فراشات شعرية عربية في ألف ليلة وليلة!

01:46 مساءً الأحد 7 فبراير 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

“اليوم هو السادس من فبراير، اليوم العالمي للأمم المتحدة ضد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وسوف يعلن ختامه برنامج مهرجان الشعر العالمي – ولجنتنا   الدولية للحفاظ على حقوق المرأة، مبادراتنا الشعرية العالمية، التي بدأناها قبل ثلاثة أشهر، وكسرنا الحدود بين البلدان، وبين الشعراء وبين الثقافات. نحن ثقافة الشعر … ننضم لنفوز في هذه المعركة .. سننتصر”.

بهذه الكلمات استهل الشاعر المكسيكي يوري زامبرانو، عضو المهرجان، وعضو منظمة أطباء بلا حدود، فعاليات اليوم الأخير من الحملة، التي شرفتُ بدعوتي للمشاركة بها، مع باقة من الشاعرات العربيات، من مصر والمغرب، وبمشاركة الشاعر والقاص المصري المقيم بالكويت محمد الحديني.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت  في 20 ديسمبر 2012،   القرار 67/ 164 الذي دعت فيه إلى الاحتفال بيوم 6 فبراير بوصفه “اليوم الدولي لعدم التسامح مطلقا إزاء تشويه الأعضاء التناسيلة للإناث، واستغلال هذا اليوم في حملات إذكاء الوعي بهذه الممارسة واتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء هذه الممارسة.”

اتخذ زامبرانو من (ألف ليلة وليلة) عنوانا لأمسيتنا العربية التي سبقت الختام بليلة واحدة، وهو عنوان صادف سحرًا، كما قلتُ في مستهل إدارة الأمسية، لأن اختيار (الليالي العربية)، ببطولة شهرزاد، هو استدعاء للمرأة المبدعة، التي اختارت الإبداع للحصول على حريتها، فكانت رواياتها كل ليلة تشتري حياة لها. ووجهت شكرا إلى الشاعر البنغالي أمين الرخمن، الذي تابع الأمسية، لأنه حقق تلك المعادلة مع حضور المرأة المبدعة على نحو متوازن مع أقرانها من الرجال في دورية (دكا ريفيو) الشعرية، التي صدر عددها الأول لإصدارها الجديد في يناير 2021، بمشاركة 101 مساهمة ومساهما بالشعر، و22 بالقراءات النقدية.

اللغات التي قرئت بها قصائد الأمسية كانت العربية والإنجليزية والإسبانية، فقرأت – نموذجا- الشاعرة المغربية دليلة حياوي قصيدتها “قدرٌ.. رحيم”:

 قالوا: ” أوقدي بليلِكِ.. شموعا من دُنَا التوبة.. يأتيك الهاجر.. ضروعا

متبتِّلا.. متهجدا.. خشوعا

فاعْتلي مرةً.. هودج النساء.. المنوعَ وعتّقي لسُقياهُ.. الجزع الجزوعَ

 عفوا.. يا عشيرتي.. لن أظل رحىً قروعا

تُسحق جوانحها.. لتحيي الجذوع

 قلبي بوحدته.. صار قنوعا

 لا يرجو ودّاً ولّى.. رجوعا

ولا البوار.. أن ينجب فروعا

هو القدر.. حنَّ لِبَابِيَ.. فهل أملك وأمري.. إلا الخضوعَ

هل نملك ألا نسخر للجموح.. الضلوعَ؟

سراديب أسْرٍ.. أو بُسُطاً نَطُوعَه ا

ٔو مناسج غدٍ.. تحيك روابي ونجوعا

ورموشا.. تطرف لفجر.. يرمي الطلوع

 هو القدر حنّ.. يا عشيرتي.. وأرى حنينه ذاك.. مشروعا

 أراه رحيما بنفس.. يسائلها الهوان.. الركوعَ.

مروة نبيل

التحليق كان سمة مشتركة في القصائد،  وبالتحديد تحليق الفراشة، حتى أنني قرأتُ مختاراتٍ من قصيدتي (100 رسالة إليها) التي تضمنها ديواني (ذاكرة الفراشات)، وعرضتْ دليلة غلافا لديوانها جسّدها فراشة، أما الشاعرة مروة نبيل فعنونت القصيدة بـ “الفراشة” نفسها:

تلك النَّار المؤمنة الخفيفة

التي يُمكنها أن تَطلب مِنك الرُّقيَة

يا جِنّي،

يا شيْطان خالص

احتضنها كعُدوان

كانشطارٍ نوويّ

أو كن هُوميروسًا، وفكر في الملاحِم

كيف تصف تأثيرها؟

وما ذنب الموسيقى؟

ولماذا لا يُهذب العالم نفسَهُ أمامها؟

وما الداعي للقرط مع هذا الفيضُ العِطريّ؟

هذه الفراشة مِغزَل دافئ، وأصابع مُتشابكة

ملمسٌ قطني، وموسيقى تستمرُ بفضلِ رَعشاتِها

عينان في عينين؛ والباقي مَجَرّة.

قد تكون ميلادَ مسيحٍ

موت إسْكندر

كُتيبًا مُهمًا

وَشمًا في مكانِه المناسب

أبَديةً، سرابًا

مِشبكَ شَعْرٍ

تَوحُّدًا،

وأول من يُسقط نَفْسَه على السِّجادة حين تُوقَد شَمعة.


ديمة محمود

أما “فراشة” الشاعرة المصرية ديمة محمود، فقرأتها بلساني العربية والإنجليزية:

كَفراشةٍ نيّئةٍ أُحلّقُ في بيتي

وقتي الذي أقضيه في المطبخ أقطع بالسكين جزءاً منه للشِّعر وراء الستارة

لا يعلم أحدٌ أن ثمة قصيدة انسكبت مني وأنا أغسل الأطباق

وأن إعصاراً من الكلمات اجتاحني وأنا أطهو البامية

أحياناً لا أجدُ تفسيراً لهذا الزخَم الذي يعتريني وأنا أشوي السمك

كَالبنْدول تتردّدُ المقاطع في رأسي

أريدها كذلك – تَتأرجح وتُلحّ –

حتى لا يجلوها بخارُ القلي ورائحة مساحيق التنظيف

وقد ألُفها في المنشفة كي لا تبللَّها الرطوبة ريثما تبردُ في الثلاجة

مراتٍ قليلة جداً أسرعتُ لأدوّن في ملاحظات الهاتف النقال مقاطعي المنبثقة من المطبخ.

عندما ينتهي يومي المنزليّ أنظرُ في المرآة

أتحسّسُ رموشي وعينيّ وشفتيّ ووردتيّ

 ثمّ  أنتشي باكتمالي اللّدِن    

طيفُ الشِّعر الذي راودني عند الطبخ يندَسُّ في جديلتي ويأبى الخروج

عبثاً أتذكرُه فقد هوى شِعري في صحن الحساء

الذي التهَمه زوجي بِشراهة وقال لي بِالنَّص

فسري لي لماذا يبدو بعضُ الطعام ألذَّ من غيره في مراتٍ أخرى

يغمزني عند المرآة بِخبثٍ

لِيَنتشلَ مقاطع الشِّعر من شَعري   

ويطبعَها مع موسيقاه على شفتيّ

فَتبادرُني تكملةُ القصيدة!

محمد الحديني

وشارك الحديني بقصائده، وقرأها بترجمته للإنجليزية كذلك، كما في نص “متاهة”:

الوقت يمر ولا نفاد

لحبيبات الرمل في الساعة

وكأن أحدهم يقلبها خِلسة

ضوء برق مفاجيء

أو ربما وميض فلاش كاميرا

على إثره

تتجمد الوجوه

وتسكن الانفعالات 

وتبزغ الطحالب

فيخرج الحلزون من صدفته

ويتسلق السور العالي البارد

ليلقي نظرة ساخرة

على متاهة جهنمية 

ملقى على عتبة بوابتها

سلاحف وأرانب تطلب الإذن بالخروج

من سيدٍ يراقب ويبتسم ولا يحتسب النقاط.

وقد سألت المشاركين على الهواء عن الحرية التي تمنحها الكتابة للمرأة، وللمبدعين، وتركت لهم حرية صياغة آرائهم، لأضمنها هذا التقرير، فكتب الحديني أن “الحرية هي نقيض القيود والعبودية والتبعية ولذلك لا نندهش من خروج مظاهرات تنادي بها في مختلف ميادين وشوارع العالم على مر الأزمنة. وتعد الكتابة بمختلف أجناسها شكلا من أشكال الحرية فهي رافد راقٍ من روافد التعبير عن الرأي وتوليد الأفكار وتشكيل الوعي. والكتابة بالنسبة لي، بوح وترجمة لأفكاري ومناجاة مع الذات تارة ومع الآخر تارة أخرى، هي همسة لطيفة في أذن العالم وصرخة مدوية في وجهه أيضا إن لزم الأمر”.

أما دليلة حياوي فترى أن الكتابة  بالنسبة لها “تطريز قزحي بأجنحة تجوب بي البعيد كما تجوب القريب.. تقودني إلى عوالم جديدة لتربط لي أواصر القربى مع أهلها.. فتغدو وتغدو عائلتي الإنسانية مترامية الأطراف.. الكتابة وأجنحتها ضماد كانت ولا تزال لجراحي بل ضمادات .. ما انفكت تهديني بعد كل عثرة أو كبوة حياة جديدة كل مرة..”

وكتبت مروة نبيل: “لكم عانت النساء- لا سيما الشاعرات منهن- على سطح هذا الكوكب؛ أنواعا من القمع والتهميش. لكن أكثر هذه الأنواع قسوة هو “القمع الذاتي” الذي قد تمارسه الشاعرة على نفسها. قد يرسخ في لاوعيها مجموع من العُقد والراديكاليات والإيديولوجيا؛ فإن لم تستطع التحرر- داخليا قبل أي شيء- من هذا المجموع؛ فإنها لن تستطع الطفو، والسباحة بأمان في تيار الإبداع؛ الهادر بطبيعته. قد يتطلب منها ذلك “التحرر الفكري” أن تبذل آلاما؛ وأن تصيغ معادلات صعبة بهدف التوازن والتعايش في مجتمع افترض لها من البدء الإحجام والتحجب. وقد تكتفي الشاعرة بتجارب البراءة والدهشة؛ لكن بالتساؤل عن ذلك المعنى الذي يحفظ للكتابة طزاجتها وتميزها؛ فإنه لن يكون شيئا سوى الحرية الداخلية، والانفتاح على العالم… وبشكل عام، فإن ما يميز الإبداع الشعري لشاعر ما، أو لنفسي- من وجهة نظري- هو مقدار الجهد المبذول في سبيل تحرير الوعي الذي يكتب؛ ذلك التحرير الذي يجعل من الكتابة الإبداعية نوعا كونيا مستنيرا متسامحا؛ قادرا على إحداث التغير، وتفكيك الأوهام؛ والإرتفاع بالمعني الإنساني؛ بل والإلهي للشعر.”

وأختتم الآراء حول المرأة والحرية والكتابة، بالشاعرة ديمة محمود: “الكتابة بأنواعها عملية تحرّر ذاتي في المقام الأول فهي محل صياغة الأفكار والرؤى الكبيرة والصغيرة باللغة وهي اكتشاف للذات وخلقها بل واستمرار هذا الخلق، وهنا أشير إلى أن لعبة اللغة بحد ذاتها هي فعل تحرّري آخر وهذا ما يعطي الكتابة هذه القوة الناعمة لفعلها الحقيقي المتشابك لدى الكاتب والمتلقي. لكنني أرى أن الكتابة بالنسبة للمرأة بالذات إن لم تكن شكّها المطلق في المطلق ولا مطلقها المستمر في الرؤية تحولت إلى سور كبير لا تراه فقط لبعده عن مرآها مباشرة يقيدها رغم ما تعتقده وتظنه أنه فضاء وسعة. وفي الوقت نفسه لا ننكر أن جينات الأنوثة المرتبطة بالتفاصيل والإتقان والإنضاج تنعكس إلى حدّ لا يستهان به في الكتابة الشعرية وفي الوقت ذاته لا يمكن تعميمه لدى الشاعرة المراة وللدقة أقول أن هذا يجتمع بتكامل مع الشعرية لدى فئة قليلة ومحدودة جداً من الشاعرات، والأنوثة كثيراً ما تفسد شعرية النص وتعدمه الرؤية وتتخمه بالركاكة والترهل .  “

https://www.facebook.com/eworld.poetryfest.1/videos/228715612265435/

https://www.facebook.com/eworld.poetryfest.1/videos/228715612265435/

وتضيف ديمة: “القصيدة الحقيقية في رأيي أيّاً كان نوعها هي القصيدة التي أتمنى لو أنني كتبتها وأشعر بالبهجة وأحبها وأحب كاتبها في هذه اللحظة. ‏هناك طوفان (كتابي) رهيب  وأضع أقواساً لأن هذا يشمل الغث والسمين  يعني ما هو جيد وما هو تافه وسطحي ولزج فلا يمكنني أن أسميه شعراً ولا رواية يلصق عنوةً وتضليلاً بالأدب، ومع ذلك فأنني لا أرى احتكار الكتابة بل للجميع الحق في الكتابة لكنني ضد المحاصصات لصالح الكتابات الرخوة والمشوّهة. ولكي أحصر ما أقوله حول الشعر فإن أهم عوامل هذا السيل الجارف هو الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والصحافيين والنقاد والشعراء أصدقاء الشاعر. تحولت الساحة الشعرية إلى مكان فيه القليل جداً من الكتابة والشعر وسط ثكنة ضخمة من الجزر للفساد والتخريب والهدم بمعاول الشعراء ذاتهم وأصحابهم من نفس الدوائر واللجان الشعرية خربة الضمير والذائقة والنقد الذي أصبح مستنقعاً وسلماً في آن وانتهى نهائياً ولم تعد له علاقة من قريب ولا من بعيد في جرد وتجريد الأدب من الحسابات وتقييمه  ووزنه في موازين القيمتين الأدبية والفنية.  وباختصار أفرزت هذه الحالة مجانية وسيولةً وابتذالاً بل ترويجاً للربط بين التفاهة والركاكة والابتذال الفكري واللفظي والفني. ولكي لا يبادر أحد بتشويه ما أقوله والالتفاف عليه فأنا حينما أقول ترويجاً أعني ترويجاً وتعمداً وافتعالاً وصناعة لفكرة الخروج الرخو الأراجوزي لمجرد افتعال التغيير والحداثة والرفض بينما الشعرية في الحالة تحت الصفر.”

وتختتم : “التجريب بحد ذاته ضروري ومطلوب لكن الاختلاف لأجل الظهور والشو ولفت الأنظار أو الاختلاف كي أكون موجوداً بصفة شاعر فحسب ولو على رميم كلام لا يضم في ثناياه الاشتباك بين اللغة والدهشة والرؤية سواء كبيرة أو صغيرة يسمى قصيدة وهو مجرد كلام لا علاقة له بالشعر وهو إسفين في مقتل يقصم ظهر القصيدة والكتابة ويعطي مسوغاً  للاصطياد في الماء العكر من عصابيّي اليمين واليسار والرجعيين وفئات أخرى كثيرة للعبث من جهة ولقصقصة الإبداع ومسخه من أدواته كيفما كان وبالتالي الخروج بالنتيجة التي تؤول إلى الصفر حول الجودة والقيمة الشعرية وحرية الكتابة معاً. كما أن الإفراط في السردية وفي صنع صور إما سطحية  مفتعلة أوطلسمية ومفككة والتناسخ وكتابة الكتالوج الكتابة ذات نمط (الباترون) والتي تكاد أن تخمن جملتها الثالثة والرابعه كلها من الكوارث التي انهالت على قصيدة النثر بحجة سعة عباءة هذه القصيدة التي صارت سبوبة لكل الجرائم . والأمر برمته أشبه بتزاوج مفزع ومريب يهدم القيمة والذائقة والخيال من خلال مكونات مسطحة وهلامية بها بعض النتوءات للتمويه، ويسميها شعراً. الشعر الحقيقي لا يحتاج لعرّابين ولا لنجوم، والشعر يأتي ويروح فالشاعر الحقيقي يكتب بالعموم نصوصاً جميلة وجيّدة لكنه قد يكتب نصوصاً عادية جداً ومتواضعة، والنقيصة الحقيقية في الكذب والتزييف و تحويل العادي والتافه إلى عظيم.”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات