أفكار جلال نصّار |23| سنوات الابتعاد والعزلة

10:48 صباحًا الإثنين 25 مايو 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تمر هذا الأسبوع 3 سنوات كاملة منذ أن ابتعدت أو أبعدت عن الصحافة؛ كانت رغبتى حينذاك أننى بحاجة إلى تجربة ومكان جديد أحاول أن أطور فيه وانقل له بعض من خبراتى المهنية والأكاديمية فضلا عن الخروج من شرنقة العمل فى مطبوعة وموقع يصدر بلغة أجنبية إلى إصدار أو مكان عمل يقرأه أو يشاهده ويطلع عليه عدد أكبر من المصريين؛ وكنت أرى أن سنى وخبرتى حينذاك (47 سنة) تسمح بتلك النقلة ولا تحتمل التأخير…

galal
وحدثت التغييرات الصحفية ووجدت نفسى بفعل فاعل فى موقع المستشار الذى هو أقرب إلى المعاش المبكر بعد أن رفضت عروضا فى اليوم التالى للعمل فى أحد الهيئات الحكومية، أولا: لعدم وجود إمكانيات وكوادر؛ وثانيا: لرفضى لفكرة الرجل الثانى فى مكان تريد أن تطبق فيه فكرا مختلفا وتحدث فيه ثورة فعلية فى أسلوب العمل والإدارة…
وارتضيت بالأمر الواقع مع الإضطرار للعمل الإضافى لتأمين الإستقرار المادى للأسرة التى أعولها ومسئول عنها البعض منها أرتبط بمجال الإستشارات الإعلامية والبعض الآخر بالترجمة والديسك والإشراف إلى أخره من أعمال لا تصب فى صالح مسيرة مهنية كانت مستقرة وواعدة ولا تساهم مساهمة حقيقة فى رسالة المهنة وعطائها وأصبحت فعليا خارج المشهد الصحفى تماما…
طوال تلك السنوات الثلاث كانت أغلبية الصحف والمواقع والقنوات تم إغلاقها على مجموعات محددة يتم تدويرها ولا يسمح بأن يخترقها أو ينضم إليها أى من خارجها لاسباب لا أعلمها، وقد تكون بالفعل كفاءات ليس لها بديل أفضل منى ومن مئات خرجوا من المشهد لأسباب لا نعلمها أيضا، لان المسألة برمتها وجهات نظر وقواعد لا نعلمها ولا توجد معايير معلنة يمكن أن نناقشها ولا تجد إجابة محددة على أى سؤال يمكن أن تطرحه، بل عشرات الإجابات التى توحى بالعديد من الأسئلة مجددا…
لم أحاول أن أخترق أيًّا من تلك الدوائر لسببين؛ الأول: أننى لا أطلب عملا من أحد بعد كل التجارب المهنية والأكاديمية التى مررت بها وأعتقد أنها كانت ناجحة سواء فى الأهرام أو جامعة ليدز أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ ثانيا: أننى لا أرغب او بمعنى أدق لا أقبل بالتعاون مع من لا أحترمهم مهنيا وهذه نقطة تحتمل وجهات النظر ايضا لربما ينظر إليَّ ذات النظرة ممن لا أقبله ولكنها تظل حقيقة لأننى أعلنتها صراحة أننى لا اقبل بالتراتبية المهنية التى تمت واللعب فى الأحجام المهنية وتهميش المهنيين لصالح مجموعة تمتلك قرارنا المهنى والمادى والمطلوب منا أن نطيع وننحنى قبولا بالأمر الواقع وكى نبدو أننا رجال دولة تتحمل توابع القرار حتى ولو كانت خاطئة؛ والنتيجة كما حذرنا وقتها أن الجميع والمهنة يدفعون الثمن وليس عن طيب خاطر…
طوال تلك السنوات كانت النافذة الوحيدة التى أطل منها على أصدقائى وبعض ممن يرغبون فى متابعتى هى صفحتى على الفيس بوك، أنشر عليها مقالات وتعليقات و”أجتر” بعض من الذكريات والمقالات والموضوعات والحوارات والصفحات والأعداد المتميزة، وبعض من الأصدقاء الذين يديرون مواقع كانوا يعيدون نشر بعض منها لأننى أيضا أرفض فكرة النشر خارج المؤسسة التى أنتمى إليها إلا إذا قررت تركها نهائيا إذا أستمر الحال والأحوال…
وقعت الطامة الكبرى خلال تلك السنوات عندما أستيقظت ووجدت أرشيفى الإلكترونى قد أختفى وذهب موقع الجريدة إلى غير رجعة وإلى أجل غير معلوم ولاسباب غير مفهومة وردود غير مقنعة ولا تشفى غليل فتحول الأمر مهنيا إلى كارثة ماض يمحى ومستقبل لا يرجى منه، وتحول الوضع إلى سجن بلا جدران على صفحات الفيس يخضع أيضا لأمور الإختراق ومزاج الأخ مارك الذى قد يتدخل لحظر الصفحة يوم ما…
فكرة عدم اليقين فى كل ما حدث ويحدث وما سيحدث لا علاقة له بالإيمان والتسليم بإرادة الله، ولكنها مسألة تخضع لفكرة الآخذ بالأسباب والمعطيات، ولا تخضع لفكرة إستراحة محارب التى طالت ولا يمكن أن تكون تلك إجابة نقولها لفارس أو محارب فى قمة عطاءه المهنى وتحرمه من أهم 3 سنوات فى مسيرته المهنية على أمل أن ينساه الجميع ويصبح خارج المعادلة إما أن ينسى هو ذاته ويكمل ما تبقى من مسيرته هائما على صفحات السوشيال ميديا أو يخرج مهاجرا إلى حيث فرصة عمل خارج الحدود…
الكواليس فى كل ما حدث عديدة وجميعها معارك صغيرة لم اشأ يوما أن أخوضها وترفعت عنها وإن سمعت عنها ولكنها لا ترقى إلى درجة المؤامرة فربما أنا وغيرى كثيرررر لا نناسب المرحلة؛ وأننى وغيرى كثيرررر يتحكم فينا القرار المهنى والجدل والنقاش ووضع الإعتبارات السياسية فى إطارها المهنى أو أننى وغيرى الكثيرررر فشلنا فشل ذريع فى كل ما سبق وعلينا أن نرحل فى صمت نراقب المشهد من بعيد دون أن ندلى برأى أو تعليق؛ تشاهده صامتا وتتفاعل معه صامتا وتتفرغ لرعاية أطفالك فى أمان وهو مقابل بدأت أقتنع به بعد كل تلك السنوات والشهور والأيام والخروج من تلك الحالة إلى غيرها أصبح يتطلب حساباتٍ وشروطا أخرى…
وكل سنة وأنتم طيبون وبخير…

جــلال نصــار
25 مايو 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات