد مُتجلٍّ في الثقافة التاريخية لدي شعب أو أمَّة كمصر أو العراق أو اليونان أو الهند على سبيل المثال لا الحصر ، وهي شعوب وبلدان لها إسهام حضاري ملموس ومعروف ومُدوَّن أثَّر في نسيج الحضارة الإنسانية ، ولا يمكن لشيخٍ أو غيره أن يلغي كلمة الإله أو الآلهة من الثقافة التاريخية المصرية ، ولو كان لديه بعض الاطلاع ؛ لأدرك أن هناك مئات الكتب المصرية التي صدرت  خلال السبعين عامًا الماضية  من  تاريخ حركة النشر والترجمة في مصر تحمل في عناوينها كلمة الإله ، أو كلمة الآلهة .

والسبب الآخر ، سرعة توجيه الاتهام بأنَّني مُشْرِكٌ ، دون أن يهتزَّ له جفنٌ ، أو يدُقَّ له قلب ، وهي أمور أعرفها وتعوَّدتها من كثيرٍ من الأزاهرة الذين يُكفِّرون الآخرين دون تروٍّ أو استقراء أو تدبُّر  أو مُساءلة نفسية أو علمية ، كأنه لا يعرف أن الشِّرك بالله  من أكبر الكبائر ( أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ ؟ ثَلاثًا . قَالُوا : بَلى يَا رَسُول اللهِ . قَال: الإشْرَاكُ بِاللهِ ،…  ) وهو حديث نبوي رواه البخاري ومسلم .

 والشيخ  لم ألتق به ، ولا يعرفني ، ولا أظن أنني سألقاه  مرة  أخرى  ، ولم  يقرأ لي ربما حرفًا من قبل ( الأزاهرة قليلو الاطلاع على كتب الأدب بشكلٍ عام ) ؛ كي يسِمَني بالشِّرك ، لكنَّها المجانية التي تربَّى عليها ، ولم ينهره أحدٌ من قبل عندما كان في بدء مسيره ، وهذا  يذكِّرني  بأستاذٍ  له ، وهو  محمد  رأفت  عثمان ( 1935 – 2016 ميلادية ) ، أستاذ الفقه المقارن والعميد الأسبق لكليتي الشريعة والقانون بالقاهرة وطنطا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية  ، وكان قد كلفه الدكتور محمد سيد طنطاوي ( 28  من  أكتوبر  1928  / 10  من  مارس 2010 ميلادية )  شيخ الأزهر السابق بقراءة كتابي ” الوصايا في عشق النساء – الكتاب الأول ) سنة 2003 ميلادية ، وإبداء الرأي فيه ، وعرضه على أعضاء مجمَع البحوث الإسلامية ، وهي المحنة المعروفة والمنتهية بتكفيري كُفرًا صريحًا ، مع أن من يقرأ سيرة رأفت عثمان يدرك أنه كان مخاصمًا قراءة كتب الأدب طوال مسيرته العلمية ، وغير مُؤهل للحُكم على شاعرٍ أو كاتبٍ ( وتلك حال وحقيقة أغلب أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ) ، وكتبَ تقريرًا موسَّعًا ، أجتزئ منه هذا المقطع الدال على عدم أهليته ، وتكفير الناس جُزافًا ، كأنَّ التكفير لديه مُعادلٌ لشربة ماء من فرط سهولته  وتكراره : ( في الكتاب تمجيد للذة الجسدية بين المعشوقة وعاشقها ، مع الاستشهاد بعباراتٍ من القرآن الكريم  “…”  , وإساءات الكتاب كثيرة فهو يسوق آيات القرآن الكريم في غير موضعها ، ويستشهد بها في عبارات الفجُور والفسق والعري, واستعمال أوصاف الله تعالى في وصف المعشوقة مما يشكِّل كُفرًا صريحًا, ومن الإساءات في الكتاب أيضًا : الاستشهاد بكلام أهل التصوف ونقل معناه إلى ما يدعو إليه من عشق الذكر للأنثى والفتاة في اللذة الجسدية, والكتاب دعوة واضحة للفسق والتجرُّد من الحياء ، والاستغراق في لذات الليل والصرخة في اللقاء, كل ذلك يدعو المنصفين الذين يخافون على مستقبل هذه الامة في شبابها إلى منع نشر هذا الكتاب وتداوله ) .

 لم أعاتب رأفت عثمان يومًا ، وأدعو له بالرحمة ، هو وشيخ الأزهر السابق ، وكل الأعضاء الذين وقَّعوا بالتكفير ، دونما أن يعرفوني أو يقرأوا كتابي ، ويومها أطلقت جملتي التي ذاعت وقتذاك وانتشرت ( التكفير بالتمرير ) ،  بمعنى  أن يكفرني  عضوٌ واحدٌ وبقية الأعضاء يوقِّعون بعده  ومعهم شيخ الأزهر بالطبع ) ، ومضيتُ في سبيلي أكتب وأنشر ما أومن به ، غير آبهٍ أو مهتم بفتاوى وأحكام ، هي بعيدةٌ كل البعد عن الدين والإنسانية ، وقد مضت سنوات على تلك الفتوى التي ستتكرَّر ثانيةً في سنة 2006 ميلادية حينما أصدرت الكتاب الثاني من ” الوصايا في عشق النساء ” ، ولم يتغيَّر الأزاهرة المُكفِّرون الذين يرون أنفسهم نُوابًا الله ، والمُمثلين له في الأرض ، باعتبارهم ظلاله ، وحاملين أختام الجنَّة ، يرضون ويسخطون عمَّن يشاءون .

2-

ولهذا الأستاذ الأزهري أقول له ، لعله يقرأ ويتعمَّق ، ويعرف درسه جيدًا ، قبل أن يتهم أحدًا بعدي بالشِّرك بالله ، إن الله ليس هو الإله ، كما يتصوَّر البعض ، وعندما أستخدم مفردة الإله في شِعْري أو كتابتي بشكلٍ عام ،  فأنا هنا  أستند إلى كوني  مصريًّا ينتمي إلى بلدٍ حضاريٍّ  عظيم وقديم اسمه  مصر عرف  تعدُّد الآلهة ، أما الله  سبحانه واحد  لا شريك له ، و لا ينبغي  الخلط بين المفردتين أو التعبيرين  في أدبياتنا  حين نقول  أو نكتب . 

ففي   القاموس    الإله (  والجمع  آلِهَةٌ  والآلِهَةُ الأَصنام  ) اسم مفعول ، وهو كلّ ما اتُّخذ معبُودًا بحقّ أو بغير حقّ ، ويستعمل لغير الله عند بعض الأقوام في الأساطير والديانات القديمة ، وهو  ” كل ما اتُخِذَ من دونه معبُودًا ” من دون الله هو إله عند من اتخذه ،  وليس هو الرب الخالق ، فالله هو اسم علم للذات المقدسة ، لا يُثنَّي ولا يُجمع ولا يُضاف (  قد جاءت مفردة  إله في القرآن بصوره المختلفة مفردًا وتثنيةً وجمعًا ، مُضافًا وغير مضافٍ 147 مرة، كما أن مفردة  الله وردت في القرآن  980 مرة ) ، والإله كما يقول الرازي هو المعبُود ، سواء عُبد بحقٍّ أو بباطلٍ ، وتقول العرب : فلان يتألَّه : أي يتعبَّد ، وكانت العربُ في جاهليتها يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان آلهة .

وإله الخصب هو تمُّوز عند البابليّين ، وإله الشِّعر والموسيقى هو أبولّو عند قدماء اليونان ، وإلهة الخصب والأمومة هي إيزيس عند قدماء المصريّين .

والحق الإلهيّ : أصل استند إليه بعض ملوك أُوربا في القرون الوسطى ، يقرِّر أن سلطة الملك على شعبه تفويض إلهي .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات