حسن عجمي كاتب يقارب “التواصل العربي الإسلامي واللغة العربية”:ا لفلاسفة هم شعراء والعكس صحيح أيضًا

08:48 صباحًا الأربعاء 6 يناير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الكاتب حسن عجمي
رسالة بيروت من الشاعر والكاتب إسماعيل فقيه

الكاتب اللبناني حسن عجمي ، أفكاره وطروحاته في ميادين اللغة والفلسفة والنظريات الجديدة والحديثة في علم الكلام،كثيرة تطرح الإشكالية تلو الإشكالية،و ما زالت تشغل كل مهتم بالفكر واللغة والفلسفة. فبعد سلسلة كتب أصدرها حول قضايا الحداثة والفلسفة والحضارة، باللغة العربية، ها هو اليوم يطل بكتاب جديد، ويندرج في نفس السياق الذي اختاره لمشروعه الكتابي، وهذه المرة يطل من خلال اللغة الإنكليزية، بكتاب تحت عنوان”التواصل العربي الإسلامي واللغة العربية”. ولمناسبة هذا التحول في كتاباته تحدث حسن عجمي عن مشروعه  الذي أخذه الى  حدود الفكر والوعي والأسئلة الإشكالية والشعرية :

ـــــ في كتابك الجديد الصادر باللغة الانكليزية بعنوان ” التواصل العربي الاسلامي و اللغة العربية ” تناقش قضايا التواصل فلسفياً و اجتماعياً و تقارن بين التواصل العربي و التواصل الغربي. ما هي السمات الأساسية للتواصل العربي ؟

–  يختلف التواصل العربي عن التواصل في الغرب. فالتواصل العربي تواصل بين الجماعات كالعائلات بينما التواصل الغربي تواصل بين أفراد مستقلين عن الجماعة. و التواصل العربي يهدف إلى إعادة صياغة الواقع كما هو بينما التواصل الغربي يهدف إلى إحداث تغيير. فمن دون إحداث تغيير لا يوجد تواصل في الغرب. لكن إحدى الوظائف الأساسية للتواصل في العالم العربي كامنة في إبقاء الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية كما هي في الحاضر و الماضي. و بذلك تواصلنا تواصل ماضوي بينما التواصل الغربي تواصل مستقبلي بمعنى أننا حين نتواصل نسعى إلى الحفاظ  على الوضع الراهن و صياغة الماضي في الحاضر بينما التواصل الغربي يهدف إلى إنشاء مستقبل مختلف عن الحاضر و الماضي. كما أن تواصلنا العربي يتكوّن من عمليات إخفاء المعلومات. لكن التواصل في الغرب يتشكّل عادة ً من عمليات إظهار و نشر القدر الأكبر من المعلومات. فمثلا ً ، عندما نتواصل في شرقنا نميل إلى استخدام العدد الأقل من الكلمات ، و نحن بذلك نخفي المعلومات بإسم بلاغتنا الكاذبة. كما أننا عادة ً لا ننشر المعلومات و لا نعبِّر عنها بسبب خوفنا من هذا الطاغية أو ذاك. و الأنظمة الديكتاتورية تمارس عمليات إخفاء المعلومات و تشويهها. و بذلك أمسى تواصلنا عملية إقلال و إخفاء للمعلومات على نقيض من التواصل الغربي. و من جراء هذا الاختلاف بين عمليات التواصل في العالم العربي و التواصل في الغرب نشأ سوء التفاهم بين شرقنا و الغرب ما أدى إلى الصراعات بينهما. كما أن استخدامنا للتواصل على أنه تواصل بين الجماعات و ليس بين أفراد مستقلين عن الجماعات أدى بنا إلى رفض الديمقراطية الحقة و فشلنا في تحقيق الديمقراطية. فالديمقراطية هي حكم حقوق الفرد و حرياته. و الديمقراطية تتكوّن من أفراد مستقلين عن جماعاتهم. لكن تواصلنا تواصل بين الجماعات وليس تواصلا ً بين أفراد مستقلين عن الجماعات. و بذلك تواصلنا يناقض الديمقراطية ما حتم ميلنا نحو رفض الديمقراطية و فشلنا في تحقيقها. من المنطلق نفسه ، بما أن تواصلنا يهدف إلى إقلال و إخفاء المعلومات بينما الديمقراطية تهدف إلى إكثار و نشر المعلومات. إذن تواصلنا يناقض الديمقراطية ما أنتج فشلنا في بناء الديمقراطيات. هذا لا يعني أن نتخلى عن ثقافتنا بل يعني أنه من الأفضل لنا أن نحاول التوحيد بين تواصلنا و التواصل الغربي. و هذا ما حدث على الأرجح في العصور الذهبية للحضارة العربية حين تمكن الفلاسفة و العلماء العرب من التوحيد بين التواصل الجماعي و التواصل الفردي. فمن خلال التواصل الجماعي ننجح في إنشاء مجتمع متماسك و الحفاظ  على التراث بينما من خلال التواصل الفردي يتمكن الفرد من إنتاج فكره الخاص و فلسفته و علومه المبتكرة لأنه حينها يفكر الفرد و يتصرف بشكل مستقل عن الجماعة.

ـــــ كيف تحلّل اللغة العربية و دورها في هذا الكتاب ؟ و هل يوجد ما هو جديد في مسألة تعريف اللغة العربية و تحديد أهميتها ؟

–  أقدّم في هذا الكتاب تحليلا ً جديداً للغة العربية. فاللغة العربية مجموعة معلومات متوارثة. لكن الناس يفكرون و يتصرفون على ضوء معلوماتهم. لذا اللغة العربية تشكّل عاملا ً أساسياً في تحديد العقل العربي و سلوكياتنا كعرب. فمثلا ً ، من الممكن لغوياً إشتقاق مصطلح “المعرفة” من كلمة “العُرف”. و بذلك بالنسبة إلى اللغة العربية ،المعرفة كامنة في العُرف. هنا ، اللغة العربية تتضمن معلومة متوارثة مفادها أن المعرفة موجودة في العُرف. و هذا أدى بالثقافة العربية إلى أن تصبح ثقافة عُرفية فتراثية. هكذا اللغة العربية تحدِّد ثقافتنا و عقولنا. مثل آخر هو أن كلمة “العائلة” مشتقة لغوياً من “عالَ”. و بما أن كلمة “العائلة” مشتقة من “عالَ” ، إذن بالنسبة إلى اللغة العربية ، العائلة هي التي لا بد من إعالتها. هنا ، اللغة العربية تتضمن معلومة متوارثة ألا و هي أنه لا بد من إعالة العائلة. و لذا أمست الثقافة العربية ثقافة جماعية حيث يعرِّف الفرد نفسه من خلال الجماعة كالعائلة و حيث تسود القيم العائلية. و الأمثلة عديدة على صدق هذه النظرية القائلة بأن اللغة العربية هي مجموعة معلومات متوارثة ، و ذلك بفضل قوة عمليات الاشتقاق في لغتنا. مثل إضافي هو أن مصطلح “التواصل” مشتق من كلمة “وَصَلَ” بمعنى رَبَط . و بذلك ، من منظور اللغة العربية ، التواصل هو الذي يربط  بين الناس. و هذه معلومة متوارثة أيضاً و كامنة في اللغة العربية. كل هذا يرينا أن اللغة العربية هي مجموعة معلومات متوارثة لكونها تقدِّم تحليلات فلسفية و اجتماعية و أخلاقية للعديد من المفاهيم ما يجعلها تلعب دوراً أساسياً في بناء العقل العربي. كما قدّمت هذه الأفكار الفلسفية من منطلق النموذج البيولوجي للغة. فاللغة العربية كائن حي يتكوّن من جينات لغوية شبيهة بالجينات البيولوجية. و كل جين لغوي يتشكّل من مفهوميْن على الأقل و علاقة إشتقاق بينهما. مثل ذلك تشكيل مفهومي “المعرفة” و “العُرف” و ارتباطهما الاشتقاقي ل “جين” لغوي فريد يتضمن معلومة متوارثة ألا و هي أن المعرفة قائمة في العُرف ، تماماً كما أن الجينات البيولوجية تتكوّن من معلومات متوارثة تتحكم في تفكيرنا و تصرفنا.

ـــــــ في كتابك الثاني الصادر أيضاً باللغة الانكليزية بعنوان “رحلة فلسفية و شِعرية قصيرة” تعبِّر عن فلسفتك شِعرياً و نثرياً في آن. لماذا تعتمد على الشِعر و النثر الأدبي معاً للتعبير عن بعض الأفكار الفلسفية ؟ و ما هي الاتجاهات الفلسفية التي أردت التعبير عنها في هذا الكتاب ؟

–  ليس بالنثر وحده يحيا الإنسان. فالشِعر يُكمل النثر و العكس صحيح أيضاً. و لذا وُلِد النثر و الشِعر معاً. ما لا نستطيع التعبير عنه نثرياً نتمكن من التعبير عنه شِعرياً و العكس صحيح. على هذا الأساس ، الفصل بين الشِعر و النثر فصل مخادع ، بل هما يشكّلان حقلا ً معرفياً و لغوياً واحداً تماماً كما أن الفلسفة و الأدب يشكّلان ميداناً معرفياً و إبداعياً واحداً. فالفلاسفة هم أيضاً أدباء ، و الأدباء و الشعراء هم أيضاً فلاسفة. اليوم نحيا في عصر انصهار الحقول المعرفية و الإبداعية رغم السوبر تخلف الذي يقاتلنا و يقتلنا بشكل يومي. من جهة أخرى ، يحتوي كتاب “رحلة فلسفية و شِعرية قصيرة ” على أفكار فلسفية صوفية كفكرة وحدة الوجود و وحدة الأديان و الحضارات و وحدة الإنسانية. تتمثل فكرة وحدة الوجود في اعتبار أن كل الأشياء و الظواهر و الحقائق تشكّل كياناً واحداً لا يتجزأ. و تتجلى فكرة وحدة الإنسانية في اعتبار أن كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً. من هنا ، نصل إلى المذهب الإنسانوي الذي لا يميّز بين الناس و الحضارات و الأديان ما يؤدي لا محالة إلى قبول الآخر على أنه الأنا. و المذهب الإنسانوي كمذهب فكري و فلسفي هو الحل الوحيد لصراعات البشر ، و هو السبيل الوحيد لبناء حضارة إنسانية أرقى. كما يتضمن الكتاب فكرة أساسية مفادها أن اللغة تكوِّن عقولنا و عالمنا. اللغة تحررنا حين تجعل المعرفة ممكنة لكنها تسجننا أيضاً في مفاهيمها و مصطلحاتها. فمثلا ً ، من دون مصطلح ” الثلج ” لن ندرك الثلج و لن يوجد الثلج أصلا ً بل ستوجد مادة باردة بيضاء بصفات معينة. مفاهيمنا تحدِّد كيفية إدراكنا للأشياء فتمكنا من المعرفة و البقاء أحياء لكنها أيضاً تجعلنا سجناءها. من هنا ، لا بد من التحرر من مفاهيمنا المُسبَقة و أن ننتج مفاهيم و لغات أخرى لنصل إلى ثورات معرفية و علمية جديدة. 

ــــــ في كتابك ” السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلف ” الصادر باللغة العربية تناقش أفكاراً فلسفية و اجتماعية مرتبطة بالحداثة و التخلف. كيف تعرِّف السوبر حداثة و السوبر تخلف و تحلّل صراعهما ؟

–  تختلف السوبر حداثة عن الحداثة و ما بعد الحداثة. تقول الحداثة إن الكون مُحدَّد و لذا من الممكن معرفته بينما تعتبر ما بعد الحداثة أن الكون غير مُحدَّد و لذلك من غير الممكن معرفته. أما السوبر حداثة فتؤكد على أنه رغم لا محددية الكون من الممكن معرفته فلا محددية الكون تمكنا من معرفة الكون و تفسير ظواهره و حقائقه. هكذا تختلف السوبر حداثة عن الحداثة بما أن الحداثة تصر على أن الكون مُحدَّد بينما السوبر حداثة تقول إن الكون غير مُحدَّد. و تختلف السوبر حداثة عن ما بعد الحداثة بما أن ما بعد الحداثة تصر على أن المعرفة غير ممكنة بينما السوبر حداثة تؤكد على إمكانية المعرفة. و للسوبر حداثة تطبيقات عدة. فمثلا ً ، من منطلق السوبر حداثة ، بما أن العالم غير مُحدَّد ما هو ، إذاً من الطبيعي أن تنجح النظريات العلمية المختلفة و الميادين المعرفية المتنوعة في وصف و تفسير الكون كنجاح نظريات نيوتن و أينشتاين و ميكانيكا الكم رغم اختلافها و تعارضها و أن تنجح علوم الفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا إلخ رغم اختلافها ؛ فلو كان الكون مُحدَّداً لنجحت نظرية واحدة و ميدان علمي واحد فقط  بدلا ً من نجاح كل النظريات و الميادين العلمية. هكذا تفسِّر السوبر حداثة نجاح النظريات العلمية و الميادين المعرفية رغم اختلافها ، و بذلك تكتسب السوبر حداثة قدرة تفسيرية هائلة ما يدعم صدقها. لكننا اليوم نحيا في عصر السوبر تخلف. و يختلف السوبر تخلف عن التخلف. فالشعب المتخلف لا يقدِّم شيئاً لكن الشعب السوبر متخلف يقدِّم العلم على أنه جهل و يقدِّم الجهل على أنه علم. و السوبر تخلف هو تطوير التخلف من خلال استخدام العلم و المعرفة و التكنولوجيا من أجل نشر الجهل و التجهيل. الصراع لا ينتهي بين السوبر حداثة و السوبر تخلف. فبالنسبة إلى السوبر حداثة ، المعرفة ممكنة. لكن بالنسبة إلى السوبر تخلف ، المعرفة جهل و الجهل معرفة. و يصر السوبر تخلف كأيديولوجيا على أن العالم مُحدَّد و لكن غير معروف بينما تؤكد السوبر حداثة على أن العالم غير مُحدَّد و رغم ذلك من الممكن معرفته. هكذا الصراع حتمي بينهما. لكن هل سينتصر السوبر تخلف أم ستنتصر السوبر حداثة ؟ هذا قرارنا نحن.

ــــــ لماذا تكتب باللغة الانكليزية رغم تمسكك باللغة العربية و الكتابة بها ؟

–  كل اللغات ليست سوى لغة واحدة كما يقول نعوم تشومسكي. و هذه فكرة صوفية أيضاً و ليست فقط  نظرية لغوية و فلسفية. فتماماً كما أن كل الحضارات هي حضارة واحدة ، و كل البشر هم إنسان واحد ، كذلك اللغات المتنوعة هي لغة واحدة كامنة في جيناتنا البيولوجية. من هنا ، الكتابة بلغات متعددة مجرد تعبير عن إنسانيتنا الواحدة التي لا تفرّق بين الثنائيات الكاذبة. فالثنائيات التي تميّز بين هذه الحضارة و تلك و بين هذا الإنسان و ذاك أدت إلى تمزق البشرية و صراعاتها. لذا لا بد من التحرر من الثنائيات المخادعة و الانتماء إلى الحقيقة العلمية ألا و هي أننا كلنا إنسان واحد و ننتمي إلى حضارة واحدة. علمياً كل البشر يملكون الجينات البيولوجية نفسها ، و هذه الجينات هي معلومات متوارثة تحدِّد أجسادنا الحية و عقولنا و تصرفاتنا. لذلك كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ. و كل الثقافات التي نتحدث عنها ليست سوى تجسدات متنوعة لحضارة إنسانية واحدة. فإذا زارنا كائن عاقل من الفضاء فسوف يرى حضارة إنسانية واحدة و إنساناً واحداً. كما سيرى أننا نخدع أنفسنا و نغتالها حين نميّز بين الشعوب و المجتمعات. و أساليبنا المختلفة في التفكير و التواصل ليست سوى تجسدات متنوعة لعقل بشري واحد. و الإنسان مشروع مستقبلي علينا أن نسعى دوماً إلى تحقيقه. فلم نصل بعد إلى إنسانيتنا ، و ما زلنا في عصر محاولة اكتشاف مَن هو الإنسان. إنسان بلا بحث مستمر عن الإنسانية إنسان أعمى.

One Response to حسن عجمي كاتب يقارب “التواصل العربي الإسلامي واللغة العربية”:ا لفلاسفة هم شعراء والعكس صحيح أيضًا

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    6 يناير, 2021 at 12:48 م

    انه حوار جريء وموضوعي مع شخصية لها بصماتها في الفكر والفلسفة أجراه الشاعرالبارز اسماعيل فقيه بكل جرأة وتخصص ونجح الى ابعد الحدود في توصيف مضامين تجربة الكاتب حسن عجمي ومسيرته في الحقل الفلسفي ككاتب لبناني عربي نهضوي اساسي .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات