حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ21 | النَّملةُ والبُرغوثُ

09:37 صباحًا الأربعاء 12 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

النَّملةُ والبُرغوثُ[1]

د. إيمان بقاعي (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي (ينادي جدته): تيتا مُهيبة! تيتا مُهيبة!

الجدّة: أهلًا سامي يا حبيبَ القلبِ!

سامي: لم يَعُدْ جدي بعدُ من رحلةِ المشيِ؟

الجدّة: أتعتقدُ أنَّ جدَّكَ يمشي فعلًا؟ إنه ينزلُ إلى الشَّارعِ ليقابلَ زملاءَهُ المتقاعدينَ!

سامي: لكنني رأيتُهُمْ من الشُّرفةِ يمشونَ معًا تحتَ أشعةِ الشّمسِ.

الجدّة (واثقة من معلوماتِها): يتحدثون أكثرَ مما يمشونَ.

سامي (يضحك): ويتذكرونَ أيامَ الشّبابِ وأيامَ الوظيفةِ أيامَ كانوا سعداءَ…

الجدّة: يقولونَ هذا، بينما هم سعداءُ اليومَ لبقائِهمْ في البيتِ.

ساميى(بدهشة): أتعتقدين؟

الجدّة (بإصرار): أنا متأكدةٌ!

الجدّة: وجدُّكَ بالذّاتِ وزملاؤُه سعداءُ- يا سمسومةَ قلبي- لأنهمْ أبناءُ منطقةٍ واحدةٍ، ولدوا فيه وعاشوا والتحقوا بوظائفهِم وتقاعدوا. فإن شعرَ أحدُهُم ببعضِ الضَّجرِ، نزلَ درجَ بيتِهِ وأمضى ساعةً أو ساعتينِ مع أصدقائِهِ، وعادَ وقلبُهُ يرقصُ فرَحًا.

يدخل الجدّ….

الجدّ (بمرح): السّلامُ عليكما…

الجدّة: لم نسمعْ خطواتِكَ، متى وصلتَ؟

الجدّ: وصلْتُ- مقطوعَ النَّفَسِ- من أولِ جملةِ: “فإن شعرَ أحدُهُم ببعضِ الضَّجرِ، نزلَ درجَ بيتِهِ وأمضى ساعةً أو ساعتينِ مع أصدقائِهِ، وعادَ وقلبُهُ يرقصُ فرَحًا”، فعرفْتُ أنَّ الحديثَ يتناولُني وأصدقائي.

سامي: هو كذلكَ يا جدو عزيز!

الجدّ (يلهث): ناولني الكرسيَّ يا سامي [يستدرك] على أنَّ حياةَ المتقاعدينَ- يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ مُهيبة خانمْ- ليسَتْ، في هذه المنطقةِ، بالصُّورةِ الورديةِ التي تصفُها جدتُكَ، فكثيرًا ما يعودُ أحدُنا وقلبُهُ يبكي على صديقٍ توفيَ أو قريبٍ.

الجدّة: الموتُ حقٌّ!

الجدّ: نعم! ومَن لا يقبلْ هذه الحقيقةَ، يكُنْ أبعدَ ما يكونُ عن الإيمانِ والحكمةِ.

الجدّة: أوافقُكَ الرأيَ، ومستعدةٌ أنْ أروي لكما حكايةً!

سامي (بفرح): أهلًا بحكاياتِ تيتا مُهيبة!

الجدّ: نسمعُكِ!

الجدّة: من زمانٍ بعيدٍ… وعلى سيرةِ أنه يجبُ على المرءِ أن يكونَ حكيمًا، أتذَّكرُ حكايةً كانت جدتي- رحمها الله- تحكيها لي ولأطفالِ العائلةِ، وهي: حكايةُ (النّملةِ والبُرغوثِ).

سامي (ضاحكًا): أعرفُ النَّملةَ يا جدتي. أما البُرغوثُ، فلمْ أتشرفْ بمعرفتِهِ؟

الجدّ: البُرغوثُ، وانتبهْ يا حفيدي- الباءُ مضمومَةٌ وليسَتْ مفتوحَةً- هو حشرةٌ صغيرةٌ وثَّابةٌ تعضُّ.

سامي: لم أسمَعْ به من قبْلُ لأعرفَ إنْ كانَتِ الباءُ مفتوحةً أو مضمومةً [يضحك]: ولكن يبدو من عنوانِها أنها جميلةٌ. أليس كذلكَ يا جدو عزيز؟

الجدّ (ضاحكًا): كلُّ حكاياتِ جدتِكَ مُهيبة خانمْ جميلةٌ.

سامي: جدتي قمرُ الحكاياتِ!

الجدّة (بخجل): أخجلتُما تواضُعي.

سامي: أنا وجدو عزيز نصغي.

(ب)

الجدّة: كانَ هناكَ (نملةٌ) وزوجُها (البُرغوثُ).

سامي (يضحك): البُرغوثُ زوجُ النّملةِ؟

الجدّ (يضحك): نعم، فقد كانتْ معجبةً به، فلمْ تتزوجْ أيَّ شَيْصَبان (يعني ذكَرَ النّملِ) من أبناءِ قبيلتِها.

سامي (يضحك): الشَّيْصَبانُ هو ذكَرُ النّملِ؟

الجدّ (ضاحكًا): نعم! تصورْ!

سامي (يضحك): اسمُهُ أكبرُ منه.

الجدّ (يضحك): بكثيرٍ.

الجدّة (غاضبة وعلى وشك الحرد): لا تقطعا حبلَ أفكاري.

سامي: تفضلي يا تيتا مُهيبة.

 الجدّة (تكمل): وبينما كانتِ النّملةُ تعِدُّ النَّارَ لتخبزَ، طلبَتْ مساعدَتَه في تحريكِ الحطبِ، فنطَّ نطَّةً في الهوا، وقعَ في النّارِ وانشوى.

سامي: وماتَ؟

الجدّة: طبعًا! العوضُ بسلامتِكَ!

سامي (مستنكرًا) : وانتهتِ حكايةُ جدتِكِ؟ أبهذه البساطةِ؟ ما هذهِ الحكايةُ؟

الجدّة: انتظرْ يا سمسومةَ قلبي. لم تنتهِ الحكايةُ هنا، بل بدأتْ.

الجدّ: اسمعْ يا سامي!

الجدّة: ولما سألتِ الابنةُ أمَّها عن سببِ حزنِها، أخبرَتْها الحكايةَ التي انتهَتْ بقولِها: فنطَّ نطةً في الهوا، وقعَ في النَّارِ وانشوى.

الجدّ: وجُنَّتِ البنتُ…

الجدّة: وركضَتْ في الشّوارعِ منكوشةَ الشَّعرِ، فرَأتِ المِعزى، وأخبرَتْها ما حلَّ بها وبأمِّها، منهيةً الخبرَ بالقولِ: نطَّ نطةً في الهوا، وقعَ في النَّارِ وانشوى. 

سامي (ضاحكًا): وجُنَّتْ المِعزى.

الجدّة: وراحَتْ تضربُ قرونَها بالأشجارِ قربَ البحيرةِ حتى تكسَّرَتْ قرونُها، ولما سألَتها البحيرةُ عن قرونِها، أخبرتْها ما حلَّ بالبُرغوثِ وقالَت:

سامي (ضاحكًا): نطَّ نطةً في الهوا، وقعَ في النَّارِ وانشوى.

الجدّ: وجُنَّتِ البرِكةُ.

الجدّة: وصارَتْ تضربُ مياهَها بالترابِ الموجودِ على حافتَيْها، فإذا بمائِها يصبحُ طينًا عَكِرًا أثارَ استغرابَ الغِرْبانِ، فأخبرتها عن القصةِ الحزينةِ، وأنهتِ الحكايةَ بقولِها:

 سامي (ضاحكًا): نطَّ نطةً في الهوا، وقعَ في النَّارِ وانشوى.

الجدّ: فتحوَّلُ لونُ الغِربانِ من الأسودِ إلى الأبيضِ حزنًا، ما أثارَ استغرابَ ابنِ البُرغوثِ الذي كانَ عائدًا من عملِهِ، فأخبرتْهُ قصةَ والدِهِ الحزينةَ، وأنهتِ الحكايةَ بقولِها المعتادِ.

سامي (ضاحكًا): نطَّ نطةً في الهوا، وقعَ في النَّارِ وانشوى.

الجدّ: وجُنَّ الصبيُّ…

الجدّة: لا! اسمحْ لي يا جدو عزيز، الصَّبيُّ طلبَ من الغِربانِ أن ترافقَهُ إلى البركةِ، وطلبَ من البركةِ أن ترافقَهما إلى  المِعزى…

سامي: وطلبَ من المِعزى أن ترافقَ الجميعَ إلى حيثُ ما زالَتِ الأختُ تركضُ…

الجدّ: ثم ذهبَ الجميعُ إلى النَّملةِ بالتَّأكيدِ.

الجدّة: وقبلَ أن تخبرَهُ القصة الموجِعَةَ، انحنى يقبِّلُ جبينَ أمِّه ويعزّيها بموتِ والدِهِ، وقالَ إنَّ البُرغوثَ يستحقُّ أن يقامَ لهُ مأتمٌ يليقُ بهِ، لأنه توفيَ وهو يساعدُ زوجتَهُ. فدهشَ الجميعُ، وابتسموا، وترحموا عليهِ…

(ت)

سامي (بدهشة): بهذه السُّهولةِ حلَّ المشكلةَ؟

الجدّ: بهذا الهدوءِ، وبهذه الحكمةِ.

الجدّة (تتنهد): لولا الحكماءُ لسادَ الجنونُ العالَمَ.


[1] – هذه الحكاية مستوحاة من حكاية شعبية روتها روز غريب.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات