الروائي ( القنصل اللبناني في أميركا) غسان الديري يروي كل الحكاية: “من لا يسكن قلب امرأة ممنوع عليه دخول ملكوت السماء”

08:05 مساءً الخميس 12 نوفمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

 بيروت ـــــ إسماعيل فقيه :

غسان الديري2يكتب غسان الديري الرواية ويرى في حروفها مسافة ينطلق عليها الى عالم الحياة. ومنذ تبوأ منصبه الدبلوماسي (القنصل اللبناني في أميركا) وهو يسير في المسافة الطويلة،محاولاً الوصول الى الهدف المنشود في الكتابة، فهل أسعفته الكتابة وأوصلته الى حيث تكمن الأجوبة الشافية؟ في حواري معه يكشف غسان حقيقة الوعي الذي قاده الى الكتابة، لنتعرف على تلك الحقيقة في أجوبته:

 رواية غسان الديري

س : انطلقتَ بالرواية في كتابتك وما زلتَ، لماذا الرواية سبيلُك في الكتابة؟
ج : كما تعرف يا صديقي، فإن العصر الذي نعيش ، على الصعيد الأدبي، هو عصرُ الرواية، بعد أن راح الشعر يخسر بعضاً من المساحة التي كان يحتلّها.

وتعليل ذلك أن فن الرواية يستطيع مُقاربة مختلف الموضوعات والقضايا، كما الهموم، التي تمسُّ حياة البشرية. ناهيك عن المتعة التي يحصدُها القارئ، بإزاء هذا الفن، وفي عِدادِها مُتعةُ  السرد، ومُتعة التخيُّل، ومتعة اللغة ومتعة الإيهام بالحقيقة، إلى المتعة الشعورية. هكذا فإن فضاء الرواية هو الأكثر رحابةً والأكثر التصاقاً بالحياة المعيشة.

س : هل تُقدّم الرواية كل الأجوبة لأسئلة ذاتِك وأفكاركَ، كيف؟
ج : لا يمكن لأي فن أدبي أن يُجيب عن كل الأسئلة والإشكاليات، سواءٌ أكان ذلك لدى الكاتب أو لدى الجمهور الذي يتوجّه إليه. فأسئلة الحياة، كما النهر الدافق، تتناسَلُ دائماً من أسئلة قبلها وتفتح آفاقاً لأسئلة آتية مُعلّقة على مشجب الآتي!

أضف إلى ذلك أن الأدب  انطلاقٌ حُرٌّ لا متناهٍ، وكل لا مُتناهٍ لا يمكن أن تُوضع له حدودٌ مُتناهية! ولكن بإمكان الرواية أن تُجيب عن كثير من الهواجس التي تُقلقني، من باب القلق المعرفي، وتلامس الكثير أيضاً من القضايا التي نعيش تحت عبئها. الحياة كتابٌ مفتوحٌ، لم يُكتب فيه حتى اليوم كل ما يهم الإنسان، لا من باب العلوم ولا من باب الفنون!

غسان الديري1

 

س : تكتب الرواية التاريخية، الرواية السردية الهادفة لنشر صُور التاريخ والتوقف عندها؟
ج : أنا لا أكتب الرواية التاريخية الصِرفة، بل أتخَيَّرُ حدثاً تاريخياً مفصلياً، ترك بصماتِهِ وآثاره في حياة شعبنا، وأبني عليه، بل أرى إليه مُنطلقاً لسردية روائية، تطلُّ على ما هو اجتماعي، بمختلف أعراضِهِ وصورهِ، واضعاً نُصب عينيَّ رسالةً أبعثُ بها إلى القراء. وهذا ما يُدرجُ كتابتي، إلى حد ما، في إطار الأدب الملتزم، ببُعده الإنساني وليس العقيدي المؤدلج!
س : أولى رواياتك وثانيتها وثالثتها ورابعتها على الدرب.. ماذا قلتَ في هذه الروايات؟
ج : أولى رواياتي ” مواسم العذاب”، تلتها ” زمن الحصار”، ومن ثم “حقل الرصاص”، والآن أضع اللمسات الأخيرة على الرابعة، وهي بعنوان “أوّل الكلام”.

في هذه الروايات جميعها قلتُ ما يعتمل في نفسي، لا أخشى في الجهر بحقيقة أوضاعنا وهمومنا لومة لائم. لم أقُلْ ذلك بشكل فجّ ومباشر، فالفن الروائي لا يأتلف والمباشرة، وإلاّ ذهب إلى الخطابية التي تُشكّل مقتلاً لهذا الفن.

من يُراجع رواياتي الأربع يتحصَّلْ له أنني ابن هذا المجتمع، وأحد الناطقين بلسانه، أعبِّر عما يختلج في صدور الناس، وأقيمُ تواصلاً بين الماضي والحاضر، مُطلاً على المستقبل. وبذا أُعطي لعبة الزمن المثلثة الأبعاد حقَّها من الحضور. وهنا يحضُرُ دور التاريخ نستقي منه العبر، كما دور المستقبل، مُتطلعين من خلاله إلى انتظاراتٍ واعدة!

 

غسان الديري3

 

س : هل تفي الكتابة بما تُريد قوله.. أقصد هل تكتب الموقف الأساسي والصارم من خلال نصِّك؟
ج : أُعيد القول، وكما ألمعتُ آنفاً، إلى أنني أسعى جهدي كي أكون أنا نفسي عبر ما أكتب! ليس ذلك من قبيل الصدق مع الذات والوفاء بما ألتزم من مبادئ فحسب، بل تبصير القراء بالحقيقة العارية من كل زيف وخداع. مع الإشارة إلى أن الحقيقة الروائية قد لا تكون مُطابقةً دائماً للحقيقة الواقعية، ذلك أن الفن الروائي يقتضي استعراض هذه الحقيقة في إطارٍ فني، فيكون أحياناً ابتعادٌ عنها من دون أن نخونها!
س : كيف بدأت الكتابة؟ ما الذي دفعك إليها؟ وكيف؟
ج : أنا من أُسرةٍ لم تُورَّثْ سوى الكلمة، ننطقُ بها منذ حداثتنا وحتى نهاية العمر! ففي عِداد الأسرة ثمة الكاتب الصحفي، والروائي، والشاعر! هكذا، فإن الفن، بمختلف أبوابه، هو مدخلنا إلى الحياة، لا نرتضي منه بديلاً. الفن لدينا ليس مهنةً نتعيّشُ منها، بل هوايةٌ مُتأصِّلةٌ، نتوارثها خلفاً عن سلف، وهو إكسيرُ حياتنا، نتنفّسُهُ شهيقاً وزفيراً! لقد بدأتُ الكتابة منذ أن كنتُ طالباً ، فكانت بعضُ خواطر، إلى أن حطّ بي الرحال في فضاء الرواية، وبتُّ ، بتواضع، ممن يُنظرُ إليَّ راهناً على أنني أحد الكُتَّاب الروائيين، بحجم لا أستطيع تقديره، فذلك يعود إلى القراء، فهم الحكمُ أولاً وأخيراً !
س : عملك في السلك الدبلوماسي القنصلي، هل ساهم بتفتح وعيك على الكتابة، كيف؟
ج : إن  عملي في هذا السلك في الولايات المتحدة الأميركية وسَّع من إطار المساحة الأدبية لديَّ، بمعنى أنه أكسبني بُعداً آخر. فإلى البُعد الشرقي الذي أنطلقُ منه، كلبناني عربي، كان للمهجر الأميركي الذي أمضيت فيه ثلاثة عقود أن يُعمق من تجربتي، فكان تفاعلٌ بين عالمين: عالم الشرق وعالم الغرب، بكل ما يحتويان من قضايا تتقاطع وقضايا تتباين! ولقد كان لتعاطيَّ مع الجالية اللبنانية في أميركا أن يُوفِّر لي الوقوف على همومها وعلى التشكّل الفكري الذي غدت عليه، فآنستُ ذلك الصراع بين قيمنا وقيم الغرب، عادتنا وعاداته، نمط تفكيرنا ونمط تفكيره.

كل أولئك أمدّني بمعطيات جديدة، وعمَّق تجربتي الحياتية التي انعكست، بشكل غير مباشر، في تجربتي الروائية!

س : ماذا كتبت عن الحب؟ وماذا ستكتب عنه؟
ج : تتمثَّلُ فلسفتي في الحب الذي أعرتُهُ أهميةً في رواياتي، وشكّل محوراً أساسياً فيها، في العبارة الآتية: “من لا يسكن قلب امرأة ممنوعٌ عليه أن يدخل ملكوت السماء!”. وفي المرأة- الحبيبة كتبتُ:” المروجُ المخملية التي تتغذّى من آثار قدميك العاريتين، أُصيبت بدُوارٍ خمري!

أيتها العابرة الأرجوانية اشتاقت حقولي لمواسم المطر!”

هكذا، فإن للحب مساحةً رحبةً في رواياتي جميعها.

س : المرأة في روايتك لها حضور المراقب الفاعل، لماذا؟
ج : إنني أقاربُ هذه المسألة في رواياتي، من منطلق اقتناعي بالدور الهام الذي يجب أن تلعبه المرأة في المجتمع، على جميع الصُعُد.

فالمرأة ، إلى كونها نصف المجتمع، هي التي تُعطي لحياة الرجل، ولمجتمعها استطراداً، المعنى الحقيقي. ولا يمكن لمجتمعنا أن يتحرَّر إذا لم تستطع المرأة منافسة الرجل منافسةً بنّاءة، لا يشوبُها أيُّ تحدٍ. فكلاهما المرأة والرجل يُمثّلان حقيقة إنسانية واحدة، ينبغي أن يعملا يداً بيد، وقلباً مع قلب، وروحاً مع روح!

س : ماذا تقول لكل رواية تُنجزها؟ هل تشعر بالفخر الكبير، أو أنك ربما تندم على كتابة لم تُضِفها فيها؟
ج : كل رواية من رواياتي هي بمنزلة ابن من أبنائي! هكذا فإن عائلتي الروائية باتت تضم اليوم أربعة أبناء، تتساوى نظرتي إليهم،  على رُغم أن كل واحدة منها لها توجهها المختلف، ومذاقُها المتميِّز عن نظيراتها. وعن شعوري بإزاء هذه الروايات، فبالطبع يغمرني فرحٌ كبير لدى ولادة كل واحدة منها. وعن ندم يُصيبني لأنني لم أكتب أشياء فاتتني، أرى أن ليس من عملٍ مكتمل، فالكمالُ لله وحده!

وفي هذا المجال، أجهدُ في أن أُعوِّض في كل روايةٍ تلي ما يمكن أن يكون قد فاتني في الرواية السابقة. وعلى رُغم ذلك يبقى أن عملنا الروائي هو عمل يسعى إلى التماس الكمال! وإذا اكتمل أي عمل من المرة الأولى، فماذا يبقى لنا كي نعمله؟!

 

 غسان الديري4

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات