ما أن بدأتُ قراءة قصيدتي ” لا تَصْطَدْ سَمَكًا جَائِعًا ” من كتابي الشعري ” لا أراني ” في أمسية شعرية لي بدبي (أكتوبر 2017 ميلادية ) ، أقول في مطلعها :
” لا الإلهُ ينْجُو
ولا أنتَ ” .
حتى طلب مني أحد الحضور ، وهو أستاذٌ مصري أزهري متخصص في الشريعة يعمل في إحدى جامعات الإمارات ، أن أفسِّر له ما قلتُ ، على الرغم من أنني لستُ في محاضرة أو محاورة أو اعترافات ؛ كي يكون هناك نقاش مفتوح بين الحضور ، وأن للأمسيات الشعرية تقاليدها الراسخة والمعروفة لمن أنصت إلى الشِّعر من قبل ، وعلى الرغم – أيضًا – من أن الشِّعر يُدْرك ولا يُترك للشَّرح على طريقة الحصص المدرسية ، ويُحسُّ ولا يُدْرس ، لأن النصوص – عادةً – يكون تأويلها على عدد أنفاس الخلائق ، واعتبر – في سهولة ويسر وهو جالسٌ في مقعده – ما قلته شِرْكًا ، وهو الحُكم المجاني المتعجِّل ( أو الفتوى ) الذي يستسهله كثيرٌ من الشيوخ على اختلاف مستوياتهم التعليمية والمعرفية .
ودهشتي كانت كبيرة لسببين : الأول أن شيخًا أزهريًّا من مصر لا يستطيع التفريق بين الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد ، وبين الإله المتعدِّد ، فالله الواحد متجلٍّ في الثقافة الدينية لدي أهل الإسلام ، والإله المتعدِّد مُتجلٍّ في الثقافة التاريخية لدي شعب أو أمَّة كمصر أو العراق أو اليونان أو الهند على سبيل المثال لا الحصر ، وهي شعوب وبلدان لها إسهام حضاري ملموس ومعروف ومُدوَّن أثَّر في نسيج الحضارة الإنسانية ، ولا يمكن لشيخٍ أو غيره أن يلغي كلمة الإله أو الآلهة من الثقافة التاريخية المصرية ، ولو كان لديه بعض الاطلاع ؛ لأدرك أن هناك مئات الكتب المصرية التي صدرت خلال السبعين عامًا الماضية من تاريخ حركة النشر والترجمة في مصر تحمل في عناوينها كلمة الإله ، أو كلمة الآلهة .
والسبب الآخر ، سرعة توجيه الاتهام بأنَّني مُشْرِكٌ ، دون أن يهتزَّ له جفنٌ ، أو يدُقَّ له قلب ، وهي أمور أعرفها وتعوَّدتها من كثيرٍ من الأزاهرة الذين يُكفِّرون الآخرين دون تروٍّ أو استقراء أو تدبُّر أو مُساءلة نفسية أو علمية ، كأنه لا يعرف أن الشِّرك بالله من أكبر الكبائر ( أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ ؟ ثَلاثًا . قَالُوا : بَلى يَا رَسُول اللهِ . قَال: الإشْرَاكُ بِاللهِ ،… ) وهو حديث نبوي رواه البخاري ومسلم .
والشيخ لم ألتق به ، ولا يعرفني ، ولا أظن أنني سألقاه مرة أخرى ، ولم يقرأ لي ربما حرفًا من قبل ( الأزاهرة قليلو الاطلاع على كتب الأدب بشكلٍ عام ) ؛ كي يسِمَني بالشِّرك ، لكنَّها المجانية التي تربَّى عليها ، ولم ينهره أحدٌ من قبل عندما كان في بدء مسيره ، وهذا يذكِّرني بأستاذٍ له ، وهو محمد رأفت عثمان ( 1935 – 2016 ميلادية ) ، أستاذ الفقه المقارن والعميد الأسبق لكليتي الشريعة والقانون بالقاهرة وطنطا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية ، وكان قد كلفه الدكتور محمد سيد طنطاوي ( 28 من أكتوبر 1928 / 10 من مارس 2010 ميلادية ) شيخ الأزهر السابق بقراءة كتابي ” الوصايا في عشق النساء – الكتاب الأول ) سنة 2003 ميلادية ، وإبداء الرأي فيه ، وعرضه على أعضاء مجمَع البحوث الإسلامية ، وهي المحنة المعروفة والمنتهية بتكفيري كُفرًا صريحًا ، مع أن من يقرأ سيرة رأفت عثمان يدرك أنه كان مخاصمًا قراءة كتب الأدب طوال مسيرته العلمية ، وغير مُؤهل للحُكم على شاعرٍ أو كاتبٍ ( وتلك حال وحقيقة أغلب أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ) ، وكتبَ تقريرًا موسَّعًا ، أجتزئ منه هذا المقطع الدال على عدم أهليته ، وتكفير الناس جُزافًا ، كأنَّ التكفير لديه مُعادلٌ لشربة ماء من فرط سهولته وتكراره : ( في الكتاب تمجيد للذة الجسدية بين المعشوقة وعاشقها ، مع الاستشهاد بعباراتٍ من القرآن الكريم “…” , وإساءات الكتاب كثيرة فهو يسوق آيات القرآن الكريم في غير موضعها ، ويستشهد بها في عبارات الفجُور والفسق والعري, واستعمال أوصاف الله تعالى في وصف المعشوقة مما يشكِّل كُفرًا صريحًا, ومن الإساءات في الكتاب أيضًا : الاستشهاد بكلام أهل التصوف ونقل معناه إلى ما يدعو إليه من عشق الذكر للأنثى والفتاة في اللذة الجسدية, والكتاب دعوة واضحة للفسق والتجرُّد من الحياء ، والاستغراق في لذات الليل والصرخة في اللقاء, كل ذلك يدعو المنصفين الذين يخافون على مستقبل هذه الامة في شبابها إلى منع نشر هذا الكتاب وتداوله ) .
لم أعاتب رأفت عثمان يومًا ، وأدعو له بالرحمة ، هو وشيخ الأزهر السابق ، وكل الأعضاء الذين وقَّعوا بالتكفير ، دونما أن يعرفوني أو يقرأوا كتابي ، ويومها أطلقت جملتي التي ذاعت وقتذاك وانتشرت ( التكفير بالتمرير ) ، بمعنى أن يكفرني عضوٌ واحدٌ وبقية الأعضاء يوقِّعون بعده ومعهم شيخ الأزهر بالطبع ) ، ومضيتُ في سبيلي أكتب وأنشر ما أومن به ، غير آبهٍ أو مهتم بفتاوى وأحكام ، هي بعيدةٌ كل البعد عن الدين والإنسانية ، وقد مضت سنوات على تلك الفتوى التي ستتكرَّر ثانيةً في سنة 2006 ميلادية حينما أصدرت الكتاب الثاني من ” الوصايا في عشق النساء ” ، ولم يتغيَّر الأزاهرة المُكفِّرون الذين يرون أنفسهم نُوابًا الله ، والمُمثلين له في الأرض ، باعتبارهم ظلاله ، وحاملين أختام الجنَّة ، يرضون ويسخطون عمَّن يشاءون .
2-
ولهذا الأستاذ الأزهري أقول له ، لعله يقرأ ويتعمَّق ، ويعرف درسه جيدًا ، قبل أن يتهم أحدًا بعدي بالشِّرك بالله ، إن الله ليس هو الإله ، كما يتصوَّر البعض ، وعندما أستخدم مفردة الإله في شِعْري أو كتابتي بشكلٍ عام ، فأنا هنا أستند إلى كوني مصريًّا ينتمي إلى بلدٍ حضاريٍّ عظيم وقديم اسمه مصر عرف تعدُّد الآلهة ، أما الله سبحانه واحد لا شريك له ، و لا ينبغي الخلط بين المفردتين أو التعبيرين في أدبياتنا حين نقول أو نكتب .
ففي القاموس الإله ( والجمع آلِهَةٌ والآلِهَةُ الأَصنام ) اسم مفعول ، وهو كلّ ما اتُّخذ معبُودًا بحقّ أو بغير حقّ ، ويستعمل لغير الله عند بعض الأقوام في الأساطير والديانات القديمة ، وهو ” كل ما اتُخِذَ من دونه معبُودًا ” من دون الله هو إله عند من اتخذه ، وليس هو الرب الخالق ، فالله هو اسم علم للذات المقدسة ، لا يُثنَّي ولا يُجمع ولا يُضاف ( قد جاءت مفردة إله في القرآن بصوره المختلفة مفردًا وتثنيةً وجمعًا ، مُضافًا وغير مضافٍ 147 مرة، كما أن مفردة الله وردت في القرآن 980 مرة ) ، والإله كما يقول الرازي هو المعبُود ، سواء عُبد بحقٍّ أو بباطلٍ ، وتقول العرب : فلان يتألَّه : أي يتعبَّد ، وكانت العربُ في جاهليتها يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان آلهة .
وإله الخصب هو تمُّوز عند البابليّين ، وإله الشِّعر والموسيقى هو أبولّو عند قدماء اليونان ، وإلهة الخصب والأمومة هي إيزيس عند قدماء المصريّين .
والحق الإلهيّ : أصل استند إليه بعض ملوك أُوربا في القرون الوسطى ، يقرِّر أن سلطة الملك على شعبه تفويض إلهي .
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.