حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ27 | قانونٌ يحمي الذِّئابَ

10:37 صباحًا الثلاثاء 18 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي   (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي: جدو عزيز، لو لم تخرجْ حيواناتُ الغابةِمهدِّدَةً القاضيَ، هلْ….

الجدّ (أجاب قبلَ إنهاء السؤال): نعم! كانَ الدُّبُّ سيقضي أجملَ شتاءٍ في حياتِهِ.

سامي (بفرح): شكرًا يا تيتا مهيبة، لأنكِ حققتِ العدالةَ.

الجدّة (بفخر): ألم تقلْ إنَّ الحكايةَ حكايتي؟

سامي: بلى!

الجدّة: وقد ارتأيتُ أنْ تتحققَ العدالةُ.

الجدّ: اسمعا! كأني تذكرتُ حكايةً.

الجدّة (بحنق): عن دبٍّ وشهدٍ؟

الجدّ (متحديًا): بل ليسَ فيها دبٌّ ولا شهدٌ.

الجدّة (متحدية): ولا قاضٍ؟

الجدّ (معترضًا): القاضي موجودٌ في كل الحكاياتِ…

الجدّة: والعدالةُ؟

سامي: العدالةُ مطلوبةٌ حتى لو كانَتْ بالتَّوسلِ إلى راوي الحكايةِ أن يوجِدَها.

الجدّ: والدَّليلُ أن حكايتَكِ لم تكنْ نهايتُها- كما أتـوقعُ- عادلةً لو لم يتدخلْ حفيدي…

الجدّة: أعرفُ الكثيرَ من الحكاياتِ والقصصِ التي يتدخلُ فيها الجمهورُ، فيغيرُ الرَّاوي أو القاصُّ نهايتَها نزولًا عند رغبةِ جمهورِهِ.

سامي (بسعادة يخاطب جده): فكيفَ إذا كانَ جمهورُ تيتا مهيبة هو أنا؟

الجدّة (تدلله): يا سمسومةَ قلبي، أغيرُ نهاياتِ حكاياتِ العالمِ من أجلِكَ.

الجدّ: لا تنسي، إذن، أن جمهورَكِ هو جمهوري، وأنَّ هذا الجمهورَ يحبُّ النِّهاياتِ العادلةَ!

الجدّة (بتحد): لذا؟

الجدّ: ستكونُ النِّهايةُ- وأقولُ لكِ منذُ الآنَ- كي لا تعتقدي أنني حذَوْتُ حذوَكَ غِيرةً-  ستكونُ عادلةً.

الجدّة (تتنهد وتتوعد): أسمعْنا!

سامي: إنني وجدتي نُصغي!

(ب)

الجدّ: تقولُ حكايتي: منذ الأزَمِنةِ القديمةِ القديمةِ، والصِّراعُ قائمٌ لا ينتهي بين قبائلِ الغنَمِ وعشائرِ الذِّئابِ.

سامي (يحلل): طبعًا، فالذِّئابُ تحبُّ لحومَ الغَنَمِ؛ لذا تخافُ الغنَمُ الذّئابَ.

الجدّ: وطبعًا، المنتصِرُ هو الأقوى، إلا إذا تحققَ العدلُ، وإلى أن يتحققَ، نجدُ الضَّعيفَ يتحسرُ دائمًا، لأنه لم يُعطَ قوةَ القويِّ للدِّفاعِ عن نفسهِ.

الجدّة: رغمَ أنَّ الضَّعيفَ قد يكونُ أكثرَ فائدةً.

الجدّ: صحيحٌ جدًّا؛ فالغنَمُ وادعةٌ، نافعةٌ…

سامي (يحلل): بصوفِها ولبنِها ولحمِها.

الجدّة:  على عكسِ الذِّئابِ.

الجدّ: ومن هنا، ولما ضاقَتِ الغَنَمُ ذرْعًا بهذا الظُّلْمِ، التجَأَتْ إلى الزُّعماءِ والرُّؤَساءِ، تطلُبُ وضْعَ حَدٍّ لهذا الظّلم.

سامي: وهلِ اهتمَّ الزُّعماءُ والرُّؤساءُ؟

الجدّ: اهتموا، واجْتَمَعُوا، وطلبوا من رُؤَساءِ عشائرِ الذِّئابِ أن يحضروا مجلِسَهم.

سامي (معترضًا): لماذا؟

الجدّة (معترضة وغاضبة): سؤالُ حفيدي وجيهٌ: لماذا؟

الجدّ (محللًا): لأنَّ رؤساءَ قبائلِ الغنمِ كانوا موجودينَ في الاجتماعِ أيضًا؟

سامي (معترضًا): ولكنَّ رؤساءَ قبائلِ الغنمِ يا جدي طيبونَ.

الجدّة (مؤكدةً على جوابِ حفيدها): زاهدونَ.

سامي: طبعًا زاهدونَ، فبمَ يطمعونَ؟ بأكلِ لحومِ الذّئابِ؟

الجدّ: في اجتماعاتٍ كهذهِ، يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ، يرى بعضُ المجتمعينَ في بعضِ رؤساءِ الذِّئابِ أيضًا طيبةً وزهدًا في لحومِ الغنَمِ، إلا عندَ الجوعِ الشَّديدِ.  

سامي (مستنكرًا): ماذا؟ إلا عندَ الجوعِ الشّديدِ؟

الجدّة (باستسلام): ما يقولُهُ جدُّكَ هو الواقعُ المؤسفُ.

الجدّ:  وهذا الواقعُ الذي  وصفَتْهُ جدتكَ بالمؤسِفِ هو الذي أخذَ القضيةَ إلى المحكمةِ.

الجدّة (تتنحنح): وصدرَ قانونٌ عادلٌ؟ 

الجدّ: صدرَ قانونٌ لا أعرفُ إنْ كانَ عادلًا.

(ت)

الجدّة: ماذا يقولُ القانونُ؟

الجدّ:  يقول حرفيًّا: 

“إذا اجترأَ أحدُ الذِّئابِ على مُضايقةِ قطيعٍ مُسالمٍ من الغنَمِ، وتمادى فهاجمَ شاةً قَصْدَ افتراسَها، فلَها كلُّ الحقِّ- اعتمادًا على هذا القانونِ- أن تمسِكَ الذّئبَ المُعتديَ وتجرَّهُ من رقبتِهِ إلى المحكمةِ لينالَ جزاءَهُ”.

سامي (غاضبًا): وكيفَ للشّاةِ أن تجرَّ ذئبًا إلى المحكمةِ؟

الجدّة (غاضبةً): نعم! كيفَ للشّاةِ أن تجرَّ ذئبًا إلى المحكمةِ؟

سامي (غاضبًا): سيأكلُها يا جدي قبلَ أن تصلَ إلى المحكمةِ.

الجدّة: سيأكلُها بمجردِ أن تقتربَ منه لتمسِكَ رقبَتَه.

سامي: لتمسِكَ رقبَتَه؟ هيَ لن تجرؤَ أن تقتربَ منه لتمسكَ ذيلَهُ.

الجدّ: لذا، اتجهتِ الغنَمُ إلى بيتِ القاضي.

الجدّة (تجد تشابهًا معى حكايتِها السابقةِ): طبعًا إلى بيتِ القاضي، وطبعًا 

طلبَ خطباؤُها منه…

 الجدّ (متجاهلًا تعليقَها): طلبوا: أولًا: وضْعَ الذّئابِ في أرضٍ بعيدةٍ عن أرضِ الغَنَمِ، منفصلة عنها.

سامي: جيدٌ.

الجدّة: وثانيًا؟

الجدّ: ثانيًا، طلبوا مراقبةَ أرضِهمْ ليلَ نهار بآلاتِ تصويرٍ متطورةٍ.

سامي: آه يا جدي… حكايتُكَ فيها تكنولوجيا.

الجدّة (معترضةً على آلات التَّصوير): أنا أرى- وأعوذُ باللهِ من كلمةِ أنا- أنَّ مراقبةَ أفرادِ المجموعةِ أنفسَهُم أفضلُ من المراقبةِ التّكنولوجيةِ.

الجدّ: لذا، طلبوا- إلى جانبِ آلاتِ التّصويرِ- وضعَ حراسةٍ مشددةٍ على أرضِ الغنمِ تضمنُ سلامتَهم من أيِّ هجومٍ، وإلا…

سامي (برجاء): افعلْ شيئًا يا جدي، فالحكايةُ حكايتُكَ.

الجدّة (مهددةً): وحكايتُكَ ليسَتْ حكايتي.

الجدّ (يتوقفُ قليلًا عند تهديدها): نعم! طبعًا!

سامي (يستعيرُ نهايةَ حكاية جدته السابقةِ): وإلا طالبَتِ الغنمُ الأسدَ- ملكَ الغابةِ- بعزلِ القاضي.

الجدّة (تتنحنح): يعني؟

الجدّ (لزوجتِه): كنتُ أريدُ إنهاءَ حكايتي كما أنهيتِ حكايتَكِ، ولكنني ترددْتُ خوفًا من أن تقولي…

سامي: تيتا مُهيبة تقبلُ أن تستعيرَ نهايةَ حكايتِها ما دامتِ النِّهايةُ في مصلحةِ المظلومِ.

الجدّة (بفخر وتدعمُ رأي حفيدها بقوة): طبعًا أقبلُ!

الجدّ: توكلا على الله إذنْ.

سامي: يحيا العدلُ!

الجدّة: يحيا العدلُ!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات