طوني مسعد فنان يرسم دهشة الزمن وأمكنته

09:22 صباحًا الأربعاء 12 مايو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الفنان التشكيلي اللبناني الصديق طوني مسعد رسم ولوّن الزمن بدهشة الأمكنة ويقول مسعد :الهدوء في ألواني، خلاصات شعرية، رومنسيّة تحديداً، تتلاقى وقراءاتي وإعجابي بشعر وأدب لوحات روّاد، من أمثال عمر الأنسي ومصطفى فرّوخ…
لذا، انسابت ريشتي فرحاً، بسعادة متناهية، حالماً مرتاحاً الى الصمت والعزلة وتفجير ينابيع الألوان من داخلي أكثر منها من الواقع الطبيعي الذي رزح تحت وطأة التشويه والتدمير.
أحاول في لوحتي إعادة ترميم ما رحل… أبني من جديد عمارتي التشكيلية، أعيد الصفاء الى المشهد وفسيفسائية محيطه وأعماقه.

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه
  • اللّون الزهريّ كأنّه منارة في لوحتك، علامَ تسلّط نور ألوانك؟
    إنه لون الرّبيع… لكن في فصل شتائي إثر التقدّم في العمر. النوستالجيا هنا، لمواجهة موت الذاكرة.
    الزهريّ نافذتي الجديدة الى النور، الى نفق يؤدي الى غابات الفرح التي ولّت.

منذ ما يقارب العام، عمدت الى قطف رحيق اللّون، تالياً سجنه في مساحة تعبيريّة، لأنه يحملني على بساط الحلم الى تلك البدايات من العمر، التي احتلّت حيّزاً فسيحاً من حياتي.
هذا اللّون تحديداً، يترجم ما في داخلي الى حبّ أفتقده بريئاً صافياً، مثلما قطر الندى. ذلك الحبّ الذي ألهمني في البدايات عشرات القصائد واللوحات وتعداد النجوم، من تحت شجرة كانت مظلتي في بيتنا القديم.
إنه لون الماضي الذي فقدناه من حياتنا، يوم عصفت أنواء الحرب واشتعلت الساحات حقداً والأبنية التراثية تدميراً.
لا تفسير للون الحبّ، لا تحديد لشعلة اللّون الذي بدأ في الآونة الأخيرة يمتدّ كما العشب البرّي بين شقوق الحجارة في منزل قديم.

  • الطبيعة والدرج والزّمان في نواحي الزمن المعتّق، صورة نابضة في لوحتك. لماذا ومن أين أتيت بهذه الخفقات الدافئة الحنونة في أعمالك؟
    أنا ابن قرية وذاكرة تالياً، أعشق الفصول بمتناقضاتها: بثلجها ورياحها وهوائها وشمسها ودفئها وحقولها الزاهرة بالسندس الربيعيّ. بخريفها وأوراق شجرها المتساقطة أحزاناً عند بوابة أيلول.
    أعشق التراث، لأنه هويتنا، ببيوته الحجر وأدراجه المتعمشقة الى السطوح الخاشعة، الكروم والحفافي والصخور وناي راع من بعيد… انا ابن فيطرون وعاشق جونيه… فيطرون الصخور التي وصفها أمين الريحاني في «قلب لبنان» بمتحف الصخور إثر عبوره في وعرها يوم كانت لا تزال ترفل بحلّة الجمال قبيل هجمة العمران. أعشق جونيه ببيوتها القرميد وشاطئها الرملي يوم كان مساحة حرّة لروّاده… بتاريخها وإرثها الحضاريّ، بقبب كنائسها الضارعة الى أزرق السماء الفاتحة قلبها للجبل وللأفق في آن معاً.
    من هنا، برز تأثري العميق، صرت جزءاً من تلك الذاكرة بما حملت من دفء ألوان ورهبة حنين يشدّني الى ما قبل هذا الزمن المخضبّ بأنواع البشاعة والتدمير.
    تنقّت لوحاتي شيئاً فشيئاً، خرجت من قوقعة الظلمة الى النور. كان سبقني الى رسم معالم ذلك الإرث كثر من الفنّانين الروّاد من أمثال عمر الأنسي ومصطفى فرّوخ.
    اخترت طريقي بألواني الهادئة الدافئة التي تنعكس في اللوحة مرآة لطبيعة حالمة في ذاتي أكثر منها في الخارج. بات وخز الحنين يحثّني أكثر على البوح الهادئ، لإلباس الذاكرة ثوب عروس بأبهى حلّتها.

  • ماذا تريد القول في معرضك الجديد؟
    أستعرض جزءاً من مسيرتي التشكيلية. مراحل متدرّجة لتشكيل سلم تصاعديّ استعاديّ. من الألوان المائلة الى عتمة الحزن الذي أغرقني في ظلاله، لا سيّما في مطلع القرن الحالي، إثر تبدّل فاضح في الحياة السياسية اللبنانية، وعلى إثر اغتيالات طاولت العدد الأبرز من القيادات اللبنانية. عبّرت عن تلك المرحلة بمجموعة لوحات زيتية خلفيتها السوداء تنمّ عن الحزن الكبير الذي لازمني لفترة طويلة. ثمّ تالياً أنتقل تدريجياً الى حال من الاستقرار، مستعيداً ظلال ما قبل الحرب، تلك الظلال الغارقة في النوستالجيا، الى الحنين الذي ما إن يتغيّب فترة حتّى يطل من جديد. لقد بات ظلاً يلازمني.
    فاللوحات المائية التي أستعرض القسم الأكبر منها في معرضي الجديد، تنهل من ذلك الحنين، من ذلك الربيع الذي يفرض وجوده، إذ بتّ أعيش حالة من الصمت والعزلة والتأمّل. في عالم أرفض الغوص في ضوضائه وفساده. في لوحاتي الحديثة، أرسم حلماً كنت أتمناه واقعاً. حلم إنسان يصرّ على تجسيد الماضي حاضراً .
    أولي أهمية قصوى لمفردات التراث الذي بات على شفير الزوال.
    فمضامين لوحاتي ممّا تقطفه العين من حولي. من جمال لا يزال يشرئبّ برأسه بين الأبنية الحديثة، ولو نادراً، بهدف إبراز الجمال وانتشال واقع التراث من عزلته الى الضوء.
  • حنان الزمن أو حنان الجغرافيا؟ أين أنت من هذا الصخب اللونيّ؟
    إنه بحق الحنان والدفء والنوستالجيا في آن معاً. محور عاطفيّ مشبّع في المرحلة الجديدة من حبّ التراث، بعد مراحل متعدّدة من التجارب التشكيليّة. كأنني أستقرّ هنا على جزيرة في محيط اجتزته طوال سنوات حياتي.
    أستريح مغمضاً عينيّ، مشرّعاً نوافذ قلبي الى الماضي كردّ فعل، في وجه أعاصير الحاضر وبشاعة ما نحياه.
  • أعود في الزمن الى البدايات التي استقرّت مشاهدها في بؤبؤ العين وفي قعر القلب والوجدان… الى قرية ومدينة، الى فيطرون وجونيه. فيطرون قريتي التي أكسبتني ذلك الصفاء الوجداني لما تحتلّه من جمال طبيعة وروعة صخور وطيب مناخ، ولطف أبنائها، وبفصولها ومشاهدها، بدروبها القديمة وعين مائها وصفصافها وكرومها… إنها الجغرافيا المؤثرة منذ طفولتي، ترجمتها أعمالاً وقصائد وكتابات احتلّت الصحف والإصدارات.
    الى جونيه التي قصدتها ذات يوم وأنا فتى، فتجوّلت في شوارعها القديمة وسُحرت بمرأى خليجها وبيوتها القرميد المنثورة كحبّات العنّاب على امتداد الشاطئ. الى بساتين الليمون واللوز التي كانت حلماً وفردوساً تتنعّم به قبل الامتداد العمرانيّ والتكاثف السكاني. إن التمازج ما بين عشقين وحبيّن، جعلني في مرحلة ما، أكثّف من الوجدان، لتحتلّ مساحات أعمالي التشكيلية مائيات زاهية تنقّت من التكثيف.
  • كأنه الحبّ العظيم في تفاصيل لوحتك، أيّ حبّ هو الذي تدخل إليه؟
    هو الحبّ المتجسّد في رسم معالم الجمال في الطبيعة. أسعى الى الجوانب المضيئة، شكلاً ومضموناً، الى استنهاض ما خفي من عميق أثر.
    هو الحبّ الكبير الذي قادني بيد من حرير الى عوالم التشكيل.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات