رشيد الضعيف … الروائي الشاعر الذي تلمّس الخوف لراحته

08:48 صباحًا الأربعاء 19 مايو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ولد الشاعر والروائي الصديق اللبناني رشيد الضعيف  في 6(أغسطس) 1945.
بدأ الكتابة بإصدار رواية واقعية بعنوان “ألواح”، جاءت أقرب إلى سيرته الذاتية غير الكاملة. وقد حفلت بموضوع أثير عند الكاتب وهو الكشف عن أمور – منها الاجتماعي- قد يسبب الكشف عنها خجلا عند الآخرين، ووصفها بجرأة غير عادية.
وحمل غلاف الكتاب خلاصة لما يتضمنه، ومن ذلك قول رشيد الضعيف عن تاريخ مولده:
انفجاران حدثا في الوقت نفسه في 6 آب (أغسطس) 1945: انفجار القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وانفجار رحم ياسمين (والدة الكاتب) فولدت رشيد.

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


رشيد الذي حمله تزامن الحدثين المتناقضين مسؤولية كبرى قرر أن يكتب عن: الأب الذي لم يحسن عملا قام به، عن الأم الجميلة المؤذية ببراءتها، عن الجد الذي حببه بالغناء، وصولا إلى نتالي الباريسية الحسناء التي قالت له تعال، فجاءها “مشيا على سطح الماء”. عن مشاعر مجرد الشعور بها مدعاة للخجل فكيف بالبوح بها؟
حاز رشيد الضعيف درجة الدكتوراه في الأدب الحديث من جامعة السوربون في العام 1974. عمل مدرسًا للغة العربية للأجانب في جامعة باريس الثالثة من العام 1972 إلى العام 1974، وأستاذًا للغة العربية والأدب العربي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الجامعة اللبنانية في بيروت من العام 1974 إلى العام 2008 حين تقاعده. وكان قد عمل أستاذًا زائرًا في جامعة تولوز الفرنسية من نيسان (أبريل) إلى أيار (مايو) 1999.


يقول رشيد في دردشة معه أنه “ليس أديبًا” ولعل ذلك بسبب جرأته في الكتابة، وفي ذلك ويوضح مرامي قوله:
الجرأة أمر نسبي، ولا أعرف هل يكون الروائي جريئاً لو أنه كتب مشاعر فعلية و”مخجلة”. الجرأة يجب أن “تُصنَّع” وإلّا فلا فائدة منها. سمّى العربُ القدماء الشعر والنثر “الصناعتين”. أقصد بالأديب، الكاتبَ الباحثَ عن الكلام الجميل، الذي يسعى وراء الصُوَر التي تُعجِب، والذي يهوى الاستعراض اللغوي. أما كتبي، فلا يعطيها الأب لابنته لتقرأها كي تتحسن لغتها. أكتب أشياء مزعجة وأُسمّي كتابتي “الكتابة الدنيا” بخلاف ما أسمّيه الرواية “الفصحى” التي تُعلَّم في المدارس، أو تُقرأ بفخر في الأمكنة العامة، ويستحق الأديب على كتابتها أو قراءتها تمثالاً يخلّد ذكراه في ما بعد“.


ويعترف رشيد إنه “ليس صاحب مدرسة في الكتابة أبشِّر بها”، ويضيف قائلا:
إذا سألتَني لماذا تكتب؟ أجيبك ببساطة: بماذا تريدني أن أعمل إذا لم أكتب؟ ليس لديّ نصيحة لهم (للروائيين الشبان). أتمنّى لهم فقط أن يكونوا أحراراً. ألّا يخافوا الحرّية. وبقدر ما ينتبه الإنسان إلى الحياة، تغتني كتابته“.
استهل رشيد كتاباته الإبداعية بالشعر في العام 1979، وما لبث أن أنتقل إلى عالم السرد في العام 1983. وإذ عاد إلى الشعر في العام 1993عبر ديوانه “أي ثلج يهبط بسلام”، لكن كانت شهرته وبصمته في عالم الأدب، في كتابة الرواية، وقد صدر له أكثر من سبع عشرة رواية، مقابل ثلاث مجموعات شعرية، ومجموعة قصصية قصيرة شخصياتها أطفال. وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات.
يرى رشيد ، أن ما كل ما يُكتب وُجد ليقرأه كل الناس، فمجتمعاتنا تمارس الكثير من النفاق، ومن واجب الكاتب أن يضيء على ما يرى ويشاهد، وهو ما قد يزعج البعض. فليس الهدف في النهاية عند كسر المحظورات أو تجاوز الخطوط الحمراء هو الإثارة «أنا لا أكتب مشاهد تستدعي الإثارة. ذلك أن هذه الأمور تأتي في نصوصي لأن لها وظيفتها، ومن دون ذكرها لا يمكن للرواية أن تكتمل. ليس من أدب في العالم ليس فيه مشاهد من هذا النوع».


أضاف:”لا أحبّ أن ألعب دور الحكيم الذي عجنته الحياة وراح يلقي النصائح ويوضح معاني الحياة والوجود. هناك لا شك بعض ممن يتقدم به العمر، يشعر بتفاهة الأشياء ولا معناها. أنا بالتأكيد أنتمي إلى جيل يمكن تسميته بـ«جيل الصدمات». كنا نريد تغيير العالم، ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية شعرنا بأن كل النظريات التي حاولنا أن نفهم بها العالم ونغيّره بها، انهارت وتساقطت. كانت محاولات اليسار للخروج من المأزق الذي تضعنا فيه الأنظمة والطوائف، مكلفة ولم تتكلل بالنجاح. لكن فشل اليسار لا يعني صواب الطوائف وقوى الظلام والجمود والعودة إلى الأصول. أنا مؤمن بأن الإنسان قادر بالمبدأ على الخلق والإبداع. الإنسان كائن خلّاق إذا انتبه“.
في المقابل، لا يأتي الأسلوب الحيادي الذي غالباً ما يلحظ في روايات رشيد عفو الخاطر، فكل قصة لها ما يناسبها، وفي ذلك يقول:
رواية (أهل الظل) هي قصيدة في رواية أو رواية في قصيدة. وروايتي (ألواح) لغتها ليست حيادية على الإطلاق. وحين نقرأ (معبد ينجح في بغداد) ندخل إلى مكان تعبيري آخر. اللغة في نصوصي متوارية خلف الحدث، لغة شفافة نرى عبرها ما نريد قراءته. لكن مرات أخرى لا تكون كذلك. فاللغة أحياناً، تصبح شخصية من شخصيات الرواية، أعمل عليها بعناية. في (تقنيات البؤس) لم أستعمل أي فعل لا يمكن تصويره أو تجسيده. لم أستعمل كلمة تذكّر أو فكّر. لم أستخدم أحبّ أو كره. كنت أسعى إلى تلمس نمط وجود الخوف بدل أن أستعمل الفعل خاف مثلاً. كأن أقول (خرج من بيته، تلمّس حبة الأعصاب في جيبه، تدفقت الدماء إلى صدغيه…)، هنا اشتغلت على اللغة بهذا الشكل. فلكل أسلوب وظيفة ولكل حدث أسلوب ولكل حالة أسلوبها“.
روايته “عودة الألماني إلى رشده” (2005)، ترسم حوارا بين الشرق والغرب، ويتطرق عبرها لمسألة صراع الحضارات. وقد رد عليها الكاتب الألماني يواخيم هيلفر من جانبه بكتاب “خطاب مقابل خطاب”. الكتابان ترجما وصدرا بالألمانية والعربية، وتمت ترجمتهما إلى الإنجليزية حيث نشرا في جامعة تكساس الأميركية. وكان الكتابان محور ندوة أقيمت في برلين.


رشيد الضعيف ليس ظاهرة (كتابية) مميزة جدا عن سواها بقدر ما هو باحث شعري ، يستعين بالنثر الروائي لتمتين النص الشعري والعكس بالعكس.وقد لفت الاهتمام اليه من خلال ما كتب من ثاقبة الشكل والمعنى،وأخذت المضمون الي حيز الفاعل القادر على الصراخ بحفيف صوته وخطواته.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات