عولمة قيم التسامح والتعايش والسلام في الإبداع الروائي

12:34 مساءً الجمعة 28 ديسمبر 2018
د. عبد الرحيم العلام

د. عبد الرحيم العلام

رئيس اتحاد كتاب المغرب، مستشار شئون المغرب العربي في آسيا إن

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لقد كانت الثقافة عموما، والآداب والفنون بشكل خاص، سباقة إلى إشاعة وتعزيز منظومة قيم إنسانية واجتماعية وثقافية جديدة وفاضلة في العالم، وإلى بث ونشر وإشاعة ثقافة التعايش والحوار والتسامح والسلام، والتصدي لمختلف الظواهر السلبية السائدة في العالم، من قبيل الكراهية والتطرف والغلو، وذلك في إطار الوعي الكوني الجديد الذي أفرزته حركية العولمة.

وتعتبر قيم التسامح والتعايش والسلام من بين القيم الإنسانية الكونية الكبرى التي تخيم بثقلها على عالم اليوم، باعتبارها قيما عليا مشتركة بين جميع الشعوب، وذلك موازاة مع حدوث صحوة تسامحية عالمية، أمام تصاعد الهجمات الإرهابية والصراعات العرقية والطائفية والدينية، وتنامي خطابات الكراهية العنصرية والدينية والتطرف والإقصاء والعنف والإسلاموفوبيا في العالم، حيث تتعالى تلك القيم على المفهومات السلبية للعولمة، الهادفة إلى تدمير الثقافات والهويات الوطنية، وتهميش اللغات القومية، وإلغاء الخصوصيات والموروثات والتعددية الثقافية والفكرية، وتسييج الإبداع الأدبي والفني للشعوب، وغيرها.

من هنا، أصبح من ضرورات العيش والاستقرار في عالم اليوم، مواصلة ترسيخ هذه القيم وتعزيزها بين الشعوب والمجتمعات في عالم متعولم، وخصوصا أمام تنامي النزاعات وتكاثر الصراعات في الحقبة الراهنة من العولمة، إذ أصبح مطلوبا اليوم بدل مزيد من الجهود في سبيل عولمة مزيد من القيم الإنسانية، بما يساهم في تقليص الهوة والتناقضات القائمة في خطابات العولمة، وذلك بين خطاب إيجابي يدعو إلى الحوار والاتفاق والسلام، وخطاب سلبي يذكي الصراعات ويقوي الانفصال والتباعد، وأيضا بما يساهم في التقليص من الآثار السلبية لنزعات العولمة، انطلاقا مما تفرضه العولمة من علاقات التبعية السياسية الاقتصادية، ما نجم عنه غياب التكافؤ بين دول العالم.

هكذا، إذا، تصبح تلك القيم بمثابة خطابًات ومعاني ضروريًة في عالم اليوم، في سعيها إلى بث روح ودماء جديدة في عولمة بديلة لها أفق إنساني كوني، بما يحسن من صورتها السلبية الموازية …

وتتعدد صور ثقافة التسامح والتعايش والسلام وتتنوع في العالم، وذلك بحسب طبيعة العلاقة والحوار والتواصل والصراع القائمة بين الثقافات والشعوب وأفراد الإنسانية جمعاء، في إطار التعبير عن إمكانيات الانصهار المشترك والاحترام المتبادل والحوار الخلاق بين الثقافات المختلفة، بعيدا عن الهيمنة الثقافية للأقوى، أو لثقافة الأغلبية، واحتراما أيضا للخصوصيات الثقافية المحلية.

الدكتور محمد برادة

الدكتور محمد برادة

وعندما نتحدث عن الإبداع الأدبي المعاصر، فإننا لا نملك إلا أن نمثل له بالرواية، في كونها الجنس الأدبي الذي يؤطر الزمن الإبداعي اليوم، في قدرتها الفائقة على التقاط تفاصيل هذا العصر الذي نعيش فيه وتناقضاته، في مجابهتها لتلك الرواية التي “تتوسل بالعولمة الربحية وتكنولوجيا التواصل والتسلية” (محمد برادة)، إذ لم تكن الرواية في يوم ما بمنأى عما يجري في عالمنا اليوم، وخصوصا على مستوى ملاحقتها للتغيرات السريعة والخطيرة التي يشهدها العالم، ولا سيما من حيث تنامي عديد الظواهر السلبية التي تمس، بشكل مباشر ومؤثر، بصورة العرب والمسلمين، إثر التهم المتواصلة التي التصقت بهم، جراء تنامي حالات العنف والتطرف والإرهاب والتعصب والانغلاق.

من هنا، فإن الرواية في تحولاتها الكونية وعبر إنجازاتها المتراكمة وفي سعيها المتواصل نحو كل ما يغني التجارب الإنسانية ويضيئها ويحررها مما يكبلها من عوائق وأزمات وتناقضات، إما بمواجهتها أو بنقدها أو برفضها أو بمقاومتها (جابر عصفور)، ما فتئت تساهم، من جهتها، في بلورة مفهوم جديد للرواية المتخطية للانغلاق على الذات، والمناهضة للقيم المتحجرة، والمقاومة لكل أشكال السيطرة والهيمنة الأحادية، في انتصارها لمختلف أشكال الحوار والسلام والحرية والتحرر في العالم، بما يجعل نظرة الآداب العالمية إلى العولمة تتجسد في كونها تشكل مصيرا مشتركا لدى الشعوب والمجتمعات …

لقد راهنت الرواية على تمثل قيم التعايش والتسامح والمحبة والحوار الحضاري والسلام وإشاعتها في نصوصها القديمة والحديثة، وأيضا على نقل حالات الكراهية والتسامح والتعصب والعنف والتزمت والتطرف القائمة بين الشعوب في عالم متعولم، حيث إن مجموعة من الروايات، العربية والعالمية، لم تستوح في محكياتها العامة مشاهد التعايش والسلام في أبعادها الإيجابية فقط، بقدر ما تناولت في نصوص أخرى، وأحيانا داخل النص الواحد، الموضوع نفسه، في أبعاده السلبية المعاكسة لطموحات الشخوص والشعوب ولمصائرها الحياتية والثقافية، كتلك الأبعاد المطبوعة بالتعصب والعنف والانقسامات الدينية والمذهبية والطائفية، ما يدل على أن حالات التعايش والسلام في بعض الروايات ليست دائما حالات مثالية، بل تبدو، في أحيان أخرى، حالات مضادة ومفارقة لتلك الأجواء الإيجابية الموسومة بالانفتاح والتعايش والحوار، من دون أن تتبناها الرواية طبعا باعتبارها خلفية أخلاقية أو إيديولوجية .

وبقدر ما تتعدد الروايات التي تفاعلت مع القيم المذكورة، بقدر ما تتنوع فيها مستويات تمثلها لهذه القيم، من قبيل رصد عديد الروايات لذلك التقابل الجدلي المتمثل أساسا في العلاقة بين الأنا والآخر، بما تخلقه هذه العلاقة من أجواء إيجابية، مرتبطة بضرورة تحقيق التعايش والتسامح والسلام والوئام والانبهار والاستغراب بين الأنا والآخر، بحسب ما تفرضه الظروف الحضارية والتاريخية والسياسية والمادية والاجتماعية والثقافية والتقاليد والأعراف، ومن أجواء أخرى سلبية، حيث تتصارع القيم، لتصبح العلاقة بين الأنا والآخر، معرضة للتوتر والكراهية والصراع والعداء …

ومع تزايد هذا النوع من الأسئلة في عالمنا اليوم، أضحى لبعض الروايات منحى آخر، بالنظر إلى محورية أحد الأسئلة فيها، ويكمن في التساؤل حول مدى إمكانية تحقيق التعايش بين الشعوب، كما في روايات الروائي الجزائري عمارة لخوص، المكتوبة بالإيطالية وبالعربية، من منطلق سؤال مواز مهيمن، يلخصه لخوص في كيفية العيش في إطار هوية مفتوحة، رغم الاختلافات الدينية واللغوية والثقافية، بمثل ما جعل الروائية الفرنسية ماري كريستين سارغوس، في روايتها “يوم مشمس تتخلله رياح عاتية” (2012)، تتمثل لحظات التعايش وحالات الاستقرار بين الأوربيين والمسلمين، بعد انتقال المسلمين من مكان) الجنوب) إلى مكان آخر (الشمال)، ما جعلها أيضا وعلى مدى مسارها المهني تنتصر لثقافة الحوار والتعايش.

 الروائي الكوردي السوري جان دوست

الروائي الكوردي السوري جان دوست

وبعيدا عن النصوص الروائية الشهيرة، نجد أن الرواية الكردية بدورها، قد تفاعلت مع الموضوع، بشكل بؤري ومركزي فيها… فهذا الروائي الكوردي السوري جان دوست، في روايته “عشيق المترجم” (2014)، يدعو، من منظور اجتماعي، إلى التسامح والتعايش والسلام بين عديد الديانات والمذاهب والطوائف، تحت راية الدين الإسلامي، في انحياز الرواية للإنسان بشكل عام، وإلى ما يكابده تاريخيا من أفول حضارة وبزوغ أخرى، وما يواجهه اليوم من قيم مفارقة لقيم الأمس، ما ولد اليوم صداما ممتدا، بين الأديان والأجناس واللغات…

أما الروائي السوداني عبد العزيز بن بركة، في روايته “الرجل الخراب”،ف يلامس قضية التعايش بين ثقافتين مختلفتين، من خلال شخصية سودانية مصرية مفارقة، حيث يعيش حسن درويش بفيينا بوجهين متناقضين، وجه للتسامح والاندماج ووجه للعنف والكراهية، لتنتهي الرواية على خلفية موت درويش، بعد أن لم يستطع تجاوز الماضي والاندماج في المجتمع الجديد الذي انتمى إليه.

الروائي السوداني عبد العزيز بن بركة

الروائي السوداني عبد العزيز بن بركة

في حين ترصد الروائية المصرية فاطمة العريض في روايتها الممتعة “سفر الترحال” (2013)، فكرة التعايش بين الأديان، من خلال فكرة الترحال وحالات السفر المكرورة، وبدوافع مختلفة، في مقابل تأكيد الرواية على فكرة البقاء والاستقرار، مجسدين في اختيار بعض اليهود البقاء في مصر، والدفاع عن حقهم في ذلك، في معارضتهم لتأسيس دولة إسرائيل على أساس ديني، حيث تتناول الرواية فكرة التعايش بين الأديان الثلاثة، في إطار من التصالح والتسامح والتمازج والمشاعر الإنسانية بين مختلف الطوائف وبين المسلمين واليهود.

وفي هذا الإطار نفسه، تندرج رواية “مزدوج” للروائي المصري شريف عادل، في تناولها لقضية التعايش، انطلاقا من زوايا أخرى، حددتها الرواية في سؤال مركزي، يتعلق بمدى قدرة المسلمين والأقباط على التعايش وعلى تقبل الآخر، مسلما كان أو مسيحيا، وتقبل الاختلاف معه، بعيدا عن فكرة الاكتمال لهذا العرق أو ذاك، والرواية بذلك إنما تنادي، من خلال إحدى شخصياتها، لتعلم التعايش، أمام سيادة فكرة عدم قبوله وأمام فكرة الرفض التي تخيم على بعض العقليات، وأمام حالات الصراع الطائفي، وأيضا أمام رفض المجتمع لحالات الاختلاف.

وبالموازاة، نجد أن الروائي المصري يوسف القعيد، قد تفاعل بدوره مع مسألة التعايش الديني، من خلال تناوله لقضية التطرف الديني والفتنة الطائفية، في روايته “قسمة الغرماء” (2004) باعتبارها نصا يتمثل مفاهيم التعايش وقد اتخذ منحى آخر في مصر، إثر بروز ظاهرة التطرف الديني والفتنة الطائفية، نتيجة لما يولده ذلك من علاقات ملتبسة بين المسلمين والمسيحيين الأقباط، ما يجعل تجربة التعايش معطلة، ومعرضة لمزيد من التقهقر، أمام سيادة نزعة تشكيكية في المجتمع المصري، سواء في الحرية الدينية أو في دور الأقباط المتهمين بالتعصب وبالعمالة.

وفي مستوى آخر، تنحو رواية “جرافيت” للكاتب المصري هشام الخشن، منحى مغايرا، عبر تقصيها من خلال لعبة المتضادات لمسألة التعايش بين الأديان والطوائف والعرقيات التي كانت سائدة، في مرحلة تاريخية معينة من تاريخ المجتمع المصري، تمتد بين1928 و1951، وهي الفترة التي كانت تعرف سيادة التعايش، قبل أن تتحول جماعة الإخوان المسلمين، نحو تبني أسلوب العنف والعمل الإرهابي، ما دفع بالمجتمع إلى التحول نحو حالات الانغلاق والكره ورفض الآخر.

في حين جسدت الرواية الفلسطينية جانبا من هذا الأفق الروائي المستوحي لقيم التعايش والاندماج والصراع والعدوان والاتصال والانفصال ين الأنا ممثلا في فلسطين، والآخر ممثلا في إسرائيل، كما ساهمت الرواية الإسرائيلية في استيحاء جوانب من هذا الأفق، في مفارقاته وتقاطعاته؛ نشير، هنا على سبيل المثال، إلى رواية “ياسمين” (2005) للروائي الإسرائيلي إيلي عمير، في تمثلها لطبيعة تفكير المجتمع الإسرائيلي في قضية السلام والحرب مع المجتمع العربي، ممثلا في الفلسطينيين.

لقد تمكنت رواية “الرحلة الأخيرة” (1988) لهشام شرابي من رسم مجموعة من الصور لشخصيتي “الفلسطيني” و”اليهودي” فيها، بمستوى فكري ونقدي جريء، تبعا لتوالي الأزمنة وتعدد الأجيال والأوضاع وتباين المواقف والأدوار، تجاه الشعب الفلسطيني من ناحية، وتجاه إسرائيل من ناحية ثانية. فكما تقف الرواية عند إبراز الدور السلبي لبعض اليهود، باعتبارهم أبطالا سلبيين يقومون بتشجيع سياسة الاستيطان عن طريق الإفراغ الإكراهي للعرب من دورهم ووطنهم، تتوقف الرواية، في مقابل ذلك، عند الدور الإيجابي لبعض الأقليات اليهودية المساندة للثورة الفلسطينية.

فهل قيام الدولة الفلسطينية رهين بتحقيق التعايش بين الفلسطينين والإسرائليين، خارج تلك الفكرة القائلة بـــ “رمي اليهود في البحر”، والتي قامت رواية “الرحلة الأخيرة” بنفيها عن الفلسطينيين “من قال إننا نريد أن نرميهم في البحر؟ لا حاجة إلى فعل ذلك، نحن لا نريد ان نفعل ذلك(…) لقد تعايشنا مع اليهود قرونا عديدة، ونستطيع التعايش معهم في المستقبل، لكن ليس تحت حكم دولتهم العنصرية، بل في ظل مساواة كاملة…” (ص76).

غير أن الكيان الإسرائيلي، حسب الرواية، ما فتئ يعمل بطريقته الخاصة على تمثل تلك الفكرة وترسيخها ثقافيا وأخلاقيا، بل وتسخيرها سياسيا، كما يحاول استغلال البعد الإنساني فيها. يحدث هذا، في الوقت الذي ينظر فيه اليهودي إلى العربي من الجانب الديني تحديدا، وهو التفكير المهيمن في إسرائيل حتى على صعيد الشعور الذاتي، أي باعتباره قذارة، واقتلاعه مما يظنه وطنه، ورميه في الصحراء أمر يتوجب فعله لحماية الذات، ولا يشكل مشكلا أخلاقيا (ص .(148

أمين معلوف

أمين معلوف

كما تجسد الرواية التاريخية وتلك المستوحية للتاريخ، مجالا خصبا لاستلهام قيم التعايش والحوار والتسامح في الآداب عموما، في أبعادها التاريخية والحكائية القديمة والحديثة. وإذا كانت رواية “ليون الإفريقي” للروائي اللبناني أمين معلوف، تجسد أحد هذه الأبعاد المنفتحة على عديد الآفاق والكينونات واللغات والإثنيات والهويات والمذاهب والديانات، فإن روايات أخرى قد استوحت هذه القيم بمنظورات مختلفة وأحيانا متقاطعة، كما هو الحال، على سبيل المثال، في رواية “كتاب الأمير” (2004)  للروائي الجزائري واسيني الأعرج.

تحكي هذه الرواية عن مراحل خاصة من سيرة الأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري في منفاه بفرنسا. ولتمرير ذلك، تمثلت الرواية ” شخصية موازية للشخصية التاريخية المركزية، هي شخصية “مونسينيور أنطوان أدولف ديبوش”، أسقف الجزائر السابق، باعتبارها شخصية تجسد قيم التسامح الديني وتنتصر للحوار الحضاري بين ثقافتين. فمونسينيور ديبوش هو من دافع عن الجزائر وعن رجلها الكبير، وجعل حياته كلها رهن تبرئة الأمير عبد القادر وإطلاق سراحه من سجنه بقصر أمبواز، بما يكشف عنه محكي “نفي” الأمير عبد القادر من حوار حضاري، ومن أجواء من التسامح الديني بين الأمير والأسقف أنطوان ديبوش، بالنظر لما يولده ذلك لكل واحد منهما من اكتشاف لثقافة الآخر، في أبعادها وصورها المختلفة.

من ثم، تنفتح الرواية على “الآخر” في صوره المختلفة وفي أبعاده وقيمه الإنسانية والحضارية والدينية، في انخراط الرواية الجريء في المشهد الحضاري الأوربي، وفي عملها على إيصال ثقافة “الأنا” – في بعدها الديني خصوصا- وتفكيرها وهواجسها إلى “الآخر”، في فرنسا والجزائر (من خلال المستعمِر).

كما أنها رواية ترد الاعتبار، في العديد من رموزها ودلالاتها، لصورة العرب والإسلام، بعد أن اهتزت هذه الصورة، نتيجة تضافر ظروف داخلية وخارجية، ساهمت تاريخيا في اهتزازها.

يبدو أن فرص التسامح والتعايش والعدل والسلام والحوار بين الشعوب والأمم قد شغلت بلدان العالم بمثل ما شغلت الآداب العالمية هنا وهناك. والرواية، كغيرها من الأجناس الأدبية الأخرى، عودتنا دائما ألا تكون بمنأى عن القيم الكونية السامية السائدة، إذ ما فتئت تواصل سعيها الحثيث نحو بعث هذه القيم وإرسائها وتأصيلها وترسيخها عبر نصوصها وفي وعي قرائها ومتلقيها، من منطلق رسالتها الإبداعية الهادفة إلى إرساء المفاهيم والقيم الإنسانية المصيرية، في ظل تصاعد وتيرة الحروب والتطاحنات والاتهامات والمسلمات ونبذ الآخر وتفشي عديد الظواهر والنزعات السلبية والعصبيات المذهبية والقومية والفكرية، من خطابات تكفير وعنف وغلو وإرهاب، إثر ما يشهده العالم اليوم من تحولات سريعة ومن هيمنة آليات العولمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… من هنا، ظهور روايات جديدة تستشرف المستقبل والتحديات التي ستواجهها المجتمعات مستقبلا، في ظل ما تواجهه من إكراهات وعجز عن استشراف المستقبل، ما يجعل تبني مجتمعاتنا لمجموع القيم السابقة، خطوة أخرى نحو تحررها من الخوف ومما قد تواجهه من حالات جديدة لإرهاب مستقبلي ما فتئ يغير من أساليبه ومواقعه.

وانطلاقا من أن الرواية هي نص يتمثل العالم ويواكب تحولاته وتغيراته، فهنا يكمن دورها وأهميتها على مستوى تحقيق التوازن داخل حركية العولمة اليوم ومستقبلا، عبر اعادة الاعتبار إلى العقل، وعبر مساهمة الرواية في إعادة تشكيل وعي الشعوب والمجتمعات بمدى أهمية تلك القيم في مواجهة قيم أخرى مضادة، تفرضها تأثيرات العولمة السلبية في سعيها لإقصاء وتغييب عديد المظاهر والقيم والمعتقدات السامية المشتركة، موازاة مع سطوة تكنولوجيا الاتصالات والثورة الرقمية على عالمنا، وذلك بشكل يثير المزيد من علامات الاستفهام والتساؤلات، عما سيكون عليه مستقبل المجتمع الإنساني ومصير العلاقات الإنسانية غدا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات