ناجي رحيم … شاعرٌ يحمل عمره على ظهره ويمشي مثل نملة!

08:57 صباحًا الجمعة 13 نوفمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت–اسماعيل فقيه:

b0c02556-6ccf-4ba2-b978-0859c37c8489
الشاعر العراقي ناجي رحيم هل يمكنني تقديمه أو التعريف به؟ أكاد أفشل بإيجاد المصطلح او الكلمة او الجملة او الاطروحة او البيان… كي انصفه وأعلله وأعرِّفه.ولكنني سأغامر وأقول، ناجي رحيم وحش الغياب وجبل الأيام العالية. فقصيدته الفاعلة في المعنى كفعل المركب التائه في عرض البحر وعلى متنه شمعة بمهب الريح.
ناحي رحيم شاعر عراقي يحمل عمره على ظهره ويمشي مثل نملة. يمشي بين حفر الحياة بثقة كبيرة. لا ييأس من جدار يقف بوجهه. يثقبه ويكمل مسيرة جنونه المقدس.
فماذا يقول ناجي في هذا الحوار؟:

 

 نبدأ بسؤال تعارف، من هو ناجي رحيم، كيف تعرّف نفسك. من أين تأتي والى أين تذهب. وأين تمكث وتحيا؟

 

*

كائنٌ عراقيّ،

أحملُ عمري على ظهري وأمشي مثل نملةٍ

أبحثُ عن حياة،

أُسقطُ أثقالا زائدة،

أدبُّ في كلّ صباح كأيّ عراقيّ

يحلمُ بنافذةٍ أو بحبيبةٍ أو بشارع،

حُلُمي شارعٌ نظيفٌ كي ألامسَ بمجسّاتي أرواحَ الذين

يمشونَ مزدحمين، أو الذين غابوا مزدحمينَ بهمومٍ أحملُها

على ظهري، مثلَ أيّ عراقيّ يحملُ أثقالا على ظهره كلّ يوم

هكذا عرّفتُ نفسي في مقطع من نصّ منشور. هذا هو أنا، مُصاب بالذاكرة، تهزّني أحداث العالم، فأباشر محاولتي في نبش لحم الوجود، أو حكّ جلد الروح، أجل، لا أفصل جسدي عن جسد العالم، هنا مكوثي، ترحالي ورجوعي، سفرُ في الرأس، سفرٌ في رئة العالم.

لماذا الشعر يا ناجي. هل اخذك الشعر او ذهبت اليه؟

سؤال صعب. لا أملك تعريفا للشعر، سبق لي تكرار هذا مرّات، لذلك ما سأذكر هنا لا يدخل في دائرة أيّ تعريف.

لماذا الشعر؟ ربّما لأني في العالم، في الوجود الذي نكابد، تحضرني عبارة هايدجر المعروفة ” بيت الوجود”، هل أقول هو صوت العالم، نزيف حسّ مُداف بمجسّات العالم، صوت الروح – بمعنًى شعري- الروح وهي تتنفّس في ركض الوقت تبحث عن توازن، محاولة في توازن ، جسر من تواصل أو عبور من عصف الداخل إلى رجّات الخارج ، نوع من حوار، محاولة تواصل وتفاعل. ذكرت قبل أسابيع قليلة – في اجابة على سؤال للأديبة الفلسطينية ريم غنايم ، حوار موسّع نشرته في موقع الأوان- هذا المعنى أيضا، ذكرت أن “الشاعر” يولد لا يصير، لا نفي لفعل يصير ، الصيرورة لاحقة، تتكرّس ، تتناسل أو تنحسر ، لكنها تنطلق من حساسية خاصة في تركيبة غريبة تولد مع شاعر، نوع من استعداد نفسي خاص، احتدام وتفاعل ، في هذا المعنى تقريبا أرى أني لم أذهب ولم آت بل ولدت بما أحمل ، أكتب في حالة بوح مايعنّ ، تكون الورقة حينها ملاذا ، أو قل غرفة فيها أفرش روحي وأعانق عصف العالم، أعانقه أو أغضب منه وأنتف لحيته شعرة شعرة ، أزعل منه وعليه أو أقبّل جبينه الخ،

هل أجبت؟ أتمنى ذلك .

 لماذا تكتب وهل الكتابة هي امالك؟

هذا سؤال شاسع جدا، يتصل أيضا بما ذكرت قبل قليل.

أظن هي محاولة مشاركة في فيض العالم، توق الذات إلى حوار العالم، تفاعل وتواصل، أكتب كي أعثر على توازني في العالم ، كما ذكرت اعلاه،  محاولة إلى مدّ جسور مع أرواح أشاركها في حفلة من نبش أو ترميم. أكتب في حالة بوح، غالبا، لا تخطيط مسبق، أعني هنا الشعر تحديدا ، كما أفهمه، وهو معنى سؤالك، أن تكتب دراسة مثلا أو مقالة الخ، لابدّ من برمجة مسبقة، “تفكير منطقي” وتخطيط، الشعر عندي يشبه رجّة داخلية برمجة فيها، لم تهطل جزافا، طبعا ، سبقها ما يمكن تسميته معايشة واصغاء، هو الذي ما أعنيه في تفاعل وتواصل، الداخل متفاعلا مع مجسّات الخارج، أن أكتب يعني أني أمارس وجودي، أعيش لحظتي بعيدا عن سطوة عالم وهيمنته، التفاعل هنا لايحمل معنى الإنسياق أوالتلاشي بل فعل الحياة والتحدّي ، وصفتها ذات مرّة ، كأنّك تقول، أنا هنا، أمارس لعبة وجودي في الوجود، نعم في هذا المعنى تقريبا هي ملاذ ، أفرح إذا كتبت نصا أرضى عنه ، وهو ما ألمس في صدى ما بعد الكتابة ، فأبقي على سطور، أبقيها وأعانقها أو أتلف بعضها ثم أندم، كنت أعيش لحظتي حينها.

ناجي رحيم

ناجي رحيم

أتذكر هنا هذا المقطع من نصّ منشور:

(ينهضُ الشّاعرُ في مجرّته

يُمسكُ بأذيالِ مشاعرَ تهدّلت تحت جفنيه

يُمسّدُها ويركنُها إلى حين

بطيئاً ينصتُ إلى ما يأتي من جهات الأرض

يتلعثمُ ويحدّقُ بجيب القميص

يُمسّده أيضا ويحاول أن يبتسم

في مداره تنبضُ كائنات)

 

تعيش في الغربة. ماذا قلت في هذه الغربة الساحقة. هل خنقتك الغربة أو أحيتك وأعادتك ؟

يُذكرني سؤالك، لسبب ما ، بهذا المقطع من ديواني الثاني سجائر لا يعرفها العزيز بودلير:

(البحيرةُ والوافدون

السّاحلُ يفرغُ ليزدحمَ

البطُّ منهمكٌ برسمِ حدودٍ وإلغاء أخرى

خطواتُ كائناتٍ تتراقصُ قبل أن تبتعدَ

إلى أركانٍ قصيّة

النهارُ يضحكُ

كيفَ هبطتُ إلى الكهفِ إذن

من أيّ المساربِ يهمي الحزنُ

من أيّ الجهات؟

ربّما هذه هي الغربة، أن تعيش موزّعا بين “الهنا والهناك”، لا أنت تماما هنا ولا أنت هناك، من أيّ المساربِ تهمي الحيرةُ، لا أعرف، غادرت العراق هاربا في 1991 ، بعد تجربة مريرة في مخيّمي لجوء في السعودية وصلت هولندا في بداية 1994 ، درست وعملت وأنجبت ولدين، مرّ ربع قرن أنعم فيه بالأمن، لست جاحدا بالجميل، ان تذكر رأيك دون خوف، أن تتمشّى متى وأين شئت، أن تسكر متى رغبت الخ ، هذا وغيره كثير ليس بالأمر المفروغ منه، ليس طقسا يمكن أن تمارسه دون خشية أو أصابع تحذير ، مع ذلك أنت ليس هنا تماما كما ذكرت، تشمّ روائح أحيانا تفصلك عنها عقود، تهطل عليك حالة ما ، لحظة تحيط بك وتنقلك إلى شارع بعينه، إلى وجوه، إلى كتف أمّ أو سعال والد،  إلى ساحة أو بار، كتبت قبل فترة نصّ بعنوان ” ساحة عرضات” وهي بالعراقي ساحة التجمّع العسكري، كنت وسط شعوب مسترخية تحتفي، تتداعك وتعيش على ساحل عند بحر الشمال وإذا بحشد من الزفرات يفحّ في حنجرتي، نقلتني حالة ما من بذخ أشاهده إلى وجع اعرفه جيدا هناك، ربّما هذه هي الغربة ، أن تكون هنا ورأسك يبحر بك إلى أرض الهناك ، ذكرت أيضا في الحوار الذي سبقت الإشارة إليه مع الأديبة ريم غنايم، يبدو أني لم أتغرّب جيدا..، ما زلتُ أمشي هنا بعظام عراقية معطوبة، هكذا تقريبا، لا أنظّر ولا أحبّ التنظير أصلا، لكني أؤمن أن الغربة هي حسّ أو فيض داخلي قبل أن تكون انتقال جغرافي ، أعتقد أنه الدكتور طه حسين الذي قال، بما معناه لا أتذكر جيدا

” ما أتعس أن تكون غريبا في وطنك” ، نعم، أن تشعر بالغربة في وطنك غربة مُضاعفة ، الخ

 كيف ترى وطنك من بعيد الجغرافيا والزمن؟

جميل هو سياق الأسئلة، أشرت أعلاه إلى هذا أيضا، لكنني أتذكر هنا أيضا مقطعا من نصّ بعنوان مدينة المعابد، نشر في جريدة تاتوو، من ملاحق جريدة المدى الغرّاء:

(يا مدينةَ المعابدِ ما قبل الله

أيّها البلدُ المزروع في لحم الوجود

أيّتها التماثيلُ والأسئلة

أيّها الفرات وأنت تعانق دجلة

صفْ لي دواء كي أهدأ)

 

ومن نصّ آخر، (فيك أنا معك انا لم أغادرك يا عراق)، هذه من “جغرافيا الروح”، ليس تنظيرا فاقعا هذا، في الحوار الذي أشرت إليه كتبت عن هذا المعنى، أتألم من حال العراق، أتألم منه وعليه، ذكرت أن العراق دمّر بذريعة تحريره، هكذا نصّا، وهو موضوع طويل، لن أعيده، أشرت أن العراق بحاجة إلى معجزة، ” معجزة لا نبيّ لها” ، انتفاضة الشباب العراقي التي انفجرت في تشرين الأول من العام الماضي بعد رجّات سبقتها في سنوات سابقة تُشكّل نافذة أمل رغم مآسي ونكبات لا تحصر، كلّنا يعرف أن العراق صار ساحة صراع دولي ، تصفية حسابات اقليمية ودولية ، ها أنا أكرّر ما هو معروف، حقيقة لا اعرف ماذا أقول وكيف أقوله، طالما هنالك وعي بالكارثة العراقية ، وشباب يعمل على فعل لا ويضحي، طالما يوجد حسّ وطني صاف، بعيدا عن أي فحيح طائفي وعرقي، أملي، أن العراق سيتعافى ، ولا أظن أني سأشهد هذا في ما تبقّى من حياتي، أقارب الستين يا صديقي ..

 الحب في ايامك كيف ينمو؟

أهديك هذا المقطع من نصوص كتابي الجديد:

(حبيبة معها أقشّرُ أصداف العمر

معها أتحدّث عن دوران الأرض ولماذا تدور

عن المجرّات وكائنات مخفيّة

عن الحروب التي لا تكفّ

في كوكب عطارد

وكيف لا يصغون للقلوب المحبّة

عن أشجار نخيل في العراق لا تقوى على رفع رؤوسها

بحاجة إلى حبيبة أشمّها

أشمّها وإلى آخر مساء في المجرّة أمشي معها)

 

هكذا ينمو الحبّ، ذكرت في نصّ أيضا ( أحبًّ الحبَّ..)

لا يمكن لحياة أن تعاش دون حبّ، وهو من الشمول والسعة والتنوّع بحيث لا عصر يُحيط به، حبّ الأمّ ، حبّ طريق المدرسة، حبّ الأخت، حبّ عشيقة، حبّ صديق، الخ، يولد وينمو كلّ مرّة من جديد، يُعاش بمعان جديدة، يتناسل، “أنا أحبّ إذن أنا موجود”، أتذكّر صديقة حبيبة ذات سنة بعيدة سألتني: ( هل أحببتني هذا اليوم؟) ، سؤال رائع ، (هذا اليوم) ، يوم دون حبّ يوم ميّت ،ومرة همست لحبيبة ، أحبّك فاجابتني : يمعود ..

  قل ما تشاء؟

شكرا على طلب هذا الحوار، شكرا على مساحة الضوء هذه.

أملي أن يصدر كتابي الجديد المعنون ” كائنات ممنوعة من الصرف”، كي أهديك نسخة منه وترى أني لامست أسئلتك هذه فيه.

أتمنّى رحيل الكوارث من الحكّام، رؤساء أو ملوك أو مشايخ لا يربطهم بشعوبهم رابط، الخ، المحميّات في الخليج والجزيرة، درس الإنتخابات الأميركية يفضح تشبّث المنفوخين بالكراسي، تشبّث عوائل كارثية تدفع عشرات أو مئات المليارات حفاظا على عروش.

انتخابات أميركا الآن، تابعتها ليال دون نوم،  لوكانت في الصومال أو العراق أو ساحل البرتقال الأزرق.. لفهمت ولكن في اميركا سيّدة العالم الحرّ كما تزعم!”

يبدو ان ترامب أيضا، ما ينطيها مثل صاحبنة العراقي ..، خشية هي ما سيفعل ترامب المفوخ في قادم الأيّام وأكتفي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات