كيف ترى (بكين) الصراع السياسي بعد إقرار الدستور في (القاهرة)؟

12:32 مساءً الأربعاء 26 ديسمبر 2012
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بعد حالة ترقب شديدة سادت الشارع المصري ووسط تطاحن حاد بين مختلف القوى السياسية في البلاد ، أعلنت مساء الثلاثاء النتيجة الرسمية للاستفتاء على الدستور المصري الجديد لتبلغ نسبة تأييد الدستور 63.8 في المائة، ما يعنى إقراره وسط تخوفات شديدة حول المستقبل ودعوات إلى الاستقرار في ظل أوضاع اقتصادية عصيبة.

ورأى المحللون الصينيون أن تمرير مشروع الدستور كان أمرا متوقعا إلى حد كبير، ولكن خروج النتيجة “بنعم” قد لا يضع بالضرورة نهاية للصراع السياسي في مصر في ضوء ما سبق الاستفتاء من حالة فوضى في الإدارة تمخضت عنها سلسلة من الاستقالا ت كان أبرزها استقالة نائب الرئيس المصري محمد مكي وما سيتبعه من حالة تعبئة واستنفار استعدادا للانتخابات التشريعية المتوقعة في مطلع العام المقبل. وقالوا إن تمرير مشروع الدستور يعد انتصارا للرئيس المصري محمد مرسي ويستلزم ممن قالوا “لا ” ممارسة معارضة بناءة من أجل إخراج مصر من كبوتها الراهنة.

— هل يستمر الصراع السياسي رغم التصويت “بنعم” للدستور الجديد؟

وكانت اللجنة العليا للانتخابات في مصر قد أعلنت يوم الثلاثاء أن 63.8 في المائة ممن صوتوا في الاستفتاء وافقوا على مشروع الدستور مقابل 36.2 في المائة. وقد أجرى الاستفتاء بسلاسة على مرحلتين، الأولى في 15 ديسمبر الجاري في 10 محافظات والثانية في 22 من الشهر ذاته في 17 محافظة ولكن وسط حالة انقسام شديدة بعد فشل التيار الإسلامي والمعارضة في التوصل إلى توافق حول مشروع الدستور.

وأرجع المحللون الصينيون النجاح في تمرير مشروع الدستور في مصر إلى سببين: أولهما أنه يحظى بنسبة تأييد كبيرة من جماعة الإخوان المسلمين التي باتت ذات شعبية كبيرة في المجتمع المصري بفضل ما قامت به من أعمال خيرية على مدار سنوات طوال مضت. وثانيهما أن غالبية الشعب المصري تتوق بشدة إلى عودة الاستقرار وتسريع المرحلة الانتقالية ووضع نهاية للخلافات والصراعات والأوضاع المتوترة.

ولفت المحللون إلى أن رغم تمرير الدستور بالأغلبية المطلوبة، إلا أن نتيجة الاستفتاء هذه لن تغير الموقف المتشدد للمعارضة، ولا سيما وأنه لم يجر في ظل بيئة توافقية وظهرت قبله دعوات تطالب بتأجيله وأخرى تطالب بمقاطعته.

وقد استبقت المعارضة الإعلان عن نتيجة الاستفتاء بتأكيد مضيها في إسقاط الدستور سلميا، حيث قال حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي والمرشح الرئاسي السابق يوم الأحد في مؤتمر صحفي إن “النتائج المعلنة حتى الآن لا تعطى لنعم ما يقارب ثلثى الأصوات، ما يعني أنه لا يلقى قبولا ولا يعبر عن الجماعة الوطنية ويشق الصف المصري، وأنهم سيلتزمون بمواصلة نضالهم السلمي وذلك بدء من الطعن على نتيجة الاستفتاء”.

وبدوره، قال محمد أبو الغار رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي عن الخطوات المقبلة للجبهة إن الجبهة سوف تكون متماسكة في المرحلة المقبلة وسوف تكون متفقة على خوض جميع المعارك الانتخابية.

وما بين تصريحات مرسي بأن إقرار الدستور لازم لبناء مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار وتصريحات المعارضة بأن إصرار مرسي وجماعة الإخوان المسلمين على المضي في الاستفتاء لن يعيد الاستقرار ، سادت انقسامات حادة وعميقة في مصر وربما تفتح الباب لتأجيج اضطرابات مستمرة.

–استقالة محمود مكي .. تأثير محدود على الصراع بين القضاء والحكومة

وعلى إثر الأوضاع المتوترة في مصر، أعلن المستشار محمود مكي نائب الرئيس المصري يوم السبت الماضي استقالته من منصبه قبيل انتهاء المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور بساعات. وقال في بيان إنه أدرك منذ فترة أن طبيعة العمل السياسي لا تناسب تكوينه المهني كقاض. وأضاف أنه “طرح لأول مرة استقالته الشهر الماضي ولكن الأحداث أجبرته على البقاء”.

وقال المحللون الصينيون إنه رغم أن إستقالة محمود مكي، الذي كان من قبل قاضيا، تبدو كما لو كانت أحد مظاهر الصراع بين السلطة القضائية والتنفيذية نظرا لكونها تماثل استقالة النائب العام المصري طلعت عبد الله الذي تراجع عنها لاحقا قائلا إنه شعر بضغوط فرضها عليه مئات القضاة المتظاهرين، إلا أنها لا يمكن أن تشكل ضربة كبيرة لحكومة مرسي وربما تترك تأثيرا محدودا على الوضع المصري.

وذكر نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة لي شاو شيان إنه ربما كان الدافع من وراء تقديم مكي لاستقالته هو اقتراب تمرير الدستور، وهو ما يعنى أن منصب نائب الرئيس سيصبح غير موجود طبقا للدستور الجديد.

ولفت المحلل السياسي لي شاو شيان إلى أن أرجاع محمود مكي سبب استقالته إلى تكوينه المهني كقاض وليس لوجود خلاف سياسي مع مؤسسة الرئاسة، يدل على أن هناك سببا غير واضح ولا يرغب الأفصاح عنه دفعه إلى ذلك.

وقال لي إن إبطال المحكمة الدستورية العليا قرارين لمرسي بإلغاء حكم المحكمة المتعلق بحل البرلمان كان “شرارة” التوتر بين السلطتين القضائية والتنفيذية، وربما اراد مرسي بتعيين مكي باختصاصه قاض كبير في منصب نائب الرئيس تهدئة حدة هذا التوتر، ولكنه كان تعيينا “رمزيا” ويحمل معني “التصالح”، ومن ثم لن تؤثر استقالته على الوضع المصري كثيرا.

وشاطر آن هوي هو، سفير الصين السابق لدى مصر، لي الرأى بأن تأثير إستقالة مكي محدود، قائلا إن تصريحات مكي الدقيقة للغاية حالت دون أن تستغلها المعارضة ضد مرسي ومؤيديه.

— مرسي يمضى بخطوات ثابتة للأمام

وحرصا منه على توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية لتضم قوى سياسية ومجتمعية متنوعة ورغبة منه في المضي قدما في بناء مؤسسات الدولة، أصدر مرسي قرارا جمهوريا بتعيين 90 عضوا بمجلس الشورى، ودعا المجلس للانعقاد اعتبارا من الأربعاء المقبل لافتتاح دورته الثالثة والثلاثين. ويتسلم مجلس الشورى سلطة التشريع من مرسي إلى حين تنظيم انتخابات تشريعية جديدة.

علاوة على ذلك، فإنه بمجرد أن يدخل الدستور الجديد حيز التنفيذ، من المتوقع أن يدعو مرسي إلى انتخاب مجلس الشعب الجديد خلال فترة لا تتجاوز شهرين.

وقد ضم الأعضاء الجدد في مجلس الشوري بعض الليبراليين والمسيحيين ولكن ذلك لم يغير واقع أن كتلة الإخوان المسلمين وحلفائها تحتل الأغلبية في مجلس الشورى، لهذا أعربت جبهة الانقاذ التي تمثل الآن المعارضة الرئيسية في مصر عن رفضها للتعيينات الجديدة في مجلس الشورى، وانتقدت الرئيس بقولها إنه شكل قوة معارضة “رمزية” في المجلس.

وقال المحلل السياسي لي شاو شيان إنه رغم انقسام الشارع المصري بقوة بين مؤيد للرئيس ومعارض له منذ صدور إعلان دستوري في 22 نوفمبر وقرار جمهوري في 12 ديسمبر بإجراء الاستفتاء على الدستور على مرحلتين، إلا أن المعارضة لم تستطع إلغاء أو تأجيل الاستفتاء وجرى الاستفتاء في الموعد المقرر له، ما يدل بوضوح على أن مرسي يسير بنجاح خطوة تلو الخطوة من أجل خير مصر وبات يمثل إرادة الشعب المصري.

ومن وجهة نظر لي شاو شيان، فإنه في خضم حالة الاستقطاب والانقسام داخل مصر، يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن يتلاشي الصراع السياسي الحالي فور صدور الدستور الجديد، وربما يتأجج بين الفنية والاخرى مع بدء أحداث سياسية جديدة ووقوف مصر على أعتاب انتخابات مجلس الشعب في الأيام المقبلة. ولكن لابد للمعارضة أن تسلك سبيلا مغايرا للمظاهرات والاحتجاجات وتعمل في نضالها السياسي من منطلق معارضة إيجابية وبناءة حتى يتسنى لمصر تحقيق أهدافها التي طال انتظارها. (شينخوا).

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات