كان عرض إفتتاح مهرجان دڨة الدولي متكاملا مع المكان و تاريخه و كأن الأثنين معا يقولان هنا تونس حيث يكمل كل منا الأخر..
بالجبة التونسية التقليدية التي إرتداها الفنان التونسي الكبير “زياد غرسة” و كذلك فعلت فرقته مع تأثير المكان إحتوتنا عراقة تونس التاريخية و كأننا جميعا كنا مهيئين لذلك ، و بمهارة غير مستغربة من نجل فنان تونس الكبير الراحل “الطاهر غرسة” قدم “زياد” في الجزء الأول فاصلا محترما من “المألوف” التونسي الذي يعكس الرافد الأندلسي الهام في الحضارة التونسية لتشعر أن “تستور” الأندلسية الجارة القريبة “لتبرسق و دڨة” قد تماهت معهما و إندمجت بسلاسة و رفق لتتغلغل في نسيج تاريخ المنطقة بحقبه المختلفة لتخرج لنا تونس العريقة الثرية بروافدها ..
كانت محطة “المألوف” شجية شديدة التميز فقد ورث “زياد غرسة” عن أبيه منذ نعومة أظافره معرفة واسعة بأسرار ” الطبوع – المقامات ” التونسية .. فضلا عن حفظه التام ” لسفينة – أو سفاين ” ” المألوف ” و هي نصوص ” المألوف ” المتوارثة منذ القدم بالإضافة لما إزداد إليها عبر العصور ..
بمهارة إنتقل ” زياد غرسة ” من فاصل ” المألوف ” إلى مختلف أنواع الغناء التونسي القحة ذات الطابع الكلاسيكي المحكم وسط تفاعل رائع من جمهور “مهرجان دڨة” المتميز جدا .. بحيث يمكن القول أن إفتتاح ” مهرجان دڨة الدولي ” كان الأفضل و الأكثر توفيقا إلى جانب ” مهرجان الموسيقى السمفونية بالجم ” مقارنة ببقية المهرجانات ..
في ثاني عروض “مهرجان دڨة الدولي” توقع البعض أن لا يكون الإقبال كبيرا نظرا لتزامن الحفل مع حفلات هامة ضمن برمجة المهرجانات الأخرى القريبة جغرافيا .. ، فضلا عن بعد المسافة النسبي “لمهرجان دڨة الدولي” عن العاصمة تونس ، لكن المفاجأة كانت في الحضور الكبير لثاني حفلات المهرجان الأمر الذي الهب حماس نجمة الحفل “فايا يونان” و الفرقة التونسية المصاحبة بقيادة المايسترو “محمد الأسود”.. فقدموا عرضا متنوعا ضم الحان و أغان من مختلف المذاهب و المشارب الفنية لحنا و إيقاعا ضم الوانا من مصر ، و العراق ، و الخليج ، و سورية ، و أحتلت فيه تونس نصيب الأسد سواء بأغان خاصة بنجمة الحفل أو أغنيات معادة لأخرين ..
و كان تفاعل الجمهور مدهشا و بديعا إذ تبين أنه يحفظ كافة الأعمال بما في ذلك الحديثة جدا لحنا و كلمات ليشارك “فايا يونان” الأداء بمنتهى الحميمية حتى أنها عبرت بتأثر شديد عن فرحتها الغامرة متفاعلة مع الجمهور باللهجة التونسية ..
وبالفعل لعب الجمهور دورا أساسيا في نجاح الحفل الثاني تفاعلا و أداء
يمكن القول أن معظم المهرجانات الهامة قد قطعت ما يقرب من منتصف الطريق بالنسبة لعدد العروض المشاركة فيها .. ، لذا لابد من التنويه بجودة التنظيم و الإنضباط في مهرجان الموسيقى السيمفونية بالجم ، و مهرجان الحمامات الدولي ، و مهرجان دڨة الدولي .. وذلك حسب الترتيب الزمني لبدء هذه المهرجانات ..
و يلاحظ أيضا أن الهيئة المديرة لمهرجان دڨة الدولي قدمت برمجة مميزة لدورة هذا العام 2023 و ربما قد تحقق ذلك بعد أن حقق المهرجان إستقرارا و نشاطا ملحوظا بعد عدة دورات من إختيارها للسيد / مختار بلعاتق مديرا للمهرجان مما أتاح له تطوير التنظيم و إحكامه ..
و يبقى التنويه بأن البطل الحقيقي لمهرجان دڨة هو الجمهور الرائع في التفاعل و التنظيم و التصرف بتحضر بالغ حتى عند الدخول و الخروج .. ، فضلا عن حفاوة المنظمين و أهالي “دڨة” و “تبرسڨ” بضيوف المهرجان ، .. الأمر الذي يدعو لمراجعة علاقة المركز بالأطراف في كافة البلدان النامية و السعي نحو تحقيق قدر أكبر من عدالة توزيع المنتج الثقافي لتلك الأطراف المتعطشة للتفاعل مع الإبداع .. ، و يكفي أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر سعي صبي صغير من منطقة “تبرسڨ” يوميا سيرا على قدميه لعدة كيلومترات لمتابعة عروض المهرجان مما يعكس محبته للفنون و تعطشه لها .. و من يدري ربما رأينا هذا الصبي مبدعا كبيرا في المستقبل و هو ما يحدونا للسعي من أجل تفتح الزهور في أطراف كل بلداننا و ليس في المراكز فقط التي تحصل على نصيب الأسد ..
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.