من المعروف إن مهرجان الحمامات في تونس هو مهرجان نوعي ينتقي بعناية ما يقدمه لجمهوره في موعده السنوي خلال فصل الصيف من كل عام .. لكن أهم ما يميزه هو نوعية جمهوره ذو الذوق الرفيع الباحث عن الفن الراقي ..

و في سابع عروض مهرجان الحمامات كان لجمهور المهرجان موعد مع فرقة ” مسار إجباري ” المصرية و هي فرقة موسيقية لاقت جماهيرية واسعة و صعودا ملحوظا خلال العقد الأخير و هي معنية من خلال ما تقدمه من موسيقى و أغاني بالواقع المصري المعيش على كافة الصعد إذ تتناول هذا الواقع من خلال بحثها الموسيقي و تقديم المحتوى الخاص بها عبر المزج بين الموسيقى الشرقية و القوالب الموسيقية الغربية ( البلوز ، و الجاز ، و الروك ، و حتى الكانتري ) إلخ ، كما تعيد تناول التراث الموسيقي و الغنائي المصري من خلال التوزيع الموسيقى و إستخدام الألآت الغربية مع المحافظة على الجوهر الشرقي ..
و يعد المحتوى الذي تقدمه مجموعة مسار إجباري هو إستئناف لإجتهادات و جهود موسيقين كبار مثل “صادق قليني” و “يحيى خليل” ، و فرق مثل “الچيتس” و “المصريين” و “4M” على سبيل المثال لا الحصر ..

• كان حضور مجموعة “مسار إجباري” المكونة من خمسة أفراد حميما ودودا لكن البطل الحقيقي لسابع ليالي المهرجان كان جمهور المهرجان النوعي الرائع و الذي كان أروع ما فيه حيوية و رقي شباب دون العشرين أشعلوا مسرح الهواء الطلق بمدينة الحمامات و طغت أصواتهم على صوت البحر القريب و هم يطالبون الفرقة بأداء أحد أروع أدوار فنان الشعب الخالد “سيد درويش” دور “أنا هويت” .. ليفرض السؤال نفسه على كافة الأجيال الأكبر “ألم يظلموا هذا الجيل الذي كثيرا ما إتهم بالتفاهة و السطحية؟!” فيما أثبتت الأيام أنهم حين يوضعون على محك حقيقي و يمنحون فرصة التعبير عن أنفسهم يحسنون الإختيار ليتضح ذوقهم الراقي الرفيع و تفاعلهم المنقطع النظير مع كل ما هو متميز و أصيل ..
  
• و واصل الشباب مفاجأة الجميع عندما تفاعلوا مع مجموعة مسار إجباري و هم يؤدون معها كلمات الشاعر الراحل الفذ “صلاح چاهين” و الحان الشيخ “سيد مكاوي” في رائعتهم الخالدة أوبريت “الليلة الكبيرة” الذي قدموه للمرة الأولى منذ أكثر من ستين عاما ..
  أشعل هؤلاء الشباب مسرح الحمامات بتفاعلهم المذهل مع مجموعة مسار إجباري التي إتضح أنهم مطلعون على كل إنتاجها و يحفظونه عن ظهر قلب ، و كانت سعادة مجموعة “مسار إجباري” واضحة بهذا الإكتشاف البديع خاصة و أنهم كانوا يحلمون بالتواصل مع هذا الجمهور منذ عشر سنوات ..
  في تلك الليلة السعيدة من سابع ليالي مهرجان الحمامات ظهر الجمهور التونسي الحقيقي المتميز الذي شاهدنا أجياله السابقة مع “أم كلثوم” ، و “عبد الحليم” ، و “فيروز” ، و “جوجوش” ، و “وردة” ، و “نجاة الصغيرة” ، و “وديع الصافي” ، و “صباح فخري” .. فكان هؤلاء الشباب خير خلف لخير سلف .. ، في هذه الليلة الساحرة طردت العملة الجيدة العملة الرديئة و عاد جمهور تونس الحقيقي الراقي الذواق ليكذب كل مزاعم تبدل الذوق العام إلى الأسوء و شاهدنا “شباب زي الورد” كما يقال في مصر .. شباب واعد يبشر بمستقبل أفضل و أجمل ..
• و في المؤتمر الصحفي لمجموعة “مسار إجباري” عقب الحفل .. أعلنت المجموعة أنها بصدد تعاون فني مع فنانة تونسية لم يعلنوا عن إسمها ، و أنهم سيواصلون طريقهم في التناول الموسيقي للواقع المعيش في مصر خاصة في جانبيه الإجتماعي و النفسي التي تهم المجتمع خاصة في قطاع الشباب ، كما سيستمرون في إستئناف التراث و التفاعل معه طبقا لمتغيرات و متطلبات العصر مع المحافظة على جوهره و أصالته ..
  و كما أثبت جيل تونس الصاعد من الشباب أصالة الجمهور التونسي و إستمرارية ذوقه الرفيع الراقي .. ، أثبت مجموعة “مسار إجباري” إستمرارية تدفق و حيوية و فاعلية قوة مصر الناعمة التي شكلت و تشكل الجسر الأقوى و الأروع و الأكثر ديمومة مع الأشقاء في تونس الخضراء الملهمة

Tweet