الفنانة المطربة الأصيلة جاهدة وهبي … بصوتها تتألق القصيدة

08:13 صباحًا الخميس 28 يناير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت: إسماعيل فقيه

حققت الفنانة المطربة جاهدة وهبي نجاحات لافتة في الغناء الطربي الأصيل، وبفترة زمنية قياسية استطاعت امتلاك الصوت القدير،الذي خوّلها تقديم أصعب الألحان وأعذب القصائد والكلمات.ولم يكن لفنها أن يتألق لولا موهبتها الصافية وقوة صوتها وشغفها بالغناء الأصيل.

مطربة  عذبة الحضور ، تتقن فن الأداء، وتسير مع صوتها الى أبعد المسافة اللحنية الطربية. ولدت سنة 1969 في وطنها لبنان ، بدأت رحلة الغناء باكراً، منذ نعومة أظافرها وهي تسعى مع العلم والمعرفة والموسيقى الى المزيد من الحضور المتألق في عالم الإبداع الفني .

الى جانب صوتها الشجي القوي المؤثر، هي فنانة متمكنة من فن الموسيقى والمسرح والأداء . صقلت ثقافتها في الجامعة اللبنانية إلى جانب الكونسرفاتوار الوطني للموسيقى ، حيث تعلمت العزف على العود، واشتغلت على الصوت لتتقن أدوات الغناء الشرقي، خصوصاً الصوفي منه، وكذلك التجويد، كما أنها كتبت قطع موسيقية وشعرية لتؤدى على المسارح . وتابعت سعيها المعرفي الإبداعي وما زالت في سعيها حتى اللحظة الراهنة، حتى وصلت الى حدود العالمية. فقبل أشهر قليلة غنت جاهدة وهبي المغنية العالمية الفرنسية (اديت بياف) في باريس، وكان لأدائها وقع المفاجأة الكبيرة التي ألهبت عشاق الطرب الأصيل والكلاسيكي.

تعاونت مع كبار مخرجي المسرح اللبناني، ولعبت أدواراً مسرحية  إلى جانب كبارأهل المسرح أمثال الفنانة الكبيرة نضال الأشقر. وكانت موهبتها لافتة منذ تلك البداية والمشاركة. وتابعها جمهورها بشغف في كل مرة، حيث بدت متعة التلقي، خصوصاً مع بروز قدراتها على انتقاء نصوصها المميزة والخاصة جداً. فهي لا تغني إلا ما يناسب صوتها ويضعه في المرتبة العالية والمميزة، على غرار كبار المبدعين الكبار. وزكريا أحمد وسيد درويش ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وسواهم من الكبار في الموسيقى العربية هم من عالمها الذي تنتمي إليه، وتقول: ” من يستمع الى الكبار في الموسيقى، ومن ينحو نحوهم لا بد أنه في مساحة حياة راقية ومميزة وتمتد في رحاب الجمال والطمأنينة وراحة البال وراحة النفس . الغناء الطربي الأصيل هو مسافة مفتوحة لخطوات المبدع الكبير، المبدع الذي يعطي للحياة رونقاً ساحراً بأعماله الفنية الغنائية الموسيقية “.

جالت الفنانة ،بصوتها وفنها، في جهات كثيرة من العالم ، فحطت في أوبرا القاهرة، وفي مهرجان فاس للموسيقى الروحية، مؤدية نصوصاً صعبة لجلال الدين الرومي وأبدعت بها، كما أنها لعبت أدواراً رئيسية في عدة مسرحيات، منها “أيام رباعيات الخيام” ( مهرجانات بعلبك الدولية)، “أنشودة المطر”  لجواد الأسدي، و “صخرة طانيوس”  لجيرار أفديسيان. كما أنها حصلت على جائزة المرتبة الأولى من الجامعة اللبنانية عن دورها في فلم “رصاصة فارغة”.

تعتبر الفنانة جاهدة وهبي نشاطها الفني الغنائي الطربي الأصيل الرصين الحكيم المتمكن الصاخب  ” واجب وحاجة “، ذلك أنه يمثل فعل الروح في الجسد والعمر وما تعكسه هذه الروح في وعي الحياة: “هناك ميزة للغناء الطربي تعطيه رونقاً يجوهر القلب والروح . وهذه الميزة تكمن في حيوية البحث والسفر العميق مع اللحن والكلمة في عالم الجمال والوعي الداخلي للنفس. وحين تكون الروح تواقة للخير والجمال، فهي تحتاج لنشاط يدفعها ويحركها ويرفع من مستوى طيرانها وتحليقها في مدار الجمال، والطرب أو الغناء الأصيل الصافي هو السبيل الى تحقيق كل هذا الوعي الجمالي، وأنا بدوري أعمل وأجهد كي أحقق كل هذا النشاط بمزيد من الوعي المفتوح على فنون الإبتكار والبحث والعمل… لواعج جمّة تشدّني وتضعني على مسافة مباشرة مع الوعي الجمالي الطربي، وأجدني على أتم السعادة وأنا أستعد لبلوغ دفقه وتدفقه في نشاطي وحركتي “.

تعطي الفنانة كل اهتمامها للكلمة داخل أغنيتها، والقصيدة هي لولب لحنها، فالكلمة بالنسبة لها هي وعي ضروري يساهم في تفعيل الأغنية : “ أجمل الأعمال الغنائية وأعذبها وأكثرها قدرة على تفعيل الصورة الطربية الإيقاعية هي تلك الأغاني التي ترتكز الى خصوصية الوعي الشعري، وأنا بدوري أقوم بواجب كبير في هذا السياق، وهو واجب الحشد الشعري في الأغنية التي أقدمها بصوتي. وأرى أنه من الأهمية بمكان أن تكون الأغنية منسوجة من داخل الحركة الإيقاعية للقصيدة، وخصوصاً تلك القصائد التي تنحو وتنبثق من نور الإحساس ووهجه، كتلك القصائد الصوفية الممتلئة بنشيد الحب والحياة الصافية والنورانية.. لقد استفدت من حيوية القصيدة الصوفية وقولبتها في اللحن الذي يأخذ بصوتي ويرفعه الى مرتبة عالية. ثم أنني أتحرك، بصوتي، وفق ما يناسبه من طنين طربي . فلكل صوت مداه الطربي، ولصوتي مداه الطربي الذي يمكنه تأدية الإيقاع كما هو، ومهما بلغ من طبقاته اللولبة المتفاعلة “.

كيف يمكن للغناء الأصيل أن ينأى بخصوصيته في ظل فوران الغناء السريع والمستهلك والذي أغلبه اليوم لا يفي بأبسط قواعد الغناء السليم؟ كيف يتنفس الطرب الأصيل اليوم وسط هذا (الحشد) الغريب الغرائبي لما يسمى بالغناء الحديث..؟ سؤال نرفعه للفنانة وتجيب عليه بما يملي عليها التزامها الغنائي الطربي الأصيل، وتقول : ” لا شك أن الغناء اليوم ، ومنذ سنوات خلت، يعيش ويتخبط في دائرة ضيقة جداً، وكأنه على وشك الإختناق ، رغم انتشاره (انتشاره لا يعكس نجاحه بقدر ما يعكس فوضى الذوق والميديا) . وهذا الكلام لا يجمل كل الأعمال الرائجة اليوم في الساحة الغنائية، فهناك أعمال جيدة ولافتة، لكن أيضاً هناك نسبة كبيرة من المستوى المتدني الذي يشوه ويخربط المساحة الغنائية الحديثة ويأخذها الى فوضى الأحاسيس وفوضى المعرفة الموسيقية.. وفي ظل هذا (الحشد) الغنائي (الحديث) تصير الصورة أصعب، وتفسيرها أكثر صعوبة، خصوصاً حين نرى هذا الإستسهال في ركب موجة الغناء الطارئة والتجارية بامتياز، مهما كانت الفوضى والتسرع . ولكن في المقابل، لا بد من القول، إن الطرب الأصيل يبقى أصيلاً ، ولا تخربطه أي ظروف طارئة . إنه كإسمه، طرب أصيل ، والأصالة هي أن تبقى صورة الصوت الطربي ومحتواه اللحني والنغمي والكلامي في مرتبة لا تمسها كل عوامل المفاجآت الغريبة. فمن هذا المنطلق ، يحافظ الطرب الأصيل على خصوصية لا يمكن لأي فوران وأي ضجيج أن يحجبه عن الحضور وعن الذوق الأصيل، عن الوعي الطربي الأصيل. ثم أن الزمن يحمل في مساحاته الكثير من الشباك و”الغربال” الذي يغربل ويصفي ويميز بين الغث والثمين . فقد علّمنا الزمن أن التجارب الغنائية الفاشلة لا تعيش أكثر من لحظتها، على عكس الغناء الطربي الأصيل ، فهو يعيش العمر كله، وما نسمعه اليوم لكبار القوم الفني من أعمال غنائية وموسيقية وطربية ولدت قبل مئة سنة، خير دليل، وأمر حقيقي يؤكد أن لا ثبات في الطرب الا للطرب الأصيل “.

ماذا حققت الفنانة جاهدة وهبي في غنائها وماذا تريد منه والى أين تريد الوصول من خلاله ؟ تعترف الفنانة بأن الجواب على هذا السؤال، “يكمن في الإصغاء إليه بكل ثقة دون إغفال الهدف المرتجى للفن الطربي الأصيل . فالموسيقى والغناء والفن بشكل عام هم فعل ونشاط ووعي ثقافي ، ولا يمكن الحديث عنه بقدر ما يمكن الغوص فيه، التعمق بتفاصيله الإبداعية التي تقود الى النتيجة الطربية الصافية والتي تعبّد درب الزمن، وتغني الذوق العام، بالصوت الخالد الذي يتجدد في كل زمان وفي كل مكان“.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات