تحية كاريوكا صاحبة الحذاء الشريف

12:21 مساءً الثلاثاء 8 أغسطس 2023
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
(الصور من الإنترنت)

قد يظن من يقرأ هذا العنوان الذي ذكرنا فيه حذاء السيدة العظيمة الخَيرة “تحية كاريوكا” أننا سنتحدث عن تلك الروايات أو حتى الحقائق التي وردت عبر حكايا البعض عن الملوك و الأمراء و الباشوات من محبي و معجبي الست “تحية كاريوكا” الذي احتسوا الشامبانيا أو حتى العرقسوس في حذاء “تحية كاريوكا” ..


فيما قد يتصور البعض أنه عنوان رمزي مخاتل يتوسل ادعاء فلسفة مزعومة .. بينما أن الأمر لا هذا و لا ذاك .. و لو كان الأمر بيدي لطالبت منذ زمن ورثة السيدة “تحية كاريوكا” بالتبرع “بأحذيتها التاريخية”* لمتحف خاص توضع فيه مع مقتنياتها .. فما هي حكاية “أحذية تحية كاريوكا التاريخية” ..

  • من يعرف السيدة المحترمة “تحية كاريوكا” يعلم تماما أنها سيدة وطنية من طراز نادر و رفيع .. فضلا عما تتمتع به من كرم حاتمي و إنسانية مفرطة و محبة عظيمة للعمل الخيري .. فكم ساعدت الحركة الوطنية و الزعماء الوطنيين في فترة الإستعمار ، و كم من تبرع أو مساعدات قدمتها للأعمال الخيرية .. ربما كان أخرها الطفلة اليتيمة “عطية الله” فيما أذكر و التي كانت تكفلها ثم كفلتها بعد وفاتها الفنانة “فيفي عبده” .. لكن هذا الأمر ليس موضوعنا في هذا المقال الذي يدور حول “الأحذية التاريخية” لتحية كاريوكا و وطنيتها الكبيرة ..
  • ما سيرويه لكم كاتب السطور لا يراعي الترتيب الزمني للوقائع أو بالأحرى لبعض الوقائع على سبيل المثال لا الحصر .. ، و التي كان أشهرها :
  • الواقعة الأولى :

حدثت عام 1956 في “مهرجان كان” و كان ضمن المشاركة المصرية فيلم “شباب إمرأة” بطولة “تحية كاريوكا” و “شكري سرحان” ، و للفت الأنظار و كدعاية لمصر و مشاركتها إرتدت “تحية كاريوكا” “الملاية اللف السوداء” المصرية الشهيرة .. و “الشبشب أبو وردة” الذي تشتهر به بنات البلد .. و قد نجحت حيلتها الذكية في لفت الأنظار بشدة لمصر و وفدها في المهرجان ..
و خلال فعاليات المهرجان أقامت مصر جناحا لها و وجهت الدعوات لكافة الوفود المشاركة ، و ضمن تلك الوفود بطبيعة الحال الوفد الأمريكي الذي كانت من ضمن المشاركين فيه النجمة الأمريكية “سوزان هيوارد” .. التي ما أن تلقت الدعوة الورقية للجناح المصري حتى مزقتها و داستها بقدميها و خطبت في الحضور متحدثة عن العرب الهمج الحيوانات الذي ينكرون حق اليهود في ( وطن ) لهم فما كان من صاحبة الشهامة و النخوة و الوطنية “الست تحية كاريوكا” إلا أن توجهت اليها على الفور و هوت على رأسها “بحذائها الشريف” الذي لابد و أنه دُنس حين لامس رأس “سوزان هيوارد” التي ولت هاربة أمام الهجوم المباغت لهذا الوحش المصري الكاسر الذي تجلت فيه روح الآلهة المصرية القديمة “سخمت”* آلهة الحرب و الدمار و الإنتقام لدى المصريين القدماء ..

  • الواقعة الثانية :

تلك الواقعة حدثت عام 1953 تقريبا في فندق سيميراميس القديم الذي يشرف على النهر الخالد .. آنذاك كانت سيدة الشاشة العربية “فاتن حمامة” ساهرة مع زوجها المخرج “عز الدين ذو الفقار” و مجموعة من أصدقائهم الفنانين في ” النايت كلوب ” فتقدم منها سائح أمريكي في حالة سكر شديد طالبا منها أن تشاركه الرقص فإعتذرت “فاتن حمامة” .. فعاد السائح الأمريكي يطلب أن تراقصه بإلحاح و هي ترفض فحاول جذبها لتراقصه بالقوة و هو يكيل لها و للنساء المصريات السباب .. فكان سلاح “تحية كاريوكا” الفتاك حاضرا ذلك “الحذاء الشريف” الذي أصاب الأمريكي الوقح في عينه و هو يصرخ مطالبا بالقاء القبض على “تحية كاريوكا” ليرفع عليها قضية يطالبها فيها بالتعويض ، و يروى أن إدارة الفندق قامت بتهريبها .. ليتضح فيما بعد أن ذلك السائح الأمريكي هو عضو بارز في الكونجرس ، و قد التقت به بعدها بسنوات الفنانة الكبيرة ” تحية كاريوكا ” في إحدى الحفلات التي أقامتها السفارة الأمريكية ..

  • مهما علا قدر الخصم و شأنه .. فكرامة مصر و شعبها أولا :

الواقعة الثالثة كانت مع من أطلق عليه ” الذئب الأغبر” الزعيم التركي “مصطفى كمال أتاتورك” .. حيث رفضت ” تحية كاريوكا ” الرقص أمامه و في بلاده رغم توسلات متعهد الحفلات التركي الذي نظم رحلتها الفنية لتركيا ، و كان السبب في رفضها هو ما ذكرته ” كاريوكا ” لمتعهد الحفلات إذ قالت له منذ عامين أو ثلاثة في إحتفال العيد الوطني لتركيا أخذ ” أتاتورك ” يصيح بصلف و تجبر على السفير المصري ” عبد الملك باشا حمزة ” مطالبا أياه بخلع الطربوش مثل بقية السفراء الذين تخلوا عن أغطية رؤوسهم .. ، و كان الطربوش آنذاك رمزا لإستقلال مصر .. ، و أصرت ” تحية كاريوكا ” على إحراج و أهانة من أعتبرت أنه أحرج سفير بلادها و أهانه .. ، فلم يكن من صاحبة المروؤة و النخوة و الشهامة إلا أن ردت على ” أتاتورك ” بالمثل و في بلاده ..

  • و مواقف ” تحية كاريوكا ” الشجاعة و الوطنية لا تعد و لا تحصى .. بدء من كفاح المستعمر بكل الطرق في العهد الملكي .. ، و تهريب السلاح للفدائين خلال كفاحهم ضد الإستعمار في قاعدته بمنطقة القناة ، مرورا بإخفاء الرئيس الأسبق ” محمد أنور السادات “من سلطات المستعمر الإنجليزي بعد إتهامه في قضية أغتيال ” أمين باشا عثمان ” ..
    و حتى بعد العهد الملكي و جلاء الإستعمار لم تتوقف ” تحية كاريوكا ” عن الإفصاح عن مواقفها الوطنية و إنحيازها الدائم إلى جانب الشعب و كلفها ذلك ما كلفها من سجن و إعتقال ، و كانت شجاعة كعادتها فوصفت ذات مرة بعد زوال الملكية و رحيل الإستعمار بقولها ” تخلصنا من فاروق .. فجاء فواريق ” في نقد لاذع لحكام العهد الجمهوري ..
    كما أشتهرت ” كاريوكا ” بأن لديها ميول يسارية و عانت ما عانت من أجل ذلك و واجهت السجن، و المصادرة ، و المنع .. ، لكنها لم تحد عن مواقفها التي لم تكن مؤدلجة في حقيقة الأمر بقدر ما كانت في إنحياز دائم للوطن و الشعب ..
    و كانت مواقفها من القضايا العربية و قضايا تحرر الشعوب على نفس منوال تعاطيها مع قضايا وطنها ..
  • و لم تكن مواقف العظيمة ” تحية كاريوكا ” الإنسانية أقل سخاء و كرما من مواقفها الوطنية ..
    و قد روى لنا حارس إحدى المسارح الشهيرة أنها كانت خلال فترة عرض مسرحياتها تمنحه يوميا ما يعادل الذي كان يمنحه له أكبر النجوم كل شهر .. ، حتى أنه أصبح ثريا من ذوي الأملاك في قريته ..
  • تحية ( ليه ) :

لماذا الآن ؟ .. كل ما سطرناه آنفا كتب مثله و أكثر في مناقب تلك السيدة العظيمة .. فلماذا نعيده اليوم ؟ ..

  • بداية ذكرنا ما ذكرنا لتذكير أصحاب الذاكرة القصيرة و تنشيط ذاكرتهم ..
  • الأمر الثاني :
  • أن منطقتنا شهدت في الأونة الأخيرة و خاصة في فترة ما أطلق عليه زورا ( الربيع العربي ) .. العديد من جنرالات التمويل الأمريكي و الغربي تحت لافتات مخاتلة تدعي الديموقراطية ، و الحرية ، و حقوق الإنسان ..
    لكنهم عمليا لم و لن يقدموا لأوطانهم سوى تمهيد الطريق للإستعمار الجديد بإسم شعارات تنتحل الوطنية ..
  • الأمر الثالث :
  • هو أننا نرى بين الفينة و الأخرى و في بقاع مختلفة من الوطن الكبير من يعير مصر و شعبها بالراقصات .. على الرغم من كون الرقص فن كلهم يتابعونه و يتعاطون معه و يحاولون تقليده .. ، مع أن الرقص مثل كافة فنون و مجالات الحياة في أربعة أركان الأرض .. و فيها الصالح و الطالح ..
    و ” تحية كاريوكا ” كانت من النماذج الصالحة المحترمة التي يفخر بها أي مكان على ظهر البسيطة ، و كانت نموذجا في الوطنية و النخوة و الأصالة و الكرم و الشهامة ، و مثلها كن كثيرات منهن على سبيل المثال لا الحصر الفنانة ” زينات علوي” ..
    و الست ” تحية كاريوكا ” أمتلكت سيرة طيبة محترمة ستطول أكثر بكثير من عمرها كما يقول المثل المصري ” السيرة أطول من العمر “..
    لذا ستطول تلك السير الطيبة لها و لغيرها .. لتكتشف أن لديهن من الشجاعة ، و الوطنية ، و الكرم ، و الشهامة ، و النخوة .. ما يستحق أن يخلد بما في ذلك ” حذاء كاريوكا الشريف ” الذي كان سلاحا ماضيا دافعت به جهدها و إستطاعتها عن الوطن ، ذلك ” الحذاء الشريف ” كان أشرف كثيرا ممن خاضوا في أعراضهن و عايروا مصر بهن .. ، و حقيقة الأمر أن هؤلاء ممن باعوا الأرض و العرض ثم تصوروا أنهم يمكنهم النيل من الشرفاء بالمزايدة عليهم .. شاهت الوجوه .

  • المقصود بالأحذية التاريخية أنها كانت سلاحا للتعبير عن مواقف وطنية لتحية كاريوكا
  • “سخمت” الهة الحرب عند قدماء المصريين ” اللبؤة ” أنثى الأسد تلك المقاتلة العنيدة الشرسة التي تذود عن حماها و لا تستسلم أبدا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات