واستوقفتني

11:47 صباحًا الإثنين 1 فبراير 2021
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

واستوقفتني . حاوية القمامة

  • ما بك ؟ أين أنت !

ألم يكن بيننا وعدا بالكتابة . فعندما تباعدت حزنا . الغوطة الدمشقية بأريجها . بأزهارها . ألم تجدي عندي ومعي . ذلك الغصن اللوزي الذي ما يزال في ربيع طفولته.

أخذتِ الغصن / غمرتِه بالماء / فهبت زهور اللوز القمرية من سريرها.

أسرعت        أسرعت        لالتقاط الصور . ثم ماذا . ابتعدت عني ولم تفي بالوعد . الذي طرزناه أنت وأنا . أن تستعيني بحروف لعلها تحكي حكايتنا.

انا أعرفك منذ ذلك اليوم . ذاك اليوم انطبعت ارتعاشات قلبك على حوافي .

فأنا التي أمسكتُ بها دقة وراء دقة.

لكي تفهمي وتعرفي . أننا نحن معشر الحاويات . مصدر غذاء وكساء لمن يُطلق عليهم مجازا الفقراء.

فهل تناثرت أيضا في سواقي العجز ؟

  • ماذا أقول لكِ يا صديقتي . نعم تأخرت في رصف الحروف والمعاني على الورق.

أما ما بيننا فهو القصيدة الكونية التي تتردد . وأنت الأعلم بهذا.

ولكن يا صديقتي . أنت أيضا قد تغيرت كما تغيرنا . ها هي أكوام وأكوام . ليس لها متسعا . تنام بلا مأوى.

  • أعيدي      أعيدي ما قلتِ . مأوى        مأوى . جميل هذا المسمى .

أنا المأوى لمن لا مأوى لهم . ولعلّي المرآة العاكسة لكل ما يلف ويلتف حولي.

وجوه من يزورني . حتى الأيدي التي تتجول في باطني . تترك مشاعرها وذكرياتها في مرآتي.

  • وماذا بعد يا أيتها الحاوية الجميلة
  • اقتربي      اقتربي . أريد أن أبوح لكِ بسر. اقتربت

أتذكرين شجرة السرو . المتمركزة على زوايا الشارع . إنها تعرفك . وأنت أيضا تعرفينها . لو تدرين يا صديقتي . مزاريب دموعها سُكبت سكبا . في الليل الجميل . اقتحموا سكونه . سرقوا عمق اسوداده ثم قطعوها.

  • أواه . ماذا أقول . عرفت ذلك . فلقد تركت وراءها . عصافير الصباح الباحثة عن الأغصان.

“متى غاب عنك أيها الانسان الاحساس بالألم الكوني”

  • دعيني أكمل حكايتي . فأغصان الياسمين التي تتعربش عليها . سمعنا أناشيد حزنها . فهي الصديقة الوفية لشجرة السرو . وبينهما من الأسرار التي لا تُباح . وشوق لا تجف عروقه . لذاك العناق الذي تباعد ولا أقول غاب . فنحن الحاويات نعرف أصل الحكاية.
  • رويدا       رويدا . يا أيتها المأوى . ما عاد باستطاعة الحروف تطريز المعنى وما عاد باستطاعة المعنى أن يشرح إرادة الحروف.

ساد الصمت البليغ . فاقتربتُ واقتربتْ . ثم أمسكت بجدرانها ونظرت

“النور يقتحم الأماكن السرية

حين تموت القواعد المنطقية

لينمو السر في العين”     ديلان توماس

لا أدري كيف هرب النظر . ليمسك القلب بعيون الكون . فتبدأ مسيرة التحولات . كل ما في صديقتي الحاوية . خلع مظاهره. نهضت حكاية الحكاية . هذه بقايا تفاحة سردت أشواقها لأمها الشجرة .

وتلك بقايا شمعة استعادت صباها فأنارت واستنارت . النسيم يداعب أوراق الشجر لتبدأ دندنات الخشخشة.

أليس الفن هو احتواء المجموع  في آنية واحدة ؟

من على غصن شجرة ، نزل رغيف لملاقاتي .

قال لي : الدنيا ما تزال بخير .

        : من أين لك أن تعرف ذلك ؟

الرغيف : سأحاول ان شئت .

        يا أنت ، هل صنعت التاريخ أم أن التاريخ قد صنعك ؟

الرغيف : ولماذا أشغل نفسي بمثل هذه التساؤلات التي لا تفيد شيئا .

        : ألا يهمك أن تعرف بداياتك ؟ كيف كان مشوارك وما أصبحت عليه ؟.

الرغيف : لا شيء يعنيني من هذه التساؤلات التي لا تؤدي الا نتائج متباينة، لها نفس قوة التأثير . فان كنت تقصدين أنني أستطيع معرفة الحقيقة . الحقيقة أين هي ؟ .

        : ولكن الا تشتاق الى يوم عرسك مع الدنيا ؟ ألا تحن الى تلك الاحتفالات بقدومك ؟ .

الرغيف : كل لحظة هي يوم جديد وعرس جديد . المهم أني استطعت الافلات من كل التسميات والألقاب. فأنا الرغيف  . الرغيف في كل مكان وزمان .أعيش اندفاعي نحو الأمام ، نحو الأيدي التي تنتظرني لا أنظر إلّا الى العروق النابضة التي تزينها وأشفق على عناصر الكون من ذهب وماس وبشر ….. أشفق عليها في بعض الأحيان وأنا أراها سجينة خائفة خلف واجهات العمر ، تنتظر ثمنا لن يعوضها عن ابتعادها عن مناجمها وعروقها .ولكني في بعض الأحيان أشعر بها متآمرة مع صناعها لتخلد في حياة الكسل .

        : تتكلم هكذا لأنك سهل ومتوفر .

الرغيف : بالقلب الواعي ذو البصيرة ، يعرف سري .

        : سرك . منذ قليل كنت تحاول اقناعي بتواضعك ، والآن تقول لي سرك ما هو .

الرغيف : تخلي عن مبدأ النصر والهزيمة في نقاشك هذا، عندئذ ستعرفي تماما ماذا أعني . أما الآن فان لدي عملا كثيرا .

نظرت حولي فرأيت أمواج القمح حرة في مروجها ، سمعت صوت المياه متنقلا بين بحر ونهر عندئذ بدء سير بدأ سير الرغيف يتضح أمامي ، فالمعاني الجميلة لا يُعرف لها بداية ، فالقمح قد ارتضى حصدا ، والماء أيضا قد ارتضى حيزا صغيرا ، أما الزمن فقد امتدت خميرته ليكون الرغيف شاهدا حيا على سر التوازن وجمال المركز ، القمح مثل الرغيف والرغيف هو القمح ، والماء مثيل الرغيف والرغيف هو الماء ، أما الزمن فهو الخميرة الأبدية لكل ما بهذا الكون.

  • قالت : ما بك       ما بك          ما بك
  • قلت : الأجوبة كلها عندك . فلماذا تسألين . نهضت المعاني من قيلولتها . وباحت بالسر . عندما نرى الأشياء كما هي . وليست كما نريدها نحن . هي الجمال اللامتناهي .

وبدأت هي بالبكاء . وبدأت أنا ألملم دموعها . لم تتسع الأيدي لتلك الدموع.

أسرعت . وركضت . وبي نداء من باستطاعته أن يعطيني وعاء لتلك اللآلئ ؟

ليرجع الصدى . عندما لا تستطيع الحروف أن تُعبّر عما تبوح . وعندما لا تستطيع المعاني أن تنعكس في الحروف . علينا الصمت المهذب.

الى أن عاد إلينا الصمت الناطق في اللحظة التي اقترب منا عصفور في بداياته لكي يلتقط ذرة خبز . قبل أن يمضي بعيدا.

أيها العصفور . أنت ما سمعت ما سمعت . ورأيت ما رأيت . فنحن لك من الشاكرين.

“لتنهض قصيدة جميلة من رحم الفضاء”.

عنكبوت صبورة هادئة

لاحظتُ أين تقف على صخرة صغيرة منعزلة من الشاطئ

لاحظتُ كيف تستكشف الفراغ الشاسع المحيط بها

إنها تطلق خيوطا      خيوطا         خيوطا  من تلقاء نفسها تفكُّ بكرتها الأبدية مسرعة بلا تعب

وأنت يا روحي حيث تقفين

منفصلة محاطة بمحيطات من فضاء لا يمكن قياسه تتأملين   تجازفين   تبحثين  تطلقين خيوطك

Walt-Whitman

صوب النجوم لتصليها ببعض

 حتى تصنعي الجسرَ الذي تُنشدين وترمين المرساة حيث تريدين

حتى يتثبت خيطك الهلامي الرقيق بمكان ما

آه يا روحي

                                                    والت وايتمان

  • قالت : يا صديقي . إنني أعاشر كل ما في الكون  .  أتكلم بلغتهم . يأتون ويذهبون ولكنهم يحسبون أن لا لغة لي سواها . وعندما أحاول أحيانا أن أتكلم بلغتي . فإنهم لا يقتربوا من شواطئ فهم ما أبوح به.

تمايلت محتويات الوجود …..

 فانقطع الحبل السري بيني وبين تلك النبعة … فغابت المفردات

تراكضتُ    وتراكضتْ المعاني …. ليكون حالي حال

أسرعت الى شبّاكي …. لعل تلك الحمامات الزائرات لهذا الشباك يلتقطون بعضا من السكينة من هذا المدى

ولكن كان وهما حزينا ….. بأن هنالك بعض لمحات  لمحات من مساعدة .. بعض لمحات

الى أن اقتربت المزاريب السماوية من تراب الأرض لكي تبدأ تلك المزاريب بالدق على حواف

 صديقتي الحاوية

كلنا نعشق الأمطار

أما صوت المزاريب ….. فله شأن آخر

ولكن     ولكن      ولكن

ها هي صديقتي تذوب محتوياتها في المياه ها هي الأيدي التي حُرمت من نعمة الاكتفاء تعود خاوية

من أين لي هذا الانقسام؟

وجوه    أيدي   في هذا الكون لا تجد لحافا تلتحف به لا تجد ما ينعش أجسادها التي تُعاني ما تُعاني

ولكن لا أدري كيف اجتاحتني ريح عاصفة فغادرت منزلي لأقترب منها ….. لعلي أتعلم لغة

الريح وهو يداعب محتوياتها

  • …. ما بكِ ؟ الى متى هذه الحبال ؟ حبال أفكارك      معتقداتك      تزداد سماكة وقوة

البرد        الصقيع        الدفء     المطر       الجوع       الفقر

كلهم يتصارعون في مناخ الاختلاف.

ماذا لو تريثت قليلا ….. ها أنت تحاولين التقدم بخطوات لكن تتراجعين أكثر بعيدة أنت عن حافة الاستنارة بعيدة  بعيدة.

  • وأنتِ
  •  ربما عليّ أن اخبرك عن احتفال الأمس
  • احتفال ؟     احتفال ؟
  •  نعم كان هناك اجتماع للقطط احتفال  وليمة  عيد ميلاد   سمها ما شئت فأنا لا أطرق باب تلك التسميات

ولكني احتفظت بما سمعت ورأيت في ثنايا هذه الجدران مثلما تقومون به لتسجيل اجتماعاتكم أو تكتبون الوثائق   الرسائل.

والآن عودي من حيث أتيت ولنا لقاء آخر

وضجّ النداء …. تركتُ ما بيدي …. وضعت عباءتي على أكتافي

اسرعتُ      أسرعتُ     ثم اقتربتُ ….. أمسكتْ الشمس شالها لتركنه بين أكوام الشموس المختبئة

فبدأت خيطان الأمطار تلهو بين علو وانخفاض

  •  أنظري مليا            أنظري في خاصرتي        يوجد رسائل عشق أخشى ما اخشاه

أن تتلاشى مفرداتها مع ذوبان حبرها الأحمر.

فنكون أنتِ وأنا من الغائبين عن لحظات عشق كونية.

عادت مفرداتي الضائعة للظهور مجددا    وكيف عرفت أنها رسائل عشق ؟

  •  أنتِ تعرفين ولكنك تتجاهلين

أو أن عروقك قد أصابها بعض الجفاف.

فما عاد بمقدورك الاقتراب من مناجم العشق الأزلية  أليست رائحة العشق ….. هي رائحة الاحتفال بالحياة ؟

ولأن منطق الاستسلام غائب عن مشوار صديقتي أعادت النداء ولكن بصوت فيه الاصرار وما يشبه الأوامر.

  •  انظري إليها … وأعني الرسائل … اسكبي النظرَ سكبا ثم دقي على قلبك سبع دقات

ليرافقنا     إن هذه الرسائل مُزقت بعناية شديدة   إلا أن بعضا من المعاني قد تتعربش على بقاياها

وكان يا ما كان …. و يا من تقرأون الآن

إن أنفاس العشاق ابتدأت بالفوران

كما يفور قدر من الحليب مركون على حطب مشتعل

ابتدأت أنا بالمشوار …. مشوار اللملمة كنت مثل حمامة تلتقط حبات القمح …. حبة وراء حبة

ثم طلبت الاذن من صديقتي الحاوية بأن ترافقني تلك الرسائل الى بيتي

وكان أن كان

لملمتها

أسرعت الى الأعلى

نشرتها على شرشف أبيض مُطرز بالبنفسجي

جلست بجانبها

انتظرت جفاف المياه

اقتربتُ …. ابتعدتُ

لينهض السؤال …. هل من حقنا الاطلاع على ما ورد فيها ؟

هل أعيدها الى مكانها ؟

لماذا هذه الرغبة عند صديقتي الحاوية بالاحتفاظ حتى ببقايا رسائل عشق

لكن المعاني المولعة بأكسير الانفلات تركت حيطان ونوافذ وأبواب الحروف وركبت الريح

سمعت بقايا الرسائل نداء الريح .

أسرعتُ أنا الى الشرشف الأبيض

لأجد بعضا من نقاط    دوائر          علامات

وكان ندائي … يا صديقتي  ماذا أفعل ؟

  •  عودي الى مكانك ثم ابدأي بالغناء  أغنية وراء أغنية ….. وعودي الى غصن اللوز الأول

غصن البدايات

ابدئي بالدق … دقة وراء دقة

فالعروج يحتاج الى الدق

ستعود لنا تلك الرسائل

“فالذي نبحث عنه يبحث عنا أيضا”

وعمّ الظلام …… في اسوداده لون يشبه السواد ولكنه ليس اللون الذي عرفناه …. أو أن عيوننا

 اعتادت عليه   فيه بريق ولمعان ….. وبعض نقاط من النجوم لا إنها أقمار ….. أو لعلها نقاط

متتابعة.

ولكن صديقتي الحاوية أعادت القول بنبرة أقوى   ابتعدي … ابتعدي الى الحد الذي تستطيعين فيه حضور حفلنا اليوم

ورأيت أو شاهدت تفاحة تمسك بالأغصان    شجرة جميلة أغصانها أوراقها فيها اللون الأصفر

لا      لا ليس الأصفر بل الأخضر.

لا      لا ليس الأخضر.

وبالقرب من شجرة التفاح كان هناك من يجلس مستندا على جذع الشجرة    وجه لعلي أعرفه

أتراك أنت يا أبي         لتبدأ أهازيج العواطف تتعالى       ثم يغيب وجه أبي

تأتي جدتي حاملة سلة التفاح …. أعرفها تلك السلة      إنها تفاح الزبداني …. إنه التفاح السكري

أمسكت تفاحة أو تفاحتين     أو      أو.

حاولت الاقتراب أكثر لعلي أغفو في احضانها والصوت مني يقول :

أنا نجوى يا جدتي ….    هذا شعري الطويل الذي كنت أنت من يعتني به

نظرتْ جدتي مليا ثم انطلقت ما بين السماء والأرض   أو مع الشمس والقمر

ولكن هذه الأكوام من التفاح …. تتعالى لتشكل نجمة من بقايا التفاح.

كان عليها أن تعود …. وكان على أبي أن يعود من حيث أتى

وماذا بعد يا صديقتي الحاوية

أما أنا فكان عليّ أن اعود الى تلك الرسائل التي عادت الى مكانها على الشرشف الابيض بانتظار

أن أفهم أو أن أحاول الفهم.

لكن شيئا ما شدني الى الخلف لكي استند على جدار صلب

لتبدا هي

  •  ألم أقل لكِ أن تهدئي

اتركي تلك الرسائل ولسوف ترين ما ترين …. وتسمعين ما تسمعين

فهذه الأرواح العاشقة هي التي سوف تحكي الحكاية

رويدا رويدا أصبحت أنا الحاوية

وأصبحت هي التي تمسك بمقاليد الحكاية

كيف تحولت أنا وكيف تحولت هي

إن الذاكرة التي نمتلكها … ونعتقد واهمين أن الأيام أكلت أحاسيسها

وأن الزمن أمسك بها ليمحو كلامها ومشاعرها هبّت رياحي    

ما عدت أنا       من انا        وما عادت هي        من هي        ما من تبادل في الادوار

لقد استحال كل ما حاولنا الى قارب كبير تدور فيه الظلال    المشاعر   الهمسات    البدايات    النهايات الى أن تعود مرات ومرات لكي تمتلك أجساداً    ريحاً    أشجاراً   ولعلها طيوراً

من أنا؟             من هي؟   من هم هؤلاء الذين يتكلمون    يرقصون      يكتبون أشعارهم على صفحة

الهواء لكي يتلون الهواء بالوان أقلامهم وفي أصواتهم أغاني وحركات ايديهم رقصات لا متناهية.

ما بين كل هذا تحركت مكتبتي باتجاهي ليطل عليّ دفتري الأخضر فاتحا ذراعيه على نصّ لي

“وجدتها …. وجدت نفسي    هل حقا أنا التي كتبت ما كتبت ولكنه خطي بتضاريسه غير المتناسقة”

دعونا نعود الى ما كنا عليه.

أنت أيتها الحاوية من ذاك الركن …. وأنا على شباكي

أراقبك الى أن جاء غصن اللوز متربعا على عرشك ايتها الحاوية

غصن اللوز …. أكان هو صاحب القرار  أكانت تلك الأيدي التي قطعت أغصان اللوز تعرف

ولو أقل قدر من حبة الخردل .

ماذا سيكون ما بيننا أيتها الحاوية الجميلة

عندما قلت لي اقرئي تلك الرسائل انها قصص العشاق   هل كان هناك برزخا ما بينك وبيني

كنت أعتقد واهمة أنني سوف أفهم قصص العشاق

ولسوف أكتبها بحروف جميلة.

أسرعت الى مولانا جلال الدين الرومي وسألته المساعدة

هذا المثنوي أمامي … من أين أبدأ  … وماذا أستعير منك يا مولانا

إلى أن جاءني يوما … باسطا يديه مرتديا عباءة ذات لون أخضر

لا ذات لون أبيض …. ملتفا به طوق من زهور البنفسج

رويدك رويدك يا مولانا جلال الدين الرومي

ما عاد باستطاعتي إلا أن أحتمي بصورة جدي  هو أيضا دائما معي يداه ما تزالان تلامسان يدي

  • اهدئي   علينا أن نحرص مما يسمونه مجازا   الماضي    الذكريات

علينا أن نعود إليها تاركين النسب والاضافات

علينا أن نرى الأشياء التي لا تصطدم بما يسمونه نورا

ومرّ زمن أو لم يمر … هذا التباعد لم يكن تباعدا   إنما تركتها وتركتني …. بعدما تمازجنا

أصبحت هي أنا وأنا هي ….. كان لابد لنا من هذا  أن نُعيد ترتيب فصول مشوارنا في هذه الحياة

كان يوما عاصفا ماطرا …. البرق في لمعان  الأمطار تدلقها السحب دلقا

تركت ما بيدي لكي أتفقدها  وما أن اقتربتُ منها سمعتُ أحاديث …. الهمس منها عميق جدا

ما كان باستطاعتي أن أفك الحروف أو أفهم المعاني

اقتربتُ ووضعتُ رأسي على حوافها …. لعلي أفهم ما يدور في داخلها

تساءلت … ما دامت هي هي وأنا أنا … لماذا لم أفهم هذه الهمسات المتماوجة

تخفت الى درجة الصمت … وإن عَلَت قليلا يصعب عليّ أيضا السماع

تدلّى الرأس مني في أعماقها …. كان كل ما فيها يسبح في مياه الأمطار

سألتها : لم أستطع الفهم يا صديقتي ما الذي يدور في هذا المساء  أرجوكِ لا تترددي بإخباري

ما الذي يحصل ؟

قالت : على مهلك … نحن لا نشكو من شيء  وإنما هنالك حبة عنب    بدأت بسرد اشواقها الى

أغصان شجرة التفاح

إنها تكاد ترى تلك الدالية على باب الحارة وتكاد تسمع غناء تلك العناقيد في تلك الدالية التي تناديها

إنه الشوق ….. وما أدراك ما الشوق ؟

أجابتها اغصان شجرة التفاح .. إنني أتفهمك تماما

ولكن كيف باستطاعتي أن أحملك الى هناك

ابتسمت شجرة التفاح وقالت …. دعينا نبحث عن طريقة ما  نُعيدك بها الى تلك الدالية

قالت لي الحاوية .. هذه هي الحكاية … أنت تستطيعين المساعدة

تلعثمتُ         بكيتُ      ارتجفتُ            

  •  الطريقة سهلة وبسيطة  هذه هي حبات العنب … مدي يديك برفق … ثم احمليها الى

تلك الدالية …  إلى ذاك البيت المرسوم على باب الحارة .. انه في منعطف

أمسكت حبات العنب … ووضعتها في جيبي خوفا من البرد أو من الضياع

بدأت أشعر بذبذبات تسري في كياني

ثم سمعت ما يشبه الهمس :  أسرعي         أسرعي       

أخاف عليك من الأمطار    من البرد    يا صديقتي    يا صديقة أمنا الحاوية

الى أن وصلنا الى ذاك المنعطف لندخل سويا الى حدائق صمت محفورة تحت سطح الدالية

عدتُ    ثم رجعتُ    ثم التفتُ       

لقد تركتها في أحضان جذور الدالية

لكي يبدأ المطر بحفر دهاليز طويلة

فتلتقي مع أخواتها وأخوتها

أطل وجه جبران خليل جبران الجميل مرددا

هل جلست العصر مثلي               بين جفنات العنب

والعناقيد تدلت                         كثريات الذهب

هل صحوت الصبح مثلي ؟

هل رأيت يوما مثلي   تلك الكروم الدمشقية على أسطح منازلنا … في بساتيننا …. تلك الكروم

جذورها في أرض ديارنا الدمشقي لها الحرية أن تتعربش     تتسلق   لكي ترتكز على ما يشبه

السقف الخشبي      

 إنها داليتنا       إنها كرومنا  المتشابكة الملتصقة مع كروم الجيران

وهذا الربيع عندما يأتي يعطي بعض تلك الأوراق الخضراء ذات الملمس المخملي المقدرة على

 أن تكون غطاء لتلك القطوف الخضراء تلك القطوف لها مشوارها في درب             

الحموضة              الحلاوة                الذوبان                 ثم التنشيف

هناك حبات عنب استعارت لونها الأصفر فرّق ثوبها حتى تكاد العين أن تمسك بالبذرة الكامنة

الى حين

وهناك حبات عنب استعارت من شقائق النعمان لونه الأحمر البهيج

وأيضا عنقود كبير تتدلى منه عُنيبات صغيرة الحجم (دجاجة وصيصانها)

سلام عليك يا حبات عنب من قلب الحاوية

سلام عليك عندما شرحت أشواقك وكنت تَدورينَ وتُدَوّرين على من يسمع أنين أشواقك

الى أن اقتربت اغصان شجرة التفاح منكِ

فسُمع النداء وكان الذي كان

هذا الذي لا نعرفه ولا نفهمه علينا أن لا ننكر وجوده

ذهبت إليها وأنا أحمل أحزاني وبي خوف من ذاك الذي يجري

الموت         الموت         الموت

كيف نتمسك بحضور من غاب

ها أنا أكتب عن الحزن … وأنا أقصد الفرح    أكتب عن الذوبان

وأنا أقصد الاحتفاظ بكل تفاصيل كل الذي عندك يا صديقتي الحاوية

هذه بقايا تفاحة كأنى بها استعادت جذورها

هذه الكفوف الممزقة أراها استعادت اليد التي لبستها  التبادلات فيما بين زوارك

ها أنا في لحظات أرى الأشياء التي لا تصطدم بالنور

حضور من غياب …. وغياب من حضور

قالت : يا ليتك تعودين الى بداية الحكاية

عندما ابتهجت بغصن لوز مرمي بجانبي أخذته ووضعته في مزهريتك

وعندما اكتمل ازهراره … كنا انا وأنت الحكاية

الحضور هو الآن … لا نملك إلا سحر تلك اللحظة

ما من ألم … ما من غياب

هذه حبات العنب … ألم تعطِك درسا

هي حضور من غياب

وكانت الغياب في رحم الحضور

تذكري         تذكري    أن كل الم يؤدي الى تحول هو ألم نبيل … تشتاق إليه كل الكائنات

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات