حفيدي … رجل العصر القادم

01:08 مساءً السبت 31 أغسطس 2019
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

اعتدنا أن نقرأ من بين كتابات الأجيال التي سبقتنا تحية من الأدباء المخضرمين تحمل المحبة والعرفان بالجميل للأباء والامهات ، وأحياناالمدرسين والاجداد ، وقد ظل الكبار ينظرون بشكل قاصر الي الأجيال التالية وبالكثير من التعالي والشعور بفارق العمر الذي كان يعني دوما أن من يكبرك بيوم يعرف أكثر منك بسنة كاملة، الا أن التجربة علمتني منذ بداية التسعينيات في القرن الماضي ما يختلف تماما مع وجهة النظر التقليدية ، حينما كنت لا أتوقف عن مقابلة الأطفال صيفا وشتاء في المكتبات والمدارس عبر الأنشطة ، وابضا صارت التجربة أكثر نضجا وانا اتولي رئاسة تحرير سلسلة ” كتب الهلال للأولاد والبنات” التي حصلت علي جائزة الدولة التشجيعية أكثر من مرة في ثقافة الطفل ، كانت التجربة تؤكد أن الكثير من الأطفال لديهم الكثير من القدرات والمواهب ، مايتفوقون به علي جيلي، ولم يكن غريبا أن الكثير من الأطفال الذين صاحبوني في الرحلة صاروا أكثر شهرة ، ونشاطا من جيلنا ، ولم ينقص ايماني قط بهذا الأمر، لكن مع الوقت قل عدد الصغار الذين التقي بهم بسبب ظروف السن

يوسف … النجم الحفيد

يوسف … النجم الحفيد

واليوم عندما أكتب عن حفيدي ، فانني أكتب عن جيل جديد هو واحد ، ولن أستخدم يوما الاسلوب نفسه لكاتب سبعيني شاهدته يوما في أحد الملتقيات يعاير أطفال نادي السينما انهم لن يكونوا أبدا في درجة العبقرية نفسها لأحفاده، فكل كلمة أكتبها هنا ليست بها أي مغالاة بالمرة لما اشاهده الآن، فحفيدي الذي بلغ سن العاشرة هذا العام لم يكن ينبئ بالقدر نفسه من العبقرية في سنواته الأولي ربما لأنه سافر مع اسرته الي كندا ، وكنت اقابله لعدة اسابيع في العام ، و لكن وللحق فانني منذ اربع سنوات تقريبا ، وبكل نفس راضية وجدت نفسي أتحول الي تلميذ نجيب في عالم حفيدي وأنا أرقبه، فهو يتعامل مع أجهزة الاليكترونيات بمهارة شديد خاصة في ألعاب الفيديو، وقد اختبرت نفسي مرارا معه في الكثير من الألعاب فغلبني بسهولة ، وحاول ان يترك لي مساحة لكن قدراته كانت لاتسمح له بالهزيمة ، وعلي مدي الوقت كانت قدراته تزداد، ومن خلال المكالمات الهاتفية الاليكترونية ، كنت أتابعه في افلام التحريك التي يشاهدها ، انه الحب المشترك بيننا ، وكأننا نعيش في المدينة نفسها ، كان يحرص في القاهرة علي مشاهدة افلام التحريك لكل الأعمار في المحطات التلفزيونية المتخصصة ، كانن يتعامل بجدية مع الأمر وينهمك هو واخته التي تصغره بأربعة أعوام ، الي أن اقترح علي الاسبوع الماضي، ان نمارس لعبة جماعية جديدة حول قصص الأفلام ، بأن يطرح السائل مايريد حول فيلم ما ، وعلي الآخرين الاجابة

لم تكن اللعبة سهلة ، ولابسيطة ، خلاصة النتيجة أنه صاحب ذاكرة اليكترونية خارقة في تذكر تفاصيل كل فيلم  مهما كان التاريخ الذي شاهده فيه ،وابطاله بأسمائهم  سواء شخصيات الفيلم أو الممثلين’ ربما كلمات الأغنيات، وأمور لم تكن علي البال

2B8BD86A-B91B-4474-92C3-7F44ABC4BD69

باختصار وبكل صدق، ولأنني مشاهد جيد منذ سنوات لهذه الأفلام فان غروري الخاص صور لي أنني قادر علي الاجابة علي الاسئلة ، لكن الاسلوب البسيط لحفيدي يوسف  ذكرني بساليري، والموسيقار الطفل آماديوس موتسارت في الفيلم الأمريكي، انه الايقاع ، انا السبعيني الملئ بالتجربة والذاكرة الخصبة صرت عاجزا في ايجاد الأجوبة الصحيحة ، ليس في فيلم معين ، بل في كل ماشاهده، بنفس المستوي، مهما كانت قيمة الفيلم الفنية، والغريب انني وجدت أن أخته – حفيدتي- تمتلك القدرة نفسها، وقد اخترت الحديث عن هذا الأمر باعتباره ميداني المفضل ، نشاطي الدائم ، وربما مهنتي ،وتأكدت أن الآليات قد تغيرت ، انها مفاهيم توصلت اليها منذ سنوات ، ايام مهرجان القراءة للجميع، ففي طفولتنا كنا في اشد الحاجة الي الكبار كي يرووا لنا أحلي الحكايات، وفي ايام القراءة للجميع اكتشفنا أن شعار اقرأ لطفلك صار غير صالح الا مع أعمار بعينها ، والآن فانني مؤمن جدا بمنطق اقرأ لجدك ، أو جدتك ، أو شاهد لفيلم لجدك ، وتحاور معه، وربما انك يجب أن تلعب مع جدك مثل هذه الألعاب

نعم ، وبكل فخر تغلب حفيدي علي وهو يمارس ألعاب الفيديو المنتشرة حولنا ، دعك من العاب العنف و لكنها جميعا هي العاب ذكاء ومهارات تعكس استجابة اللاعب للفعل ورد الفعل، وسوف تكتشف يسهولة أنهم اسرع استجابة منك بمراحل، وانهم سوف يكسبونك، اما اذا لعبوا فيم بينهم فان النتائج سوف تختلف

اكتشفت أن حفيدي أيضا من الجيل القديم ، وهو يقرأ روايات تناسب سنه ، كما أنه عندما شاهد الفيلم الأكريكي ” جريز” بطولة جون ترافولتا ، واوليفيا نيوتن جون ، وهو من افلامنا المفضلة في السبعينيات ، فانه لم يكف عن سماع اغنيات الفيلم ، وشاركت اخته في ذلك، وهنا تم محو الفواصل بين أذواق الاجيال، أما انا فقد صار من الصعب علي أن اسمع بارتياح النمط الموسيقي الذي ينتمي اليه

بكل انانية ردد ابناء جيلنا عن عصرهم هوالزمن الجميل ، فهل هم يعيشون في زمنهم الجميل؟،

لاشك أن هذا الحفيد سيعيش قي زمن افضل ، صحيح أنه لن يكون في زمنه أم كلثوم ، أو عبد الوهاب وعبد الحليم ، لكن لاشك أن التقنيات ستجلب ماهو أجمل قالجهاز الذي صار في يد كل منهم يدخلهم في احتياراتهم الخاصة ، وها الجيل يتكلم ثلاث لغات بطلاقة ، ويستخدمها بقوة ورقيا والكترونيا بالاضافة الي لغة تقنيات ، المهم أن يرفع الكبار عنهم لغة الوصاية ، فهم يعرفون أكثر، يحترمون المعرفة ،ورغم أنني واثق تماما انني لن أكون في زمنهم ، لكنني أغبطهم علي الامكانات التي ستكون في حوزتهم

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات