الأديبة الراحلة مي منسى … غياب لا يدوم ولا يداوم

09:54 صباحًا الأحد 2 مايو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الكاتبة الاديبة الاعلامية اللبنانية الراحلة مي منسى (1939-2019) عاشت حياتها في كنف الكلمة. زميلتي في جريدة النهار لعشرين سنة . وكانت خير زميلة وصديقة .
قبل وفاتها بأيام دردشت معها وسألتها الكثير عن حياتها. قالت :
ما زلت في المسافة نفسها، امشي ولا اصل، استعجل ولا اصل، اخفف سيري ولا اصل. انها مسافة مضنية سأعبرها، مهما كلّف الامر. اليوم ودائماً، أعيش في ذاتي وأسعى دائماً الى امتلاك اللحظة بكل اشكالها وصورها، وليس لي في ذلك سوى الكتابة. الكتابة نشاط مثمر يقرّبني من اللحظة بكل ما تحوي من مفاجآت وأحوال، تعطيني الذي أريده من الامل. ما زلت اقول وأكتب، من اجل ان ابقى في المساحة الصافية، التي ارى فيها الكثير الكثير.
• ماذا تكتبين؟

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه
  • اكتب نفسي اولاً. كل ما اكتبه اسير ذاتي من نواحي تأثرها بالحياة والانسان والاشياء. اكتب الحياة والانسان وتفاصيل الصورة التي ربما كانت ضبابية في ايامنا وايام الآخرين. مازلت اكتب وأرسم وأُلوّن الحياة وصورها، علّني احقق رغبة محتملة وقد تكون مستحيلة. اقصد ان الكتابة الروائية تفتح باب المعنى ولا تغلقه، تفتح اشرعة الافكار ولا تتركها خارج التفاعل الانساني. اكتب اليوم ما بدأت به منذ سنوات، سيرة الامكنة وناسها، وليست الرواية سوى جواب اولي عن اسئلة تلك السيرة المضنية – الجميلة.
    • في رواياتك حضور كبير لمجريات الحياة والآخر والمكان، هل يمكن القول ان هذه المجريات الثلاثة هي ركائز عملك الروائي؟
  • ليس في الكتابة ركيزة ثابتة لا تتغير، وان كانت هذه الركائز ضرورية وحاضرة. دائماً هناك الجديد والمتجدد، وايضاً هناك المفاجئ والمحتمل، وحين نريد التوقف عند صورة او ركيزة ثابتة في الكتابة، لا يسعنا ان نحقق المعنى بكل تفاصيله وجوارحه. لذلك ارى ان مجريات اي عمل رويائي لها مسرب يبدأ من نقطة ولكن لا يمكن التحكم في مساحة جريانه داخل اللغة ولا حتى التحكم في نهايته. لذلك اترك للمعنى اكتماله وفق اصول حدوثه.
    • يمكن القول اذا انك تبدئين من حدود واضحة في الكتابة، ولكن في سياق النص ومجريات الاحداث ينصاع قلمك للمفاجآت المتوالدة من احداث النص نفسه؟
  • لا شك اننا نفتح الكلام واللغة بجملة واضحة ويمكننا تحديد اطارها في شكل دقيق، ولكن حين تسير الكتابة وفق تسلسل الاحداث التي تحضر في العمل الروائي، فان اموراً كثيرة تولد فجأة، وقد تولد في شكل تلقائي. وهذا امر طبيعي في الكتابة الروائية. وعلى الراوي ان يعرف كيف يوظّف الاحداث الممكنة والمفاجئة وحتى المستحيلة في سياق عمله الروائي. واذا عرف كيف يوظّف، سيحقق نجاحاً في سبر اغوار المشهد الروائي العام.

  • الى اي مدى تعتبرين نفسك متحكمة في مجريات الاحداث داخل روايتك؟
  • اتحكّم بها وتتحكّم بي، ولكن بالتأكيد الرواية في النهاية من صنع راويها. كل احداثها تدور داخل خيال الراوي وافكاره، والراوي هو الذي يدوّن ويحقق ويكتب ويسيّر الخطوات داخل اللغة. لذلك لا يمكن القول ان الكاتب او الراوي لا يمكنه التحكم في مجريات روايته ونصّه. واذا فقد القدرة على التحكّم، فان الصورة والمشهد والمعنى ستأخذ بعداً متحوراً، وقد لا تفي بغرض الهدف المنشود، هدف الموضوع المروي وسواه من الاشكال الكتابية.
    • ماذا تعني لك الكتابة الروائية تحديداً؟
  • كتابة الرواية عملية شاقة لكنها ممتعة وجميلة وتعطيني دفعاً في المسافة التي اسلكها. فحين اكتب روايتي، اشعر بانني انطلقت من مكان الى مكان، ومن مسافة الى مسافة، كأنني في مسافة تطل على مسافات لا تنتهي، ومجرد حدوث هذا الشعور في ذاتي، يجعلني أتواصل مع تفاصيل كثيرة قد لا تكون في الحسبان. وهذا يمكن القول فيه انه اكتشاف. هذه الامر يساهم في تكثيف اللحظة التي أعيشها، وكأنني على تماس مباشر مع غياهب جميلة، فاذا كانت الرواية تحقق لي هذا التوازن وهذا الانطلاق وهذا الوصول الجميل، فهي بالتأكيد تمثّل لي الجمال والابتكار، وكذلك الاعتراف والرأي والموقف.
    • متى تشعرين انك تحتاجين الى كتابة رواية؟
  • ليس شعوراً بالمعنى الواجب فحسب، بل هو شعور ملحّ دائماً. ذلك ان مشاهد الحياة كثيرة، وأحداثها كثيرة وأيامها مليئة. كل هذا يدعوني الى الكتابة، التأمل، التعبير والقول. وهذه الامور والاحداث تكون على مائدة اللغة والابداع. اشعر دائماً بحاجة الى الكتابة، لتدوين اللحظة في جعبة لا تغيب. هذه الحاجة قد تكون المرادف لحياتي المتبقية. الكتابة اكثر من حاجة، انها طاقة وجود كبيرة.
    • هل يمكن رواية الحزن؟
  • كل شيء يمكن روايته، وربما يكون الحزن الحالة الاكثر حضوراً في العمل الروائي، ليس لأنه مشوق فحسب، بل لانه ربما حالة انسانية ممتدة على ساحل الحياة منذ بدء الحياة، منذ اللحظات الاولى للانسان. ولكن ثمة احزان تكون مادة مميزة في العمل الروائي، وتعطيه خصوصية لافتة، وهذا يعود الى صاحب النص وكاتبه، والى القدرة عنده على استحضار هذا الواقع، عبر لغة هادئة وتفاصيل حسية ومشاهد. نعم، يمكن رواية الحزن وتحويله لغة موجهة الى جميع الناس. الرواية تروي ظمأ العقل والروح.
    • ما الجديد لديك، ماذا ستروين غداً؟
  • غداً سأروي الجديد، وبعد غد سأروي التالي والمتتالي. كما الحياة متتالية ومستمرة، الرواية في حياتي مستمرة. ايام كثيرة محتشدة في ذاتي، متراصفة، تستعد للظهور في حروف الكلمة، في سياق الرواية المستمرة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات