حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ25 | الأَكولُ لا يعرفُ عدوَّهُ

09:31 صباحًا الأحد 16 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي   (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي: هل الحكمةُ يا جدي ويا جدتي أن ينقذَ الحكيمُ الآخرينَ أو ينقذَ نفسَهُ فقط، أم هناكَ أمورٌ أُخرى؟

الجدّة (بسرعة): الأفضلُ من الإنقاذِ- يا سمسومةَ قلبي- أن لا يعرِّضَ الحكيمُ نفسَهُ أصلًا للخطرِ.

الجدّ: إلا في الحالاتِ التي يجدُ نفسَهُ وسطَ الخطرِ من دونِ أن يكونَ لهُ يدٌ في هذا.

سامي (بدهشة): لم أفهم!

الجدّ:  كاندلاعِ الحروبِ.

الجدّة: أو احتراقِ مكانٍ ما.

الجدّ: أو غرقِ سفينةٍ يسافرُ بها الإنسانُ.

الجدّة: أو حادثِ سيارةٍ.

الجدّ: ولكنْ، طبعًا، باستطاعةِ الحكيمِ أن يحميَ نفسَهُ من التَّعرضِ للأذى في حالاتٍ أخرى.

الجدّة: كأنْ لا يرافقَ الغرباءَ الذينَ لا يعرفُهم إلى أي مكانٍ.

الجدّ: وألا يتناولَ طعامًا من غريبٍ أو شرابًا، فقدْ يكونُ مؤذيًا.

سامي: تنبيهاتٌ يرددُها معلِّمُونا في المدرسةِ.

الجدّ: وهلْ نبَّهَكُمُ المعلمونَ من خطرِ التّعاملِ مع العدوِّ؟ 

سامي (يسأل): لأنَّ العدوَّ يكونُ معهُ سلاحٌ قويٌّ؟

الجدّة: بل قد لا يحملُ العدوُّ سلاحًا، ومعَ ذلكَ يكونُ خطِرًا أكثرَ من أيِّ حاملِ سلاحٍ. 

سامي: لم أفهمْ!

الجدّ: عندي  حكايةٌ!

سامي (بفرح): حكايةٌ يا تيتا مُهيبة!

الجدّة: حكايةٌ يا سامي!

(ب)

الجدّ: أدلى الهرُّ العجوزُ[1] بتصريحٍ للصَّحيفةِ الصَّادرةِ في الغابةِ، أعلنَ فيه:

“أنا الهرُّ العجوزُ الأسودُ، ذو العينينِ الواسعتينِ اللّتينِ تعشقانِ رؤيةَ الجمالِ في الغابةِ وخارجَ الغابةِ، وذو الأذُنينِ المرهفتينِ اللَّتينِ تصغيانِ إلى أنغامِ طيورِ الغابةِ المقيمةِ فيها والمارَّةِ منها إلى غاباتٍ أُخرى،  أعلنُ توبةً نَصوحًا عن مطاردةِ كلِّ أنواعِ العصافيرِ، وأعلنُ عزمي على الامتناعِ عن أكلِ لحمِها والاكتفاءِ بسماعِ أغانيها”.

الجدّة (ساخرة): يا سلام! عينانِ واسعتانِ تعشقانِ رؤيةَ الجمالِ!

سامي (ضاحكًا): وأذنانِ مرهفتانِ تصغيانِ إلى أنغامِ  طيورِ الغابةِ المقيمةِ فيها والمارَّةِ منها إلى غاباتٍ أُخرى!

الجدّة (ضاحكة): هرٌّ عجوزٌ مثاليٌّ.

سامي: هرٌّ عجوزٌ تائبٌ.

الجدّ (يكمل): تائبٌ، نعم يا سامي! وتأكيدًا على توبتِهِ، دعا العصافيرَ إلى وليمةٍ سيُقيمها في بيتِه احتفالًا.

سامي(ضاحكًا): احتفالًا بالتّوبةِ!

الجدّ (ضاحكًا): بالتَّوبةِ النَّصوحِ يا حفيدي!

الجدّة (بقلق): واللهِ يا سمسومتي أنا أشكُّ.

الجدّ (للجدة): أوَ تعتقدينَ- يا مُهيبة خانمْ- أنَّ العصافيرَ لم يساوِرْها الشَّكُ الذي ساورَكِ؟

سامي (مستفهمًا عن العبارة): ساوَرَها الشَّكُّ؟

الجدّة: ساورَها الشَّكُّ، أي: شكَّتْ؛ يعني: كما شككْتُ أنا.

سامي (متفهمًا): آه! فهمتُ! 

الجدّ:  لذا سارعَتْ إلى عقدِ اجتماعٍ لمناقشةِ تصريحاتِ الهرِّ.

سامي (يقاطعه): سارعَتْ إلى عقدِ اجتماعٍ لتحليلِ تصريحاتِ الهرِّ، كما حلّلْنا حكايةَ السّلحفاةِ والأرنبِ واستنتجْنا أمورًا مهمةً.

الجدّة (بإعجابٍ بحفيدِها): أحسنتَ يا آخذَ مورثاتِ ذكاءِ جدتِكَ!

الجدّ: وكان أولُ المتكلمينَ عصفورٌ أَكولٌ.

سامي (مندهشًا): أَكولٌ؟

الجدّة: نعم! يقالُ: رجلٌ أُكَلَةٌ وأَكولُ وأَكيلٌ، أي: كثيرُ الأكلِ، لا يشبعُ، ورجلٌ شاربٌ وشَروبٌ وشَرَّابٌ وشِرِّيبٌ؛ أي: كثيرُ الشُّرْبِ.

سامي: وعصفورٌ أُكَلَةٌ وأَكولُ وأَكيلٌ؟ وشاربٌ وشَروبٌ وشَرَّابٌ وشِرِّيبٌ؟

الجدّ: نعم!

الجدّة: أعتقدُ أنَّ للأكولِ والأُكَلَةِ والأَكِيلِ وجهةُ نظرٍ مختلفةٌ عن الآخرينَ؛ لذا أرادَ أنْ يقولَ رأَيَهُ قبلَ الجميعِ.

الجدّ: صحيحٌ! فقد صاحَ قائلًا: “أنا جائعٌ، ولا يوجدُ قوةٌ تستطيعُ منعي من الذَّهابِ إلى وليمةِ الهرِّ”.

سامي: ورفَضَ الجميعُ وجهةَ نظرِهِ طبعًا.

الجدّة: وتَعالَتْ صيحاتُ العصافيرِ مُستنكِرةً، مُحذِّرةً طبعًا.

الجدّ: ونصحَتْه كلُّها قائلةً: “كلامُ القطِّ خادعٌ، ويجبُ ألا نصدِّقَه، فالعدوُّ سيظل عدوًّا ولن يصيرَ صديقًا”.

سامي: آه! بدأتُ أفهمُ. أكملْ يا جدي.

الجدّة (بانفعالٍ): “العدوُّ سيظل عدوًّا ولن يصيرَ صديقًا”! أكملْ!

الجدّ: لكنَّ “الأَكولَ الأُكَلَةَ الأَكِيلَ” سخرَ من نصائحِ رِفاقِه العصافيرِ، وأصرَّ على الذَّهابِ إلى وليمةِ الهرِّ مصمِّمًا على أن يأكلَ في ليلةٍ ما اعتادَ أن يأكلَه في شهرٍ.

سامي (برعب): لا!

الجدّة (بخوف): وذهبَ؟

 الجدّ: ذهبَ، واستقبلَه الهرُّ مرحِّبًا وقدَّم له سيجارةً، فرفضَها العصفورُ، لماذا؟  لأنَّ تدخينَ السَّجائرِ ضارٌّ.  

سامي (يضحك): نعم! ضارٌّ!

الجدّة: أما الذَّهابُ إلى بيتِ العدوِّ فليسَ ضارًّا!

الجدّ: وراحَ الهرُّ يحادثُ العصفورَ بودٍّ وإِلفةٍ، حتى تأكدَ أنه هو الوحيد الَّذي لبَّى دعوتَه، فانقضَّ عليه، وأمسكَ به، فبكى العصفورُ ندَمًا لأنهُ لم يعملْ بنصيحةِ رفاقِهِ، وقال للهرِّ- في محاولةٍ أخيرةٍ للهربِ- مُهدِّدًا: “سأشكوكَ إلى الشُّرطةِ”.

سامي: وخافَ الهرُّ من الشّرطةِ؟

الجدّة: لم يخفْ طبعًا!

الجدّ:لم يهتمَّ بتهديدِ العصفورِ، بل هجمَ عليه، وأكلَه دفعةً واحدةً.

(ت)

سامي (يتنهد): يعني يا جدو عزيز…. حتى لو أدلى عدوُّكَ بتصريحٍ للصَّحيفةِ،  وحتى لو أعلنَ فيه توبتَه عن ماضيهِ، عليكَ ألا تثقَ به. أليسَ كذلكَ؟

الجدّة: كذلكَ يا روحَ جدتِكَ. [تخاطبُ زوجَها]: يذكرني بذكائي عندما كنتُ في عمرِهِ.

الجدّ (كاتمًا ضحكة): سبحانَ الله! مورِّثاتٌ!


[1] – هذه القصة مأخوذة من زكريا تامر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات