سميرة بارودي … الممثلة التي تداوم في الزمن الأجمل

10:01 صباحًا الإثنين 1 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت ــ إسماعيل فقيه :

رسالة بيروت: إسماعيل فقيه

كيف يمكن الحديث عن أو مع الممثلة سميرة بارودي؟ سؤال لا يمكن الإجابة عليه مرة واحدة أو بتعبير واحد. سيدة الشاشة، بالأسود والأبيض، وسيدة الشاشة الملونة، كيف يمكن مقاربة حضورها الفني في زمن التحولات الفنية المتعددة والتي لا يمكن فهمها أحياناً؟ كيف يمكن الحديث عن شخصية فنية فتية لا تشيخ مهما توغلت بالزمن؟


الفنانة الممثلة القديرة سميرة بارودي تنتمي الى جيل الكبار في التمثيل الدرامي ، ولدت في مدينة طرابلس، شمال لبنان. امتهنت الفن باكراً، حيث بدأت مسيرتها الفنية في سن مبكر جداً، وتقول بارودي عن بداية مشوارها الفني :

سميرة مع يوسف شعبان

كنت في السابعة من عمري حين بدأت العمل الفني، فقد مثلت العديد من الأعمال التلفزيونية و المسرحية والسينمائية والإذاعية. ومن ثم كرت وتنوعت الأعمال التي قدمتها . ووصلت الى امتهان فن الدوبلاج ، رغم انه جاء متأخراً، في العشرين من عمري ، وعشقت الشخصيات الكرتونية التي وضعت صوتي عليها “.
تتذكر بارودي الكثير من أعمالها المنوعة  في الدوبلاج : ” أول عمل كان مسلسل (ريمي) تبعه البطل خماسي والسنافر وغيرها العديد من الأعمال الكرتونية الى أن بدات مرحلة دبلجة الاعمال الدرامية التي استمريت أحقق نجاحات من خلال شخصيات أحبها الجمهور كثيراً وعن ظهر قلب، وأشهرها (ماريا مرسيدس)  المسلسل المكسيكي ،( وكاساندرا) أيضاً “.

تتمتع بارودي بصوت جميل ورائع لذلك هي في واجهة السمع دائماً . فمن خلال صوتها الرزين والجهوري وصلت الى  أحاسيس وقلوب المشاهدين وخاصة بشخصية (كنتارو ورانزي و سنفور غبي ) وسواها من الشخصيات المتخفية وتظهر بالصوت، بصوتها.
تقول بارودي : ” بدأت عملي بدبلجة الأعمال الكرتونية والدرامية . كنت نجمة مشهورة والأجر الذي كنت أتقاضاه لم يحصل عليه أي ممثل آخر”.   
أما بخصوص الدوبلاج وتأثيره على أعمالها الدرامية وسواها فتقول :

” لا أثر ولا تأثير، لا أبداً . النتيجة واحدة ، الدوبلاج هو عمل كغيره من الفنون لكنه يتطلب حرفية عالية وصبر لا حدود له “.
 تتميز الفنانة سميرة بارودي بشخصية ذكية وجميلة ، بالإضافة الى أنها صاحبة وجه بتقاسيم أنثوية لافتة وتشد المشاهد من اللحظة الأولى لحضورها في الشاشة . ولأنها فنانة قديرة ومتمرسة في فنها ، يبقى التمثيل هو نشاطها الأهم والأبلغ والذي لا تحيد عنه. فمنذ انطلاقتها قبل عقود من الزمن وهي في الذاكرة الشعبية وفي ذاكرة النخبة، وما جعلها تحضر في الذاكرة ولا تغيب، هي تلك الأدوار الهامة والمميزة التي قدمتها في مختلف أعمالها الدرامية وسواها من الأعمال التلفزيونية والسينمائية. فمن ينسى شخصية سميرة بارودي في المسلسلات القديمة وخصوصاً تلك الأدوار في  مسلسل (جوال) الى جانب زوجها إحسان صادق ، الممثل والفنان القدير. وفي مسيرتها الفنية عشرات الأعمال والمسلسلات الدرامية والتاريخية، مثل: صراع مع الحياة، شارع الضباب، شمس الغائب،كفايا حب،الفتى الشرير،الأبله،ابن الحرامي وبنت الشاويش، وسواها من الأعمال التلفزيونية التي ارتسمت عميقاً في ذاكرة أكثر من جيل.

التمثيل بالنسبة لبارودي هو الأهم، ” هو الأساس الذي أنطلقت منه، ومنه تحولت الى ما هو أكبر وأفضل. بدأت التمثيل، وكان شغفي به أقوى مما يظن أحد. بدأت التمثيل من منطلق رغبة وقناعة وحب، لذلك نجحت واستمريت وقدمت العديد من الأعمال التي شكلت حدثاً في ثقافة الدراما . التمثيل هو الأهم وهو الأساس وهو الفعل والفاعل الذي قادني الى الفعل المستمر والذي لا يمكن أن يتوقف في لحظة ما. التمثيل ثم التمثيل هو بارقة الأمل التي تربطني بوعي الحياة والإنسان”.

سميرة مع الفنان راغب علامه وزوجها احسان صادق

نجحت الممثلة سميرة بارودي (رئيسة نقابة الفنانين اللبنانيين) منذ انطلاقتها الفنية، نجحت بمختلف الأدوار التي قدمتها، فقد حصدت حضوراً مميزاً ولافتاً في مسيرتها الفنية ، واذا ما حاولنا النظر والإلتفات الى تاريخها الطويل مع الدراما ومع الأدوار الصعبة التي قدمتها، في زمن كان من الصعب أن يعبره أي فنان دون عثرات، نجد أنها استطاعت أن تعبر الزمن الفني الدرامي التلفزيوني السينمائي الصعب بهدوء ونجاح باهر. كانت وما زالت شخصيتها هي الحلقة المركزية في تأصيل العمل وتحويله باتجاهات جاذبة ولافتة. حتى في الأدوار السريعة والبسيطة التي قدمتها الفنانة كانت تحضر بقوة وتعطي للمشاهد سؤال الجذب والإنتباه. وتعترف بارودي أنها تعشق عملها الى درجة يصعب وصفها :

سميرة مع زوجها الفنان احسان صادق

” أحببت كل الأعمال التي قدمتها، وكنت أنفذها بكل رغبة صادقة، ولم أكن أشعر أنني أمثل. كنت أعكف على الدور الموكل لي وأنفذه كما لو أنني أعيشه في الواقع، وهذا الشعور هو أساس في حلقة الوعي الفني الذي رسم الخطوط العريضة لحركتي الفنية التي ما زالت على وعدها مع نفسها، وعد النجاح والتواصل مع العمق والأعماق الجوانية للحياة والإنسان(…) لا أرى في الفن، فن التمثيل سوى مشهد الواقع، مشهد الحياة التي نعيشها، وهذه الرؤية أعطتني الأمان في التواصل والإستمرارية، وزادت من قناعتي في الوعي الذي امتطيته ومشيت. التمثيل الذي تعودت عليه، وعودني على نفسي، هو نفسه الذي صقل وعيي في الحياة وفي النشاط الفني المنتظر والذي كان وسيكون”.

سميرة بارودي أيام زمان
سميرة في مسلسل الأبله

مرحلة من الزمن مضت، زمن الفن الجميل، زمن التمثيل الذي كان وردة الصباح وقرنفلة المساء. زمن الشاشة الفضية الذي مضى، رسمت شبكة من خيوطه وشباكه فنانة كبيرة اسمها سميرة بارودي. الماضي الجميل الذي عرفناه من خلال الشاشة الفضية، ما زال يتحرك في واقعنا، وسميرة بارودي تقدمه اليوم وتؤكده غداً، وتثني عليه في كل إطلالة لها: ” زمن الماضي الذي عشناه في مساحة العمل الدرامي، هو زمن التوهج الذي أضاء درب الأيام التي تلت، وما الأجيال الطالعة اليوم وبالأمس وغداً، ما هي الا بداية مستمرة لما بدأناه في زمن ما عبر. كل الأجيال المتعاقبة هي مساحة فنية واحدة، تختلف بالشكل والمضمون والحركة، لكنها لا تختلف في رسم المعنى الذي يصنع ويقدم شكل الحياة من جديد “.

سميرة وروميو لحود

لقد شكلت الفنانة سميرة بارودي وزوجها الفنان المميز إحسان صادق صورة فنية وإنسانية راقية بامتياز. فنان وفنانة ارتبطا خير رابط ، جمعهما الحب والزواج، وكان الفن منزلهما الفسيح والعامر، ولا شك أن كل واحد منهما أعطى وأخذ من الآخر، زاد من وهج التواصل في المساحة الفنية المتوهجة : ”  تعلمنا مع بعضنا أكثر، ومن بعضنا أكثر وأكثر، كل واحد منا أعطى الآخر وساهم ببلورة الصورة والمشهد والمعنى “.

تواصل اليوم الفنانة مسيرتها الفنية ، وتعكف على النشاط والعمل، وفي برنامج أيامها أعمال كثيرة وأنشطة كثيرة، وتقوم اليوم بتنفيذ دورها في مسلسل جديد في القاهرة ، ” وعندما ننتهي من التصوير يمكنني الحديث عنه مطولاً. وهناك أعمال أخرى بانتظار تنفيذها، وهي من النوع الدرامي الذي أحبه كثيراً، وانشالله ننجزه ونتحدث عنه لاحقاً “. أحب الأعمال الى الفنانة هي الأعمال التاريخية التي تقدم سيرة الحياة والتاريخ : ” المشاركة في العمل التاريخي، تمثيل الدور التاريخي، هو بمثابة إعادة كتابة للتاريخ بلغة الصوت والكلام المباشر المرئي المسموع، الأمر الذي يرفع منسوب الوعي الى درجة الوعي الأكبر، وحين يقوم الممثل بهذا الدور فهو بالتأكيد يقدم صورة جوهرية تساهم بإضاءات كثيرة تساهم في بلوة المشهد الغابر ، وفي الوقت نفسه، يكون الممثل أمام امتحان المشهد الذي يستطيع من خلاله الحضور واستحضار ما هو ضروري لوعي الحياة نفسها “.

One Response to سميرة بارودي … الممثلة التي تداوم في الزمن الأجمل

  1. محمد درويش رد

    1 فبراير, 2021 at 2:56 م

    ذكريات ومواقف ممتازة ورأي جميل كتبه وتاريخ فني واسع اشار اليه الكاتب الشاعر الناقد الفني اسماعيل فقيه في دراسته لشخصية سميرة بارودي الممثلة الفنانة العملاقة في لبنان .الف شكر على الجهد الذي بذله هذا الشاعر الرائع .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات