غَمزَة

08:48 صباحًا الإثنين 23 يناير 2023
مدونات

مدونات

مساهمات وكتابات المدونين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قصة قصيرة، بقلم: دانيال القهوجي


دانيال القهوجي

بعد عطلة عيد الميلاد الباردةِ، رجعْنا إلى المدرسةِ، وبدأنا بأحاديث الاشتياق.

وبينما كنا، أنا و(شكيب)، نستقبل جميع زملائنا قرب بوابة المدرسة السَّوداء الكبيرة، نزلت زميلتُنا من الحافلةِ متغندِرةً وشعرها الأسود يتطاير في هواء المدرسة الجليديّ، ومنحتنا غمزةً جعلَتْ قلبَيْنا يزدهران، فبدءا بالقفز مثل “النَّابض”، واعتقد كلُّ واحدٍ منا أن الجميلة غمزَتْه لأنها تحبه لا محالةَ.

وانصهرنا لشدةِ جمالها، وذابت أعينُنا ونحن نلاحقها متنهِدَيْن.

ولم يَطُلِ الوقتُ حتى بدأتُ أتساءَلُ: “هل كانَت تقصدني أو تقصده؟”

وكانَ (شكيب) يتساءلُ السّؤالَ نفسه.

ومرّت كلّ الحصص وتركيزنا وتفكيرنا كان يدور حولَ غمزَةِ الحُلوة.

وبعد المدرسة، دعوت (شكيب) إلى منزلي للتَّحدث واللَّعب سويًا.

ولما قدِمَ، تكلمنا بسرعةٍ عن زملائنا لنصلَ إلى حدَث الصَّباح الرّئيس الذي اجتمعْنا من أجله، فقلت له بصوت خفيف: “هل شاهدتَ عفيفة اليوم كيف غمزتني وابتسمت لي؟”

ثمّ أكملْتُ بسعادةٍ: “كنتُ أعرف أَن (عِفّو) تحبني، فحركاتُها واضحة”.

وتدخَّل (شكيب) بسرعة صارخًا:“تعتقدُ أن عفيفة ستغمز شخصًا مثلكَ؟ بالطّبع هي تغمزني وتلاطفني أنا، لأنني وسيمٌ وذو هيبة وأبدو أكبرَ منكَ، وكأنني تلميذ بريفيه”!

فردَّيت: “أَنت تغار منّي، يا (شكيب)، وتتخيل هذه الأمور فقط”.

فانتفض (شكيب)، وغادر منزلي خابطًا الباب وراءه بعنف.

ولأيامٍ لم نعُد نتكلم مع بعضنا بتاتًا، لكننا بدأنا، من دون أن نتفقَ على هذه الخطوة، بمراقبة (عفيفة)، فلاحظْنا أنها تخرج ضاحكةً كل يومٍ من المدرسة مع فتًى أكبر منّا بسنة، متّجهين نحو حافلة المدرسة، ويعودان صباحًا معًا ضاحكينِ، سعيدَينِ. ولم تَعُد تتكلم معنا إلّا إن صادَفَتْنا الكلمات اللّازمة: “صباح الخير… إلى اللّقاء…”.

وكانَ لا بد لي أن أتحدثَ مع (شكيب)، فليس هذا وقت الشّجار، ووافقَ فورًا أن نلتقي في مطعم القريةِ القريبِ من المدرسةِ.

ذهبنا إلى المطعم، وتشاورنا طويلًا،  ووصلْنا في النِّهاية إلى أنّ العقل يجب أن ينتصر دائمًا على الأحاسيس، وأنه كان من واجبِنا أن نفكر قبل دخول ذلك الشّجار السّخيف!

وتعانقنا، وتصالحنا!

وفي اليوم التالي، وصلَتْ (عفيفة) مع صديقِها الأثير، واتجهتْ نحوي و(شكيب)، وقالت لنا:

“ما هذا البرد القارس؟ حُوووح! لا أستطيع أن أفتح عينيَّ، فكلما فتحتهما، تغمضان من الصّقيع!”

وهنا اكتشفنا أن نسمةَ بردٍ عيَّشتْنَا حالةَ حب وعراك!

لبنان- الدامور

22\1\2023

3 Responses to غَمزَة

  1. د / عبد الرحمن البنا رد

    23 يناير, 2023 at 2:13 م

    هذه القصة القصيرة تنبئ بمولد كاتب يمتلك الموهبة، ويتقن فن الكتابة بلغة رصبنة، واسلوب سردي مترابط وتصاعد للأحداث، وصولا للحبكة القصصية، ووضع نهاية للقصة تتسق مع بدايتها واحداثها، بايقاع متسارع كأنه يعزف قطعة موسيقية بديعة ،مع نقل القارئ لأجواء الحدث، مستخدما كل حواسه، البصرية والسمعيه، بل والاحساس بالبرد والصقيع.. لقد أتقن الكاتب واجاد، فله كل التحية والحفاوة والتقدير…

  2. Sui رد

    23 يناير, 2023 at 4:58 م

    Suiii

  3. د / عبد الرحمن البنا رد

    24 يناير, 2023 at 2:23 م

    وقفة تامليه، مع قصة ( غمزة) للمبدع / دانيال القهوجي،

    كتبت بالأمس تعليقا سريعا، مر بخاطري بمجرد فراغي من قراءة قصة ( غمزة) للمبدع / دانيال القهوجي،
    قلت الاتي : قصة ( غمزة) تنبئ بمولد (كاتب) يمتلك الموهبة،
    ويتقن فن الكتابة بلغة رصبنة، واسلوب سردي مترابط
    وتصاعد للأحداث، وصولا للحبكة القصصية،
    ووضع نهاية للقصة تتسق مع بدايتها واحداثها،
    بايقاع متسارع كأنه يعزف قطعة موسيقية بديعة ،
    مع نقل القارئ لأجواء الحدث، مستخدما كل حواسه، البصرية والسمعيه،
    بل والاحساس بالبرد والصقيع..
    لقد أتقن الكاتب واجاد،
    واليوم أبين بعض الذي دعاني، الي كتابة ما كتبت،
    وحتى لا يظن البعض، انني القى الكلام جزافا على عواهنه،
    أو هو نوعا من الحماسة او العاطفة، أو التحفيز المعنوي،،
    لذلك اقتبس من القصة، ما يؤيد ما كتبت، ويبرهن، بما لا يدع محالا للشك،
    وينبئ بصدق عن مولد ( كاتب)، يمتلك قلما موهوبا، وخيالا خصبا ، وأسلوبا جزلا ، غير متكلف..
    هيا لننظر كيف أتقن الكاتب وكيف أجاد (براعة الاستهلال) ، وكيف (تعاتقت) مقدمة القصة مع خاتمتها،
    وان محور القصة كلها، هو عنوان القصة ( غمزة) ،

    تلك هي مقدمه القصة 🌹 :

    (بعد عطلة عيد الميلاد الباردةِ،
    رجعْنا إلى المدرسةِ، وبدأنا بأحاديث الاشتياق.
    وبينما كنا، أنا و(شكيب)،
    نستقبل جميع زملائنا قرب بوابة المدرسة السَّوداء الكبيرة،
    نزلت زميلتُنا من الحافلةِ متغندِرةً وشعرها الأسود يتطاير في هواء المدرسة الجليديّ،
    ومنحتنا (غمزة) جعلَتْ قلبَيْنا يزدهران،) 🌹

    وتلك هي خاتمة القصة 🌹:
    (وفي اليوم التالي، وصلَتْ (عفيفة) مع صديقِها الأثير، واتجهتْ نحوي و(شكيب)، وقالت لنا:
    “ما هذا البرد القارس؟ حُوووح! لا أستطيع أن أفتح عينيَّ، فكلما فتحتهما، تغمضان من الصّقيع!”
    وهنا اكتشفنا أن نسمةَ بردٍ عيَّشتْنَا حالةَ حب وعراك!)
    هنا نقف وقفة تأمل وتفكر، لنرى
    كيف التقت المقدمه مع الخاتمة؟ 🌹

    اذن ( الغمزة) التي هي (محور القصة) وعمودها الفقري مجرد (وهم) ، توهمه الصديقان، 😆😆
    وإن حركه العينين التي قامت القصة على أساسها اي ( الغمزة)، لم تكن نتيجه حب او عشق، أو تعبير عن احساس او شعور، أو حتى دعوة للحب 😆 كل تلك كانت اوهام، من صنع الخيال، وترجمة من وحي الهوى والرغبة ل ( حركه) فتح العينين وغلقهما ، نتيجة البرد والصقيع، 🌹فيظنها الناظر إليها انها ( تغمز) له، وانها دعوة لتبادل الهيام والغرام،🌹
    كم من معارك، و صراعات تقوم على (اوهام) يرسمها لنا الخيال، أو ترجمة خاطئة لبعض الأقوال او الأفعال او السلوكيات،؟!
    و اختيار الكاتب اسم بطلة القصة ( عفيفة)، 🌹 لرمزيه هذا الاسم،
    وكأنه يبرئ ساحة الفتاة، من غمزة عين، (سببها) هو البرد والصقيع، وكلما حاولت فتح عينيها اغلقها الصقيع، فيظن البطل وصديقه ان ( عفيفة)، تغمز بعينيها، فيقع في حبها كما توهم البطل وصديقه، أو كما توهمنا جميعا ونحن صغارا، ونسميه ( حب من طرف واحد)، ونبدأ في كتابه الأشعار والخطابات، وسماع فيروز 😆😆
    اعتقد ان تلك القصة انموذجا تطبيقيا ، لتدريس فن القصة القصيرة وأساليبها، 🌹
    طبعا ، ربما كتب الكاتب كل تلك الأمور بتلقائيه، 🌹
    هذا صحيح ، وهل الموهبة غير ذلك؟! 🌹
    والله لا أدري ما اقول… 🌺
    أخشى أن أقول :
    ان التلميذ الشاطر تفوق على استاذه 😆😆
    ولكن يبقى الاستاذ بالقطع أستاذا، 🌹 ❤️
    دانيال القهوجي ، في هذه القصة القصيرة، ربما تفوق على استاذه، وتفوق على جدته، د / ايمان بقاعي ، وايضا على جدته الأستاذة / غريد الشيخ 😆🌹 ❤️
    وبالتأكيد كل اب وكل ام يكون فخورا بتفوق الأبناء، على الأباء ، وتلك سنة الحياة،
    ويبقى الأصل اصل، والفرع فرع…

    د / عبدالرحمن البنا

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات