حديث الساعة… وزير الإعلام

10:17 صباحًا الجمعة 29 نوفمبر 2019
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

galalكنت أتمنى دائما أن يسبق أى عملية تشريع أو تغييرات على الساحة الإعلامية والصحفية دراسة وتحليل للمشهد والواقع بحيث يأتى الإجراء بنتائج تحافظ على قوة مصر الناعمة ويزيد من فاعليتها ويدفعها للتطور ويحررها من العراقيل التشريعية والمادية ويضع خارطة طريق إستراتيجية للمنظومة.
قبل إعداد مواد الدستور الأخير وقبل صدور القوانين المنظمة واللوائح التنفيذيه له بح صوتى كى يتم تحديد عدد من المفاهيم الحاكمة لعلاقة الدولة بالمؤسسات الصحفية القومية وماسبيرو وكل ما يمكن أن نطلق عليه منظومة الإعلام القومى لانها بالتبعية ستحدد علاقة ودور وموقف الدولة من الإعلام والصحافة فى مصر بشكل عام.
طالبت بأن يتم تحديد مفهوم صحافة وإعلام الخدمة العامة ودوره القومى ومدى إستقلاليته وتبعية تكلفته المادية والكف عن تعريفها بأنها مؤسسات ذات طبيعة إقتصادية تخضع لقاعدة الربح والخسارة وأن يتم معاملتها على أنها مؤسسات للإعلام والتنوير والترفيه تخضع لقاعدة الإنفاق الرشيد المرتبط بتحقيق أهداف محددة ورقابة الجهاز المركزى للمحاسبات وأن يكون البرلمان المنتخب والحكومة ملزمين بتدبير العجز فى موازناتها بين الإيراد والمصروفات على غرار كل منظومات إعلام الخدمة العامة فى كل الدول المتقدمة؛ بل يصل الأمر فى تلك الدول إلى وجود مانع قانونى أمام بث أو نشر إعلانات تجارية يمكن أن تؤثر على حياد وإستقلال المنظومة وخضوعها لنفوذ سوق الإعلانات ورجال الأعمال وجماعات الضغط والمصالح الخاصة.
وجاء الدستور لينص على وجود 3 مجالس وهيئات مستقلة تمثل الشعب المالك الأصلى لتلك المؤسسات فى إدارتها وتطويرها وضبط إيقاعها وترشيد سياساتها بما يتوافق مع دورها كمؤسسات تقدم خدمة عامة للشعب والدولة بكل مكوناتها: نظام الحكم والمؤسسات والبرلمان والمجتمع المدنى والقوى السياسية والأحزاب والنقابات والإتحادات وكل الفئات العمرية بحيث تعكس كل ألوان الطيف السياسى وتعمق مفاهيم المواطنة والولاء والإنتماء وحماية المصالح العليا للبلاد فى إطار مهنى وموضوعى يراعى القيم والمبادىء ويقود حركة تنوير ووعى حقيقية.

hhhh
لكن واقع الأمر والممارسة ظل كما كان عليه من قبل ولم يقم أى من المنوط بهم تغيير واقع تلك المؤسسات وترشيد دورها وسياساتها بدوره وزاد عليها وجود أزمات إقتصادية وقرارات إصلاح إقتصادى وتعويم للجنيه فزادت تكلفة الإنتاج وزادت معها الخسائر بعد أن تم تقريبا تجفيف كل منابع تمويل تلك المؤسسات ودخول شركات لا يعرف هويتها فى منافسة للحصول على كل الإمتيازات الإعلانية والتجارية وحقوق الرعاية والوكالات التى كانت تمثل المصدر الأكبر لتمويل تلك المؤسسات وحرمتها من وجود أى فائض للإستثمار والإصلاح والتطوير وراحت تلهث لتدبير الأجور ومستحقات العاملين مع غياب تام لمسألة تطوير المضمون وإستيعاب حدة وقسوة المنافسة وتبدل المود العام والموقف من مطبوعات ومنتجات تلك المؤسسات وجمودها المهنى وصاحبها حملات تشوية متكررة لها ومعايرتها بالخسائر وشيطنة المهنة والعاملين فيها.
واختلط المشهد وانتشرت عمليات الإستحواذ والكيانات الكبرى المملوكة للدولة بحيث أصبح يصعب على المراقب أن يحدد مفهوم الملكية وعن أى إعلام رسمى نتحدث فالكل يدار وتحدد سياساته التحريرية وميزانياته وكوادره وقياداته المنفذة من قبل جهة واحدة واصبح الخاص عاما والعام بلا هوية ولكنه يظل وفقا لقاعدة الملكية “عام”؛ وغاب الحوار بين أطراف المنظومة وغاب من يطالب بحقوق تم إنتزاعها من تلك المؤسسات التاريخية ومنافسة لم تكن مستعدة لها وإدارات لا تعرف حقيقة وحدود دورها ومسئولياتها؛ وأعتبر البعض ان مجرد توفير بند الأجور والحوافز والمنح من قبل الدولة هو الحماية المطلوبة لتلك المؤسسات وغاب الحوار عن متطلبات المنافسة وأدواتها ومناخها.
سادت الفوضى التى لمسها واشتكى منها الجميع، حتى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، وسمحت تلك الفوضى باختراقات كبرى تسللت منها الشائعات والفبركة للأخبار وإشاعة مناخ الإحتقان فى ظل غياب التأثير والمصداقية لمنظومة الإعلام المصرى بأكملها وإختفاء كل الكوادر المهنية من على الساحة واحدا تلو الآخر وعدم قدرة المنظومة القائمة على فرز كوادر فاعلة ومؤثرة وذات مصداقية ورؤية فأصبحنا وكأننا فى حرب نخوضها بأسلحة فاسدة ترتد كل ذخائرها إلى صدورنا جميعا.
فى ظل تلك الفوضى تعالت أصوات تطالب بعودة منصب وزير/وزير دولة للإعلام؛ والمنطق الذى يحكم تصورها هو أنه قادر بما له من كاريزما تاريخية من ضبط الإيقاع ورسم سياسة تحريرية واضحة تقضى على كل تلك الفوضى وغاب عن المطالبين بذلك الوضعية الدستورية والقانونية للمجالس والهيئات الإعلامية والصحفية التى ينص الدستور على إستقلالها عن أى تدخلات حكومية يجسدها وزير الإعلام.
تاريخيا فى مصر؛ وزير الإعلام كان يمتلك أدوات مثل التليفزيون الرسمى بقنواته المتعددة والإذاعات الرسمية والموجهة وهيئة الإستعلامات والمركز الصحفى ومدينة الإنتاج الإعلامى وشركة القاهرة للصوتيات والمرئيات وقطاعات إقتصادية وإنتاجية وهندسية وشركة للأقمار الصناعية وهى أدوات ساعدت فى حينها فى التحكم فى إيقاع المشهد سواء اتفقنا أو اختلفنا على هذا الدور ولكنه كان موجودا ومؤثرا وحاكما، فضلا عن نفوذ تمتع بها وزراء الإعلام فى توجيه رؤساء التحرير داخل منظومة الصحف القومية، لأن الدولة بوسائل يعلمها الجميع كانت تتحكم فى إختيارات القيادات الصحفية والإدارية لتلك المؤسسات.
الآن؛ ما الادوات التى سيمتلكها وزير الإعلام؟ فكل ما سبق ذكره يخضع لادارة هيئات ومجالس يمنحها الدستور الإستقلال التام وهو أمر لا يجعل من وضعها أداة تعمل ضد النظام ومعارضة له ولتوجهاته بل ترفع عنها الضغوط التى تمنعها من ممارسة دور مهنى وولاء مطلوب للقارىء والمشاهد والمستمع فى ظل رقابة برلمانية وليست حكومية؛ فكيف سيتمكن وزير الإعلام من التواصل مع رؤساء الهيئات وتحت أى مسمى وما هى الصلاحيات التى ستمنح له بما لا يتعارض مع نصوص الإستقلال الإدارى والمهنى؟ وكيف ستكون العلاقة والصلاحيات مع رئيس المجلس الأعلى للإعلام الذى يمتلك صلاحيات دستورية تتشابه وتتعارض مع صلاحيات قد تمنح لمنصب وزير الإعلام؟ ومن سيحاسبه البرلمان على فشله فى تأديه مهام وظيفته وسياساته؟ وكيف ستكون مهام الوزير فى توجيه القنوات والصحف ذات الملكية الخاصة بما لا يتعارض مع إنتهاك حرية الرأى والتعبير ومع تقلص المساحة التى تشغلها تلك الكيانات بعد سنوات من الإستحواذ؟.
أسئلة عديدة بلا إجابات دفعنا لها البدايات الخاطئة وعدم الإستماع للأصوات العاقلة التى حذرت على ارضية وطنية من خطورة المشهد والممارسات لتستمر الفوضى التى تحتاج مجددا كما ذكرنا فى بداية المقال لتحديد المفاهيم والضوابط فى علاقة الدولة بالمؤسسات الإعلامية والصحفية والشفافية فى مسألة الملكية كى نتمكن من التصنيف وتحديد الأدوار والسياسات والتوجهات التحريرية قبل الوقوع مجددا فى قرارات وتصورات بعيدة عن الواقع؛… وقبل كل هذا الإدراك لقيمة ومقام ودور الإعلام والصحافة المصرية…
وللحديث بقية
جــلال نصـار
الخميس 28 نوفمبر 2019

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات