جمال محمود: أمنا إفريقيا تهددها تركة الاستعمار

07:46 مساءً الإثنين 29 نوفمبر 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
جمال محمود

أمنا إفريقيا .. صفحة تعنى بكل ما هو إفريقي، ثقافة وعادات وتقاليد وتاريخ وأخبار وطرائف وصور من قلب القارة الجميلة .. صاحبها هو الكاتب الصحفي جمال محمود له رأيه الذي يُعتد به في الشأن الأفريقي، وهو ما يدعونا في (آسيا إن) إلى سؤاله عن مجريات الأحداث الراهنة عند منابع النيل وما بعدها:  

ـ ما هو الأفق المحتمل لتطورات الأحداث في إثيوبيا ؟

  • المشهد الإثيوبي الآن أكثر تعقيدا عن ذي قبل، فالصراع لم يعد كما كان في البداية صراعا بين الحكومة المركزية وجبهة التيجراي المتمردة، أو ما كان يطلق عليه رئيس الوزراء آبي أحمد حملة إنفاذ القانون، إذ دخلت معطيات جديدة منها تمدد الصراع بين القوميات نفسها، التيجراي والعفر من ناحية والتيجراي والأمهرا من ناحية أخرى، فضلا عن دخول قوميات أخرى إلى جانب التيجراي في حربها ضد الحكومة المركزية، وهي قوميات رافضة أساسا لمركزية الحكم التي استنها آبي أحمد من خلال حزبه الازدهار،  ومطالبة بإعطاء مساحات أكبر من الحرية للأقاليم وهو ما يرفضه رئيس الوزراء نفسه الذي يرى في ذلك إضعافا لسلطة الحكم المركزي أو بمعنى آخر إضعافا لسلطته هو، ومن أهم هذه القوميات، قومية الأورومو ذات الأغلبية السكانية في إثيوبيا والمهمشة من قبل قوميتي التيجراي والأمهرا منذ زمن بعيد  .

الأمر الآخر لم يستطع أي من طرفي الصراع حتى الآن  التأسيس لما يبدو وكأنه بوادر حسم الأمر لصالحه، فالبرغم من الاجتياح السريع لقوات آبي أحمد لإقليم التيجراي بمساعدة الجيش الإريتري العدو التقليدي للتيجراي، إلا إنها سريعا ما انسحبت، لتواصل قوات التيجراي المدربة والمتمرسة والتي يقودها قادة لهم خبرات قتالية سابقة، تقدمها صوب العاصمة . ولا يزال جيش الحكومة المركزية بالرغم من الدعم الخارجي له بالأسلحة من دول عربية وغير عربية، غير قادر على صد هجمات التيجراي وحلفائهم ووقف تقدمهم، كما أن قوات التيجراي غير قادرة على الحسم السريع للمعركة . وهذا ما يبدو أنه سيطيل في أمد هذه الحرب .

من القول المأثور إن الدم لا يأتي إلا بمزيد من الدم، وهذا يعني أن المذابح التي ارتكبتها قوات الحكومة المركزية ضد أبناء التيجراي،وتهجير مئات الآلاف منهم ومنع المساعدات الدولية من الوصول إليهم، جعل التيجراي يرتكبون مجازر مشابهة وهو الأمر الذي نوهت إليه الأمم المتحدة في تقاريرها بإن كلا الطرفين يرتكبان جرائم ضد السكان الأبرياء، وهذا من شأنه ترسيخ المرارات بين طرفي النزاع، وفيه ما فيه من استمرار الضغائن والأحقاد بينهما بما لا يدع مجالا للتسامح بينهما .

الحديث أيضا عن قرب وصول قوات التيجراي إلى العاصمة أديس، لا يعني انتهاء الحرب، فجميع القوميات رافضة لحكم التيجراي وثاروا عليه من قبل، وهذا يعني أن التحالفات الحالية سرعان ما ستتفكك، وتعود الصراعات القديمة بين القوميات على الحدود، وهو ما تبدو بوادره بين التيجراي والأمهرا خصوصا على منطقة غرب التيجراي التي احتلها الأمهرا والتي تمثل حاجزا بين التيجراي والحدود السودانية وتمثل مطلبا ملحا لهم لدخول المساعدات الغذائية والعلاجية وغيرها، فضلا عن الصراع بين التيجراي والعفر من خلال محاولة التيجراي الوصول إلى خط الإمداد الواصل من جيبوتي إلى،ولا يستبعد دخول منطقة الصومال الغربي ” الأوغادين ” على خط الرغبة في التحرر من الاحتلال الإثيوبي .

الخلاصة يمثل كل ما سبق مجموعة من التعقيدات التي تعيق حدوث اختراق سريع لهذه المعمعة الدموية التي فجرها رئيس الوزراء الإثيوبي من دون وعي للكوامن المريرة المكونة للدولة الإثيوبية .

ـ هل ترى أن نموذج الدولة يظل مهددا بواقع القبيلة في عموم إفريقيا ؟

  • حتى مرحلة الاجتياح الأوروبي لإفريقيا، كانت القبيلة هي المكون الأساس للمجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء، إذ حتى ذلك الوقت لم تعرف هذه المجتمعات الدولة القومية الجامعة لكل مكوناتها العرقية والدينية والثقافية، ربما إلا مع بعض الممالك الإسلامية التي ظهرت في غرب إفريقيا، وهي أيضا كانت تقوم على عاتق القبائل الكبيرة، وفي الوقت نفسه ليس بمفهوم الدولة الأمة .

ولكن مع احتلال الدول الأوروبية لإفريقيا من شمالها إلى جنوبها، ثم تقسيمها ومنحها أسماء جديدة، برزت المشاكل العرقية والصراعات القبلية، إذ إن هذه الحدود قسمت القبائل، وأعطت هذا أرض ذاك، وهو ما فجر الحروب فيما بينها، وزاد الأمر بله، التقسيمات الدينية، ومنح بعض القبائل الأفضلية على قبائل أخرى لهذا السبب ، مثل نشر التعليم بين أبناء القبائل التي اعتنقت المسيحية على أيدي المبشرين الأوروبيين ومنحهم السلطة، خصوصا ما قامت به فرنسا في غرب إفريقيا، التي أوجدت  مشاكل لا تزال آثارها باقية حتى اليوم مثل جنوب تشاد وإقليم الكازامنس في السنغال، و فضلا عن التقسيمات الدينية، لا تزال مشاكل التقسيم اللغوي قائمة حتى الآن ففي دولة كالكاميرون، لايزال صراع المتحدثين بالإنجليزية ضد الحكومة التي تتبنى الفرنسية ماثلا حتى الآن . ولا ننسى مثلا ما قام به الإنجليز من منع الدخول لجنوب السودان، تمهيدا لفصله عن الدولة الأم السودان وهو ما تم في النهاية .

الأمر الآخر هو أن القبيلة ليست هي كل ما يهدد الدولة في إفريقيا الآن، إنما المهددات الأكثر خطرا تكمن في التركة الاستعمارية المريرة، بما أوجدته من استنزاف لاقتصاديات هذه الدول التي لا تزال حتى الآن لا تمثل سوى منجما للدول الغربية وأمريكا، وعلينا أن نتذكر أن فرنسا لا تزال تحتفظ بنفوذها في الدول التي كانت تستعمرها في إفريقيا، ولا يزال اقتصاد هذه الدول مرتبطا بالاقتصاد الفرنسي .

فضلا عن ذلك، التخلف والفساد، وضعف الاقتصاد، وضعف البنية التحتية في مجالات التعليم والصحة ، إلى جانب الإرهاب، والتغيرات المناخية التي أصبحت تلقي بثقلها على هذه المجتمعات بالجفاف والفيضانات وغيرها .

ـ إلى أي مدى تشكل التدخلات الغربية والعربية خطرا على الداخل الإفريقي ؟

  • مثلما ذكرت في إجابة السؤال السابق، التركة الاستعمارية المريرة، وما خلفته من توترات عرقية ودينية وثقافية، فضلا عن استنزاف مقدرات الدول الإفريقية وثرواتها والتي كانت العامل الأساس في ثراء دول الغرب الاستعماري، لا تزال تلقي بظلالها على الواقع الإفريقي، فضلا عن ذلك أن الاستقلال الذي تم في ستينيات القرن الماضي للعديد من الدول الإفريقية لا يزال صوريا، ولا تزال الدول المستعمرة بكسر الميم ـ تمارس حضورا سياسيا واقتصاديا وثقافيا في هذه الدول، وهي المتحكمة في قرارها، ولا تزال مشاكل عدة في إفريقيا هي بفعل التدخلات الغربية، منها على سبيل الصراع الدائر في دولة إفريقيا الوسطى حتى الآن والذي تحول بفعل فرنسا من صراع سياسي إلى صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين، وانتشار الإرهاب في منطقة الصحراء الكبرى، وهو صراع في أساسه قبلي بسبب التهميش، كما لاتزال الساحة الإفريقية أرضا خصبة لصراع القوى الكبرى للحصول على المواد الخام .

ـ تنشئ الصين بنى تحتية في دول إفريقيا وتربطها بالحزام والطريق كمبادرة اقتصادية ثقافية، فكيف تقيم الحضور الصيني في إفريقيا ؟

* ساعدت مرارات الأفارقة من الاستعمار الذي دمرها، فضلا عن الصراع الأمريكي الفرنسي الحالي على بلدانهم،إلى دخول الصين بقوة إلى إفريقيا، خاصة عندما وجدوا فيها ما يلبي طموحاتهم، مثل عدم التدخل في شؤونهم الداخلية وعدم ربط الاستثمارات بنشر أيديولوجيات فكرية أو ثقافية مثلما كانت  الدول الاستعمارية تفعل منذ أن وطئت الأراضي الإفريقية .

هذا الأمر أدى إلى أن تكون الصين الحليف المناسب لدى الأفارقة، وساعد على ذلك تقدمها التكنولوجي وقوتها الاقتصادية ما يساعد في بناء القدرات الإفريقية وتطويرها.

في مقابل نظرة الأفارقة تلك للصين، كانت رؤية الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق هي اتباع سياسة اعتماد مبدأ الفائدة المشتركة للطرفين، فالصين تتعاون مع الجميع، وتركز في مشروعاتها في إفريقيا على البنية التحتية مثل إنشاء الطرق والسكك الحديدية ومحطات الطاقة والمياه،فضلا عن تقديم المعونات والدعم للمجتمعات المهمشة والفقيرة ومكافحة الفقر،كما لا تتوقف العلاقات الصينية الإفريقية عند الاقتصاد والتجارة فحسب، إنما تمتد إلى التعاون الثقافي، إذ افتتحت مراكز ثقافية عدة في العديد من الدول الإفريقية، وأزيلت القيود على تأشيرات السفر الأمر الذي أدى إلى زيادة السياحة في هذه الدول ،، وبناء على كل ما سبق يرى المراقبون أن الصين استطاعت تثبيت أقدامها في مجمل دول القارة الإفريقية، وهو الأمر الذي يثير حفيظة الغرب وأمريكا والتي تتخذ من الديون الصينية على الدول الإفريقية تكئة لاتهامها بأنها استعمار جديد، وهو ما تنفيه الصين بشدة، وبالرغم من ذلك تظل بالنسبة للأفارقة وهوما تبينه أرقام التعامل بين دول القارة وبينها، البديل الأنسب للغرب وامريكا اللذين يتعاملان بفوقية وتعال لا يخلو من نفس استعماري قديم .

ـ إلى أي حد يثقل التاريخ على الحاضر في إفريقيا، تاريخ العبودية والاستعمار وحروب الاستقلال ؟

  • بالتأكيد لا تزال مرارات التاريخ تلقي بثقلها على الكاهل الإفريقي، فمنذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر وهو ما سمي بعصر الاستكشاف الذي بدأه البرتغاليون باحتلال سبتة على الساحل المغربي وصولا إلى عصر التدافع الغربي في القرن التاسع عشر وتقسيم الأوروبيين لإفريقيا فيما بينهم فيما عرف بمؤتمر برلين ، عانى الأفارقة أشد المعاناة، إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا ، بشحنهم بالملايين إلى بلاد العالم الجديد في أبشع ما عرفته البشرية من صنوف العبودية والاسترقاق وما انطوى على ذلك من تعذيب وقتل وإبادة وعلى سبيل المثال نقلت السفن البرتغالية وحدها ما يقارب ستة ملايين إفريقي للعمل في مزارع القصب في العالم الجديد ثم اتبع العديد من الدول الغربية هذا النهج فيما بعد، وكانت الجريمة التي لا تقل بشاعة عن الاسترقاق والعبودية نهب الثروات والخيرات، والقضاء على الدول والممالك الإفريقية، واستخدام الأفارقة في العمل بالسخرة لصالح المستعمر، على سبيل المثال استخدام الكونغوليين في جمع المطاط لصالح بلجيكا وقطع أيدي من كان يتقاعس منهم عن العمل وتعليقها على الأشجار لتكون عبرة لغيرهم ، وربط الدول المستعمرة بالمستعمر سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، والأبشع من ذلك ما تركه هذا الاحتلال من حروب أهلية بين الأفارقة أنفسهم راح ضحيتها الملايين منهم، فضلا عما غرسته من مرارات وكراهية بين هذه المجتمعات التي كانت تعيش في وئام وسلام .

وحتى بالرغم من استقلال معظم الدول الإفريقية منذ ستينيات القرن الماضي، لا زال الماضي الكئيب يخيم بظلاله على الحاضر، فلا يزال الفقر السمة المميزة لمعظم الدول الإفريقية رغم غناها بالثروات من ذهب وألماس ونيكل ومعادن نادرة ونفط وأخشاب وأراضي واسعة صالحة للزراعة، ولا يزال اقتصاد الكثير من الدول الإفريقية مرتبطا بالدول الغربية كارتباط دول غرب إفريقيا بفرنسا، وبقايا المحتل الإنجليزي والهولندي في دول الجنوب الإفريقي بما يمتلكون من مساحات واسعة من الأرض حرم منها أبناء الأرض الأصليين . ويبقى أنه بالرغم من الثروات التي كنزها الغربيون من إفريقيا، يرفضون فتح حدودهم لاستقبال البائسين من الشباب الإفريقي للعمل عندهم، ويتركونهم يغرقون بالآلاف في البحر .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات