حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ| الحكايةُ26 | الشَّهْدُ والدُّبُّ

03:11 صباحًا الإثنين 17 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي   (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي (يطرق الباب): تيتا مُهيبة، جدو عزيز، تيتا، جدّو، تيتا، جدو!

الجدّة: ادخلْ يا سامي، فقد تركتُ مفتاحَ البيتِ في القُفلِ من الخارجِ!

الجدّ: افتحِ البابَ وادخلْ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ.

سامي: مرحبا!

الجدّة: مرحبا يا حبيبي.

الجدّ: ماذا تحملُ في يدِكَ؟

سامي: احزرا!

الجدّة: آه! دعْني أُخمِّنْ.

سامي: خمِّني!

الجدّة: مُربى المشمشِ؟

الجدّ: مُربى التّينِ بالجوزِ أو… بدونِ جوزٍ؟

سامي: لا! بل…

الجدّ والجدّة (يهتفان): عسلٌ!

سامي: صديقُ والدي أحضرَ له من خليةِ نحلِهِ عسلًا أصليًّا.

الجدّة: إذا كانَ من خليةِ نحلِهِ، فهو عسلٌ أصليٌّ.

الجدّ: مِن خليةِ نحلِ مَنْ؟  

سامي: عمو سليم.

الجدّ: إذا كانَ من عندِ سليمٍ، فهو عسلٌ ثقةٌ.

الجدّة: أرجو ألا تكونَ ثقتُكَ بخليةِ نحلِ سليمٍ كثقةِ العصفورِ الأكولِ بالهرِّ العجوزِ…

سامي (يضحك): لا أعتقدُ يا تيتا مُهيبة؛ فجدو عزيز ووالدي كلاهُما يثقانِ به.

الجدّ (ضاحكًا): يعني أنَّ عليهِ إجماعًا.

الجدّة: تحتاجُ وابنَكَ أبا سامي- يا عزيز أفندي- رأيًا ثالثًا مهمًّا، وهو رأيي كي يكونَ الإجماعُ مُعترَفًا بهِ.

سامي: ورأيي…

الجدّة (تتذكر شيئًا مهمًّا): اسمعا!

الجدّ: ماذا هناك؟

الجدّة: تذكرْتُ حكايةً…

سامي: عن العسلِ؟

الجدّة: عن العسلِ والثِّقةِ معًا…

سامي (بإعجاب): يا لَكِ مِن جدَّةٍ!

الجدّ (بعد تفكيرٍ): أتعرف يا سامي؟ جدتُكَ جدةً أفضلُ منها زوجةً.

الجدّة (تحرد): ماذا؟ ماذا تقصدُ؟

سامي (يضحك): أعتقدُ أن جدي يحسدُني لأنكِ جدتي…

الجدّ: بل أغبطُكَ؟

سامي: تغبطُني؟ ماذا تعني كلمةُ أغبطُكَ؟

الجدّة: أغبطُكَ، أي: أتمنى لو كانَ عندي مثلَ ما عندكَ من غيرِ أن أتمنى عنكَ زوالَ النِّعمةِ… [يخاطب زوجته الحردانة]: والنّعمةُ التي هي أنتِ يا مهيبة خانم.

الجدّة (تبقى على حردِها): لا تحاولْ ترقيعَ جملَتِكَ.

الجدّ (يتابعُ محادثًا سامي): أما لو كنتُ أحسدُكَ، فكنتُ سأتمنى لو كانَ عندي مثلَ ما عندكَ مع تمنّي زوالِ النِّعمةِ…

سامي: التي هي جدتي!

الجدّ (محاولا الترقيع): الحمدُ للهِ على نعمةِ وجودِ جدتِكَ التي مَنَّ بها اللهُ علينا أنا وأنتَ…

سامي: وماذا عن حكايةِ العسلِ والثّقةِ؟

الجدّة: هي حكايةُ الدّبِّ والشَّهْدِ.

سامي: ما الشَّهْدُ؟

الجدّ: الشَّهْدُ هو العسلُ الموجودُ في شمعِهِ.

سامي: أحبُّهُ.

الجدّة: والدّبُّ أيضًا يحبُهُ.

الجدّ: أخبرينا حكايتَكِ!

(ب)

الجدّة: تقول الحكايةُ: فِي الرَّبِيعِ الْمَاضِي، وَقَعَ اخْتيارُ حَيواناتِ الْبَرِّيَّةِ على الدُّبِّ لِيَتولَّى رِعايَةَ النَّحْلِ وحِراسَةَ خَلاياهُ، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَمَّا اشْتهرَ به مِن حبِّ الشَّهْدِ، وأَقْراصِ الشَّهْدِ.

سامي (معترضًا): لا!

الجدّ (معترضًا): لا!

الجدّة (بأسف): بلى!

سامي: من اقترحَ هذا الاقتراحَ السّيئَ؟

الجدّة: الحيواناتُ.

الجدّ (بقهر): الحيواناتُ! ومَنْ يَنْتَظِرُ من الحيواناتِ أَن تَعْقِلَ إلى حَدِّ اجْتِناب مثلِ هذا الخطإِ الفادحِ؟

الجدّة: ولكنْ يا جدو عزيز، يجبُ ألا يغيبَ عن بالِكَ أَنَّ مهمَّةَ حِراسَةِ خلايا النَّحْلِ لا تطيبُ لِأيٍّ كانَ.

الجدّ: ولكنَّها طابتْ للدّبِّ، الذي- بكلِّ تأكيد- قَبِلَ حَمْلَ أعْباءِ منصِبِه بِكُلِّ امْتِثالٍ.

سامي: بل بكلِّ سعادةٍ.

الجدّ (متوقعًا): ولكنْ طبعًا لم يفصحْ عن سعادتِهِ.

الجدّة (تكمل): وبعدَ قليلٍ، ضجَّتِ الغابةُ بخبرِ نقلِ الدُّبِّ أقراصَ الشَّهدِ إلى وِجارِهِ في سفحِ الجبلِ. ولم تنفعْ أسبابُهُ- حينَ اقتيدَ إلى المحكمةِ- في أنَّه قرأَ في الكتبِ أنَّ خلايا النّحلِ يجبُ أن تكونَ بعيدةً عن البيوتِ  والأطفالِ والأنوارِ في اللَّيلِ، وبعيدةً عن حظائرِ الأبقارِ والأغنامِ والدَّواجنِ، لأن الرَّوائحَ الكريهةَ تؤذيها، وبعيدةً عن عرائشِ العنبِ والكرومِ حتى لا تهاجمَها الدّبابيرُ- عدوّةُ النّحلِ الأولى- بل قريبةً من حوضِ مياهٍ صغيرٍ تطفو على سطحِه عيدانٌ صغيرةٌ يقفُ عليها النّحلُ لامتصاصِ الماءِ من دونِ أن يغرقَ، مثلَ حوضِ المياهِ الموجودِ قربَ وِجارِهِ؛ أي: بيتِهِ.

الجدّ: لم ينفعْ كلُّ هذا في إقناعِ المحكمةِ؟

الجدّة (بأسف): لا! إذ حَكمَ القاضِي بِعَزْلِ الدُّبِّ، وأوجبَ عليهِ ملازمةَ  وِجارِهِ وحيدًا طُولَ فَصْلِ الشِّتَاءِ، بِلا أَنِيسٍ أَوْ جَليسٍ، وأهمَلَ الحُكْمُ أَمْرَ الشَّهْدِ المَسلوبِ، فضحكَ الدُّبُّ في سرِّهِ وهو يتخيلُ نفسَهُ وحيدًا مع أقراصِ الشَّهدِ اللَّذيذةِ.

الجدّ (رافضًا): أنا أرفضُ هذا الحكمَ!

سامي (رافضًا): وأنا أرفضُ. افعلي شيئًا يا جدتي، فالحكايةُ حكايتُكِ.

(ت)

الجدّة: وكما رفضْتما الظُّلمَ، اتجَهَتِ الحيواناتُ إلى بيتِ القاضي وتظاهرَتْ غاضبةً هاتفةً: “الشّعب يريد إعادةَ الشَّهْدِ، الشَّعبُ يريدُ إعادةَ الشَّهْدِ”! وطلبَ خطباؤُها منه إعادةَ خلايا الشّهدِ من وِجارِ الدُّبِّ إلى الغابةِ، على أن يتناوبَ سكانُ الغابةِ على حمايتِها، وإلا طالبَتِ الأسدَ- ملكَ الغابةِ- بعزلِ القاضي، فخافَ القاضي، ورضخَ لمطالبِ الحيواناتِ.

الجدّ: يحيا العدلُ!

سامي: يحيا العدلُ!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات