مدرسة التَّرَسُّل الطَّبيعيّ (ابن المُقَفَّع المُقَفِّع) نموذجًا

11:51 صباحًا الجمعة 9 أبريل 2021
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تمهيد

كان المتقدمون- كما يقول ابن أبي الإصبع[1]– “لا يحفِلون بالسَّجْع[2] جملةً، ولا يقصدونه بَتَّةً[3]، اللَّهُمَّ إلا ما أتَتْ به الفَصَاحةُ[4] في أثناء الكلام، واتَّفق من غير قصد ولا اكتساب، وإن كانت كلماتهم متوازنة، وألفاظهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعبارتهم رائعة، وفصولهم متقابلة؛ وتلك طريقة الإمام علي عليه السَّلام ومَن اقتفى أثرَه من فُرسان الكلام، ك(ابْن المُقَفَّع)، وسهل بن هارون، والجاحظ وغيرهم من العُلَماء البُلَغَاء”([5]).

ثم ما لبث “النَّثْر العَبّاسِي” كذلك، حتى زَخَرَ بتيارات أدبية أخرى؛ انفرد كل منها بسر من أسرار البَلاغَة[6]، ولون خاص من ألوان البَيَان. هذه “التَّيّارات الأَدَبية” هي التي مهدت لظهور “المدارس الكتابية” في هذا العصر؛ وقد التف كل منها حول إمامٍ بارز من أئمة البَيَان، ينهجون نهجه، ويترسَّمون خطاه.

ففي بداية العصر كان الأُسْلوب السَّائد أُسْلوب “التَّرَسُّل[7] الطَّبيعيّ” وإمامه (عَبْد الله بن المُقَفَّع)، والتَّرَسُّل الصِّناعي، الذي خلَّفه عبد الحميد.

ثم ما لبثَت الأَسَاليب أن مالت إلى “التَّنويع والتَّفريع[8] والتَّحليل” والتَّعْليل، والاستقصاء[9] على يد الجاحظ في القرن الثَّالِث.

أما في القرن الرّابِع، فقد ظهرت “الصَّنْعَة البديعة المطبوعة، على يد ابن العميد. ثم ما لبثت أن أُثْقِلت بالمحسِّنات[10] التي أسرف فيها القاضي الفاضل، فظهر “التَّكَلُّف البديعي” في القرنين الأخيرين من الدّولة.

ومما هو جدير بالذِّكر، أن هذه المدارس ليس بينها حدود فاصلة، وليست كذلك محدودة بزمان أو مكان؛ ففي عصر الجاحظ، كان ابن عبد ربه يقلد (ابْن المُقَفَّع)، وفي عصر ابن العميد، كان الشَّريف الرَّضي يتفصَّح ببلاغة الإمام علي، وما مقامات اليازجي والألوسي وعبد الله فكري– في عصرنا الحاضر– إلا صدى لمقامات الحريري والبديع، وكذلك جاءت “مرآة البشري[11]” بظلالها الكاريكاتورية مرآة لنوادر الجاحظ ودعايته على الرَّغْم من تقادُمِ العهد وتعاقب السّنين.

أما المَدْرَسَة التي سنتناولها هنا بالدّراسة، فهي مدرسة التّرسّل الطّبيعي[12].
مدرسة التَّرَسُّل الطَّبيعيّ

رائدُها: (عَبْد الله بن المُقَفَّع)، زعيم الكتَّاب في عصره، وأحد مخضرمي الدّولتين. وقد أشار- في وصاياه للكتاب- إلى طريقته الفنية في الكتابة؛ فقال: (…وإياك والتَّتبع لوحشي[13] الكلام؛ طمعًا في نَيْل البَلاغَة؛ فإن ذلك هو العَيُّ[14] الأكبر)([15]). كما يقول: (عليك بما سَهُل َمن الألفاظ مع التَّجنب لألفاظ السَّفِلَةِ والسِّفْلَةِ[16]).

وحينما سُئِل عن البَلاغَة؛ قال: (البَلاغَة اسمٌ جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة؛ فمنها ما يكون في السُّكُوت، ومنها ما يكون في الاسْتماع، ومنها ما يكون في الإِشارة، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون جوابًا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شِعْرًا، ومنها ما يكون سَجْعًا، ومنها ما يكون رسائلَ، فعامَّةُ ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها، والإشارة إلى المعنى، والإيجازُ هو البَلاغَة)([17]).

وقال أيضًا: “البَلاغَة هي التي إذا سمعها الجاهل ظنَّ أنه يحسِنُ مثلها”([18]) ولن يظن الجاهلُ ذلك إلا إذا رأى كلامًا مَأْلوفًا واضح المعنى سهل الألفاظ لا تعقيدَ فيه ولا إبهامَ، فإذا حاولَ؛ عجز. وهذا هو “السَّهْل الممْتنع” كما يقولون.

هذا هو المذهب الأَدَبي الذي أخذ به نفسه، ورسم به حدود بلاغته وبالتَّالي رسم حدود مدرسته؛ فهذه المعالم التي أقامها، وهذه الخطة التي اختطَّها، هي التي قامت عليها بلاغة الكثيرين ممن سُحروا ببيانه وجالوا في ميدانه. فما طابع هذه المَدْرَسَة؟ ومَن أشهر أعلامها؟ وإلى أي حد سايروها في خصائصها الأَدَبيَّة؟

طابَعُها:

قام أُسْلوب هذه المَدْرَسَة على “التَّرَسُّل الطَّبيعيّ”، وعمادُه الإيجاز والإِرسال؛ فلا سَجْعَ ولا ازدواجَ[19] إلا ما جاء عفوًا، وإلا ما جاءَ في مجال “الحكم[20] والأمثال”.

لقد كان رائدها “يميل إلى إرسال الكلام دون تقيُّد بازدواج أو توازُن؛ فلا يخرج بذلك عن الأُسْلوب العام في القرن الأول([21])، كل هذا بلفظ سهْل، وأُسْلوب سَلِس، متين الرَّبطِ، خالٍ من المبالغات. وفي تقرير ذلك والتَّعْليل له يقول الدّكتور (شوقي ضيف):

“فليس في أساليبِه عناية بالأخيلة الدَّقيقة إلا ما جاء في (كَلِيلَة ودِمْنَة)، وهو منقول عن الأصلِ. وكذلك ليس في أساليبه عناية بالسَّجْع، ولا بهذا التَّرادف الصَّوْتي. وكأني به كان مَشْغولًا عن أن يُحْدِث لنفسه أُسْلُوبًا له خصائص أدبية واضحة من إتباعات[22] وأصوات، أو من تشبيهات واستعارات؛ إذ كان في شغل بالتَّرْجَمَة الدَّقيقة، وأن يؤدي ما يجدد في الأصل الذي يترجمه؛ لذلك خلَت أساليبُه جملةً من حِلْيَةِ الصَّوْت وحِلْيَة التَّصوير. ومن أين يأتي ذلك وهو لا يفكر في الجَمَال المادّي للأُسْلوب وإنما يفكر في الجَمَال المَعْنوي([23]).

وإذ كان (ابْن المُقَفَّع) مُلِمًّا بالثَّقَافَتين الفارسية واليونانية، عدا العَربيّة، فقد طُبِع أُسْلوبه بطابع العقليتين: السَّاميّة[24] والآرية[25] يوجز تارة، ويطنِب[26] أخرى بحسب الظُّروف ومقتضيات الأحوال، وإن كان إلى الإيجاز أميل، وتجلت في رسائله حكمة الهند وأمثالها، وآداب الفُرْس ومواعظها، كما تجلى في أُسْلوبه دقة المنطق اليوناني التي توقظ في القارئ فكرَهُ ولبَّه، وتغذي عقلَهُ وقلبه.

لم يحفِلْ بالسَّجْع ولا بغيره من المحسِّنات؛ لأن عنايته بتجويد المعنى كانت أكثرَ من احتفاله بجمال الألفاظ. ومن ثم قامت “صنعته الفنية” على التَّروي في انتقائها، والبراعة في اختيارها على قدِّ المعاني وأجمل الألفاظ عنده وأبلغها ما كانت كذلك حتى إِن القلم كان يتوقف بين أنامله. ولما سئل عن ذلك قال: “إنَّ الكلام يزدحم في صدري، فيقف قلمي لتخيُّره” ([27]).

لهذا كان يصطفي من الألفاظ أدقَّها تصويرًا، وأصدقَها تعبيرًا ولا يهُمُّه بعد ذلك إِن جاءَت قوية جزلة أم سهلة ليّنة، مسجوعة أم مُرْسلة، موجزة أم مُطْنِبَة، وهذا هو سر بلاغته، أفصح عن ذلك بقوله: (… فلا يكمل لصناعة الكلام إلا مَن يكمل لصناعة المعنى، وتصحيح اللَّفْظ، والمعرفة بوجوه الاستعمال). ومن ثمّ كان يُقال فيه: (كلامُهُ معانٍ، ومعانيه أحكام)؛ بل كان كما يقول أبو العيناء: (كلامُه صريح، ولسانُه فصيح، وطبعُه صحيح، كأن بيانَهُ لؤلؤ منثور)[28].

المترسِّلون

 (ابْن المُقَفَّع) نموذجًا

الكاتبُ الأديبُ، والمنشئُ الأريبُ [النّجيب، الفَطِن]، عبد الله (ابْن المُقَفَّع)، الفارسيُّ[29] أصلًا، المجوسيّ[30] دينًا، العربي ولاءً ونشأةً[31].

أما خُلْقُه، فيبدو أنه طُبِعَ على المروءة والوفاء، ويتجلى ذلك فيما قيل عنه- إن صدقًا وإن كذبًا- من إيثاره القتل بدلًا من صديقه (عبد الحميد) الذي طلبَتْه سيوف العَبّاسِيين وهو معه، فيقول الذين دخلوا عليهما: أيّكما عبد الحميد؟ فيقول كل واحد منهما “أنا”، خوفًا على صاحبه([32]). وكانَ كريمًا، ذا مروءةٍ([33])، وفي (أدبه الكبير والصّغير) ما يدعو إلى الفضيلة والقناعة والوفاء وغيرها من حميد الصِّفات[34].

آثارُ (ابْن المُقَفَّع)

عرفت العَربيّة، في هذا العصر، كثيرًا من ألوان الثَّقَافَة الأعجمية، التي نُقلت إليها عن الفُرْس والهند واليونان. وكان (ابْن المُقَفَّع) فارسَ هذه الحَلْبَة التي أثْرَتِ الحركتين: العلميَّة والأَدَبيّة. يقول ابن صاعد الأندلسي في طبقاته:

“إن أول علم عُنِي به، من علوم الفَلْسَفَة، هو علْمُ المَنْطِق[35] والنُّجوم[36]، فأما المنْطِقُ، فأول مَن اشتهر به في هذه الدّولة (عَبْد الله بن المُقَفَّع)، الخطيب الفارسي، فإنَّه ترجم كتب أرسطاليس الثلاثة: كتاب (قاطاعورياس)؛ أو المقولات العشر، وكتاب (باري أرمينياس)؛ أو العبارة، وكتاب (أنالوطيقا) أو تحليل القياس. كما ذكروا أنه ترجم أيضًا كتاب (المدخل) المعروف باسم (إيساغوجي) لفرفريوس الصُّوري.

وقد نقل (ابْن المُقَفَّع) هذه الكتب عن الفهلوية([37])، لغة الفُرْس القديمة، ومن ثم لا ينهض ذلك دليلًا على حذقه اليونانية، كما قد يتبادر إلى الأذهان. أما الفارسية– لغة آبائه وأجداده- فقد ارتضعها طفلًا، وشدا بها يافعًا، وتمرَّس بأساليبها طول حياته، ومن ثم كان يصطنع اللِّسانين، جامعًا بين البلاغتين. وقد ترجم كتاب (كَلِيلَة ودِمْنَة)، وزاد عليه، وكتاب (الآيين نامه) ويبلغ مئات الصّفحات- كما يقول المسعودي- في عادات الفُرْس وأنظمتهم، وكتاب (خدابنامه) في السِّيَر، والتَّاج في سيرة الملك العادل كسرى أنوشروان، كما ترجم كتاب (مَزْدَك صاحب المذهب، الذي شرق وغرّب)[38]“.

أما كتبه المؤلَّفَة فهي: الأَدَب الصَّغير، والأَدَب الكبير، واليتيمة، ورسالة الصّحابة. والحق أن (ابْن المُقَفَّع) – في (الأدب الصّغير والأدبِ الكبيرِ) – كان ناقلًا أكثر منه مؤلفًا؛ فقد أفرغ فيهما ما وعته الذاكرة من حكم الفُرس وأمثالهم، وراض ذلك كله بمنطق اليونان وأساليبهم كقوله: “ومِن العِلْم أن تعلَمَ أنَّك لا تعلَمُ ما لا تعلَمُ”. ومع ذلك، فإن شخصيته تجلَّت في حُسْن الاختيار، ورصانة العبارة، وإصابة الغرض[39].

ومن كتبه:

(أولًا) الأدب الصَّغير:

موضوعه التّهذيبُ والتَّأديب؛ فهو دستورٌ خلُقيٌّ يصلُحُ لكلِّ فردٍ، في أيِّ زمانٍ ومكانٍ، بينما (الكبيرُ) خاصٌّ بأدبِ الملوكِ وأخلاقهم وكذا من يتصل بهم، مع التَّحليل والتَّعْليل. كما أن الفرقَ بينه وبين (الأدب الكبير)، أن (الصّغيرَ) مبعثَرُ الأقوال كعقد وَهِيَ سِلْكُه فانتثر، بينما تجدُ (الكبيرَ) إلى التّبويب، وإحكام الرَّبط أقرب[40].

 ومن الأدبِ الصّغيرِ:

(أ) الواصفون أكثرُ من العارفين، والعارفون أكثرُ من الفاعلين!

(ب) على العاقل أن يُؤنس ذوي الألبابِ بنفسِه ويُجرّئَهم عليها حتى يصيروا حرَسًا على سمعه وبصره ورأيه، فيَستَنِيمَ [استنامَ إلى الشّيءِ: أَنِسَ بهِ واستكانَ إليهِ واطمأنّ] إلى ذلك ويُريحَ له قلبَه، ويعلمَ أنهم لا يَغْفُلُون عنه إذا هو غَفَلَ عن نفسه.

(ت) على العاقِل أن يجعلَ النَّاس طبقَتَيْن متباينتين، ويلبَسَ لهم لباسَيْن [يقصد باللّباس هنا: التّعامل] مختلفين: فطبَقَةٌ من العامَّة [عامَّة الشّعب: خلاف الخاصَّة منه، من ليسوا من الفئة المثقَّفة ثقافةً عالية] يلْبَس لهم لباسَ انقباضٍ وانْحِجازٍ وتحفُّظٍ في كلِّ كلمةٍ وخَطْوَةٍ، وطبَقَةٌ من الخاصَّة يخلع عندَهم لباسَ التَّشدُّدِ، ويلبسُ لباسَ الأَنَسَة واللُّطفِ والبِذْلَةِ والمفاوضةِ، ولا يُدخِل في هذه الطَّبقة إلا واحدًا من ألفٍ كلُّهم ذو فضلٍ في الرَّأيِ، وثقةٍ في المودَّةِ، وأمانةٍ في السِّرِّ، ووفاءٍ بالإِخاءِ”.

(ث)  كلامُ اللَّبيبِ- وإنْ كانَ نزرًا- أدبٌ عظيمٌ، ولقاءُ الإخوانِ، وإن كان يسيرًا، غُنم حسنٌ”.

(ج) ليس الصَّبرُ صبرَ الحمير: “ليس الصَّبرُ الممدوحُ بأن يكون جِلدُ الرَّجُلِ وَقَاحًا [صُلْبًا] على الضَّربِ، أو رجلُهُ قويةً على المشي، أو يدهُ قويةً على العملِ؛ فإنما هذا من صفاتِ الحميرِ. ولكن الصَّبرَ الممدوحَ أن يكونَ للنَّفسِ غلوبًا، وللأمورِ محتمِلًا، وفي الضَّراء متجمّلًا، ولنفسهِ عند الرَّأي والحفاظِ مرتبطًا وللحزمِ مؤثِرًا، وللهوى تاركًا، وللمشقةِ التي يرجو حسن عاقبتها مستخفًّا، وعلى مجاهدةِ الأهواء والشّهواتِ مواظبًا، ولبصيرتهِ بعزمهِ منفّذًا.

(ح) لا ينبغي للمرء أن يعتدَّ بعلمِهِ ورأيه ما لم يُذاكرْه ذوو الألبابِ ولم يجامعوه عليه؛ فإنه لا يُستكمَلُ علمُ الأشياء بالعقلِ الفردِ.

(خ) على العاقلِ إذا اشتبه عليه أمران فلم يدرِ في أيّهما الصَّواب، أن ينظرَ أهواهما عنده فيحذَره.

(د) خُمُولُ الذِّكْر أجملُ من الذِّكر الذِّميم.

(ذ) لا يؤمنَنَّك شرَّ الجاهل قرابةٌ ولا جِوارٌ ولا إلفٌ. فإنَّ أخوفَ ما يكون الإنسان لحريق النَّار أقربُ ما يكونُ منها. وكذلك الجاهلُ؛ إنْ جاوَرك أنصَبَك [أتعبَكَ]، وإن ناسَبك [شاركَكَ في النَّسَبِ، أو كان قريبَكَ، أو شاكَلَكَ] جنَى عليك، وإن ألِفَك، حمَل عليك ما لا تُطيق، وإن عاشَركَ، آذاك وأخافَك.

(ذ) الكريم يمنحُ الرَّجلَ مودّتَه عن لُقيةٍ واحدةٍ أو معرفةِ يوم، واللَّئيمُ لا يَصِلُ أحدًا إلا عن رَغْبةٍ أو رَهْبَة.

(ثانيًا): الأدب الكبير:

موضوعه التَّهذيب والتَّأديب. جمع فيه الكثير من الحِكَم المأثورة التي وعاها قلبه عن فلاسفة الفرس وحكماء العرب، أو أدركها بثاقب نظره أو صادق تجربته. والفرق بينه وبينَ (الصّغير) كالفرق بين العامِّ والخاص، فبينا نجد الأول دستورًا خُلُقيًّا يصلُح لكل فرد، في أيِّ زمان أو مكان، نجد الثَّاني خاصًّا بآداب الملوك وأخلاقهم وكذا من يتصل بهم، مع التَّحليل والتَّعْليل، إضافةً إلى أن (الكبير) مبوَّبٌ ومحكَمُ الرّبطِ، بينما (الصّغير) مبعثَر الأقوال[41].

ومن الأدبِ الكبيرِ:

(أ) بدأه بأعوان الحاكم وما يجب أن يكونوا عليه من الحرص والحذر في معاملته كقوله: “إذا تقلدْتَ شَيْئًا من أمر السُّلْطان، فكن فيه أحد رجلين: إما رجلًا مغتبِطًا به، فحافظ عليه مخافة أن يزول عنه، وإما رجلًا كارهًا له، فالكارِهُ عامِلٌ في سُخْرَة[42]، إما للملوك إن كانوا هم سلَّطُوه، وإما لله تعالى وليس فوقَه غيرُه. وقد علمْت أنه مَن فرَّطَ في سُخْرة الملوك أهلكُوه؛ فلا تجعلْ للهلاك على نفسِكَ سلطانًا ولا سبيلًا”.

(ب) إياك، إذا كنت واليًا أن يكونَ من شأنِك حبُّ المدح والتَّزكية، وأن يعرف النَّاسُ ذلك منك، فتكون ثُلْمَةً[43] من الثُّلَم، يقتحمون عليك منها، وبابًا يفتحونَك منه، وغِيبَةً [اغتيابًا] يغتابونك بها، ويضحكون منك لها.

(ت) اعلم أن قابِلَ المدح كمادِح نفسِه، والمرءُ جدير أن يكون حبُّه المدح هو الذي يحمِله على ردِّه، فإن الرَّادَّ له محمودٌ؛ والقابلَ له معيبٌ.

(ث) اعرِف أهل الدِّين والمروءة في كل كُورة [البُقعةُ التي تجتمعُ فيها المساكِن والقُرى والمَحالُّ] وقريةٍ وقبيلةٍ، فيكونوا هم إخوانَك وأعوانَك وبطانَتك وثقافتَك([44]).

وبعد أن استوفى، وبلغ ما قصد؛ ختم الكتاب بما تجب مراعاته في معاملة الصَّديق، وما أكثر ما تناول في رسائله من هذه الرَّابطة المقدسة.

(ثالثًا): اليتيمة، أو الدّرّة اليتيمة، أو يتيمة السّلطان:

إنَّ الميزةَ الجامعةَ بينَ أغلبِ أعمالِ (ابن المقفَّعِ)”  أنَّها تَحملُ آدابًا وحكمةً سامية، وما يُمكنُ اعتبارُه خلاصةَ تجربةِ صاحبِها في الحياةِ قدَّمَها في إطارٍ أدبيٍّ شديدِ الأناقةِ والحُسن، وكانتِ “الدُّرةُ اليتيمةُ” أعظمَ هذهِ الرَّسائلِ البليغةِ التي حوَتْ نصائحَ وآدابًا للدُّنيا والدِّين. وقد لاقَتِ احتفاءً عظيمًا من جانبِ الأدباءِ عندَ ظهورِها؛ فأثْنَى عليها (أبو تمَّام) في شِعرِه، وامتدحَها (الأصمعيُّ)، ويَدرسُها اليومَ طلابُ العربيةِ كنصٍّ أدبيٍّ مُتميِّز[45].
وموضوعها طاعة السُّلْطان– وقد ظلت زمنًا وهي تُطلَق خطأ على (الأَدَب الكبير) حتى عُثِر على اسمِها وجزءٍ منها في كتاب (اختيار المنظوم والمنثور) لابن طيفور، وقد قالَ عنها:

“ومن الرَّسائل المفردات، اللَّواتي لا نظير لها ولا أشباه، وهي أركان البَلاغَة، ومنها استقى البُلَغَاء لأنها نهايةٌ في المختار من الكلام، وحُسْنِ التَّأليف والنِّظام: الرِّسالة التي لـ(ابْن المُقَفَّع)، اليتيمة؛ فإن النَّاسِ جميعًا مجمِعون على أنه لم يعبِّر أحد عن مثلها، ولا تقدمَها من الكلام شيء قبلها، ولم نكتبها على تمامها لشهرتها وكثرتها في أيدي الرُّواة([46])

وهي دستور اجتماعي شامل يرمي إلى إصلاح المجتمع العَبّاسِي من جميع أطرافه. تعرض فيها لكثير من أمور الدَّولة المعتلة، ووصف لها من العلاج ما رآه أنجع الدَّواء. فمَن نظر إليها مستقلَّة عن كاتبِها، أدرك أنها صفحة اجتماعية مشرقة، وأن صاحبها “مُصلِح اجتماعيٌّ فذٌّ، ومن قرنَها بشعوبيته وعصبيته على العربِ، أيقن أنها برنامج ثورة على الخليفة “المنصور”. ومهما قيل في بواعثها، فإنها وهي ثمرة ناضجة لثقافته الفارسية التي أحاطت بسِيَر الملوك، وأنظمةِ الحكم المختلفة، ومن ناحية أخرى، كانت صدى لحياته الطَّويلة التي قضاها في دواوين الخلافة: أمويَّةً وعباسيَّةً. وما دفعه إلى كتابتها ولما رأى أيضًا [ورؤيته] أن العَبّاسِيين لا يزالون ينظرون إلى أهل الشَّام بعين الشَّك والارتياب؛ لسابق معونتهم لبني أمية؛ فاستعطف الخليفة لحالهم؛ لأن ذلك هو الوضع الطَّبيعيّ لمن زال عنه السُّلْطان، وأوصى بالإحسان إليهم، واصطناع خيارهم[47].

وقد تناول فيها: شؤون الجندِ، والقضاء، وحاشية الخليفة وبطانته، والخِراج [الخَراج] من حيث هو عماد السِّياسة المالية للدَّولة؛ ولم يفته في ختام الرِّسالة أن يذكر الخليفة بأن النَّاسِ على دين ملوكهم؛ لأن العامة تقلد الخاصة، والخاصة تقلد الإمام، فإذا صلح الرَّاعي صلحَت الرَّعية[48].

ومن اليتيمة:

  • مَن جمع السَّخاءَ والحياءَ؛ فقد جمعَ الإزارَ [الجِلباب] والرِّداء [الثَّوب].
  • الصَّديقُ لا يحاسَبُ، والعدوُّ لا يعاتَبُ.
  • احفظ قول الحكيم الذي قال: “لتكن غايتك فيما بينك وبين عدوك العدل، وفيما بينك وبين أصدقائك الرّضا”؛ وذلك أن العدوَّ خصْم تضرِبه بالحُجَّة، وتغلِبه بالحكام، وأن الصَّديق ليس بينك وبينه قاض فإنما حكمه رضاه.
  • إذا كان الدَّاءُ من السَّماء بَطَلَ الدَّواء، وإذا أراد الرَّبُّ بَطَلَ حذَرُ المربوبِ.
  • إن الكريمَ إذا عَثُرَ لم ينتعشْ إلا بالكرامِ، كالفيل إذا وَحِلَ  لم تستخرجْه إلا الفِيَلَة.
  • من جَهِل قَدْرَ نفسِه، فهو بقَدْرِ غيرِه أجْهَلُ[49].

بلاغته وأسلوبه:

وهكذا، فإنَّ (ابْن المُقَفَّع) إمام (التَّرَسُّل الطَّبيعيّ)، قد قام أُسْلوبه على الإيجاز والإرسال، كغيره من كتَّاب العصر. غير أنه فرعَهُم [سبَقَهم، أو علاهم] من ناحية أخرى، بأُسْلوبه المعنوي الذي استقام على منطق اليونان، وطُبِع بطابع الحكم الهندية، والمواعظ الفارسية، فضلًا عن المعاني النَّفسية العميقة التي أدركها بثاقِبِ نظره، وصادقِ تجربته.

ومتى كان الأُسْلوبُ سليمَ المنطق، بالغَ الحكمة، واضحَ الغايةِ، كان له فعل السِّحر في النُّفوس. وهكذا كان أُسْلوب (ابْن المُقَفَّع)، يغذِّي العقل والقلب معًا، ومن هنا فتن النَّاس ببلاغته، وجعلوه في نهاية الفصاحة.

إن بلاغة (ابْن المُقَفَّع) لم تقم على جمال اللَّفْظ، بقدر ما قامت على جمال المعنى؛ بل لعلنا لا نعدو الصَّواب إذا قلنا إنه في أُسْلوبه اللَّفْظي لم يزد على غيره من الكتاب. من أجل هذا وقف بعض الباحثين حائرين في أمره. يشكُّون في بلاغته، ويشكِّكون في زعامته، ويعتذرون له عما فاته من تجميل الأُسْلوب بأنه كان مَشْغولًا عنه بالنَّقل والتَّرْجَمَة([50]).

وصفوة القول: إن عشاق اللَّفْظ لم يجدوا عنده زُخْرُف القول ولا رنين الموسيقا، ومن ثم لم يهَشُّوا أو يَهِشّوا له كثيرًا، ولم يُقْبِلوا عليه دائِمًا. أما أنصار المعنى؛ فقد أصاخوا له طويلًا، مأخوذين بما قلَّ ودلَّ من تعبيره، ومن ثم يرونه في نهاية الفصاحة[51].

دراسة: د. إِيمان بقاعي

9\4\2021



[1]ابن أبي الإصبع (595 – 654 هـ = 1198 – 1256 م). عبد العظيم بن الواحد بن ظافر ابن أبي الإصبع العدواني، البغدادي ثم المصري: شاعر، من العلماء بالأدب،.مولده ووفاته بمصر. له تصانيف حسنة؛ منها (بديع القرآن- ط)، و(تحرير التَّحبير- ط)، و(الخواطر السَّوانح في كشف أسرار الفواتح- خ)، و(البرهان في إعجاز القرآن- خ) في شستربتي (4255) و (المختارات- خ) أدب [الأعلام للزّركلي].

[2]السَّجْعُ (س ج ع): (السَّجْعُ): مصدر سَجَعَ، وهو الهَدِيلُ، و(في البديع): الكَلَام المُقَفَّى ذو القوافي والفواصل. والسّجع إذا أَقْبل سَهْلًا ولَمْ يتجاوز الحَدّ في مِقْداره، كان مُرْضيًا وأَكْسب العِبارة تَوْقيعًا موسيقيًّا، ويكون (في النَّثر) وليس في الشّعر؛ مثل: (العلم في الصّغرْ، كالنَّقش في الحجرْ)، و(في الحبِّ وفاقْ وفي البُعْدِ فراقْ)، (أَتحَفَكَ مَنْ أَتْفَحَكَ) [أَتْفَحَكَ: منحَكَ تفّاحًا]، وجمعه: أَسْجاعٌ وأَساجيعُ وسُجوعٌ. أما (السَّجْعَةُ): فقطعةٌ من الكلام المُسَجَّعِ.

[3]البتَّةُ (ب ت ت): المرّةُ من بَتَّ، وهي: قَطْعًا. يقال: لا أرضى البَتَّةَ أو بَتَّةً. و(لا أفعلُه البتَّةَ وبتَّةً): يقال لكل امرٍ لا رَجعةَ فيه. وهو(مفعول مطلق منصوب بالفتحة).

[4]الفَصاحَةُ (ف ص ح): مصدر فَصُحَ، وهو البَيَانُ، وسَلامَةُ الكَلَام مِنَ التَّعقيدِ. أَمّا (فصاحةُ المُفْرَدِ) فتكون: بسلامَتِهِ مِنْ تَنَافُرِ الحُرُوف، ومِنَ الكَرَاهَةِ في السَّمْعِ واللَّفظِ، ومِن غَرَابَةِ الاستعمالِ، ومِن مُخالَفَةِ القِياسِ اللُّغَوِيِّ. وأَمّا (فَصاحَةُ المُرَكَّبِ) فتَكونُ بِسَلامَتِهِ مِنْ ضعفِ التَّاليفِ، ومِن تَنَافُرِ الكَلِماتِ، ومِن التَّعقيدِ، ومِنَ التَّكْرَارِ، ومِن تَتَابُعِ الإضافاتِ، و(الفَصِيحُ): الرَّجُلُ يُحْسِنُ البَيَانَ ويُمَيِّزُ جَيِّدَ الكَلَام مِن رَدِيئهِ، (أو) الرَّجُلُ يأتي بكَلامٍ سَلمَ من التَّعقيدِ، والجمعُ: فُصَحَاءُ وفِصَاحٌ وفُصُحٌ ، و(كَلام فَصيحٌ): بَليغٌ، و(لِسانٌ فَصِيحٌ): طَلْقٌ يُعِينُ صاحِبَهُ على إجادَةِ التَّعبيرِ، والجمعُ: فِصَاحٌ وفُصُحٌ، و(الفَصِيحَةُ) مِن النِّساءِ: التي تُحسِنُ البيانَ وتميزُ جيِّدَ الكَلَام من رديئه، التي تأتي بكلامٍ سلم من التَّعقيدِ، والجمعُ: فِصَاحٌ وفَصائِحُ، و(الفَصْحُ): مَصدر فَصَحَ، وهو مَنْ تَكَلَّمَ بكَلامٍ صَحِيحِ اللُّغَةِ، والجمعُ: فِصَاحٌ.

[5])) أمراء البيان: ج1/33.

[6]البَلاغَةُ (ب ل غ): مُطابقةُ الكَلَام لمُقْتضى الحال مَعَ فصاحة مُفْرداته  ومُرَكّباته وسَلامتها من تَنافر الحُرُوف، وغَرابة الاسْتعمال، والكَراهة في السَّمْع. فكلُّ بَليغ فَصيح، ولا يُعْكس. وتكون الفَصاحة في المُفْرَدِ والمُرَكَّب، أَي الجُمْلَة، وأَمَّا البلاغة فلا تكون إلّا في العِبارة.

[7]التَّرَسُّلُ (ر س ل): مصدر تَرَسَّلَ، وهو كتابةُ الرَّسائلِ، (أو) تَأليفُ نَثْرٍ مُرْسَلٍ يَتحاشى فيه صاحبُه اسْتعمالَ الأَسْجاع، وهو خِلاف النَّثْر المُسَجَّع، ومع ذلك فهو يَقْتضي التَّأَنُّقَ وتَنَخُّلَ الأَلْفاظ؛ أو التَّأَنّي في القِرَاءَة أَو الكَلَام، أَمَّا التَّرَسُّل الأَدبيُّ القديم، فيَلتقي المَقالةَ الحَديثةَ في نُقطة واحدة، هي حُريّة الكاتب في أن يَكتبَ ما شاء.

[8] التَّفريع (ف ر ع): مصدر فرَّعَ، وفي الاصطلاح: وضعُ شيءٍ عَقِبَ شيءٍ لاحتياجِ اللّاحق إلى السّابقِ، ومنه قولهم في النّحو: فاءُ التّفريعِ.

[9]الاسْتِقْصَاءُ (ق ص و): مَصْدَر اسْتَقْصَى، وهو البَحْث العَمِيقُ الدَّقِيقُ.

[10]لمُحَسِّناتُ البَديعيّةُ، واللَّفْظِيّةُ، والمَعْنَوِيَّةُ (ح س ن): (المُحَسِّناتُ البَديعيّةُ): هي وجوهُ تَحسينِ الكَلَام من ناحيةِ اللَّفظِ، كالجناس، والسَّجْعِ، أو من ناحية المعنى كالطِّباقِ والتَّوْرِيَةِ، و(المُحَسِّناتُ اللَّفْظِيّةُ): هي الجناس، والسَّجْعُ، والمُوازنةُ، والتَّشريعُ، والاقتباسُ، ولزوم ما لا يَلزم، وردُّ العَجُزِ على الصَّدْرِ، وغيرها، و(المُحَسِّناتُ المَعْنَوِيَّةُ): هي المبالغةُ، والتّجريدُ، والتّقسيمُ، والتّفريق، واللّفُّ والنَّشرُ، والتَّوريةُ، والمُزاوجةُ، والإرصادُ، ومراعاةُ النَّظيرِ، والمُقابَلةُ، والطِّباقُ، وتَجاهُلُ العارِفِ، والقولُ بالمُوجِبِ والهزلِ الّذي يُرادُ به الجدُّ، والإدماجُ، والاستتباعُ، وحُسْنُ التّعليلِ، وتأكيدُ المَدْحِ بما يُشبِهُ الذَّمِّ، وتأكيدُ الذَّمِّ بما يُشبِهُ المَدْحَ… إلخ.

[11] – تناول (عبد العزيز البشري) في كتابه (في المرآة) بالنَّقد والتَّحليل “السّاخرَيْنِ” عددًا من أبرز شخصيات مصر في عصره في مختلف المجالات؛ كالسِّياسة، والطّب، والفن، والشِّعر، والاقتصاد. ولُقِّبَ بـ”شيخ السَّاخرين” و”جاحظ العصر”.

[12]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكتّاب في العصر العَبّاسِي، دراسة تحليلية نقدية لتطور الأَسَاليب. مكتبة الطالب الجامعي31، ط2: 1986، ص: 131-132.

[13]الوَحْشِيُّ (في اللّغةِ) (و ح ش): اللَّفظُ غيرُ المأنوسِ في الاستعمالِ، أو ما كانَ غيرَ ظاهرِ المَعنى.

[14]العَيُّ، والعِيُّ، والعَيَّا (ع ي ي): (العَيُّ، والعِيُّ): العاجزُ في نطقِه فلا يستطيعُ بيانَ مُرادِه منه، وجمعُ العَيِّ: أعياءٌ، و(العَيَّا): العاجِزةُ في نُطْقِها فلا تستطيعُ بَيَانَ مُرَادِها منه، وجمعها: عَيَايَا.

[15])) أمالي المرتضى 1/95.

[16]السَّفِلَةُ والسِّفْلَةُ (س ف ل) مِن النَّاس: السُّقاطُ، أسافلُهم وغَوغاؤهم.

[17])) البيان والتَّبيين 1/109 (السندوبي).

[18])) ابن المقفع، 142.

[19]ازْدِواجُ الكَلَام (ز و ج): الازدواجُ: مصدرُ (ازدَوَجَ)، و(ازْدِواجُ الكَلَام): تشابُهه في السَّجْعِ أو الوَزْنِ، (أو) كان له مَعْنيانِ.

[20]الحِكَمُ (ح ك م): جمْعُ (الحِكْمَة): الكَلَام الّذي يَقِلُّ لَفظُه ويَجِلُّ معناه، و(عِلمُ الحِكمةِ): الكيمياءُ والطِّبُّ، و(الحِكَمِيُّونَ): الفَلاسفةُ أو الشّعراء الّذين يُؤْثِرُونَ التَّكَلُّمَ بالحِكَمِ.

[21])) 156 – تطور الأساليب النّثرية.

[22]الإتْباعُ (ت ب ع) (عند اللُّغَويّينَ): الإتيانُ بِكَلِمتَينِ على وَزنٍ واحِدٍ، وعلى قافِيَةٍ واحدةٍ غالِبًا، تُؤَكِّدُ أُخْرَاهُما الأَوَّلى؛ وهي إمَّا أن تكونَ في مَعنى الأَوَّلى؛ نَحْوَ: (هو قَسيمٌ وَسيمٌ)، وإمَّا أن تكونَ خالِيَةً مِن المَعنى؛ نَحْوَ: (هو حَسَنٌ بَسَنٌ).

[23])) الفن ومذاهبه، 51. والمَعْنَوِيُّ (ع ن ي): ما يتّصل بالذِّهن والتَّفكيرِ كفِكْرَةِ الحَقِّ أو الواجبِ، ويُقابِلُه المادِّيُّ.

[24] – تنحدر الشُّعُوب السَّامية من سام بن نوح، لكن تغير هذا المصطلح في وقتٍ لاحقٍ، فشمل الشُّعُوب التَّالية: العرب والأكاديين من بابل القديمة والآشوريين والكنعانيين (بما في ذلك الأموريون والموآبيون والأدوميون والعمونيون والفينيقيون) ومختلف القبائل الآرامية (بما في ذلك العبرانيين) وجزءٌ كبيرٌ من سكان إثيوبيا، لارتباط لغاتِهم ببعضها. وكان معظمُ السّامين من الرُّعاة الرُّحل إلى حدٍ كبيرٍ، رغم استقرار بعضهم في القرى في وقتٍ مبكرٍ من 2500 سنة قبل الميلاد. وقد بدأ السَّاميون مغادرةَ شبه الجزيرة العربية في موجات هجرة متعاقِبة نقلتهم إلى بلاد ما بين النّهرين وساحل البحر الأبيض المتوسط ​​ودلتا النَّيل، حيث توزعوا في قبائلَ أبويةٍ يحتل كلٌّ منها مناطقَ محددةً، يحكُمها زعماءُ بالوراثة أو “الشُّيوخ.”

[25] – الآريون   الآريون :Aryans تسمية أطلقت في القرن التَّاسع عشر على مجموعة من الشُّعوب النَّاطقة باللُّغات الهندية- الأوربية، اعتمادًا على وجود قرابة بين تلك اللُّغات. ولكن المصطلح (آري( Aryan يستخدم اليوم للدَّلالة خاصة على الفرع الشرقي؛ أي: الهندي- الإِيراني من أسرة اللُّغات الهندية- الأوربية، وبالتَّالي فهو مصطلح لغوي بالدَّرجة الأولى، ولا يتضمن بالضَّرورة خصائص إِثنية أو عرقية أو ثقافية أو قومية محددة. ويعود أصل هذه الكلمة إِلى اللَّفظة السّنسكريتية arya  التي تعني “النُّبلاء”. وقد تسمت بها القبائل الآرية التي غزت شمالي الهند لتميز نفسها من السُّكان المحليين الدَّاكني البشرة، الذين أخضعتهم لسيطرتها إِبان الألف الثَّاني ق.م.

[26]الإطْنَابُ (ط ن ب): مَصْدَر أَطْنَبَ. وهو تَعبيرٌ عن المَعْنَى المُرَادِ بكَلامٍ يَزيدُ عليه، (أ) إمَّا للإيضاحِ بعد الإبهامِ، (ب) وإمّا لذِكْرِ الخاصِّ بعد العامِّ، (ت) وإمَّا للتَّكْرَارِ طَلَبًا لنُكْتةٍ (ث) وإمَّا للتَّذْييلِ؛ أَي: إرْداف الجُمْلَة بجُمْلَة تَشْتَملُ على مَعناها تأكيدًا لها. ويُعَدُّ في الوقتِ الحاضرِ من العُيُوبِ الأُسْلُوبيّةِ، كما أَنّه مُسْتَهْجَنٌ في اللُّغاتِ الغَرْبِيَّةِ.

[27])) زهر الآداب ج2/104.

[28]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكتّاب في العصر العَبّاسِي، دراسة تحليلية نقدية لتطور الأَسَاليب، ص: 133-139.

[29] – ولدَ بمدينة (جورستان) [الكهشياري، 109]. تولى والدُهُ (داذويه) [الفهرست، 172] خراج فارس لعمّال بني أمية، فاكتشفَ الحجّاجُ أنه كان “يتلاعب في أموال السّلطان”، فضربَه حتى تفقَّعَتْ [تشنجت] يدُهُ، فلُقِّبَ بالمُقَفَّع[محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص:  203]، وقد “مات مَقتولًا في خلافة المنصور سنة 142ه” [الفهرست، 172]. وقال ابن مكي في كتاب (تثقيف اللِّسان): “ويقولون ابن المقَفَّع والصَّواب: ابن المقفِّع بكسر الفاء؛ لأن أباه كان يعمل القِفَاع ويبيعها. قلت: والقِفَاع- بكسر القاف- جمع قَفعة بفتح القاف، وهي شيء يُعْمَل من الخُوُص [ورقُ المُقْلِ والنّخلِ والنّارجيل وما شاكلَها، واحدته: الخُوصَة] شبيه الزَّبِيل [السّلّة من ورق النّخيل] لكنه بغير عُرْوَة. والقول الأول هو المشهور بين العلماء وهو فتْحُ الفاء [ابن خلِّكان: وفياتُ الأعيان وأنباءُ أبناءِ الزَّمان، ج2، ص: 155].

[30] – نشأ (ابْن المُقَفَّع) في أحضان المجوسيَّة [المَجوس: قومٌ كانوا يعبدون الشّمسَ أو النّارَ أو القمرَ]، وعلى مذهب أبيه (مذهب زرادشت) القائل بإلهين اثنين لهذا الكون، وظل على مجوسيته تلك، حتى أسلم في عهد المنصور، ويبدو أنه كان– في الحالين– رقيقَ العقيدة، كثيرَ الشَّك والارتياب، دينُه عقلُه، ولا يؤمن إلا بما صدرَ عنه، يفعلُ الخير لأنَّه خير، وينأى عن الشَّرِّ لأنه شر[محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص: 204-205، بتصرف]، حتى إن الجاحظ قال: “ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله (ابْن المُقَفَّع)” [أمالي المرتضى، ج1/93]، وإن وصفَه الجاحظ في مكانٍ آخر بقوله: “كان جوادًا، فارسًا، جميلًا”.

[31] – عاشَ منذ صغره في أحضان العرب في البصرة، فورث عنهم أفاويق [معظمَ] البلاغةِ، إضافةً إلى عظم حظّهِ من الثَّقَافَتين الفارسية واليونانية [من حديث الشّعر والنثر، 46، ط. المعارف، سنة 1936]- فضلًا عن ذكائه وموهبته- ما أهله لأن يتسنَّم ذروة الكتابَةِ. وكان صديقًا حميمًا، لعبد الحميد بن يحيـى، كاتب الخليفة مروان الثّاني، وكلاهما كان وفيًا لصاحبه إلى حد الإيثار، مهما كلفه الإيثار؛ وكلاهما أيضًا كان على المروانية؛ مخلصًا للخليفة، لم يتخل عنه حتى في أيام محنته التي انتهت بقتله وزوال عرش بني أمية. شهد مصرع الدَّولة الأموية وعز عليه ذلك، ولم يكن كما يبدو مغتبطًا بالعهد الجديد؛ ولا مستبشرًا به” [محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص: 204-205، بتصرف].

[32])) الجهشياري: 80.

[33])) محاضرات الأدباء: 1/29.

[34]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص: 207.

[35]المَنْطِقُ (ن ط ق): مصدر نَطَقَ، وهو النُّطْقُ المُعَبِّرُ عن مَعنًى، وبابٌ مِن أبوابِ الفَلْسَفةِ يُعْطِي جُمْلَة القوانين التي مِن شأنِها أن تُقَوِّمَ العَقلَ وتُسَدِّدَ الإنسانَ نحوَ طَريقِ الصَّوَابِ والحَقّ في ما يمكن أن يغلطَ فيه مِن المعقولاتِ، فتنقل الفِكْرَ من المُقَدِّمَاتِ إلى النَّتَائِجِ، و(المَنْطِقِيُّ): صاحبُ عِلْمِ المَنْطِقِ؛ يُقَالُ: فلانٌ مَنطِقيٌّ: عالِمٌ بالمَنْطِقِ، أو يُفَكِّرُ تَفكيرًا مَنطِقِيًّا، وهو المَنْسُوبُ إلى المَنْطِقِ.

[36]النِّجَامَةُ (ن ج م): (عِلمُ النُّجُومِ): دَرْسُ أَحوالِ النُّجُومِ ومَوَاقِيتِها وسَيْرِها.

[37])) يرى الأستاذ بول كراوس أنها نقلت عن السِّريانية كغيرها من الكتب اليونانية العديدة، وأن ناقلها هو ابنه محمد، وفي المجلد الرَّابع من مجلة المستشرقين ذكر طائفة من الألفاظ الواردة بالتّرجمة العربية، تشير إلى أصلها السّرياني لا الفهلوي.

[38]ابن صاعد الأندلسي في طبقاته.

[39]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص:210.

[40]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص:209.

[41]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص:209.

[42]السُّخْرَةُ (س خ ر): مصدرُ سخِرَ، وهو العمل الذي يُعمَلُ قَهْرًا من غيرِ أُجرَةٍ.

[43]الثُّلْمَة (ث ل م): الموضعُ الذي انثلمَ السّيف أو الإناءُ أو الحائطُ فيه. و(سدَّ ثُلْمَةً): سدَّ ثُغْرَةً أ فراغًا، والجمع: ثُلَمٌ.

[44])) رسائل البلَغَاء، 44، 45.

[45] – انظر: ابن المقفع: الدّرّة اليتيمة. تحقيق: شكيب أرسلان، مؤسسة هنداوي سي آي سي، 2017.

[46])) رسائل البلغاء، 107، 108.

[47]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص:211-212.

[48]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص:212-213.

[49]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص: 208-213، بتصرف]

[50])) من حديث الشّعر والنثر، 49، 50، والفن ومذاهبه، 51.

[51]محمد نبيه حجاب: بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي، ص: 213-214.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات