يجسّد المسرحي اللبناني روجيه عساف حالة خاصة في المسرح، ويعرف ان يختار الحضور والغياب في المشهد العام. فثمة من يقول ان المسرح هو «فن الاختفاء»، وعساف يعرف كيف يتفنن في الاختفاء عبر الحضور المسرحي. وهذا الاختفاء هو ذروة الحضور في المكان والخيال.
تجربته المسرحية غنية جداً، والأعمال التي قدمها ما زالت ماثلة في الاذهان، ويذكرها كل مهتم بالفن والمسرح بحيث يمكن القول ان روجيه عساف يمثل ذاكرة مسرحية بامتياز. ولأنه يمثل هذه الذاكرة الحية، كان لا بد من الذهاب اليه والتعرف على جديده، وحين دخلنا اليه اكتشفنا انه يعيش في خضم مشروع مسرحي كبير يعمل لإنجازه.

ستة عناوين او تواريخ يذكرها دائماً روجيه عساف: 1941 تاريخ ولادته في بيروت، 6 نوفمبر 1965 افتتاح مسرح بيروت في عين المريسة ويوم ولادة ابنته كارين، 19 ابريل 1969 ايقاف عرض مسرحية «مجدلون» من جانب قوى الامن، 1 يناير 1974 انطلاق مسرحية «آخ يا بلدنا»، اكتوبر 1983 فوز مسرحية «ايام الخيام» في مهرجان «ايام قرطاج»، ديسمبر 1999 تأسيس «جمعية شمس».
• لماذا هذه التواريخ حاضرة في ذاكرتك؟

• لانها تشكل مفاصل مهمة في حياتي ونشاطي.
  • كأنك لا ترغب في ابعاد الذاكرة؟
• الذاكرة فعل يؤسس لكل لحظة نعيشها، فمن الضروري العودة اليها دائماً، كي نعرف كيف نختار ما ينتظرنا.
  • أما زال المسرح هاجسك الاول؟
• يبقى هاجسي الذي اسعى عبره الى بناء اللغة المستمرة والتي تعنى بغرض الابداع والتعبير والفعل.
  • ما الذي تقصده باللغة المستمرة؟
• اقصد التعبير عما يجيش في الروح والقلب والعقل. اللغة هي الاداة التي يمكن عبرها الوصول الى كل دليل وان كانت هي الدليل. والمسرح هو الاداء الذي يحضن اللغة ويجعلها اكثر حضوراً في صداها.
  • وماذا عن نشاطك اليوم؟
• المسرح حاضر ودائم في حياتي، انه نشاط مستمر. في كل زمن تولد صورة ضرورية تعكس تفاصيل الواقع، مهما كان، تعكسه وان بصور اخرى. المهم ان الانعكاس هو استمرار وله وقع الصدى في الزمن، والمسرح جزء مهم داخل هذا الصدى.
  • ما الجديد في اهتماماتك المسرحية؟
• الاهتمامات كثيرة، وهي غير محصورة في فضاء واحد.
  • هل هي مشاريع؟
• نعم، لديّ مشاريع على علاقة وثيقة بالمسرح، وأعكف حالياً على انجازها. وان شاء الله تتكلل بالنجاح.
  • ماذا تضم هذه المشاريع؟
• اعكف على انجاز مشروع يحمل عنوان «سيرة المسرح اعلام وأعمال»، انه مشروع ضخم يحتاج الى جهد ومثابرة ومتابعة وتقصّ وبحث. واحاول ان أضع كل جهدي في هذا العمل.
  • ماذا عن اهداف هذا المشروع؟
• الهدف الرئيسي وضع مرجع مسرحي موسوعي يجمع وينظّم المعلومات التي تساعد القارئ والمهتم بالاكتشاف والاختيار والمقارنة.
  • يعني موسوعة شاملة؟
• هذه الموسوعة تقدم وتعرض الاعلام والاعمال من سيرة المسرح العالمي، وتضع الصورة في اطارها التاريخي وفي علاقتها بتطور الافكار والفنون في المجتمع البشري.
  • هل تشمل موسوعتك خصوصية معينة في المسرح؟
• حاولت وسعيت في هذه الموسوعة الى اعطاء الاشكال المسرحية الشرقية، الاسيوية في شكل عام والعربية في شكل خاص، المنزلة التي تستحقها، وهي جزء قائم وممتد في تاريخ المسرح والثقافة العالمية.
  • لا شك ان عملا كهذا سيستغرق وقتاً طويلاً؟
• من الطبيعي ان يستغرق الوقت الكافي وقد يمتد لسنوات.
  • مم يتألف مشروعك او موسوعتك؟
• انه يعتمد على جدول تاريخي للمسرحيين والمسرحيات في سبعة مجلدات تتوزع فيها مراحل السيرة المسرحية، من زمن بابل ومصر حتى اواخر القرن العشرين.
• 
  • المراحل التي تشير اليها قد تكون طويلة، على ماذا تحتوي؟
• في الموسوعة مراحل عديدة تبيّن تفاصيل كثيرة لها علاقة مباشرة بالمسرح، وكل مرحلة تتضمن الكثير من المحتويات والتفاصيل الواسعة: مقدمة تاريخية تضع الحياة المسرحية المعنية في اطار المعطيات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية التي احاطت بها وتفاعلت معها، على سبيل المثال: نشأة الديموقراطية في اثينا، او العصر الذهبي في اسبانيا، او نهضة القومية العربية. ايضاً في الموسوعة تعريف لبعض الاشكال الفنية والانواع الادبية الرائجة في هذه المرحلة، مثل «الديثيرامب» اليوناني، او «الرعوية» الايطالية، او «مجلس التعزية»، اضافة الى لمحة عن المعطيات السينوغرافية مثل المدرج الاغريقي او المسرح الاليزابيتي او خيال الظلّ. كما يجد القارئ في الموسوعة مقالات مركزة حول ابرز المسرحيين وأهم اعمالهم، مثل اسخيلوس وتراجيدياته السبع، او بلاوتس وست كوميديات من اعماله العشرين او ابن دانيال ومسرحياته الثلاث.
  • هل تعتبر نفسك في مهمة شاقة بعدما باشرت عملك الموسوعي؟
• المهمة شاقة صحيح، لكن مشقتها مفيدة وتؤدي الى نتيجة ابداعية ومعرفية واسعة. عندما تُنجز الموسوعة في شكل نهائي سيتحول التعب فرحا.
  • ثمة من يقول ان المسرح نشاط مستمر حتى في الواقع، ما رأيك؟
• المسرح عمل فني متواصل في كل لحظة. حتى في لحظات الواقع ثمة مسرح ونشاط تعريفي وتمثيلي. الحياة مسرح دائم، والانسان يغوص في هذا المسرح من دون ان يدري. هذا ما يمكن استنتاجه من وقائع الايام والاحداث التي نعيشها. وانا واحد من الذين يعرفون كيف يواجهون المشهد اليومي في بناء الوقت وتجلياته، وهذه المواجهة هي المرآة التي تعكس اصول الصورة في ذاتي، ذاتي المتداخلة في نواحي الحياة وعناصرها. من هنا يمكن القول ان المسرح لغة صامتة ومباشرة وحاضرة وغائبة، وقادرة على توظيف الاحساس وفق اصول الطلب لدى الرغبة الدفينة في الذات.
  • يعني ان الرغبة في العمل والطموح والبحث هي النشاط الذي يمكن تسميته الاستمرار؟
• الاستمرار هو الابداع، عدم النشاط وغياب الامل يفقدان الانسان حيوية وجوده، فكيف اذا كان الامر بالنسبة الى المسرح وما يجب فعله وانتاجه. المسألة مهمة جداً وتستدعي القول: الوصول الى نجاح معين امر جيد ويدل على ابداع، ولكن القول بالوصول الى الهدف النهائي، لا يفي بالتأكيد بالمعنى الابداعي.

Tweet