حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ السَّابعَة | القُفَّازانِ الأزرقانِ

02:11 صباحًا الأربعاء 29 مارس 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

الجدّة (بحماس): حبيبي يا سمسومةَ قلبي! جدُّكَ وصلَ، جدُّكَ وصلَ.

سامي: سمعتُ صوتَ إغلاقِ البابِ.

الجدّة (مشجعةً إياهُ بصوتٍ هامسٍ): أخبرْهُ عنِ القُفّازينِ الصّوفيينِ الأزرَقَيْن. 

سامي (بتواضع مفتَعَل): جدتي، لا تضخِّمي الأمورَ!

الجدّة: أضخِّمُها؟ بالعكسِ يا سامي، يجبُ أن يفخَرَ أحدُنا اذا ما قامَ بعملٍ جيدٍ، ويجبُ أن ينشرَه بين النّاسِ حتى يكونَ عملُهُ مثالًا أعلى. 

الجدّ (يدخلُ إلى الغرفةِ): مرحبًا!

الجدّة: وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا!

سامي: كما قالَتْ لكَ تيتا مُهيبة.

الجد: ما قالَتْ؟

سامي (يضحك): أهلًا وسهلًا!

الجدة: بل: وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا!

سامي: وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا!

الجد (يضحك): أهلًا وسهلًا بكَ يا فرحةَ البيتِ.

سامي: أنتما فرحةُ البيتِ.

الجدة: سَلِمْتَ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ.

الجدّ: كأني سمعْتُ أثناءَ حديثكما: (مثالًا أعلى) و(بين النّاسِ) و(يفخَرُ)….

الجدّة (بفخرٍ): نعم، نعم!

سامي (متوسلًا بصوت ناعم وخجول): تيتا مُهيبة!

الجدّة (بثقة): يبدو أن سامي- تواضُعًا- لا يريد إخبارَكَ؛ لذلكَ، سأخبرُكَ أنا يا جدو عزيز. 

سامي (مستدركًا): بل سأخبرُهُ  أنا يا تيتا مُهيبة. 

الجدّ ( يجلس ممازحًا حفيدَه): هاتِ أخبرني يا سمسومةَ قلبِ جدَّتِكَ مُهيبة خانم! 

(ب)

سامي (يسأل جدَّه): تذكُرُ- يا جدو عزيز- القفازَينِ الصُّوفيَّينِ اللَّذينِ حاكَتْهُما لي جدتي قبلَ سنتينِ؟

الجدّ (متظاهرًا بأنه لا يذكرهما): إمْ… القُفازانِ الصُّوفيّانِ؟ القُفازانِ الصُّوفيّانِ؟

سامي: نعم!

الجدّ: اللَّذانِ حاكَتْهُما لكَ جدتُكَ؟ اللَّذانِ حاكَتْهُما لكَ جدتُكَ؟

سامي (بنفاذِ صبرٍ): نعم!

الجدّة (تتدخلُ مستعدة لشجارٍ ما): لا يذكرُهما،  طبعًا لا يذكُرُهُما!

الجدّ (يقاطعُها مخاطبًا حفيدَهُ ويمط كلامه ممازحًا زوجته): يا سامي، يا حبيبي، قلْ لي: مَن مِن العائلةِ والجيرانِ وأهلِ بيروتَ لا يذكُرُ؟ بل مَن من الكرةِ الأرضية لم تصل إليه صورتهما عبر الفيس بوك والبريد الإلكتروني، وتويتر، وانستغرام، و…

الجدّة (تخاطب زوجها بتحدّ): نعم؟ ما تقصدُ بالضّبطِ؟  

الجدّ (مستدركًا): لا أقصدُ إلا الخيرَ! القُفازانِ الأزرقانِ الصُّوفيانِ! الله ما أجملَهما! 

الجدّة (كمن تفشي أمرًا عسكريًّا): المهمُّ، وباختصار، وبدون أن يسرِقَ الوصفُ متعةَ الحَدَثِ، ضاعَ قفازٌ منهما.

الجدّ (يشهق مخاطبًا حفيده): كيفَ؟ كيفَ ضاعَ؟

سامي (لجده): وقعَ من حافلةِ المدرسةِ بينما كنْتُ أحملُهُ.

الجدّة (بحماس): ورآهُ سامي وهو يقعُ. 

الجدّ (يشهق ثانية): يا إلهي! وكيف لجدتِكَ أن تفخَرَ بعد اليومِ بقفازٍ أزرقَ واحدٍ أمامَ العائلةِ والجيرانِ وأهلِ بيروتَ؟ و… و…؟ كيفَ؟ قلْ لي كيفَ؟  

الجدّة (تتحدى زوجَها): أفخَرُ، نعم، لا بقفازٍ أزرقَ واحدٍ، بل بصاحبِ القفازِ الذي، ولشدةِ ذكائِه وإنسانيتِه…

سامي (مقاطعًا متوسلًا): تيتا مُهيبة… 

الجدّ (متضايقًا من زوجته): أكملِ القصةَ أنتَ يا سامي!

سامي: سارعْتُ إلى رمي القُفازِ الثَّاني.

الجدّة (للجد): تصوَّرْ!

الجدّ (بدهشة): أتصورُ؟ ماذا أتصورُ؟

سامي: لكي يجدَهُما طفلٌ غيري…

الجدّة (تخاطب زوجها بفخر): أسمعْتَ؟ لكي يجدَهُما… 

الجدّ (بعد تفكير): تقصدُ: معًا؟

الجدّة: طبعًا! وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ، فإنما يدلُّ على…

سامي: في الحقيقةِ يا جدتي مُهيبة، أنا لمْ أقمْ بعملٍ عجائبيٍّ، بل كلُّ ما قمتُ بهِ كانَ مُحاكاةً لقصةِ فيلمٍ كرتونيٍّ رأيتُهُ قبلَ مدةٍ وأثّرَ بي.

الجدّة (ممتعضة): ماذا؟

سامي: يتحدثُ الفيلمُ عن السّياسيّ الهندي الذي أحبُّ: المهاتما غاندي. 

الجدّ (باهتمام): قلتَ عن المهاتما غاندي يا سامي؟ 

الجدّة (تستعيدُ بعضًا من فخرها): قلتَ المهاتما غاندي صاحبُ نظريةِ اللَّاعنف يا سامي؟

سامي (يسألهما): بالضّبط، أتريدانِ أن أُخبرَكما القصةَ؟

الجدّة والجدّ: طبعًا!

(ت)

سامي (يحكي): رأيتُ في الفيلمِ هذا الحكيمَ وهو يستعدُّ كي يستقلَّ قطارًا من مدينتِهِ إلى مدينةٍ أخرى بعيدةٍ، عندما  وقعَتْ فردةُ حذائِهِ على رصيفِ القطارِ بينما هو صاعدٌ إليه.

الجدّ (باهتمامٍ): أكملْ يا سامي!

الجدّة: أكملْ!

سامي: وكانَ من غير الممكنِ طبعًا أن ينزلَ من القطارِ ليلتقطَها…

الجدّ: ومنْ غيرِ الممكنِ أنْ يفكرَ طويلًا كي يتّخذَ قرارًا.

الجدّة: إذنْ؟  

الجدّ: فعلَ مثلَكَ؟

سامي (مؤكدًا): بلْ فعلْتُ مثلَهُ.

الجدّة (بدهشة): رمى فردةَ حذائِهِ الثَّانيةَ؟

سامي: نعم! فقدْ رمى الفردةَ الثَّانيةَ كي يستفيدَ منها أحدٌ ما، مبررًا فعلَتَه تلكَ بأَنَّه إن احتفظَ بالفردةِ، فلا هو يستفيدُ منها ولا مَن يجدُ الفردةَ الثَّانيةَ.

الجدّة (بفرح): يا حبيبَ قلبِ جدَّتِكَ!

الجدّ (بفرح): أتعرفُ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ ما الذي أسعدَني؟

سامي: تفضلْ يا جدو عزيز!

الجدّ: أسعدَني أنَّ ما رأيتَهُ أو سمعتَهُ لم يمرَّ مرورَ الكرامِ، بلِ استفدْتَ منه في حياتِكَ اليوميةِ.

الجدّة (بفخر): استفادَ وأفادَ.

الجدّ: وهذه الفائدةُ يا سامي هي التي تميزُ شخصًا يقرأُ قصةً أو يسمعُها عن شخصٍ آخرَ كأنَّهُ لا قرأَ ولا سمعَ.

الجدّة (تخاطب سامي): ومكافأةً لكَ يا حبيبي…

الجدّ: ستصنعينَ لنا قالبَ حلوى؟

الجدّة (تصوّب قولَ زوجِها): أنا قلتُ: مكافأةً “لكَ”، لا “لكما”.

الجدّ (مستدركًا): آه! ستصنعينَ “لهُ” قالبَ حلوى، وأنا أشمُّ رائحتَهُ فقط.

الجدّة: بلْ…

سامي: بلْ؟

الجدّة (كأنها تفجرُ مفاجأة): سأصنع لهُ قُفازينِ جديدينِ.

سامي والجدّ معًا: أزرقينِ!

الجدّة: أزرقينِ.

الجدّ: ومبارَكٌ للطّفلِ الذي وجدَ قُفّازَيِّ سامي الأزرقينِ على الطَّريقِ.

الجدّة: مباركٌ من كلِّ قلبي.

سامي: ومن قلبي.

الجدّ: واحتفالًا بالمناسبةِ، نطالبُ بقالَبِ حلوى.. أقصدُ: سامي يطالبُ بقالبِ حلوى.

(سامي وجدته يضحكان).

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات