الفنانة التشكيلية لولو بعاصيري… أزهار وألوان بغيوم بلورية

09:28 صباحًا الخميس 8 أبريل 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

الفنانة التشكيلية اللبنانية لولو بعاصيري بمجموعتها الجديدة من اعمالها،حمّلت لوحاتها خصوصية لونية ودلالات فائقة البهجة، وادت الازهار والورود والفاكهة دوراً فاعلاً في بناء هذا الجمال، الذي ارادته الفنانة تعبيراً هادئاً ومفاجئاً في آن واحد. هادئ في مساحة البصر، ومفاجئ في ما يحمل من دلالات، تؤدي فيها الوردة دوراً في ترتيب مفهوم الحياة، والفاكهة دور الفاعل والقائل.
نظرات الوردة في لوحة بعاصيري تبدو ذكية ووارفة وتتلو الصور المتتالية، فحين ترتفع في مساحة اللون وهي شاخصة الى اعلى، يظن المتابع انها تترقب مفاجأة من السماء. وحين تظهر منحنية كمن تلوي عنقها لتنام او تندم، يفتح هذا الامر باب السؤال داخل البصر وفي مساحة المعنى والدلالة. والأهم ان الزهرة او الوردة التي تتربع على عرش اللوحة، تبدو اقرب الى صورة فوتوغرافية تبثّ صورها المباشرة والدفينة. ويبرز جلياً هذا التناقض الجميل في غالبية اللوحات التي اختارتها الفنانة لتخاطب البصر ثم الروح والعقل. وترى بعاصيري ان «اللوحة، مهما كانت مباشرة في الشكل، فانها لا تستطيع اخفاء المستور والمضمر، وهذا امر بالغ الاهمية في العملية الابداعية التي يجب ان تستمر وفق اصول الاحساس المتدرّج في القلب والروح والعين».

الفاكهة التي تظهر في اللوحة متنوعة، وكل منها كفيل رسم المشهد الآني الذي يبني الشكل الخلاّق والناعم. ولا تخفي هذه الفاكهة المتنوعة جدلية الحياة، وما ترمز اليه من ألوان او اشكال يمثل اقتناعا راسخا في ذات الفنانة وتطلعاتها صوب الحياة.

«لكل فنان خصوصية في بناء المعنى الواضح والدفين، ولا يهم نوع المادة المطلوبة او شكلها للوصول الى المناخ الخاص، المهم ان تبقى الصورة نابضة بحيوية الفعل المطلوب الذي يسعى اليه الفنان دائماً. وحين تكون الاشياء المرسومة والمدونة في اللوحة حركة ناشطة، فهي حتماً تنطلق من عمق الزمن الذي يتحرك داخله شعور هذا الفنان او هذا الانسان الباحث عن حيوية اخرى تربطه بالحياة».

تتركز الصورة على منطق الوعي الجمالي في لوحة بعاصيري، ويبرز هذا الوعي جلياً في المساحة التالية التي تبثّها كل لوحة في النفس الباحثة عن بقية لشعورها واحساسها، «حين تكون اللوحة التي ارسمها في متناول الذوق الرفيع، وعندما تدخل بسلاسة الى رهافة الآخر عبر ما ارمي اليه في اللون او في الشكل، فان هذا يساهم في تزويد اللون مادة ناشطة اكثر ولغة فاعلة تجعل اللوحة ذاتها في مساحة راقية بامتياز».

هندسة الشكل او خصوصية اللون الذي تتحرّك في مساحته ريشة الفنانة تبرز كصفاء كلّي، وتتناغم الاشكال في ما بينها وتنسحب على المساحة اللونية وفق اصول هذا التناغم الضروري الذي تحتاج اليه اللوحة. وتعرف الفنانة ان تتحرك داخل خطٍ ثابت في قواعده الاساسية ومُتحرك في نشاط الوعي، وقد اختارت لهذا النشاط دوراً يُساهم في البناء الهندسي على اسس واضحة وسليمة. ويمكن القول ان اللون الذي يتجلّى في اللوحة والمعنى الذي يتكوّن هو الجواب الفوري عن سؤال الشكل، اي ان الفنانة تُقيم بين كل الفواصل لتراقب كيفية تدرج الحركة اللونية وفق اصول الخط او الحركة الهندسية، «التناغم بين الشكل والمضمون امر ضروري داخل اللوحة، ويجب ان يكون الشكل صورة مطابقة للمضمون وان لم يكن هذا سهلاً في احوال كثيرة، ذلك ان المضمون يأخذ مداه في الشكل، والشكل يتمدد وينجلي تماماً حين يأخذ مداه الأرحب ويستطيع توظيف الصورة على أكمل وجه».

صور كثيرة تشبه الواقع تبرز جلياً في لوحات الفنانة، وثمة لوحات مُشرقة تعكس حيوية الزمن الذي تأتي منه. فالوردة التي تنطق بالنضارة هي نضارة متألقة وتعكس ما في محيط هذه الوردة. من هنا، نجحت الفنانة في اقامة العلاقة بين منطق الشكل وما يحوط به، وانتجت لغة خفية قد تكون وراء الوردة او بين ظلال الفاكهة او الخيط الذي يجمع الفاكهة داخل مسار المعنى المُرتجى، «كل هذه الدلالات في البناء اللوني والخطوط الهندسية التي تعطي للشكل مساراً يتجه عبره الى ابعد لحظات اشتقاقه، هي اصلا مساحة ممكنة يمكن عبرها العبور الى تفاصيل حساسة وربما مُتجذّرة في المناخ الخاص التي تنطلق منه رغبات الانسان وقدرته على القول والبوح. تتناغم الاشكال مع الألوان لترتسم في المساحة الأرحب وتعطي حركة انتقالية للمعنى وتبقى في المسافة المستمرة التي قد تصل الى التفسير الموسّع والشامل. تؤدي اللوحة دوراً كبيراً في استقطاب كل الاشياء والتفاصيل من اجل ان يتحقق الهدف الابداعي الكبير».

يتجسّد العطر في لوحة بعاصيري ويكاد يُلمس لما له من حضور فاعل، ويبدو شغف الفاكهة ساحراً حين تجمع اللوحة مشهد الفاكهة المُسالمة التي تبدو عنوان فرح كبير. وبين العطر العابق في اللون واشارات الفاكهة التي تبدو انعاشا للبصر، تتكثّف الصورة وتأخذ البصر الى مساحات اوسع، حيث كل شيء يستريح بعد تعب.

One Response to الفنانة التشكيلية لولو بعاصيري… أزهار وألوان بغيوم بلورية

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    8 أبريل, 2021 at 12:40 م

    القراءة الفلسفية الجارحة في لوحات الفنانة التشكيلية اللبنانية لولو بعاصيري التي كتبها بجدارة ويستحق عليها شهادة اختصاص بجدارة ورتبة ممتاز الشاعر الناقد الحساس الشفاف اسماعيل فقيه ترسم لوحات ولوحات بشكل حلزوني يمتد الى ما بعد الافق المفتوح على سحر غربي وشرقي معا”
    ان كل ما ترسمه لولو بعاصيري هو مشروع لوحة جديدة كلام جديد يقال لأول مرة من خلال موجودات عمرها من عمر الزمن لكنها ترسم لزمن جديد لربيع وورد وطبيعة من نوع آخر ، كأننا في جنائن معلقة لأنها تسحرك في الالتماعات العميقة في ريشتها التي تغمسها برحيق العين والقلب معا” ، انها تتخطى حدود المدارس الكلاسيكية والحديثة في الرسم التشكيلي ومستتبعاته من فن واسع ، لتكتب بل لترسم وتغني وترقص وتلبس اجمل ما لديها من ورد وسحر وربيع . وأناقة
    ..يسحرك البارع الجوال اسماعيل فقيه في تجواله بين اللوحات البعاصيرية ذات اللولؤ ما كتب فقيه بقلم من ذهب وما رسمت بعاصيري بالجوهر اللامع انما هو لغة السحر والجمال
    عودة الى لولو الساحرة بلوحاتها : ان لوحاتها لا شك ستشكل صدمة ايجابية لكل من احترف الرسم كي تصل افكاره الى ابعد من المجهول ، اذا ان السر في لوحات بعاصيري لن يضيع وان لكل ذواقة متعة النظر اليها ، انها فنانة تمتلك من الموهبة والخبرة والثقة ما لا يحق لأحد بعدها او قبلها ولا نبالغ، ان يحمل لقب فنان اللحظة والمستقبل، جميلة هي لولو الى درجة ترسم العين كما يرسم الضوء تاج الالوان ولا يتعب من الانتباه والفلسفة والدهشة والفجر المستند الى علم ودراسة وعقل واكاديمية تعجن رغيف اللوحة في العام 2021وعاطفة وتخطيط وفوضى الابتكار تأخذ بها على حصان الى اللامحدود من الأحلام …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات