نخلةٌ في حقل جَدّي

02:17 مساءً الأحد 26 فبراير 2023
مدونات

مدونات

مساهمات وكتابات المدونين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الصورة بعدسة: فاطمة حامدي، تونس

ذهبت الى حقل جدّي فاستوقفتني نخلة فارعة الطّول وقد تكاثف جريدها وتدلّى  فتوقّفت عندها وتسمّرت قدماي  لأمعن النّظر في صورتها البهيّة :هي نخلة  تقف  على جذع غليظ وضخم  تعالى في الأجواء منتصبا  بقامة مديدة ومستقيمة ،يتدلّى من عليائه جريد كثيف أخضر  وقد  تراصّ سعفه وانضمّ بعضه الى بعض  ليظلّل الارض من تحته ، ووتهلّت به  عراجين  قد ثقلت شراميخها بالتّمر (بالبلح، بالبسر ، بالرّطب،  ) الشّهيّ  المذاق   .هو تمر في أكمامه  يمتصّ  الجمّار الحلو اللّذيذ  (  لبّ النخلة )،ليكون لآكله غذاء ودواء .تسلّقت النّخلة في حذر  وساعدني  على الصّعود  كرنافها  المرصّف والمتراصّ.  ولمّا بلغت  طرف احد العراجين  قطفت “حفنة تمر” وهممت بالنزول وفجأة انزلقت رجلي ،لقد تنحّت كرنافة  وبعدت عن موضعها (مكانها) فكدت أسقط  لو لم تبق  مشدودة إلى الجذع و حينها ظهرلي  مايشبه الغلاف بينها وبين الجذع  ، إنّه اللّيف   بنيّ اللّون كثيف  يشبه الشّعر. وحين لامست قدماي التراب  أسرعت إلى جدّي كي  أقاسمه  “حفنة التّمر ”  فقال لي جدّي وهو يتلذّذ حلاوة الرُّطب :”- ما ألذّ طعمها يا ولدي  إنّها  النّخلة  تلك الشجرة الكريمة ،السخيّة ،المعطاء، وخيراتها لا تحصى ولا تعدّ .” سكت قليلا وسرح بخياله بعيدا  كأنّه يقلّب صفحات الماضي البعيد ليعود الى يوم كان فيه في  مثل سنّي  ثمّ حدّثني وقال :”- لي مع النّخلة ذكريات  جميلة ،ذكريات منقوشة في ذاكرتي و حيّة تجري في عروق دمي .لقد كانت النخلة يا بي تؤثّث منازلنا :اذ صنعنا من  جذعها سقفا لمنزلنا  وجعلنا من ليفها حشيّة (فراشا)  وجعلنا من عراجينها  غرابيل نصفي به حبّ الزيتون في موسم الجني   وفتلنا  ليفها حبالا نشدّ بها ، وأوقدنا  كرنافها  نارا لطهو الطّعام   وجعلنا  من الكرنافة  ما يشبه  المكنسة  لننظّف بيوتنا  ،وظفرنا سعفها لنصنع القفاف والسّلال   والمظلاّت الشّعبيّة  التّي تحمينا من حرّ الشّمس .”. كان جدّي  يقلّب التمرات في كفّه ويتلمّسها ويتحسّسها  وهو يحادثني وقال :-” هذا التّمر يا ولدي غذاؤنا  على طول العام  ، نجنيه في أوائل  الخريف  ونخزّنه في أواني صنعت من الفخّار، وفي الشّتاء  نستخرج  منه ما يلزمنا   فتراه يلمع مُشْه معسول اللّون والمذاق  نتلذّذ  حلاوتة   وننتفع بأكله، فالتّمر يا بني غذاء وطاقة ووقاية ودواء وعلاج .، أمّا النّوى فترانا نجمعه   لنقدّمه علفا  لدوابّنا . ” .وتابع يقول وهو يشير إلى  تلك النخلة التي  تسلّقتها “- النخلة  ياولدي خيرها وفير وهي  شامخة   لا تهزّها العواصف ،صامدة ،وجذورها متشبّثة بالتربة ، بأصل الحياة فكن يا ولدي كالنخلة  كريما و شجاعا  امام متاعب الحياة  صامدا “لا تتخلّى   وبالصبر تشكّل وتوكّل ”  .جمعت حبات النوى وطمرتها في حافة الحقل  راجيا ان  أرها نخلات باسقات في قادمات الأيّام وبعدها قرأت لجدّي  قطعة المحفوظات  التّي تعلمتها في القسم .

المعلّمة فاطمة حامدي حصّة تأليفيّة  (انتاج كتابي إدماج )الاثنان 16 نوفمبر 2020

  •  

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات