الفولْكلور اللُّبناني في أعمال الأخوين رحباني | الحلقة الرابعة

02:38 مساءً الإثنين 14 مارس 2022
مصطفى مصطفى جحا

مصطفى مصطفى جحا

ليسانس العلوم الاجتماعية، جامعة دالارنا السويدية. بالدراسات العليا لإدارة المؤسسات التربوية والتعليمية في جامعة اوبسالا السويدية، يدير مدارس ومعاهد رسمية لتعليم الكبار في السويد.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

(فولكلور العائلة: كُونَا فَرِحَيْنْ، غَنِيا فَرِحَينْ)

عرس فيروز / عاصي الرحباني

فولكلور العائلة: حب، فخطوبة، فزواج:

(أ)الحب (مِنْ يَوْمْها صارْ القمرْ أكبرْ):

لا يمكنك أن تجد أغنية أو عملًا من أعمال (الأخوين رحباني) يخرج عن نطاق “العائلة”، فالعائلة، حتى في حكايات الحب التي غالبًا ما تركّز على طرفَيّ الحكاية، محاطة بالعائلة، بالأهل، بالجيران، بالطَّبيعة، وبالأبوين، وبالجدّ والجدّة أيضًا، أكانت الحكاية حقيقية، أو سرًّا يُعمَلُ على نشره ولو كإشاعة، وعلينا أن نكتشف “فلسفة الإشاعة” عند (الأخوين رحباني) في (حكاية الإسوارة)، وهي فكرة ابتدعتها (الختيارة: عليا نمري)، تنشر على أثر وضعها موضع التداول حكاية حب (عَلْيا: فيروز) المزيفة والجميلة في آن، والتي تطمح العجوز أن تصبح حقيقةً، مقنعة الصّبية (عَلْيا: فيروز) أن تتغاضى عما توصَف به، حتى لو كانَ:

شيطانِهْ وما بتقولْ أسرارا.

وخير مثالٍ على خروج حكاية الحب الحقيقي من فرديتها، اعتراف مبدئي للمخلوق الأقرب إلى قلب كل فتاةٍ عندما تقتربُ من حكاية حبها الأول، كما في (يا امّي ما بَعْرِفْ)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، وغناء (فيروز)، والتي تنتهي بجملة حائرة في كل مرة تصف ما حدث معها، من بقائها “حَدّ العَين”، إلى إصغائها إلى حديثه الجذاب، إلى تسلّمها هداياه، إلى قلقها المفرِح المُبكي:

يا امِّي ما بعرفْ كيفْ، ما بعرفْ كيفْ”.

ويشارك المحبُّ كل ما حوله عما ينبض به قلبه، فينشر تفاصيل حكايته، فيوشوش عن حكاية حبه حتى “عتبة البيت”، كما في موال لـ(فيروز) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، بعنوان: (زّينتْ بيتي بياسمينْ)، من ملفَّات (إذاعة شامFM ):

زيَّنْتْ بيتي بياسمينْ وعَ الهَدا\وصِرْت عتبتْنَا بحبَّكْ أُوعِدا

كما يشارك ومحبوبَه الورد على شبّاك المحبوبة، فيحفظ الوردُ السِّر الجميل الأليم، ويعانق من بقي حيًّا من طرفَيّ الحكاية عندما يغادر أحدهما ممسكًا يد الموت إلى مكان بعيد، كما في  قصيدة (دقَّيْت…طلّْ الورد ع الشّباك) التي كتب كلماتها (سعيد عقل) ولحنها (الأخوان رحباني)

أنا ويّاكْ\وحدْنا يا ورد رح نبكي[…]، ودقّيت عالشبّاكْ بعد سنينْ\شفتو انفتح! كيف شكل؟ بعدَك هونْ؟\قال:علّمتني حلوةْ الحلوينْ\انْ فلَّيْت إتْرُك عطرْ بهالكونْ.

علمًا أن هذه القصيدة ذكرت لفظة (الموت) أول الأغنية واضحة، حقيقية، بعيدة عن المجاز، تمامًا كما ذُكِرَت ثماني مرات في (مُغَنَّاة: زَنُوبْيَا) التي كتبها ولحنها (الأخوان رحباني). والمُغَنّاة تصف لحظات الملكة (زَنُوبْيَا) الأخيرة، ملكة (تَدْمُرْ) “طفلة الممالك” التي قررت الموت عن طريق تجرع السّمّ، قبل أن يصل الإمبراطور (أورليانوسْ) إلى قصرها ويقتادها أسيرة إلى روما بحجة “التّمرّد على روما” كما سماه، والذي صححت التّسمية إلى “التّحرر من روما”، وتذهب معه أسيرة متوّجَة.

ومن الأم والعتبة والورد، تنتقل الحكاية إلى مساحة أكبر، وقد ذكر (سعيد عقل)، في كلمات أغنيته التي لحّنها (الأخوان رحباني) وغنتها (فيروز): (بحِبَّكْ ما بعرفْ هِنّْ قالولي)، وكلمة (هِنّْ: هُمْ) تعني فيما تعنيه: الالتفات إلى رأي الآخرين، واحترامه، والأخذ به، وخاصة إذا كان يتناسب وتفكيرَ المحبّ الباحث عن حكاية حلوة لا يمانع أن تنتشر وتصبح حديث العائلة والأقارب والأصدقاء وأهل الضَّيْعة:

بحبَّكْ ما بعرف هِنّْ قالولي\مِنْ يَوْمْها صارْ القمرْ أكبرْ

عَ تلالْنا وصارِتْ الزَّغلولِهْ\تاكلْ عإيدي اللَّوْزْ والسِّكَّرْ

وحين نقول: (هِنّْ: هُمْ)، نتوقع قطر كل دائرة، ونعرف ما تعني هذه الكلمة، ففي (مصالحة)، غناء: (فيروز)، (وديع الصّافي)، و(نصري شمس الدّين)، و كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، تُستعادُ حكاية حب قديمة عمرها عشرون سنة سببت شجارًا فعداوة بين (الشَّيخ نصري: نصري شمس الدين)، و(أبو صالح: وديع الصّافي) بطلتُها (جوريِّهْ) التي لطالما اعتقد (أبو صالح) أنها “تجنّ عليه”، ما جعله “يجنّ عليها” بدوره، وإلا، ما سرّ هداياها له من المناقيش والخبزات والطّلامي؟ ويقابل اعتقادَه، اعتقادُ (الشّيخ نصري) المستعاد منذ عشرين سنة أيضًا أن (جوريّه) لطالما “تحركشت به” بالهدايا ذاتها من المصدر عينه: فرن (سعد الفرّان) الذي هربت معه “خَطِيفة”، ويتدخل أهل الضّيعة، ومن بينهم (فيروز: حَنِّهْ)، ويصالحون الطّرفين، مقنعين إياهما أن عليهما أن يشكرا الله على نجاتهما من سجن الزّواج بـ(جورية). ويتشارك حكايات الحبّ أيضًا (نواطير التّلج)، حيث يكتشفون:

اللي مزغزغْ النِّيِّهْ، وعم يضحكْ عَ صبيِّهْ، بياخدوه نواطير التَّلْجْ عَ جبل ببريِّهْ، وبيحبسوه بعليِّهْ ما فيها غير عتمةْ وتلجْ”.

ولا مانعَ، وحكايات الحب حكايات جميلة مليئة بـ”الهَنا”، أن يكبر قطر الدائرة أكثر فأكثر، إلى درجة تغطي دائرته “الدّنيي” كلها، كما في أغنية (يا كَرْمْ العلالي) من كلمات (الأخوين رحباني)، وألحان (فيلمون وهبي)، وغناء (فيروز):

صرتْ بْلا وعي\شي يقلّي تَعِي، وشي يقلّي ارْجعي\والدنيي عرفِتْ شو بنا

وحين تكون خلفية حكايات الحب نابضة بالمشاركة، لا بد من الانتقال إلى حنايا العائلة والمجتمع اللبنانيين، كما صورهما (الأخوان رحباني) في أعمالهما.

(ب) الخطوبة:

في معظم أعمال (الأخوين رحباني): ثمة ساحات، وغزل بريء سببه: “الحب، العشق، : (سوقي القطيع إلى المراعي)، (كيف حال الضَّيعَهْ)، (كان عنَّا طاحون)، (كان يا ما كان)، (كانِتْ على هاكِ العريشِهْ تتّكي)، (جايبلي سلامْ)، (شَلْحِة الحريرْ)، (عيد العزّابي)، (كانِتْ على هاكِ العريشِهْ تتّكي)، (ع الروزانا)، (جايبلي سلامْ)، (بعدَكْ على بالي)، (فايِقْ يا هوى)، (أمي نامت ع بكّير: بياع الخواتم)، (كان يا ما كان)، (نَقْلِهْ نَقْلِهْ)، (شَلْحِة الحريرْ)، (هيكْ مَشْق الزّعرورهْ)، (يا رايحْ ع كفرحالا)، (يا ظريف الطّول)، (يَمّا الحلو)، (كانِتْ على هاكِ العريشِهْ تتّكي)، (كان عنَّا طاحون)، (بعدَكْ على بالي)، يا ظريف الطُّول ويا بو الميجانا (نصري شمس الدين)، (نَقْلِهْ نَقْلِهْ)، (يا رايحْ ع كفرحالا)، (بكتب اسمك)، (فايِقْ يا هوى)، (دارْ الدّوري ع الدَّايرْ)…

وفيها عادات وتقاليد تسلط الضَّوء على تفاصيلَ حلوة ومشجِّعة على هذه الخطوة التي “تحوِّلُ، كما في حوار (عيد العزابي) بين الصبايا والشّباب:

قفاصْ المحبِّهْ رحْ بتصيرْ بيوتْ\تشعشع المحبِّهْ عَ بوابِكْ وتفوتْ.

فإذا ما رافقنا مجموعة الصبايا والشّباب إلى (عيد العزابي) الشّهير في مسرحية (بياع الخواتم: 1999)، نسمع الحوار الجميل الممتعَ العائليّ التّالي الذي يربط بين البحث الجاد عن حكايات حبّ شرطها أن تتحول إلى خطوبة فزواج،  وتُربط بما يسميه النَّاس بالحظّ الجيد:

شباب: شو بروحو البنَيَّاْتْ يعملوا بعيد العزابي؟

صبايا: بروحو يلموا حكاياتْ، ويشوفو حَظُّنْ بالغابِهْ.

المجموعة: بعيد العزابي بيجتمعوا العشاقْ\وبتقلُّن الغابِهْ كل تْنَيْنْ (رفاقْ).

في:

“وبتقلُّن الغابِهْ كل تْنَيْنْ (رفاقْ)”.

ونلاحظ هنا أن (الأخوين رحباني) يستخدمان “الرَّفيق” بمعنى “الحبيب”، و”الخطيب”، و”الزَّوج”، ويستخدمانها حتى لمخاوقات الطّبيعة، ففي (حكاية الإسوارة) في أغنية (هَوْنيك في شجرة)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، وغناء (فيروز)، حفرَ محبٌّ صورة محبوبه على “كَعْب شجرة عتيق”: 

هَوْنيكْ في شجرةْ ورا النَّبعْ العميقْ\محفورْ لي صورة على كعبْها العتيقْ

وضاعْ الهوى وتغيرت فينا الدّنيا\وبعدها الصُّورة ناطرةْ حد الطريقْ

ومرة بفيِّ غصونها قلبي بكي\ورجعت لنا حكاية الشَّال اللَّيلكي

وقفة وتطليعات وشوية حكي\وعصفورة اللي ع النَّهرْ ما عندها رفيقْ

وفي (حكاية الإسوارة) على لسان العجوز (علياء نمري) تتذكر حديث زوجها عن ابنهما وابنتهما وقد اقتنعَ بعد رفض فكرة ابتعادهما أن البحث عن “الحب” في سبيل تكوين عائلة إنما هو بحث مبارَك، ووصف الحبيب والحبيبة المنتظرَين بـ (رفقاتُنْ) حين قال:

رَحْ إِحدُل السّطح تَ نحميهنْ من العاصفة ويصيروا يقدروا يفتشوا عن الحبّْ، ويوقفوا بالزّمان سجرتين. خلّيهُن يروحوا صَوْب البوابْ يلي ناطرينُنْ عَلَيَّا (رفقاتُنْ).

وبالعودة إلى (عيد العزّابي)، يبدو الهدف من قصص الحب واضحًا على لسان (ريما)، فالمجموعة، لا حبّ من أجل الحب، بل حبّ من أجل الخطوبة فالزَّواج، أي بناء بيوت جديدة:

 ريما (فيروز): والحبايبْ يتلاقوا بالحبايبْ\والعزَّابي ما بِعودوا عزَّابي.

المجموعة: يا قفاصْ المحبِّهْ رحْ بتصيرْ بيوتْ\تشعشع المحبِّهْ ع بوابِكْ وتفوتْ.

ريما (فيروز): يا شباب اللي جايينْ تَ تلاقوا الصَّبايا\إصحى تكونوا كزابين وفي شي بالخبايا\ جايين نواطير التَّلْجْ اللي بيقروا الخفايا\جاين نواطير التَّلْجْ تَ يضووا النوايا\واللي مزغزغ النِّيِّهْ وعم يضحكْ ع صبيِّهْ\بياخدوه نواطير التَّلْجْ عَ جبل ببريِّهْ\وبيحبسوه بعلِّيِّهْ ما فيها غير عتمة وتلجْ.

شباب: ناطرين النّواطيرْ حتى يفوتوا عَ القلوبْ\يشوفوها كيف عم بتدوبْ بحبّْ الصبايا وتطيرْ.

المجموعة: عَ القلوبْ المتلْ التَّلْجْ، تعوا يا نواطيرْ التَّلْجْ.

صبايا، ثم ريما: يا نواطيرْ التَّلْجْ، يا نواطيرْ البردْ والشِّتي والهوى\يا ترى عَ التَّلْجْ شو قصص الحبّْ والحكي والهوا؟

المجموعة: سأليهُنْ يا ريما، حاكيهُنْ يا ريما، تَ نعرفْ سَوا، يا ترى عَ التَّلْجْ شو قصصْ الحبّْ والحكي والهوا.

ريما: بيقولوا النَّواطير: اسمعوا هالخبريِّهْ البتضلَّا هِيِّ هِيِّ.

المجموعة: شو قالوا النَّواطير؟

ريما: بتقول الخبريِّهْ هو وهيِّ مِن أول العمرْ لآخر العمرْ، بتتخبى، بيلحقْها، بتزعَلْ بيراضيها، بتوقَفْ بيسبقْها، بيرجع يلاقيها\من أول العمرْ لآخرْ العمرْ\ هوِّ وهيِّ وخلصت الخبريِّهْ.

المجموعة: هوِّ وهيِّ وخلصت الخبريِّهْ.

ريما: هوِّ وهيِّ وخلصت الخبريِّهْ.

المجموعة: هوِّ وهيِّ وخلصت الخبريِّهْ.

ونصلُ إلى الجدّ، إلى الدرب الذي يوصل إلى مسؤولية الزّواج، ويُطرَح أيضًا بطريقة جميلة، مسؤولة، مشجِّعة، رغم أن (ريما: فيروز) تضع عقبات في طريق الشّباب، لعلَّها تُهَرِّب مَن لا يحب تحمُّل المسؤولية، مادية كانت أو معنوية أو مادية ومعنوية معًا، فيؤجل مشروعه أو ربما يلغيه، وفي الوقت نفسه، تتحدى النّاوي على “الجازة”: “بالأولاد، بالهموم، بزَقّْ الأغراض، بالشّجار” بحيث يصل المرء أحيانًا إلى حافة الندم، ويصرخ موجوعًا مع من سبَقَه إلى النّدَم:

يا رَيْتْ ما تجوّزنا!

لكنّ من تتحداه يُقْدِم بشجاعة، ويوافق على تخطي الصُّعوبات التي سمع من المتزوجين والمتزوجات عنها الكثير. وفي  (عيد العزابي) نفسه في مسرحية (بياع الخواتم) هذا الحوار:

ريما: بكرا حلوة كتير الخطبِهْ\بَسْ الجازِةْ بتبقى صعبِةْ\ولو بتشوفوا بعد الجازِهْ أيام التَّعبْ والغربِهْ.

المجموعة: عارفينْ ورحْ نتجوَّزْ!

ريما: بس الجازهْ ولادْ وهَمّْ.

المجموعة: عارفينْ ورحْ نتجوَّزْ!

ريما: فيها شغلْ وزَقّْ اْغراضْ.

المجموعة: عارفينْ ورحْ نتجوَّزْ. بدنا نتعبْ عارفينْ رحْ نتعذّبْ\لكن بدنا نتجوَّزْ حتى نصيرْ نزقّْ اْغراضْ ونتقاتلْ مع النِّسوانْ\ونلمّْ علَيْنا الجيرانْ\ونولِّعْ سيجارَهْ بضهرْ السِّيجارَهْ\ونقعدْ على الباب نقولْ: يا رَيْتْ ما تجوَّزْنا، يا رَيْتْ ما تجوَّزْنا، يا رَيْتْ ما تجوّزنا، يا رَيْتْ ما تجوّزنا.

وفي الخطوبة أيضًا، وفي أغنية (وعدي إلَكْ) من مسرحية (أيام فخر الدّين: 1967)، كلمات وألحان (الأخوين رحباني) وغناء (فيروز)، ثمة خطاب توجهه الخطيبة لخطيبها بحزن شديد، داعية إياه إلى عدم انتظارها، فهي لن تعود، بل تتبرع بفساتين عرسها لصبية غيرها قد يجد سعادته معها:

ويا خطيبي صالحْ لا تنطرني بهالسّهرَهْ\ولا بسهرِةْ بُكرا ولا بأيِّ سَهْرَه

ويا صالِحْ خطيبي حكايات اللّيالي\وفساتينْ العِرْسْ الخَيَّطْتُنْ ببالي

خِدهُنْ وعَطيهُن لَشي بنَيِّهْ تانيِهْ\تقدرْ تسعدْ معها ونساني ولا تنساني

ويعيدُنا هذا “المنح”: “خِدهُنْ وعَطيهُن لَشي بنَيِّهْ تانيِه” إلى القبول بالبديل، أو القبول بفكرة البديل، فنتذكر أغنية (بيتِكْ يا ستي الختيارة)، إذ تظن الحفيدة أن جدتها السّاكنة “ع تلالْ الشّمس”:

يمكن عم تسقي جنينتْها عَ تلالْ الشَّمسْ وتحكي

لصبيِّةْ غيري حكايتها وعم تتذكرني وتبكي  

وفي أغنية (ستي يا ستي)، ثمة عرس، وفسطان، وخطاب للعروس:

إي يا ستي\ما حدا ينطرني

لا تأجلوا العرسْ\يمكن طَوِّلْ\

وشو هم الفسطانْ\قولي للعروسْ\إنتِ الزينِهْ وانتِ العرسْ

وما بقا بكّيرْ يا ستّي

بِذْكُرْ اللّيالي الطَّويلي\وأنا طِفْلِهْ بالزَّمانْ

وقِصَصْ الشّتي يحكيلي\صَوْتِكْ اللّي كلُّو أمَانْ

إي يا سِتِّي\شو بقِلِّكْ يا سِتِّي

إنتو بقلبي\وقولوا زَيُّونْ\جايِهْ ومَانّا جايِهْ

هَوْنْ ومانَّاشْ هَوْن\عم بتغني للعروسْ وللعريسْ بالسّاحاتْ

ومن خلف الطّرقاتْ يا سِتّي!

وفي أغنية (بكرم اللولو)، كلمات(الأخوين رحباني)، وألحان (فيلمون وهبي)، غنت (فيروز)

وفي حلوِةْ خبِّتْ صيغتها، والهوى ناطرْها\بكرا بِليلة خطبتها، بتلبسْ أساورْها

على أن عرقلة خطبة ما، قد تكون لصالح العريس، أو العروس، كما في (مصالحة): كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، غناء: (فيروز: حَنِّهْ)، (وديع الصّافي)، و(نصري شمس الدّين)، إذ نجا (أبو صالح) و(الشيخ نصري) من حبائل (جوريِّهْ) التي تركتهما و”راحت خطيفة مع سعدْ الفرَّان، فاستحقَّ التهنئة بعد عشرين سنة عداوة اعتقد كل واحد منهما أنه سبب انكسار مشروع الزواج، ولم يكن أي منهما السبب، ما استدعى عقد (مصالحة). ومن بين التهاني:    

الله نجّاكن من جُوريِّهْ

ماحدا عَ ماضيكُن ندمانْ

لا تجوّزتوا ولا تعتّرتوا

واللي عِلْقْ سعد الفرّانْ.

(ت)الزّواج: (كُونَا فَرِحَيْنْ، غَنِيا فَرِحَينْ)

ورغم الأجواء المرحة التي اشار إليها (الأخوان رحباني) فيما يتعلق بهموم الزواج، ووصول الأزواج إلى حافة الندم “يا ريت ما جوزنا”، واعتبار (أبو صالح) و(الشيخ نصري) قد نجوا من حبائل (جورية) التي تزوجت غيرهما، فعاش تعيسًا بدلًا عنهما، فإن الزّواج أمر  مبارَك يُسعى إليه، وصولًا إلى بيوت جديدة، أو كما قال جبران خليل جبران: “الحياة لا تقيم في منازل الأمس”.

وقد جسّدا علاقة الزّواج إذ لحّنا شعر (جبران خليل جبران): (المحبة) المختارة من كتاب (النّبي) في (ناس من ورق 1972) على لسان (المُصطفى):

حدثنا عنِ الزّواجْ،

 فـقـال:

وُلِدتُما معًا، وتظلانِ معًا\حتى في سكونِ تذكاراتِ الله

ومعًا حينَ تبددُكُما، أجنحةُ الموتِ البيضاءْ

كُونَا فَرِحَيْنْ، غَنِيا فَرِحَينْ

إنما اترُكا بينكُمَا بعضَ فُسُحاتْ\لترقصَ فيها رياحُ السّماواتْ

وفي الأعراس، أعراس أعمال (الأخوين رحباني)، تسمع صوت  الزّلغوطة والزّلاغيط، زلغوطة العرس في (موسم العزّ: 1960)، و(الزّلغوطة) هي الزّغرَدة بالفصحى، وهي صوت تردده المرأة بلسانها في الأعراس أو نحوها. وهي، كما يقول (نبيل أبو مراد) في (الأخوان رحباني): “قرصُ كل عرسٍ”. ويتابع: “و(الزّلاغيط) عديدة، منها ما أبقي على كلامها القديم، ومنها ما أضيف إليها كلام جديد. مثل هذه (الزّلغوطة) في (موسم العزّ: 1960)، وهي مزيج من الشّكلين، لأن البيت الأخير معروف:

رجالنا روّدت نسواننا غنِّتْ

راياتنا البيض من خلف الجبلْ طلِّتْ

وزهورْنا عَ شبابيك دارْنا حَنِّتْ

والسّعدْ وافى وقناطرْ بيتنا تعلِّتْ

ثم (زلغوطة) أخرى مشهورة أو ما يُطلق عليه اسم (ترويدة)، نسمعها في الأعراس القروية:

صوت1: حيّ الله.

صوت2: يا هو.

الجميع: هي هي.

صوت من أهل العريس: حي الله.

صوت آخر: يا هو.

صوت 1: عريسنا يا زينة كل المحاضر.

الجميع: هي هي.

ولكثرة (الأعراس) في المسرح الرّحباني، تكثر (الزّلاغيط) و(التّراويد) ويكثر (الحداء). وقد يرافق ذلك لعب السّيف والتّرس.

والسّيف والتّرس أيضًا من الألعاب التي يفاخر بها أهالي القرى، وهي تذكير بماض مجيد.

وما إن تبدأ الحفلة في (موسم العزّ: 1960)، حتى يغني الجميع: (هاتو السّيف هاتوا التّرس). كذلك للرّمح ذكر. ولا يُذكَر السّيف والرّمح إلا وتذكر معه الخيل. وتغني (حلا) في (دواليب الهوا: 1965):

حلا: يا خيْلْ باللّيْل اشتدّي\ويا أرضْ ساعينا وهَدّي

وإن كانْ ما فيكِ تهدي\انْهَدّي  انْهَدّي انْهَدّي انْهَدّي

حنّْ الملعَبْ لرفاقو\وين رماحو يتلاقو

ويهزوا الإيدين السّمرْ\يلمّو اللَّوْز مِن وراقو

وسيوف حَدّي ومِحتدّي\والوردْ بالوردْ منَدّي

[نبيل ابو مراد: الأخوان رحباني حياة ومسرح، خصائص الكتابة الدرامية، ص: 101-102]

وفي (موسم العز 1960) نفسها، تبدأ زفة العرس بالأجواء الفولكورية ذاتها. وعلى أنغام وكلمات أغنية (طلّعني درجهْ درجِهْ) وتهاليل أهل العروس وفشل خطط (سبع) و(مخول)،يُسمَعُ صوت (عاصي الرحباني) مستحضرًا شخصية والد (نجلا) الذي قد توفي، وكأنها وصية للعروس ولكل عروس، فهذه الوصية تصلح للآن وللمستقبل في كل مكان وزمان؛ إذ يقول:

آخر وصيِّهْ

قبل ماتروحي معو، روحي معو،

وللموتْ بتضلِّي معو.

الماضي، الطُّفولة، أهلِكْ، الجيرانْ…

كلهُنْ نسيانْ، وغيروا ولا إنسانْ

بالفقرْ بتكوني معو، وبالعزّْ بتكوني معو

وربِّي ولادِكْ عَ الرّضى، بالمحبة والرّضى

وقوليلهن لبنان

بعد الله

يعبدوا لبنان

ولا عروس إن لم يكن الاختيار مشترَكًا من قبل الطّرفين، وفي جملة:

طلعِتْ العَروسَةْ تنقّي عريسْ\رماها الهوى ونقّاها العريسْ.

 في أغنية (اطلعي يا عَروسَةْ) التي غنتها (فيروز) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني) خير مثال على تشارُك الاختيار، ما يوصل إلى الاحتفال بالعرس، وبالعروس وزينتها من “أساور، وطرحة، ودهبْ”:

اطلعي يا عروسَةْ، عالكرمْ نقّي العنبْ\وطلعِتْ العَروسَةْ، من الكرمْ طار العنبْ\طلعِتْ العَروسَةْ تنقّي عريسْ\رماها الهوى ونقّاها العريسْ\لبست الأساور والطَّرحَةْ كلّا قصبْ\ورقصِتْ العَروسَةْ وضحِكْ رنين الدَّهبْ.

وإلى الأساور والطّرحة القصب والذّهب”، لا بد أن نسلط الضّوء على “الصّيغة”، وهي عادة من الذّهب، وقد تكون من الفضة، كما إسوارة الختيارة التي قدمتها ل(عليا) في (حكاية الإسوارة)، وهي:

إسوارة حلوينْ حجارَةْ من إيام العزوبيِّهْ، إسوارة حلوِةْ بترهِجْ وبتلمَعْ وبْتِضْوي.

ونادرًا  ما تكون الصِّيَغة (المصاغ) من “الماس” كما في أغنية (يلبقلِكْ شَكْ الألماسْ)، وهي أغنية تراثية لحنها (الأخوان رحباني) وغنتها (فيروز).

و”الأساور” في كل مكان من أعمال (الأخوين رحباني) حتى أفرادا لها مسرحية بعنوان (حكاية الإسوارة) التي أيقظت الضَّيعة، بناتها وشبابها، لمعرفة سر “الإسوارة” التي تلقتها (عليا: فيروز)، معتبرين أن وجود “الإسوارة” دليل على أنها خُطِبَت، فما على الشّباب إلا أن يحذفوا اسمها من قائمة المرشّحات، وما على الفتيات إلا أن يبحثن عن خطيب على غرار خطيب (عليا). واشتعلت الغيرة، وصار للإسوارة فلسفة ليس على لسان الختيارة فحسب، بل على لسان أسعد الذي خلص إلى:

“يمكن إسوارة عليا ما شي مهم، بس جمعتكُنْ، وسهَّرِتكنْ، ونبَّهِتْكُن إنو إيديكن بعدُنْ فاضيين”!

دعوة إلى الإسراع للوقوع في قصة حب، فخطبة، فزواج. ولا ننسى (راجح) الحقيقي في مسرحية (بياع الخواتم: 1964)، والذي ظهر في منتصف حفلة (عيد العزّابي)، وطلب لقاء المختار، وعند لقياه، تبين أنه “بائع خواتم”، وأنه قصد الضَّيعة في ذلك اليوم بالتَّحديد، ليقدم هدايا من بضاعته للعُرْسان الجدد، وبالمقابل، طلب يد (ريما) لأحد أبنائه، فوافقت بعد مباركة خالها.

وهنا نتوقف عند أغنية (يا بياع الخواتم) التي كتب كلماتها ولحنها (الأخوان رحباني)، وغنتها (فيروز) من مسرحية (بياع الخواتم: 1964)، إذ لا تقلّ الأساور أهمية عن الخواتم، لكن الأخيرة تعني ارتباطًا، وتختصر “المحبة”، حتى لتتمنى كل فتاة أن “تحبس” حبيبها بالخات مالذي يسمى “محبسًا”، ريثما يعود فيتزوجا، ولو اقتضى الأمر إرسال بائع المحبة الخاتم عبر الحمام الزّاجل:

يا بياعْ الخواتمْ بالموسمْ اللي جايي\جِبْلي معَكْ شي خاتمْ

يا بياعْ الخواتمْ رحْ يتركني حبيبي\احبسْ لي حبيبي بخاتمْ

قال لي انطريني بِرجعْ بصيفيِّهْ\ولا تسأليني، مخبي لِكْ هديِّهْ

من مدينِهْ لمدينِهْ\يودِّي يقول انطريني

عم بتروحْ المواسمْ\وبإيدي ما في خاتمْ

حيَّدْ علينا ودارْ النا بعيدِهْ\وحكيوا عينينا، وتطَلَّعْ بإيدي

يا بياعْ المحبِهْ\اصْحا تنسالي العلبِهْ

بمناقيدْ الحَمَايِمْ\دخلَكْ ودِّيلي خاتِمْ

وفي (اسكتش البيَّاع)، معرض دمشق الدّولي، 1966، أغنية (فيلمون وهبي)، التي راح يعدد فيها أدوات الزّينة النّسائية التي يبيعها للسّتّات، زاعمًا أنها تجمّل الصَّبايا إلى درجة تجد كل واحدة منهنَّ “عريسًا”:

ما في وحدِةْ اشتَرَت مِنِّي إِلَّا ورَزَقها عَريسْ.

مبارح مَرَقْتْ بهَوْنِي حَيّْ اشتَرُوا مِنِّي هَالبَنات واليَوْم راحُوا كِلُّن.

نَفَقُوا، اتجَوَّزُوا.

أما إن اختار أحد العروسين الطّرف الآخر من غير رضاه، أو نزولًا عند رغبة الجماعة، فسوف يفشل الزَّواج، حتى لو كان العريس مَلِكًا. هذا ما تقوله مسرحية (هالة والمَلِك 1967( التي تلعب دور (هالة) (فيروز)، وهي بائعة أقنعة آتيةٌ مع أبيها (هبّ الرِّيح: إيلي شويري) قادمَيْن من ضيعة (درج اللّوز) لتبيع الأقنعة في مدينة (سيلينا) التي تحتفل بـ(عيد الوجه الثَّاني)، ويحاول المقربون من الملك (نصري شمس الدين)، ومعهم أبوها إقناعها بالزّواج من الملك، فترفض، لأن الزَّواج بلا حب ليس زواجًا، وتغادر المدينة إلى قريتها: فقيرة، غير مخادعة، و”عزباء”.

الزواج، إذن بيت جديد. تختصره (علياء نمري) في (حكاية الإسوارة)، وهي تسترجع حديثها زوجها الذي توفي وصار:

صورة معلقة على الحَيْط.

وبالعودة إلى حوار الزّوجين:

الزَّوْج: والبنت وخيِّها، رجعوا؟

الزَّوْجة (علياء نمري): رجعوا، يَحِنّي عم يدرسوا.

الزَّوْج: بكرا بيتعلموا وبيتركونا.

الزَّوْجة (علياء نمري): بدَّا طريقُنْ تبعِّدُنْ عنّا، وما فينا نوقّفُنْ. وبدُّنْ يكبروا، ويعيشوا، ويفتشوا، ويحبوا!

الزَّوْج: بدُّنْ يحبوا، يحبوا غيرنا، ويتركوا البيتْ!

الزَّوْجة (علياء نمري): أنا وإنتَ مَسْوِيِّهْ من المسويَّات تركنا بيتينْ كانوا يحبونا.

الزَّوْج: صحيح، الله معُنْ.

وبعد زواج ابنتهما وابنهما، تتذكر:

الزَّوْجة (علياء نمري): فايق كيف الصّبي لقي بيتُهْ (الجديدْ)، ويومْها جابْ لنا لبيتنا (العتيقْ) مزهريِّهْ؟

الزَّوْج: والبنتْ بسْ خلصِتْ (التّكايِهْ)، حطّتها عَ الديوانْ، وقالت: “أنا رايحَهْ” ومسكْها بإيدها، وأخدها عَ بيتها (الجديد).

وكما يقول المثل اللبناني: “بوركَ البيت الذي ينتج عنه بيت”، نضيف: بورك البيت “العتيق” كما سمته (علياء نمري)، الذي ينتج عنه بيت “جديد”، على أن يظل البيت العتيق مسكونًا بالأبوين الذين تذكِّر الحيَّ منهما بالأبناء الذين ذهبوا ولم يذهبوا، بل تركوا آثارهم الجميلة: “مزهرية وتكاية” تدفع بالأم الختيارة (علياء نمري) للإجابة عن سؤال (عليا: فيروز) عندما تدخل إلى بيتها فتجدها وحدها، فتسألها:

-عايشهْ لوحدِكْ؟

فتجيب:

لا يا بنتي، عايشة أنا ومزهريِّهْ، وتكّايِهْ، والحكايِهْ.

ونضيف بعد سماع المسرحية:

“وصورة الختيار اللي سَرَّبْ، المعلّقَهْ على الحيط”.

لنتكشف أن البيوت “العتيقة” التي بنيَت بالزّواج، تظل مأهولة، وأنها، على بعد قريب أو شاسع، أنجبتْ بيوتًا جديدة ستظل مأهولة كسابقاتها، حتى لو صارت يومًا عتيقة أيضًا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات