تونس: عمل تشاركي للأطفال ومعلمتهم من أجل البيئة

01:04 مساءً الجمعة 10 فبراير 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

     إنّ المحافظة على البيئة مطلب وليست رفاهيّة، حيث تبدأ أوّ ل خطوة لإنقاذ البيئة  بالإحساس  بقيمة ما يحيط بنا  من برّ وسهول  ونباتات وأشجار وأودية  وبحار، فذلك هو وجه كوكبنا  الذّي سخّر لنا أن نعيش فيه  وننعم بهوائه ومائه ونعيم عطائه.

فمنذ ملايين السّنين  والأرض الكريمة تغدق علينا من فيض عطائها بلا منّ، غير أنّه  في السّنوات الأخيرة   مسّها الضَرُّ(الأذى) فتراجع عطاؤها، فقد انحبس الحرّ  وتغيّبت الأمطار واختلّت الفصول :تلك تغيرات مناخيّة استوقفت بني البشر  كي يراجعوا تصرّفاتهم  ويدركوا أنّ للطبيعة  تعمل بالمبادلة: تعمل بقانون الأخذ والعطاء و بالفعل وبردّ الفعل، وفهم الإنسان أنّه هو المسؤول الأوّل على ما آلت إليه  أحوال الطبيعة، فهو الّذي  أحرق غاباتها  وأتلف زرعها ولوّث هواءها  وبحرها  و أمات حيواناتها وقضى على طيورها، وهو بذلك يلهث وراء الكسب والشهرة  من أجل أطماع مادّية واهية .

وأمام كلّ هذه الهواجس من مستقبل مجهول يهدّد كوكب الأرض وبالتّالي يهدّد الحياة على سطحه، بادرت “جمعيّة جليج للبيئة البحريّة ” بالقيام بحملات  ميدانيّة تحسيسيّة   و توعويّة للحدّ من استعمال البلاستيك، لما في ذلك  من مخاطر على البيئة وعلى صحّة الأنسان  في حدّ ذاته .

  ونالت  تلك المبادرة استحساننا،فاغتنمنا الفرصة،بأن نساهم من جهتنا في نشرثقافة بيئيّة في الوسط المدرسيّ والوسط العائلي،واخترنا لمشروع قسمنا  فكرة إعادة  قفّة السّعف إلى حياتنا اليوميّة  كبديل لأكياس البلاستيك،تلك القفّة الّتي تحفظ ذاكرة نخلة استوطنت  أرض بلدي وظلّلت  صحراءه واتّخذته وطنا وأطعمته رطبا شهيّا هو للنّاس غذاء ودواء  .

لم نتوان(لم نتأخّر) عن إنجاز عملنا، فبدأنا بجمع مقدار من المال  نوفّره من مصروفنا اليومي  لكي نكتسب مهارة الوعي بقيمة المال، في حين  عهدت(كلّفت)  معلّمتُنا حرفيّة  بأن تصنع لنا القفاف  نيّة (قصد) تشجيعها لتحافظ على هذه الصّنعة التّقليديّة الّتي طالها التّرك(الإهمال) كما طال عدّة حرف ألفها أجدادنا وباتت ذكرى تؤثّث ذاكرة من عاش زمنا كان فيه الإنسان في  تواصل مع الطّبيعة يتبادلان في العطاء بحبّ وثناء.

   ومرّت الأيّام ونحن ننجز البحوث ونسجّل معلومات على غاية من الأهميّة قد أكسبتنا  ثقافة بيئيّة  نثري  بها  خطاباتنا(التواصل الشّفوي) و إنتاجاتنا الكتابيّة . و في الموعد، وصلتنا القفافُ و سُعدنا بها سعادة  كبيرة وفاحت رائحة السّعف النّديّ وانتشرت  في أرجاء قاعة الدّرس،سعف نخل  مضفور  بشكل منتظم شكّلته أيادي احترفت الصّنعة وعشقتها  واختارتها  أن تكون مصدر رزق،تلك هي النّخلة،عروس الواحات، مزاياها  على بني البشر لا تحصى ولا تعدّ،نخلة تنتصب شامخة،وعلى جذعها المديد ينسدل جريدها الأخضر يظلّل  من يلتجئ إليها من  قيظ الحرّ ووهج الصّحراء الحارق.

وفي مساء ذلك اليوم،عدنا إلى منازلنا وكلّ واحد منّا يحمل فقته الصّغيرة في يده  و في ذهنه ترتسم ألوان  تزيد قفّته بهاء وجمالا . وبحضور تلك “القُفَيْفَةِ” حلا السّهرفي ذلك المساء،فانتقيت من خيوط الصّوف ماهو أقرب إلى الألوان التّي تهبنا إيّاها الطّبيعة، فاخترت الأصفر ذلك اللّون الممتدّ الّذي  تلتحف به  صحراء  الجنوب التّونسيّ وهو يتابع في صمت وينتظر في شوق أنيسا،واستلفت من السّماء صفاءها ومن البحار زرقتها،ومن الأفق  البعيد استعرت اللّون الأخضر والبرتقاليّ والبنفسجيّ .ليلتها تلوّنت أحلامي  وكبرت واتّسع مداها .ولم تغب عن تزيين القفة لمسات الأمّهات والجدّات،فارتسمت بصماتهنّ تتقفّى آثارنا:تسوّي وتعدّل وأكسبت  تلك الإضافات القفاف جمالا ساحرا، فجدّاتنا وأمّهاتنا هنّ قدوتنا وهنّ الضوء الّذي ينير لنا دروب الحياة وثناياها .

 ومع إطلالة يوم جديد سرنا  في الطرقات والمسالك نحمل في أيدينا تلك القفاف المزيّنة ومنذ ذلك تعاهدنا على أن يكون استعمال القفة سلوكا نتعوّد عليه  في قضاء شؤوننا ونحملها  كلّما قصدنا العطّار أو الخضّار أو المحلاّت التّجاريّة العصريّة، سلوك نألفه ونؤثّر به على غيرنا، ومع مرور الأيّام نتخلّص من عاداتنا القديمة الّتي ألحقت الضّرر ببيئتنا،ونتخلّى عن كيس البلاستيك .

  وفي قسمنا احتفلنا بنجاح مشروعنا  والتقطنا صورا لمراحل نشاطنا  الّذي استمرّ  أسابيع عديدة، ونشرنا تلك الصّور على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”ولاقى عملنا إعجاب الأولياء والمعلّمين والأصدقاء، ولمّا بلغ صدى نشاطِنا جمعيّةَ “جليج للبيئة البحريّة”،الّتي استبشرت بمجهوداتنا من أجل بيئة نظيفة وخالية من البلاستيك،أرسلت لنا  استدعاء لحضور مؤتمر هو بمثابة جلسة تقييميّة لنشاط الجمعيّة،سينعقد في يوم الثامن والعشرين من شهر ديسمبر ….

   ويومها جئنا في الموعد تهزّنا نخوة الثّقة في النّفس هزّا،واستقبلنا بحفاوة وكُرِّمْنا أجلّ تكريم حين  جمعنا اللّقاء بباحثين مختصين في المجال البيئي ومهندسين ودكاترة وجامعيّين الّذين كانوا مسرّة للعيون  ومبعث إعجاب وإلهام، ويومها طفت بذهني صور لغد أفضل  رأيت فيها نفسي  وأصدقائي مسؤولين يذودون عن الطّبيعة ويحمونها من كلّ شرّ يؤذيها،رأيت الغطاء النّباتي يمتدّ بامتداد الأفق، والأنهار والأودية تتدفّق ماء عذبا زلالا، وأصوات الطيور كجوقة تهلّل فرحا ……

 حقّا ومن المؤكّد إنّ المحافظة على البيئة  تبدو من أهمّ المصاعب، لذلك علينا جميعا أن ننشر الوعي بين المواطنين  وأن نرشدهم  إلى أهمّيّة نظافة البيئة  وسلامتها من مخاطر التّلوّث فهو ناقوس الخطر  يهدّد كافّة الكائنات الحيّة: يهدّد الحياة على سطح الأرض  بوجه عامّ لذلك لا بدّ أن تتضافر الجهود  من أجل  محاربة التلّوّث  والحدّ منه  قدر الإمكان، فالأرض هي الكوكب الذّي نتشاركه جميعا إذ من حقّ الأرض  أن تكون نظيفة  برّا وجوّا وبحرا كي تستمرّ فيها الحياة “فالأرض هي  داري ترعى كياني، وهي  منبت ثمار تملأ بستاني .البيئة  بحري وسمائي  وبرار فيها أوطاني “

عمل تشاركي بين الأطفال ومعلمة القسم السيدة فاطمة حامدي   من تونس –

 المدرسة الابتدائية شارع بورقيبة حومة السوق  جانفي 2023

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات