حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ العاشرة | الذَّواقَةُ

12:23 صباحًا السبت 1 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي (بفرح): جدتي..جدي..

الجدّة: ماذا هناكَ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ؟

الجدّ: هل من أخبارٍ جديدةٍ؟

سامي (يضحك): نعم! أريدُ حكايةً تحلُّ لي مشكلةَ زميلي (جادْ)!

الجدّة: (جادْ) حفيدُ أُمِّ سعيدٍ جارةِ أهلي؟

سامي (يتذكر): حفيدُ أمِّ سعيدٍ جارةُ أهلِكِ؟

الجدّ: طبعًا لا، فحفيدُ أمِّ سعيدٍ في الصَّفِّ التّاسعِ!

الجدّة: آه! صحيحٌ… (تستدرك): إن شاءَ اللهُ يصيرُ سمسومةُ قلبي في صفِّ التّاسعِ قريبًا جدًّا. الله كريم!

الجدّ: الله كريم!

سامي: جاد- يا جدي ويا جدتي- ولدٌ يعشقُ الطَّعامَ.

الجدّة: يعني؟

سامي: يعني مستعدٌّ أنْ يأكلَ أيّةَ شطيرةٍ لم يكملْها أيُّ ولدٍ حتى لو لم يكنْ هذا الولدُ في صفِّنا!

الجدّ (مفتعلًا الدهشة): ماذا؟ إلى درجةٍ أن يأكلَ أيةَ شطيرةٍ حتى لو يكنْ صاحبُها في صفِّكم؟ غريبٌّ!

سامي: وقد تناولَ فعلًا اليومَ شطيرةَ بنتٍ اسمُها (يارا) في الصفِّ الأولِ.

الجدّ: في الصفِّ الأولِ؟ لا، هذا كثيرٌ! لو كانتْ في الصفِّ الخامسِ أو السَّادس لكانَ الأمرُ أسهلَ…

الجدّة: وكيف أخذَها منها؟

سامي: رآها في الفرصةِ وهي تشكو من أنَّ طعمَ شطيرةِ اللَّبَنَةِ غريبٌ، فقالَ لها إنه يحبُّ اللَّبَنَةَ على أنواعِها: لبَنَةَ الماعزِ، لبَنَةَ البقرِ، لبَنَةَ الغنَمِ…

الجدّ (ضاحكة): وتبرعَ بأكلِ الشَّطيرةِ.

سامي (ضاحكًا): نعم، تبرَّعَ!

الجدّة: وهل وجدَها لذيذةً؟

سامي: لم يكنْ قد تذوقَ مثلَها في حياتِهِ؛ فقد كانتْ- ويا لَلغرابةِ- لَبَنَةً حلوةَ المذاقِ بدلَ أنْ تكونَ مالحةً.

الجدّ والجدّة (يضحكان): وأكلَها؟

سامي: نعم! أكلَها قائلًا للفتاةِ إنها لبَنَةُ حليبِ الجاموسِ الذي يعيشُ في القطبِ الشّمالي. ولكنْ ما إن غادَرَتْ- بعد أن أكلَها كلَّها- حتى اعترفَ لنا بأنها رُشَّتْ بالسُّكَّرِ خطأً بدلَ الملحِ.

الجدّ (يضحكُ): لَبَنَةٌ بالسّكرِ؟

سامي (يضحك): بل لَبَنَةٌ بحليبِ جاموسِ القطبِ الشّمالي.

الجدّة (تضحك): ذكرتني هذه الحادثةُ بحكايةٍ عن (أشعب الصَّغيرِ).

سامي وجده (بحماس): نسمعُ…

(ب)

الجدّة: كان (أشعبُ)- كما تقول كتبُ العربيةِ- الأكثرَ (شراهةً)؛ لذا فقد اختارَ صبيٌّ صغيرٌ اسمُه (سالم) بفخرٍ لقبَ  (أشعب الصّغير)، مدّعيًا أنَّ أشعبَ الأصليَّ- مثله تمامًا- ليسَ شرهًا، بل “ذَوّاقةً”، فدعاهُ أصدقاؤُهُ به.

الجدّ (ضاحكًا): لأولِ مرةٍ في حياتي أسمعُ أن إنسانًا يفخرُ بلقبٍ كلقبِ أشعبَ!

سامي (ضاحكًا): ذواقةٌ يا جدي وليسَ شرهًا!

الجدّة: المهمُّ أنَّ (أشعبَ الصّغيرَ) الذي يشبهُ زميلَكَ (جاد): كانَ لا يختارُ من الطّعامِ إلا ما كبُرَ حجمًا وحَسُنَ منظرًا؛ رغمَ استياءِ أمِّهِ وأختيهِ ووالدِهِ، وخاصةً حينَ يُدعى معهم إلى وليمةٍ، ما دفعَ بأمِّهِ إلى استشارةِ قريبةٍ لها عجوزٍ فاضَتْ خبرةً وحكمةً وذكاءً.

سامي (يصيح): ودَعَتِ العجوزُ (أشعبَ الصّغيرَ) مع عائلتِهِ إلى…

الجدّ: تناولِ الطّعامِ.

الجدّة: طعامِ الغداءِ، فرقصَ قلبُهُ فرَحًا، خاصةً وأنَّهُ كانَ يصفُ العجوزَ بأنها صاحبةُ الأناملِ الذَّهبيةِ في الطَّبخِ.

الجدّ: وامتلأتِ المائدةُ طعامًا شهيَّ المنظرِ والرَّائحةِ.

سامي: ولا تنسَ الحلاوَى يا جدو عزيز!

الجدّة: وللحظةٍ، تمنى  (أشعبُ الصَّغيرُ) لو لم يكنْ أبواهُ وأختاهُ مدعوِّينَ.

سامي (ضاحكًا): ليكون الطّعامُ من نصيبِهِ.

الجدّة: نعم! ولكن… وبما أنهم موجودونَ، بحثَ في الطّعامِ عن الأكبرِ حجمًا والأحسَنِ منظرًا، متوقعًا أن يكونَ أطيبَ طعْمًا؛ لكنَّه فوجئَ بأنَّ قطعةَ اللَّحمِ الكبيرةَ غيرُ ناضجةٍ، وأنَّ أكبرَ فطيرةِ جبنٍ فيها من الملحِ أكثر مما فيها من الجبنِ، وأنَّ الأربعَ عشرةَ ملعقةً كبيرةً من السَّلَطةِ التي سكبَها في صحنِهِ هي الأكثرُ ملحًا وخَلًّا في العالمِ، فسعلَ وسعلَ: كحْ كحْ كحْ، وصرخَ: أريدُ ماءً، مااااااااء، ماااااااااء!

سامي وجده يضحكان، ويسأل سامي جدته: والحلاوى؟ ماذا عن الحلاوى يا جدتي؟

الجدّة: كادَت أمُّ (أشعب الصّغيرِ) تضحكُ، لكنها كانَت تنتظرُ حصولَ ابنِها على الحلاوى، إذ لم يكتفِ ابنُها بما حصلَ معَهُ، بل اختارَ من الحلاوى طبعًا ما كبرَ حجمًا، وكادَ يبكي عندما قطعَها بالسِّكينِ، فإذا هي مجوَّفةٌ، لا تشبِعُ عصفورًا.

سامي: وكانَ (أشعبُ الصّغيرُ) حزينًا عندما عادَ إلى البيتِ بالتَّأكيدِ.

الجدّ: كما كانَ (جادْ).

(ت)

الجدّة: نعم! وراحَ يفكرُ حتى توصّلَ إلى أنه يجبُ أن يكفَّ عن اعتبارِ نفسِهِ (ذوّاقةً)؛ لأنه في الحقيقةِ (شرِهٌ) مثل (أشعبَ الأصليِّ)، وأعلنَ أنه لن يسمحَ لأحدٍ بأنْ يناديهِ بعدَ اليومِ بهذا اللَّقبِ، من دونِ أن يعرفَ أن العجوزَ الحكيمةَ قد دبرَتْ خطةً مُحكَمةً مع أمِّهِ كانَتْ ناجحةً.

سامي: أتعرفين يا تيتا مُهيبة، لو لم تكنِ (يارا) في الصفِّ الأولِ، ولا تعرفُ عن (جاد) حتى اسمه، لشككْتُ أنَّ الشَّطيرةَ كانتْ خطَّةً.

الجدّ (يتنهد): في الحياةِ يا سامي، خططٌ من دونِ مُخَطِّطٍ.

الجدّة: لذا، علينا- قبلَ أن نُلَقَّنَ درسًا- أنْ نتدبرَ قولَهُ تعالى: (وكُلوا واشْربوا ولا تُسْرفوا).

الجدّ وسامي (معًا): صدقَ اللهُ العظيم.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات