الأديب الراحل يوسف سلامة … ذكرى لا تُنسى، ذاكرة حيّة

08:25 صباحًا السبت 10 يوليو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

شخصية ثقافية مميزة ورصينة، تتمارى في شخصه وروحه ملامح الزمن المتعاقب والمتحول من مناخ الى مناخ.شخصية روائية وكذلك شخصية مصرفية ،فهو مؤسس فروع مصارف عديدة في نيويورك وسواها من من بلاد العاام. لكن شخصيته الثقافية الابداعية طغت على كل ما هو معتمل في ايامه وحياته. انه الكاتب اللبناني الراحل يوسف سلامة.

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


 ولد يوسف سلامة في عين عنوب، جبل لبنان عام 1925 تلقى دراسته الاولى في الشويفات وفي مدرسة الفنون في صيدا. وكان استاذه فيها الشاعر الراحل يوسف الخال ولاحقا احد اعز اصدقائه. ثم تابع دراسته في الجامعة الاميركية في بيروت (بكالوريوس في الاقتصاد 1947). ناضل في صفوف النهضة العربية العليا في القدس 1947-1948، وايضا في صفوف النهضة الاجتماعية واعتقل ابان الثورة الاجتماعية الاولى.
درس في جامعة شيكاغو (ماجستير في العلوم السياسية 1950). وتتلمذ على اهم المحاضرين في القانون الدولي، ولقح خبرته في هذا المجال بالاطلاع الوافي المعمق على علمي النفس والاجتماع. حاز الدكتوراه في العلوم السياسية والدولية من جامعة جورج تاون في واشنطن 1961. اسس مصرف انترا في نيويورك واداره حتى سنة 1967. عاش حياته متنقلا بين السويد ولبنان وساهم من خلال “دار نلسن” التي اسسها مع عبودي ابو جودة والكاتب الصديق سليمان بختي ولاحقا مع الراحل د. هشام شرابي في مجال الكتابة والتأليف والنشر. 


 صدر له “لبنان في الامم المتحدة” (دار مجلة شعر سنة 1962)، “حدثني ي. س قال” (1988)، “السقف” (1991) “جريمة في البيت” قصة اعدام ابراهيم طراف (1994)، “عود الكبريت” (1995)، “شرفنا لنخطف انفاسك” (1997). اصدر الاعمال الكاملة (1998) و”قصائد ونصوص من الادب الايروسي” (1999)، و”وداعا رياح التفاؤل” (1999)، عدا الدراسات والمقالات والقصص في الدوريات اللبنانية والعربية.  
كل كتب يوسف سلامة ورواياته وقصصه نابعة من تجربة معيشة واختبار حقيقي. في كتابه “حدثني ي س قال”، كتب قصته في نضاله في فلسطين بعنوان “حاجز القطمون”. واللقطة الاطرف فيها صورة اميل الغوري يكركر في نرجيلته والجيش الاسرائيلي يتقدم. اما قصة اعتقاله في سجن الرمل وتلك الفرشة التي شاركه فيها غسان تويني ونصف المسجونين قصة ضاحكة دامعة. اما قصة افلاس بنك انترا الذي اسس فرعه في نيويورك بتكليف من صهره يوسف بيدس قفد رواها تحت عنوان “برج السرطان”، السرطان الذي اكل لبنان كله في ما بعد واسه النظام الطائفي. اما قصة خطفه خلال الحرب اللبنانية (1985) مع الدكتور منير شماعة فكتبها بعنوان “في خندق واحد”. اثار كتابه “حدثني ي س قال” اعجاب النقاد وترك الصدى الايجابي.
كتب عنه الكثير وبعض مما قيل فيه : “يوسف سلامة شاهد عصر. دوّن ذاكرته الخاصة التي هي ذاكرة جيل ناهض بطريقة اسرة”.
وكتب عنه الشاعر شوقي ابي شقرا: “يعطي يوسف سلامة في نصوصه نكهة خاصة ومميزة تدلنا على التجذر لهذا الكاتب والباحث في السياق الكلاسيكي للموضوع المطروح، وعلى كونه ابن نهضة فكرية تمتد الى العقلانيين الذين ابدعوا مؤلفات نابضة بعمق السخرية والطرافة الفكرية”.
اما الناقد محمود شريح فكتب: “يوسف سلامة سجل ما شاهده وخبره على مدى نصف قرن. مفكر نهضوي في عباءة اقتصادي ومناضل عنيد في جبة مؤرخ”. 
 قال غير مرة عن الكتابة “انها مثل اللعب. تشبه لعبة الغولف الضربات كثيرة والحدس اقوى”. قال يوسف سلامة في جوابه على سؤال،لماذا انت ساخر؟ فاجاب على طريقته: “لان السخرية بحد ذاتها تعطيك لمعة فكرية. وفي الكتابة بامكانك ان تعقص مرتاحا وتعقص حتى نفسك. وبامكانك ان تخرج بمواضيع مملة جادة بكلمتين كالبهار… اعتقد انني كلما اقتربت من الحس الساخر اقتربت جوهرا من نضال الانسان في سعيه الى الفرح والسعادة والحياة.”
يقول في حادثة خطفه “عندما رفعت الوسادة عن راسي وفتحت عيني على الاذلال والقهر. ثم نظرت الى منير. ودون ان اكلمه او استأذنه امسكت بالخيارة ودحشتها في الموضع اللائق بها”. يروي ايضا في قصة سجنه كيف امسك بيده رياض الصلح في السرايا الحكومية وسلمه الى خاله النائب منير ابو فاضل قائلا: “بلا احزاب بلا اكل خرا”.
في كتابه “السقف” (قصص) تلمح اليد الدافئة التي ترفع سقف الحياة.
اما كتابه “جريمة في البيت” فقد ارسل التقارير النفسية والجنائية الى الخبراء في اوروبا واميركا لمعرفة رأيهم قبل ان يقرر موقفه من المجرم ومن الرواية ومن نظام البلد. في كتابه “شرفنا لنخطف انفاسك” روى قصة صراعه مع مرض السرطان, معركة قاسية في اذلال المرض وقهر وجع الرحلة الاخيرة. جعل المرض ارض صراع جابهه بعيون مفتوحة وابتسامة مغرية. كنا نزوره للاطمئنان عليه فإذا هو يضحك ويسخر ويشيلنا من الهموم والظنون. اما روايته الاخيرة “وداعا رياح التفاؤل” فكان يريد عنوانها “بول على رياح التفاؤل” حتى استقر على عنوانها فاضحا تناثر القيم العربية واندحار الهوية في زمن العولمة.
  كان يوسف سلامة صاحب ريادة نهضوية في الكتابة والحياة والصداقة. اتذكره وهو يدندن “ترلم ترلم” كلما رأى الاشياء والامور تكرر نفسها في الحياة والعباد والبلاد.
لا ازال اذكر اللقاء الاخير الذي جمعه مع الاصدقاء في “سيتي كافيه” عام 2000. يومها رفع يديه وقال: “محبة الاصدقاء هي اقوى سلاح لمحاربة الجهل والخوف والمرض”. بعدها سافر الى السويد وتوفى هناك ودفن فيها تاركا حياته تنبض في الكتب وفي الحنين الى الشرق.
عقدان من الزمن على غياب يوسف سلامة،ويحضر طيفه اكثر في ذكراه وتذكره.رجل الزمن الجميل،كاتب الفن .تفنن بالكتابة وحولها الى اسئلة وارفة على مساحات الروح،كسماء .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات