أفكار جلال نصّار | 27 | محاولة للفهم… على هامش يوميات مراسل حربى “متقاعد”

01:19 صباحًا الثلاثاء 21 يوليو 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كانت النصيحة الأولى من أستاذى الراحل حسنى جندى عندما قررت أن أتجه إلى العمل كمحرر عسكرى هى ألا أكتفى بأن أصبح مندوباللجريدة يغطى أنشطة القوات المسلحة ووزارة الدفاع المصرية لأن ما تحتاجه (الأهرام ويكلى) هو مراسل حربى ومحرر عسكرى يتجاوزحدود المكان ليصبح ملما بكل الملفات الإقليمية والدولية فى مجال التسليح والصراعات المسلحة البارد منها والساخن وأن يكون على قدريتجاوز قدرات نظيره فى الجيروساليم بوست وهآراتس ويدعوت أحرنوت وغيرها من الصحف الإسرائيلية حينذاك وكذلك ما يناظره فىالصحف التركية والإيرانية التى تصدر بالإنجليزية فى المنطقة وأن تكون تغطياته وتحليلاته محل إهتمام ورصد وتحليل لمن يطالع الجريدة،ومن هنا كان الدعم اللامحدود للتأهيل  الأكاديمى فى الداخل والخارج والدفع بى فى مهام فى الداخل وفى الإقليم تصب فى نهاية المطاففى هذا الإتجاه، وهو ما جعل رصدى لعدد من الملفات أكثر عمقا وتحليلا من مجرد القشور التى تنشر وتبث هنا وهناك

galalهذا يتجسد فى متابعتى لملف الإسلام السياسى وجماعات العنف المسلح التى تتستر بالدين حيث لم استغرق وقتا فى التعرض للمفاهيمالفكرية لتلك الجماعات ومحاولات التنظير والتأطير لها كما ينخدع فى ذلك الباحثون فى ذلك المجال ونظراؤهم من الباحثين فى النظمالسياسية لأن  الأمر يتجاوز فكرة أنها قوة تتواجد على الأرض وتبحث عن دور سياسى داخل المجتمع والنظام القائم داخل حدود دولة وطنيةإلى إنتماء أكبر لا يعترف بحدود أو سيادة ولا يعترف بالمواطنة وحقوق الآخر وكل مكونات الدولة الحديثة التى تدعم الفكرالديموقراطى وحقهؤلاء فى التواجد على المسرح السياسى إلى إرتباط بتنظيمات دولية وفكرة أممية وفتاوى تكفيرية وعنصرية ودموية ترتبط بأجهزة مخابراتيةومعلوماتية لدول وقوى خارج الأوطان وتتلقى دعما ماليا وسياسيا وتسليحيا وتدريبا من تلك الأجهزة والدول التى غالبا ما  تكون فى حالةعداء مباشر أو غير مباشر مع الدولة التى يحملون جنسيتها

شاهدت بعضا من هندسة تلك القوى وإعدادها للصعود وتولى الحكم فى مختبر مركز راند الأمريكى للابحاث فى بداية التسعينيات الذىكان يعمل على إعداد الكوادر الشبابية لهذا التيار لتولى الحكم فى غضون مدى زمنى من 10 إلى 20 سنة من خلال سلسلة برامج تدريبيةودراسات داعمة وحملات إعلامية وأوراق ضغط سياسى وكذلك بالتركيز على دور تلعبة بقية التيارات السياسية الليبرالية واليسارية دون وعىفى دعم صعود ذلك التيار إيمانا بحقه فى الوجود والعمل تحت مظلة سياسية شرعية

استمعت من خبراء ومستشارين من إدارة الرئيس رونالد ريجان لعملية صناعة وهندسة حركة حماس وعدد غير قليل من الحركات والتنظيماتالإسلامية تحت راية الدين والمقاومة لتكون بمثابة عثرة أمام تنظيمات المقاومة اليسارية حينذاك وتسحب منها الدعم والتأييد وتساهم فى عجزالقرار السياسى الفلسطينى وتجميد الموقف التفاوضى؛ شهدت عن قرب عملية احتواء وتوجيه حزب التحرير وغيره فى لندن وليدز وبراتفوردومانشستر وكيف يمكن لهذا الحزب التكفيرى الذى يدعو أيضا للخلافة أن يحقق دورا موازيا مع فكرة الخلافة الإخوانية ويفرخ كوادر للقاعدةوالمرابطين وداعش وغيرها من الجماعات المؤلفة قلوبهم على القتل والتدمير؛ رايتهم فى دول وممالك يستخدمون كورقة ضغط على النظامالسياسى لتمرير قرار أو حدث لا يخدم مصلحة وطنية مثلما كان يحدث فى مصر والأردن والمغرب وسوريا؛ ورايناهم خنجرا فى خصر الأمةالعربية والجيران كما كان نظام البشير ومن هم على شاكلته؛ ورأيناهم كيف ينهشون فى الصومال ويفتتونها ويبيعون ولاءهم لمن يدفع تحترايات عدة لا علاقة لها بالدين والا بالوطن وأمنه وسيادته؛ ورأينا الوجه الشيعى لتلك الجماعات الدينية يعلى مصلحة المرشد والفقيه فوقمصلحة الوطن الأم حين رأيت وعايشت عن قرب حزب الله فى الجنوب يقاتل تحت راية الوطن التى تحولت بين ليلة وضحاها إلى راية إيرانيةمع إنكشاف الأوراق وتمدد قوى حزب الله فى العراق وسوريا واليمن تقاتل نصرة لمذهبهم وطائفتهم؛ ثم ورأيناهم جميعا وسويا ينقضون علىما أطلق عليه غربياالربيع العربىورأينا محاولات الدعم اللامحدود من العواصم الغربية والإقليمية كى يتمكن هذا التيار من السيطرة علىمقاليد الحكم فى كل دول هذا الربيع بلا استثناء: تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا.

لقد رأيت كيف أن النخبة والباحثين أنبهروا بخطاب الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما تحت قبة جامعتىجامعة القاهرةولم تساعدهمالبصيرة والرؤية على إدراك أن تلك الكلمة التى ألقاها أوباما بمهارة يحسد عليها كانت إشارة البدء لانطلاقالربيع العربىلان مصلحةالغرب ومصلحة دول المنطقة من وجهة نظر الغرب صعود هذا التيار وجماعة الإخوانخاصة إخوان مصرلسدة الحكم ببساطة لاندراساتهم كانت تؤكد على أنه تيار براجماتى يمكن التفاوض معه وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه نتيجةلمصداقيةهذا التيار فى الشارع خاصةفى ما يتعلق بالقضايا الجوهرية فى التسويات النهائية لقضية فلسطين فى ما يتعلق بالقدس والأراضى المحتلة؛ أن الجماعة الأمالاخوانالمسلمينوبقية الجماعات الدعوية والمسلحة تمت بهندسة غربية ودعم وتدريب وتسليح وتمويل غربى مباشر أو من خلال دول وممالك تدينبالولاء وحليفة للعواصم الغربية ويسهل السيطرة عليها فى مراحل لاحقة؛ الإسراع بفكرة وجود إمارة إسلامية مستقرة فى المنطقة تكون مأوىومستقر لكل الكوادر والجماعات المسلحة وتخضع لراية كبيرهمالإخوان المسلمينمكتب الإرشاد بالقاهرةوهو ما يمنح صك أخلاقى فىالمقابل لقيام دولة يهودية خالصة فى إسرائيل الكبرى؛ فضلا عن أنه يقضى على فكرة المقاومة المسلحة بعد الوصول لتسويات نهائية تقضىعلى حق العودة وتمنح أراض بديلة فى مناطق يتم الإتفاق عليها

جرى البحث عن قطعة أرض يمكنها أن تصبح مثل قطعة الجبن السويسرى التى تجذب كل الفئرانالمقاتلينمن كل ميادين المعارك ومناطقالصراع فى المنطقة وتضع حلا لمشكلة عودة البعض منهم إلى بلادهم الاصلية خاصة المقاتلين من ذوى اصول أروبية ورشح لهذا المكان إماجزء من سيناء كإمتداد لقطاع غزة أو المنطقة الواقعة بين الحدود العراقية والسورية؛ فتم الإتفاق على أن تكون سيناء هى الإمارة الإسلاميةالتى يمكن أن تكون وطنا لكل الجماعات المسلحة إستنادا إلى أن مكتب الإرشاد فى القاهرة قادر على أن يكبح جماح تلك التيارات ويدينونله بالطاعة والولاء؛ وعلمت من بعض المصادر فى واشنطن أنه تم طرح الفكرة على المجلس العسكرى فى أعقاب ثورة 25 يناير2011 إلا أنالأمر قوبل بالرفض التام للمجرد طرح ومناقشة الفكرة التى تم تقديمها أنها حل للقضية الفلسطينية ومشاكل قطاع غزة وعودة اللاجئين فىالمقابل كان هناك ترحيب إخواني بالفكرة التى لا تتعارض مع فكر الجماعة الذى لا يعترف بالحدود الجغرافية والسيادة الوطنية ويرى فىقطاع غزة وحماس إمتدادا لارض الخلافة ومواطنى الخلافة ودليل ذلك أنه بعد صعود محمد مرسى والأخوان للحكم فى مصر وقعتحركةحماسعلى تعهد بعدم القيام بأىإعتداءاتعلى الأراضى الإسرائيلية أو الجيش الإسرائيلى متخلية عن حق من حقوق المقاومة الذىيكفله القانون الدولى ووصفت هجمات المقاومة بالإعتداءات؛ فبدا الأمر على أنه قدرة عملية من قبل جماعة الأخوان للسيطرة على حركاتالمقاومة المسلحة

وبعد قيام ثورة 30 يونيو 2013م وإنهيار مكتب الإرشاد وعزل مندوبه فى القصر الرئاسى لجأ المخطط إلى الخطة البديلة لإقامة تجمعلمنتخب الجماعات الإرهابية المسلحة والمليشيات فى المنطقة الواقعة على الحدود العراقية السورية الهشة أمنيا وساعد فى هذا ضعف القبضةالمركزية للدولتين وإنهيار وإنشغال القوات المسلحة فى صراعات داخلية وأهلية وعرقية ومذهبية؛ وجرت مياه كثيرة تحت الجسر وشاهدناجميعا وسويا كل ما جرى فى تلك البقعة من الاراضى العربية حت استنفذت أغراضها من فرض واقع سياسى جديد وإتفاقيات بين القوىالفاعلة والإقليمية وتقسيم النفوذ والثروات حتى جاء التفكير فى نقل الصراع والقوات والمليشيات والتنظيمات إلى مسرح عمليات جديد لتنفيذمهام جديدة وفرض واقع جديد على الأطراف الدولية والإقليمية البعض لغرض تقسيم الثروات النفطية والجيولوجية والبعض الآخر لغرضلفرض سيطرة تيار الإسلام السياسى مجددا على منطقة الشمال الأفريقى كبداية فكان الإختيار على ليبيا التى تعانى فراغا إستراتيجياكبير ا ونزاعا بين الجيش الوطنى المدعوم من مجلس النواب الليبى والمجلس الرئاسى المدعوم من المليشيات الإخوانية المسلحة

إذا نحن أمام صراع يستخدم ذات الأدوات والقوى الفاعلة وتقريبا ذات الأهداف والوسائل وهو ما يجعل مسألة الحسم صعبة ولن تكونعسكرية فقط لان كل الأطراف تبحث عن تحقيق مصلحة ما: إما بشكل مباشر على الأرض؛ وإما بدعم طرف يحقق له تلك المصلحة، لذا فإنالموقف المصرى الذى يقف مدافعا عن حقوقه وأمنه ومصالحه كان حريصا على رسم خطوط حمراء معلنة يجب على الجميع أن يحترمهاالحليف قبل العدو والطامع؛ خطوط تحافظ على حق مصر فى أن تكون جارتها أمنة مستقرة لا تخضع لنظام حكم يهدد الأمن القومىالمصرى ويتحول إلى بيئة حاضنة لجماعات العنف المسلح التى فشل مخطط زرعها فى سيناء وشمالى العراق وسوريا وتبحث عن وطن دائميحقق أطماع من يدعى الحق التاريخى فى كل دول المنطقة ويحلم بعودة الخلافة والإمبراطورية العثمانية

كما يدرك الموقف المصرى القلق الأمريكى من وجود دائم للروس فى قاعدة الجفرة وغيرها من القواعد الليبية على شاطىء المتوسط وهو مايعكس أيضا قلق فرنسا وإيطاليا وباقى دول الناتو؛ ثم القلق اليونانى القبرصى الذى يراقب التمدد والإلتفاف التركى؛ وبريطانيا التى ترعىإخوان ليبيا وهو ما يجعل التصعيد العسكرى أمرا محفوفا بالمخاطر ويضر بمصالح أطراف متعددة لن تقف صامتة ولكنه أيضا يجعلهاتبحث عن حل آخر لا يصل بنا لنقطة المواجهة والصدام من بينها تراجع قوات الجيش الوطنى الليبى وإنسحابها من سرت وترك أمر منطقةالهلال النفطى لقوات تابعة للامم المتحدة أو الناتو وهو أمر حدثت فيه عملية خداع من قبل فى الشمال السورى بين روسيا وتركيا وأمريكابعيد عن احترام السيادة السورية ونظامها السياسى ومرشح للتكرار فى ليبيا

الدرس المهم فى الأمركى لا اطيل  أن حركة السلاح والأفراد فى المنطقة تخضع للرقابة والإتفاق والموافقة والسماح ونقل مسلحين من دولوتسليحهم وتدريبهم ثم نقلهم إلى سيناء وشمال سوريا والعراق ثم ليبيا بتلك الأعداد الكبيرة يخضع لتلك الرقابة والسماح وقد رأيت بنفسىفى غرفة قيادة الأسطول السادس الأمريكى فى البحر المتوسط السفينةلاسالكيف أن كل طائرة وسفينة ومركب مدنية أو عسكرية تتحركفى أجواء المتوسط مراقبة أفرادا وشحنات؛ لذا يجب أن لا يستقر الوضع بتلك الجماعات فى ليبيا لما تتميز به من إمتداد حدود مع مالىوبعض دول الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا التى تنتشر فيها تلك الجماعات والفكر التكفيرى فتتحول لبيبا إلى إمارة إسلامية وفقا للنموذجالذى كان يخطط له من البداية والذى يرى فيه بعض الأطراف مصلحة والبعض الآخر يراه كارثة

لنا عودة مع سيناريوهات التعامل وتصعيد الأحداث ومواقف الأطراف وحساباتها الإستراتيجية؟؟

جــلال نصــار

20 يوليو 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات