الشاعر اللبناني المكسيكي قيصر عفيف في زحمة الغربة والاغتراب

09:09 صباحًا الخميس 17 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

شاعر وكاتب وناقد ومترجم، استطاع توظيف ثقافته في مشروع بناء ثقافي ، قيصر عفيف اللبناني الذي يعيش في المكسيك منذ عقود حقق حضورا شعريا في المناخ البعيد. كتب الشعر والقصيدة، وترجم شعراء كبار من أمثال خايمي سابينس وسواه، وهو أطلق مجلته الشعرية الشهيرة “الحركة الشعرية” منذ عقود أيضا، وما زالت مجلته ترى النور وان من وراء البحار. التقيت بالشاعر المغترب :
ــ متى اكتشفت انك شاعر؟ كيف تبلورت القصيدة في حياتك؟

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

حتى اللحظة لا اعرف اذا كنت حقا شاعراً. لا أعرف على وجه الدقة
اذا كان ما أكتبه يرتفع الى مصاف الشِعر، هذا الفن المقدس. ثم اني
لا احبّ ان تغلب صفة عليّ واقع تحت ثقلها وتأسرني أفكارها وتحدّد
خطواتي. فالانسان لا يكون فقط شاعرا او طبيبا او مهندسا. ليس من مهنة تستهلك غنى الانسان في كلِّ ابعاده

حين أكتب أحاول ان اطلّ من نافذة الذات المغلقة الى الخارج. لست وحدي
في هذا الوجود. والآخر ليس غريبا عني بل شريكي في الأرض والسماء. له
ما لي ولي ما له. نتشارك الهواء نفسه والشمس نفسها. ومع اننا نتشارك
العين نفسها لا نتشارك النظرة الواحدة الى الحياة. عندما اكتب احاول ان اقول لشريكي اننا لم نرَ الشمس لان النافذة مغلقة وها انا ادعوك لفتحها
حتى ترى ما ارى، ما كان خفيا عنك. وإلا تظل في عزلتك الوجودية تعاني الوحدة بعيدا في منفاك. اذا نجحتُ تبدأ القصيدة بالظهور لتؤشر للآخر باتجاه الطريق، باتجاه النافذة التي منها تطلّ الشمس

ــ قصيدتك مشحونة بالفكر والقلق المعرفي. ماذا تخبرنا عن شعرك؟

قصيدتي تخرج مني. انا مرآتها. لكني لا اعرف تماما بماذا انا مشحون. للفكر ابعاد عدة منها الواعي ومنها اللاواعي، منها الذاكرة ومنها الحلم والخيال. الا ان هذه كلها تكون عناصر تساعدني على الاكتشاف. قصيدتي تحاول ان تكتشف جوانب من ذاتي وتحملها من كهوفها الخفية الى الورقة
البيضاء. هكذا أشارك الآخر في تجربتي. ارى اني اذا استطعت ان اضيئ للاخر مساحة من جوانيتي ربما اساعده على اكتشاف جديد يساعده في رحلته نحو اكتشاف ذاته هو او جوانب كانت من قبل مغلقة عليه

ــ كيف اثّرت علاقاتك الواسعة بثقافات العالم على ثقافتك وتجربتك الشعرية؟

لا اخفي عليك باني مدين بكل ما هو أنا لكثير من الثقافات. منذ بداياتي
كنت مهتماً بحضارات الامم في القارات الخمس. يجذبني الانسان في
مغامراته، في مماراساته لطقوسه الاجتماعية والدينية، في تزاوجه، في
دفنه لموتاه وفي غيرها من طرق العيش. كنت ارى كيف نشبه بعضنا
.وكيف نختلف .وكنتُ اتعلم الكثير.

تعلمتُ ان المعلومات لا تفيد. أنها مجرد افكار تدخل الدماغ وتخرج منه. لكنها
.لا تبدّل القلوب التي تبقى صخورا معزوله لا تشعر بوجود الآخر

تعلمتُ اني والآخر في وحدة يجمعنا حبل سري ما الكون. انا هو في شكل
.آخر ولون آخر ودون وجوده في حياتي ابقى معزولا كئيبا منغلقا

ــ تعيش في المكسيك منذ فترة طويلة حيث بدأت باصدار مجلتك “الحركة
الشعرية”. لماذا الإصرار على مجلة عربية في أرض غير عربية؟

نعم بدأنا في إصدار الحركة الشعرية منذ ١٩٩٢ من المكسيك. يومها لم
نفكر الا باصدارها. كانت البلاد العربية افضل من اليوم ولكنها كانت تضيق
بالكلمة الحرة. لم يتسع العالم العربي الا لمن يسلط قلمه وسيفه في
خدمة لمصلحة !. صدف اني تواجدت في المكسيك ورايت ان تكون لنا مطبوعة تشجع على امرين: نشر نتاج شعراء شباب لم يتسن لهم
النشر في صحف ودوريات بلادهم الخاضعة للسلطة السياسيىة او لمافيا
الثقافة. وفتح المجال ثانيا لكلّ شاعر ان يقول ما يريد كما يريد كاسرا
النمط التقليدي أو محافظا عليه مبارِكا او لاعناً، حسب ما يمليه عليه
حسّه الانساني. ولم يكن ثمة إصرار على الاصدار بل قوة الاستمرار
.دفعتنا وما زلنا تحت تأثيرها

ــ قدّمتَ للقارىء العربي مختارات من شعر خايمي سابينس المكسيكي
من اصول لبنانية. كيف اهتديت الى هذه القامة الأدبية؟

عند وصولي الى المكسيك كنتُ اقرأ الشعر المكسكي بشراهة لاني
أعرف ان جوهر الحضارة لا نجده إلا في الفنون وأهمها الشِعر. ومرة قال
صديق عليك بقراءة خايمي سابينس وهو من اصول لبنانية. ولما قرأته
ووجدت في شعره صور الحياة المكسيكة المتنوعة أعجبت ببساطته
وعمقه في آنٍ معا. حاولت ان اجتمع به ولم يتسنّ لي لأنه كان مريضا. وحدث ان كرموه مرة في النادي اللبناني في مكسيكو العاصمة
وتعرفت على خوليو ابن الشاعر الذي رحّب بالفكرة كثيرا بل
شجّعني باهدائي كل مجموعات الشاعر فاخترتُ نماذج ونقلتها
وصدرت عن دار نلسن في بيروت في طبعتين حتى الآن.
ــ اكتافيو باث حامل جائزة نوبل كان جارك على ما اعلم فهل تعرفت
عليه وماذا تخبرنا عنه؟

نعم كان يسكن في بناء لا يبعد أكثر من دقائق سيرا. لكني عجزتُ عن
لقائه. حاولت مرتين. في المرّة الاولى عندما كتبتُ عنه في احدى
الصحف اللبنانية نبذة بمناسبة حصوله على جائزة نوبل واردتُ ان اعطيه
نسخة خصوصا ان من ضمنها ترجمة لبعض قصائده. حملتُ الصحيفة
ولكن ناطور البناية حيث يسكن اخبرني انه غير موجود. عدتُ خائباً

في المرة الثانية عندما طلبتَ أنتَ مني ان احمل له ترجمة لك لبعض
قصائده. ذهبتُ مع النسخة التي حملتها معي من لبنان وتكرر
مشهد اللقاء الاول . تركتُ النسخة عند الناطور وكانت خيبة أخرى

شعر اكتافيو باث ، على عكس شعر سابينس، مشحون بالتجربة
المعقدة المتشابكة الابعاد جمع فيها ما عرفه من حضارات الشرق
الاقصى واروبا حيث عمل سفيرا وحضارة المكسيك القديمة قبل
.وصول الاسبان اليها

ــ كيف يتوزّع الحب والمرأة وعاطفة الانسان في حياة قيصر عفيف؟

في حياة قيصر عفيف لا فصل بين العاطفة والفكر ولا بين الجسد والروح. هذا الفصل ممكن في الذهن فقط اما في الحياة فهذه كلها متلاحمة في
الانسان الشخص الواحد. ان السؤال مبني على التجريد الذي
يحمل في طياته خدعة. لا وجود للمرأة إلا في الفكر المجرد. لو
سألتني عن سلمى او ليلى، عن هند او دعد، لربما كان الجواب سهلا
. ودقيقاً اما المرأة بالمجرد فلا وجود لها في قاموسي

والحُب أيضاً تجريد لا وجود له في الواقع إلا اذا قرناه بشىيء آخر
كأن نقول حب فلانة او حب لوحة ما او انسان ما او حضارة ما الى آخر
ما هناك كن أشياء نحبها. اذا حصرناه في الفكرة المجردة كل ما نقوله
.يكون على سبيل التنظير الذي لا يُعوّل عليه

ــ كيف ترى وطنك لبنان من داخل غربتك المكسيكية؟

لا اعرف اذا كانت الرؤية تتضح عن بُعد امْ تتغبش. لكن الوطن لا يختفي عن النظر. هو جزء مني احمله كما لحمي وعظمي ولا خروج منه. لكني
كنتُ اراه جبلاً أخضر تكلّله الكرامة صرتُ أراه صحراء تغمرها القمامة. كنتُ اراه شاطئاً يُغري بالمغامرة والاكتشاف صرتُ أراه مغارة لصوص. كنتُ أراه تقاليد أفاخر بها العالم صرتُ أراه عادات اخجل من الانتماء اليها. كنتُ اراه الوطن الافضل: افضل الجامعات والمدارس، افضل الشعر والموسيقى، افضل مسارات للعدالة والقوانين فصرتُ أراه وطن الأسوأ. كنت ُ أراه وطنا يساهم في شرعة حقوق الانسان فصرتُ اراه وطنا تُغتصبُ فيه كلُّ شرعة. كنت أراه وطناً يعبد الإله الحي القيوم فصرت أراه لا يعبد سوى العجل الذهبي. كنتُ اراه سيّد التجارة بين الامم فصرت أراه يتاجر بالاعراض والذمم. كنتُ أراه وطن العصافير فصرتُ أراه وطن البنادق. باختصار كنتُ أراه .وطناً صرتُ أراه منفى

ـــ هل تنوي الإستقرار في المكسيك الى النهاية؟

لا أعرف بالتحديد. ربما. لكني تعلّمتُ على مدار العقود ان أكونَ مثل المياه. الماء يتّخذ شكل كلَ إناء وحين ينساب لا تقف عقبة في طريقه. بنعومة
. يحفر الصخور، يتسلق الأشجار والجدران ويصل حيث يحلو له الوصول
وأنا تعلمتُ أن انساب مثله، ان اصغي الى الضابط الكلّ فاذا شاء لي عودة
اعود. وعندها لن تقف عقبة أمامي

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات