تدريس اللُّغَة العَرَبيَّة في المَرْحَلَة الابْتِدَائِيّة |الحلقةالتَّاسِعَة| الكتاب المَدْرَسِيّ ودوره في التَّعْليم

11:27 صباحًا الأربعاء 14 سبتمبر 2022
ازدهار جحا

ازدهار جحا

أستاذة اللغة العربية وآدابها. متخصصة في إعداد المحتوى الأكاديمي والبرامج التّعليمية للمدارس الابتدائية والإعدادية والثّانوية. خريجة الجامعة اللّبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الفرع الأول، 2007. الجنسية: لبنانية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الكاتبة: ازدهار جحا

نظرة تاريخية


ورثَتِ التَّرْبِيَة القديمة اهتمامَها بالكِتاب واعتمادها عليه كأداة تَعْليم وحيدة تقريبًا بالدَّرجة الأولى، أَفَهِمَ التَّلْمِيذ أم لم يفهم ما في الكتاب، فالمهمّ أن يحفظَ عن ظهر قلْبٍ ما بين دفّتيه، ما يعني أن التَّعْليم كانَ كتابيًّا، ببغائيًّا، يوهِمُ  بالمعرفة ويحدُّ من نمو التَّفْكير وصحَّتِه.

وهذا ما جعل (روسو) يثور على الكِتابِ والتّعليم المقتصِرِ عليه، فتناول التَّرْبِيَة القديمة، داعيًا إلى  اللُّجوء إلى ملاحظة الطَّبيعَة والقِراءَة في “كتابها الكبير”، قائلًا: “الكتب أكبر وسائل تعاسة الأَطْفَال”، مضيفًا أنَّ “أوائل المُعَلِّمين في الفلسفة هم أرجلنا وأيدينا وأعيينا، وإحلال الكتب محل هذا كله لا يعلِّمنا الاستدلال؛ بل يعلِّمنا استخدام عقول الآخرين ويعلِّمنا أن نعتقد كثيرًا وألا نعرف شيئًا على الإطلاق”. ويقول أيضًا: “كيف تنتظرُ من الطِّفْل أن يفكر إذا كنت تفكر له بكل شيء”؟

وينبغي- في رأْيِ (روسو)– ألا يستعمل التَّلْمِيذ الكتاب قبل أن يبلُغ الثَّانيةَ عشرةَ من عمره، ويرى أن الطِّفْل يجب أن يتعلم لنفسه وبنفسه، باحتكاكه المباشر مع الطَّبيعَة؛ أي: أن يكتشفَ المعارفَ، لا أن يُلقّنها تلقينًا، وهذه الطَّريقَة- على الرّغم من أنها بطيئة- تؤدي إلى اكتساب معلوماتٍ راسخةٍ ثابتةٍ يمكن أن تعدِّل سلوكَ الفرد باتِّجاه إيجابيٍّ.

وربما كان (روسو) مغاليًا إلى حد ما في ثورته هذه، ولكِنَّها كانت ردَّ فعل قوي ضد الرُّوح التي كانت تسيطر على التَّرْبِيَة في ذلك الحين، إلا أن الحالة قد تغيرَت اليوم، فتنافسَ المؤلّفون والنّاشرون والمربون وأدباء الأطفال على إيجاد كتبٍ جذّابة ومفيدة ومُرْشِدة ومحفِّزَة، ما يعني أنَّ الطِّفْل سوف يستقي معلوماتِهِ عن طريق يديْه وعينيْه وأذنيْه وجسمه، ثم عن طريق كتابِه ومُعَلِّمه، مما لا يتعارض مع الكتاب الجيدِ، بل يتكاملان في سبيلِ تحقيق غاية المَدْرَسَة التي هي إرشاد التّلاميذ وتوجيههم إلى الحصول على المعلومات والمعارف بأنفسهم، لا نقل المعارف الجاهزة، للاستغناء عن الاعتماد المَرَضِي على المُعَلِّم.  

ما هو الكِتاب المدرسيُّ؟

هو المرتكز الأساس للتَّعليم، والوسيلةُ التَّعليميّة التَّربويّة المنظَّمَة التي تتكون من  حصيلة خبرات ثقافيّة واجتماعيّة وفنيّة تستهدف فئة تعليميَّة معيَّنة، تتدرجُ معلوماتها من الأسهَل إلى الأصعب، بهدفِ رفع مستوى كفاءتهم وخبرتهم. وكانَ مفهومه ينحصر- قديمًا- في كونه مرجعًا رئيسًا للمعلومات في المقرّر الدِّراسي؛ بحيث يحفظ التّلميذ معلوماته،  ويُقيَّم من قبل المدرّس. أمّا حديثًا، فقد اتَّسع مفهوم الكتاب المدرسيّ ليشمل التّفاعل بين الطلّاب لاكتساب المعلومات والمهارات من خلال الأنشطة الصَّفّيَّة، تحت إشراف المُعَلِّمِ. 

أهمية الكتب المَدْرَسِيّة

لا شكَّ أن اتّباع الأساليب التّقليديَّة في التّدريس، يحتّم على المدارس اعتماد الكُتُبِ، لا إلغاءها، للأسباب التّالية:

(أ)عدم وجود مُعَلِّمين أَكْفَاء يستطيعون أن يرشدوا التَّلاميذ لأن يتعلموا بأنفسِهم.

(ب)مركزية التَّعْليم التي لا تسمح بالتَّجريب، وما يتبع ذلك من تقييد حرية المُعَلِّم بالمناهج والنُّظًم التَّعْليمية.

(ت)تكليف المُعَلِّم بالتَّعْليم في صفٍّ كبير عدد تلاميذه.  

(ث)عدم وجود [أو توافُر] المصادِر والمراجِع المُنَاسبة الكافيَة باللُّغَة العَرَبيَّة.

فوائدُ الكتبِ

وللكِتَاب المدرَسِيِّ فوائد:

بالنِّسبة إلى التَّلْميذ

(أ)التَّعْليم الشَّفَهي لا يترك في الذِّهْن سوى آثار سريعة (انطباعَات سمعيَّة)، بينما يساعدُ الكتابُ على تثبيتِ الحقائق وضبطها.

(ب)يملأ الثَّغرات التي قد يتركها المُعَلِّم بين أجزاء الدَّرْس الشَّفهي، فهو يضبطُ الحقائق ويكمل ما فيها من نقْص، ويجعل منها وحدةً مترابطةَ الأجزاءِ. إلى جانبِ أنَّهُ يسهِّل المراجعات الضَّرورية.

(ت)يتطلب الكتاب من التَّلْمِيذ بذل الجهد الشَّخْصيِّ اللَّازم لفهمه واقتناص معلوماتِهِ، بوجودِ توجيهِ المُعَلِّم، أو بعدمِ وجودِهِ .

بالنِّسبة إلى الْمُعَلِّم

(أ)لما كان معظم المُعَلِّمين غير أكْفَاء، فالكتاب مساعد لِلْمُعَلِّم على معرفة ما يلائم مستوى الأَطْفَال العَقْلِيّ في مراحِلِ نموِّهِم.

(ب)يساعدُ الكتابُ المعلمَ في تحضير دروسِهِ من حيث (المادة)، و(المستوى)، و(الطَّريقة)، و(التّعبير)، فهو مُعِينُ المُعَلِّمِ المُخلِصُ.

(ت)يمد الكتابُ المُعَلِّمَ بكثير من المواضيعِ (التّطبيقية داخل الصَّفِّ)، أو (الوظائف البيتيّة خارج الصّفِّ)؛ فيجنبه مؤونة التَّفتيش الطَّويل عنها.

(ث)على أن يتذكَّرَ المُعَلِّمُ أن الكِتاب إنما هو لمساعدتِهِ ومساعدة تلاميذِهِ، لا لاستعباد تلاميذِه وشَلِّ حريَّتِهم وإبداعِهم.

شُروط وضع الكتبِ المَدْرَسِيّة

(أولًا)لُغَةُ الكِتَاب

 يجب أن تكون لُغَة الكِتاب مناسبة لمستوى مراحل التَّلاميذ؛ مع التَّأكيد على مراعاةِ واضِع الكتبِ مراحل نمو الطِّفْل النّفسية والاجْتِمَاعِيّة واللّغوية؛ لأنه- إن لم يفعل- لن يتجنبَ المفرداتِ المبهمةَ التي تخرجُ عن نطاق مُعْجم الطِّفْل [حسب مَرْحَلَة نموّهِ]، ولا عن التَّراكيبِ اللّغويَّة العسيرة و(المحفوظة)، ولا الصُّور البيانيَّة التي قد يَستغلِق على الطِّفْل في المرحلة الابتدائيَّةِ فهمُها، فاللُّغَة يجب أن تكون في خدمةِ الطّفلِ لا العَكْس. وما إغراق واضع الكتاب المدرسيّ في النَّحو والصّرف والإملاء والإِنْشَاء إلا فشل ذريعٌ. وقد يكون ما طرحَه النّاقدُ (سمر روحي الفيصل) من دعوةٍ إلى الاقتراب من الأَطْفَال، ومناقشتِهم، ومخالطتِهم، يخدم المتوجِّهَ إلى الطّفل في التَّعرف إلى جوانبِ صعوباتِ الألفاظِ اللّغوية والتَّراكيب- رغم ما قد يعترضُ الدّعوةَ إلى التزام الأنماط اللّغوية المطروحة في الكتبِ المَدْرَسِيّة، والتَّمسّك بمعاني الألفاظ المُعْجميّة- من خشيةٍ قد توصِلُ إلى نصوصٍ متشابهةٍ قريبةٍ من لغةِ الطِّفْل والنّاشئِ ولكِنَّها بعيدة عن الإبداع اللُّغوي الّذي يُفترض أن يكون “أرقى بقليل من اللُّغَة التي يستعملها الطِّفْل” ليساهمَ المضمونُ- كما يفتَرَضُ- في تحسين لغتِه وأُسْلُوبه. مع الإشارةِ إلى أنَّ واضِعَ الكتبِ المدرسيَّةِ يصبح أكثر حرية في تقديم لغته للنّاشئِ (أي ما بعدَ المرحلةِ الابتدائيّة)، كون (النّاشىء) أكثر قدرة على فهمِ تجاوزات اللُّغَة وما تشيرُ إليه من مضمونٍ. وللتَّفصيل:

(أ)الكِتَابَة المبكرة [ما بين (6-  8) سَنَوَات تقريبًا]: هي المَرْحَلَة الَّتي يبدأ الطِّفْل فيها بتعلم القِراءَة والكِتَابَة. أما ميزاتها اللُّغَوِيّة فهي: (1) يفهم اللُّغَة  المَكْتُوبة بشكل محدود (2) يمكن اسْتِخْدام نبرات الكِتَابَة، والكلمات القصيرة، الرَّشيقة، القليلة المقاطع، التي تقترب من أفهام القارئ ومن سمعه (3) يجب اسْتِخْدام مُعْجم الطِّفْل المناسب للمرحلة كي لا يقدم الكاتب للطفلِ كلماتٍ غريبة  وصعبة لا تتناسب ومستواه (4) الضّبط كامل (5) اللّوحة: واقعية، تقليدية (كلاسيكية)، واضحة، ألوانها تشبه ألوانها الحقيقية حوله، تشبه اللَّوْحات الفوتوغرافية، لأن الطِّفْل يمر بعمر “النَّزعة الحَرْفيَّة”، جميلة، متنوعة، غير ناقلة للسُّوقية أو القبح، مبدعة، مرسومة من قِبل كبار رسامي الطُّفُولَة، كي تساهم في رفع مستوى ذوق الطِّفْل الفني وترقى به.

(ب)الكِتَابَة الوسيطة [ما بين (8-  10 ) سَنَوَات تقريبًا]: هي المَرْحَلَة الَّتي يكون الطِّفْل فيها قد قطع شوطًا لا بأس به في طريق تعلم القِراءَة والكِتَابَة، وتعادل هذه المَرْحَلَة الصَّفين الثّالث والرّابع في المَرْحَلَة الابْتِدَائِيّة. أما ميزاتها اللُّغَوِيّة فهي: (1) اتّساع قاموس الطِّفْل (2) يمكن تقديم قِصَّة كاملة لِلطِّفْلِ تساهم الكِتَابَة فيها بدور رئيس شرط أن تكون عباراتها بسيطة (3) يجب اسْتِخْدام مُعْجم الطِّفْل المناسب للمرحلة كي لا نقدم له كلمات غريبة وصعبة لا تتناسب ومستواه (4) الضَّبط كامل (5) يجب الانتباه لتناسب اللَّوحات مع النَّص، واللَّوْحَة في هذا الطَّور: خارجة عن التّقيد بالحرفية، مكمّلة للنَّص، جميلة، متنوعة، غير ناقلة للسُّوقية أو القبح، مبدعة، مرسومة من قبل كبار رسامي الطُّفُولَة كي تساهم في رفع مستوى ذوق الطِّفْل الفني وترقى به.

(ت)الكِتَابَة المتقدمة [ما بين (10-  12) سنة تقريبًا]: هي المَرْحَلَة الَّتي يكون الطِّفْل قد قطع مَرْحَلَة كبيرة في طريق تعلم اللُّغَة، واتَّسع قاموسه اللُّغَوِيّ إلى درجة كبيرة، وهي تعادل الصَّفين الخامس والسَّادس من المَرْحَلَة الابْتِدَائِيّة. أما أهم ميزات الأَدَب اللُّغَوِيّة فهي: (1) يجب ملاحظة الفروق القرائية بين الأَوَّلاد والبنات، إذ تبدأ تتضح في هذه المَرْحَلَة (2) يهتم الذُّكُور بأَنْوَاع من القراءات تختلف عن أَنْوَاع قراءات الإناث (3) يجب إدراكُ أهمية إعطاء الأَطْفَال حرية اخْتِيار قراءاتهم (4) يجب اسْتِخْدام مُعْجم الطِّفْل المناسب للمرحلة كي لا نقدم له كلمات غريبة وصعبة لا تتناسب ومستواه (5) الضَّبط منذ سن العاشرة (تدريجيّ: (ضبط أواخر الكلمات وعين المضارع والحروف التي تحتمل قراءتها على وجه آخر غير الوجه اللّغوي السَّليم، مع إهمال ضبط الحروف التي يتكرر ورودها كثيرًا)، (6) منذ العاشرة، يبدأ انبثاق الحساسية الجمالية عند الطفل، فيتذوق المجاز بعد أن كان يجد فيه صعوبةً (7) واللَّوْحَة في هذا الطَّور كما في مرحلة [الكتابة الوسيطة]: خارجة عن التّقيد بالحرفية، مكمّلة للنَّص، جميلة، متنوعة، غير ناقلة للسُّوقية أو القُبْح، مبدعة، مرسومة من قبل كبار رسَّامي الطُّفُولَة كي تساهم في رفع مُستوى ذوق الطِّفْل الفني وترقى به.

(ثانيًا):الكتاب والمَنْهَج

 لا ضرورة لأن يتقيد الكتابُ بحرفيَّة المَنْهَج، وإنما يجب أن يشتمل على مادة مناسبة لمستوى التَّلاميذ لا تخرج عن حدود طاقتهم، وإذا اضطر المؤلف للخروج عن المَنْهَج أحيانًا، فلا بدَّ من أن يحافظ على روحِهِ وأغراضِهِ، وقد يحسن بالمؤلف أن يترك في الكتاب بعض الموضوعات مِن دون معالجة تفصيليَّة، مكتفيًا بالإشارة إلى أهم ما يتضمنه الموضوع من نقاط مجملة ليعالجها المُعَلِّم بطريقته الخاصة، فيسهم الكتابُ في تحقيق بعض أغراض التَّرْبِيَة، كتنميَةِ القُدْرَة على التَّحصيل عند التَّلْمِيذ، والقُدْرَة على البحث والاسْتقصاء وحل المشاكل.

(ثالِثًا)وسائل الإيضاح في الكتاب

 وسائل الإيضاح في كتب الأَطْفَال خاصة ضرورية جدًّا وذات فائدة كبرى، إلا أن الأمر لا يقف عند حدِّ وضع بعض الصُّور والأشكال في الكتاب حتى يجذب القارئ، وإنما المسألة أبعد وأعمق وذلك أن يعرف المؤلف الصُّوَر والأشكال التي تتماشى ورغبة التَّلْمِيذ وميله في مراحل عمره وتعليمه المختلفة، والتي تساعده على تحصيل مردود أكثر وفهم أعمق. يجب أن تساعد هذه الوسائل التَّلاميذ على فهم بعض الحقائق التي تقصر المباراة اللفظية في بعض الأحيان عن أن تؤديها، ولهذا يجب أن توضع تلك الصور والأشكال والوسائل في أماكنها الصَّحيحة، وأن يُعَلَّق عليها تعليقات مختصرة، كما يمكن أن يُترك التَّعليق للتَّلاميذ أحيانًا. [راجع اللَّوحة في فقرة: (ت)الكِتَابَة المتقدمة ما بين (10-  12) سنة تقريبًا].

(رابعًا)التَّمارين العمليَّة والتَّطبيقيَّة

 التي يسهل على المُعَلِّم والتَّلْمِيذ استعمالها أثناء عملهم التَّحريري أو الشَّفهي طوال أشهر السّنة، كما يجب أن تكون متدرِّجة مع مادة الكتاب، فتعين التَّلْمِيذ على إِعْمال فكره؛ فلا تقتصر على مجرد تطبيقات ما حصَّله التَّلْمِيذ من معلومات، وإنما تعوّده على الاستفادة منها في حل ما يواجِهُ من مشاكلَ جديدةٍ، فيصبح التَّعْليم منتجًا.

(خامسًا)الكتب المَدْرَسِيّة والبيئة

 يجب أن تكون الأمثلة الواردة فيها للاستشهاد أو الإيضاح مأخوذة من البيئة ومما يقع تحت حِسِّ التَّلاميذ ومشاهدتهم (يجب تجنّبُ ترجمة الكتب من اللُّغات الأجنبية دون اعتبار للبيئة المحليَّة).

(سادسًا)مادة الكتب المَدْرَسِيّة

 ينبغي أن تناسب المستوى العَقْلِيّ والنّفسي والتّعليميّ والبيئيّ. وهنا لا بد من التّوصية بتعدد الكتب المَدْرَسِيّة في المادة الواحدة، فلا يُفرَضُ كتابٌ بالذّات ويُستَبعَد آخَر بل يُترك الخَيار لجماعة مُدَرِّسي المادة، لئلّا يُطْبَعَ التَّلاميذ بطابع واحد مُلْزِم، بغية إغناء مكتبة الأَطْفَال بأحسنِ الكتب.

(سابعًا)حجم الكتاب وطبعُه

ينبغي أن يكون حجم الكتاب مناسبًا ليسهل استعماله، متينَ الغلاف، أنيق الطَّبع، ذا ورق جيد غير برَّاق، وحروفٍ كبيرة مضبوطة الشَّكل لا سيما للتلاميذ الصِّغار. وللتّفصيل:

(أ)كتَاب الأَطْفَال في مَرْحَلَة [الطُّفُولَة الوُسْطَى Middle Childhood 6-  9 سَنَوَات]: الكتاب- من حيث الشَّكل-  يجب أَنْ يَكُونَ: زاهي اللَّوْن، متوسط الحجم، زبدي لون الوَرَق، غير لماع، واضح الصّور، كلاسيكي الرُّسوم، كَلِمَاته كبيرة مضبوطة ضبطًا كاملًا، مرقم الصَّفحات.

(ب)تكثر الكَلِمَات والسُّطور في مَرْحَلَة [الطُّفُولَة المبكرة Early Childhood 3- 5 سَنَوَات]

(ت)كتاب الأَطْفَال في مَرْحَلَة [الطُّفُولَة المُتَأَخِّرَة Late Childhood  8-  12 سنة]: زاهي اللَّوْن، يمكن أن تخرج لوحاته عن الكلاسيكية، متوسط الحجم، زبدي اللَّوْن الوَرَق، مضبوطة كَلِمَاته ضبطًا تدريجيًّا، كَلِمَاته كبيرة حتى سن العاشرة، مرقم الصَّفحات، تصبح السُّطور نصًّا.

(ثامنًا)طريقة استخدام الكتب

يختلف المُعَلِّمون في طريقة استخدام الكتب؛ فمنهم: (أ)مَن يبني درسه على الكتاب فيقرأه ويشرح فقراته… إلخ، وهذه الطَّريقَة لا تصلح إلا لدروس القِراءَة؛  (ب)ومنهم: مَن يسير في تدريسه بصورة مستقلة عن الكتاب، إلا أنه يراجع الكتاب بعد الانتهاء من الدَّرْس، فيتصفحه ويقرأه على التَّلاميذ ويطلب منهم قراءته، ويوضح لهم كلماته وعباراته، وهذه الطَّريقَة تُستخدم في الصٌّفوف الصغيرة، (ت) ومنهم: من يستغني في الدَّرْس عن الكتاب تمامًا ولا يراجعه حتى بعد الانتهاء من الدَّرْس، وإنما يكتفي بإرشاد التَّلاميذ إلى مطالعته في بيوتهم، وهذه الطَّريقَة تصلح للصّفوف العالية من المدارس الابتدائية، (ث) ومنهم: من يطلب من التَّلاميذ قراءة الدُّرُوس في الكتاب قبل المجيء إلى المَدْرَسَة، ويكون الدَّرْس عبارة عن مناقشة تدور حول ما قرأه التَّلاميذ، وتنحصر مهمة المدرس في شرح وتوضيح ما لم يفهمه التَّلاميذ وربط أجزاء الدَّرْس التي قد تكون مفككة في أذهانهم، وهذه الطَّريقَة هي من أصلح الطرق في المدارس الثانوية، ويمكن أن يلجأ إليها المُعَلِّم أحيانًا في الصَّف الخامس أو السَّادس من المَدْرَسَة الابتدائية إذا توافرت الكتب الصَّالحة للتلاميذ.والإجمال: على المُعَلِّم أن يحاول إيجاد أكبر انسجام ممكن بينه وبين الكتاب الذي يستعمله التَّلاميذ.

(تاسِعًا)كتاب القِراءَة

قديمًا كان (كتابُ الأبجديّةِ) يُطلَقُ على كتابِ تعليمِ القِرَاءَة المدرسيّ. ولعل أهم كتاب في المَدْرَسَة- في المرحلة الابتدائيَّة- هو كتاب القِراءَة، لما له من أثر عميق في نفوس التَّلاميذ وفي تعلُّقهم بالمطالعة؛ لذلك وجب أن يكون هذا الكتاب ممتعًا، مثيرًا، جذَّابًا، يثير فيهم الرّغبة في الاطلاع والمعرفة.

وإلى تنوّع القراءة، من (بليغةٍ)، إلى (تحليليّةٍ- تأويلية)، إلى (قِرَاءَة التَّصَفُّح)، و(القِرَاءَة الجهريَّة)، و(القِرَاءَة السَّريعةُ)، و(القِرَاءَة السّمعيَّةُ)، و(القِرَاءَة الصَّامِتةُ)، و(القِرَاءَة النَّقديَّةُ)، و(القِرَاءَة الوَصْفيةُ: وصفُ النُّصوص)، و(قراءة جمع المعلومات)، و(قراءة التّسلية)، وغيرها… يهمّنا (القِرَاءَة للدِّرَاسَةِ): وهي القِرَاءَة الَّتي تعتمدُ على المدارسِ والجامعات بقصد التَّعَلُّم والتَّحْصيل ويُشترَط فيها: التَّريث في التَّعَلُّم، والانتباه، والفهم، والإلمام بجوانب الموضوع، وحفظ الأفكار الأساسية وسهولة تذكُّرِها.

وقد ذكرَ (رولدْ دالْ) في روايتِهِ (ماتيلدا) أنَّ التِّلفازَ يجعلُ من النَّاس أغبياءَ (مثل والدةِ ماتيلدا ووالدها)،  بينما تجعلُ القِرَاءَة منهم أذكياءَ مثل (ماتيلدا). [انظر: (ماتيلدا)]. وطولِبَ كاتبُ الأطفالِ بالقِرَاءَة وخاصة قراءة عظماء الكتّابِ والأدب العظيم بالإضافةِ إلى الأدب الشّعْبِيّ والحِكَايَات.

أما (محاور القِرَاءَة)، فهي الأفكار التَّوجيهية البارزة في النّص والَّتي ينبغي ملاحظها أثناء التَّحْليل: (الزَّمكان، الموت، العَمَل، الحَيَاة…)، كذلك ملاحظة طريقة معالجتها من قبل كَاتِب النّص، واكتشافها من قبل التّلاميذ.  

محاذير الكُتُب المدرسيَّة

وعلى الرّغم من أننا نأخذ بمبدأ استعمال الكِتَاب، ينبغي أن نعترف بأن للكِتَاب محاذير، كما أن له فوائد عديدة:

(أ)لا يأخذ الكتاب بعين الاعتبار الفروق الفردية بين التَّلاميذ، ولا الفروق القائمة بين مختلف الأوساط والبيئات، فيكون جامدًا وحيد الشَّكل، وموضوعًا لمستوى التَّلْمِيذ الوَسَط في الصَّف. على أنّه يمكن لِلْمُعَلِّم البارعِ أن يتلافى هذا المحذور في دروسه الشَّفهية، فيكيِّف دروسَه تكييفًا مناسبًا.

(ب)يمكن أن يعرِّض الكتابُ التَّلْمِيذَ لخطر اللَّفظيَّة في التَّعْليم، ويعمل على خنْق قدرتِه على التَّفْكير والحُكْم، وبذلك يطبع التَّلْمِيذ بطابع حفظِ معلومات غيره من دون وعيٍ أو إدراكٍ، ما يسلبه استقلالية تفكيرِهِ؛ اللهم غلا إذا حظيَ التّلميذُ بمُعَلِّمٍ يستطيع بطريقة إبداعية أن يمنحَه حرّيَّةَ التّفكير والنّقد.

(ت)إنَّ استعمالَ الكَتَاب يتطلب وجود القُدْرَة على التَّجريد والتَّعميم، وهذه القُدْرَة ضعيفةٌ عند صغار التَّلاميذ، بَيْدَ أنها تنمو بنموهم العَقْلِيّ.

(ث)إنّ الإلحاح على استخدامِ الكتابِ يمكن أن يؤدي بالطِّفْل إلى الاعتقاد بأن كل ما جاء فيه صحيح وبعيدٌ عن الخطإِ، بل يعتبره مصدرَ المعرفةِ الأوَّلَ والأخيرَ، فيبعد عن ملاحظة الطّبيعة والتّعلُّم منها، فيكون خطرُهُ من ناحية تكوين الفرد الخلقيِّ والفكريِّ كبيرًا.

مكتبة الدِّراسة

  • إبراهيم، عبد العليم: الإِمْلاء والتَّرقيم في الكِتَابَة العَرَبيَّة.
    • أبو اللّبن، وجيه، المرسي: “الاتجاهات الحديثة في تدريس الإِمْلاء”، و“أسباب صُعُوبات الإِمْلاء”.
    • إسحق موسى الحُسَيني: أساليب تدريس اللُّغَة العَرَبيَّة في الصُّفوف الابتدائيّة. بيروت، دار الكتاب، 1946.
    • بقاعي، إيمان: فن كتابة قصة الأَطْفَال. دار الهدهد.
  • بقاعي، إيمان: معجمُ أدب الأَطْفَال والشّباب العربيُّ.
    • جزل، أرنلد (وآخرون): الطِّفْل من الخامسة إلى العاشرة. تر: عبد العزيز توفيق جاويد، راجعه: أحمد عبد السَّلام الكرداني، القاهرة، وزارة التَّرْبِيَة والتَّعْليم بمصر، الألف كتاب (54)، ج1، 1956، ج2.
    • حابس، أحمد: الحبسة وأنواعها: دراسة في علم أمراض الكلام وعيوب النّطق. القاهرة، مكتبة الآداب، ط1، 2005م.
    • الخولي،  دكتور محمد علي:  أساليب تدريس اللُّغَة العَرَبيَّة، الرياض، 1982.
    • الركابي،  جودت: طرق تدريس اللُّغَة العَرَبيَّة. دار الفكر، دمشق، 1996.
  • زهران، عبد السلام، حامد: المفاهيم اللغوية.
  • زهران، عبد السلام، حامد: علم نفس النُّمو.
  • سمير يونس صلاح، سعد محمد الرَّشيدي: التَّدْريس العام وتدريس اللُّغَة العَرَبيَّة. الكويت، مكتبة الفلاح، ط2: 2005].
  • الشَّخْص، عبد العزيز: اضطرابات النّطق والكلام: خلفيتها، تشخيصها، أنواعها، علاجها. الرياض، شركة الصَّفّحات الذهبية، ط1، 1997م.
    • عبد العليم، إبراهيم: الموجه الفني لمدرّسي اللُّغَة العَرَبيَّة. مصر، دار المعارف، ط7: 1961.
    • غريب، روز:  (حديقة الأشعار للصّغار). بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللّبناني للطّباعة والنّشْر.
  • غريب، روز: المحفوظات النّموذجية للصّفوف الابْتِدَائِيّة. لبنان، الصّادر عن مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللّبناني للطّباعة والنّشر، ج3.  
    • الفتلاوي، سهيلة: المدخل إلى التَّدْريس. عمان، دار الشّروق، 2007.
    • فهمي، مصطفى:  أمراض الكلام. القاهرة، دار مصر للطِّباعة، ط5، 1975م.
    • كردي، السيد، أحمد: استخدام خرائط المفاهيم في التَّعْليم. كنانة أون لاين. 
    • كمال الدّين، يحيى مصطفى: محاضرات في مادة تقنيات  التَّعْليم ومهارات الاتِّصال. جامعة المجمعة.
    • مجمع اللُّغَة العَرَبيَّة: معجم علم النّفس والتَّرْبِيَة، ج2، القاهرة، 2008م.
  • مصطفى، زهدي، عبد الرؤوف: مهارة الرسم الإملائي.
    • مونرو، ماريون: تنمية وعي القِراءَة، الاسْتِعْدَاد للقراءة وكيف ينشأ في البيت والمدرسة. تر: سامي ناشد، مراجعة وتقديم: عبد العزيز القوصي، القاهرة، دارالمَعْرِفَة، نشر هذا الكتاب مع مؤسسة فرانكلين للطِّباعة والنَّشْر، القاهرة- نيويورك، أغسطس، 1961 . 
    • نجيب، أحمد: فن الكِتَابَة لِلأَطْفَالِ، دراسات في أدب الأَطْفَال. مصر، دار الكاتب العَرَبِيّ للطِّباعة، 1968.
  • هاشم راضي جثير العوادي: طرائق تدريس القِراءَة. كلية التَّرْبِيَة الأساسية،  قسم التَّرْبِيَة الخاصة، جامعة بابل، بتصرف.
    • وهبة، مجدي: مُعْجَم مصطلحات الأَدَب، إنكليزي، فرنسي، عربي، مع مسردين للألفاظ الإفرنسية والعَرَبيَّة. بيروت، مكتبة لبنان، 1974.
    • يعقوب، إميل؛ بركة، بسام؛ شيخاني، مي: قاموس المُصْطَلَحات اللّغويّة والأدبية، عربي- إنكليزي- فرنسي. بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1987.
    • يوسف، أديب؛ عوض، بلقيس؛ تاج الدين، عبد الله، جمال، محمد صالح: كيف تعلِّم أطفالَنا في المدرسة الابْتِدَائِيّة (وفق المناهج الحديثة لمعاهد المُعَلِّمين). دمشق، مكتبة أطلس، ط3: 1962.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات