الهلال في النيبال … أعلى من إيفرست

01:57 مساءً الثلاثاء 8 أغسطس 2023
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بلدٌ صغير، تمسك يده اليمنى بكفِّ الصين، ويضع يده اليسرى على كتفِ الهند، فيبدو بينهما ثمرة بندق في فكَّي كسَّارة عملاقة… به إيفرست؛ أطول قمم الدنيا يقصدها الرحالة والمغامرون، وفي ولد بوذا، الصبي الذي يؤلهه الملايين حول العالم. تمشي في شوارعه فكأنك في متحف مفتوح لمُدن سادت ثم بادت، وتمر بمعابده فكأنك في موقد لا تزال تتوهج شموعه، وتجلس إلى أهله فإذا بك في ريف عربي، ولكن الجمال بالعين لا يخفي كثيرا من آلام القلب، وبين الألم والأمل ولد النيبال وعاش النيباليون،

يندر أن أتجه إلى بلد لا أحمل تذكرة لمغادرته، لكن الرحلة إلى العاصمة النيبالية؛ كاتمندو، كانت إحدى تلك المرات النادرة. فقد سافرت من العاصمة الكورية الجنوبية سيول؛ بلد الصباح الهاديء، متجها إلى أرض الآلهة والأساطير؛ نيبال، لا أحمل سوى تذكرة تنتهي وجهتها هناك، وما بين العصرنة التي كان يغرق فيها مطار إنتشون الكوري، والحس الفطري الذي يستقبلك به مطار كاتمندو النيبالي، سيكتشف الرحالة أن المسألة ليست الساعات التي استغرقتها الطائرة، وإنما آلة الزمن التي عادت بك إلى قلب تاريخ عريق تحيا فيه الآلهة مع البشر، بل وتتجسد فيهم أحيانا، لم لا وأغلب أبناء نيبال يحملون أسماء مقدسة!

رغم تلك الفطرية البادية، سيفترض أهل البلاد معرفة زائريهم بالتكنولوجيا، فقد نصبوا آلاتٍ تعبيء فيها إلكترونيا بياناتك، وتصور فيها رقميا جواز سفرك، وتواجه عدسة الروبوت المميكن ليلتقط صورة وجهك، قبل أن تضغط على زرٍّ به ليطبع الجهاز السحري الأوراق التي ستقدمها إلى موظف يراجعها، وتدفع له الرسوم بالعملة الأجنبية فيعطيك إيصالا برسوم التأشيرة، وستأخذ ذلك كله إلى شباك الدخول، لتمر ببساطة، وهدوء، ودون تعقيد، منتصرا على الزحام والتوجس، وأنت لا تملك بيانات رحلة العودة ولا تعرف فندق الإقامة! لكن حكومة نيبال تعتمد عليك وعلى ملايين السياح القادمين إليها كل سنة، كي تعين اقتصادها، وترمم آثارها التي دمرها زلزال 2017، وتنفذ خططها طويلة الأمد في تطوير بنيتها التحتية.

150 بيشنو وبيشنو

كان بانتظاري بيشنو نيشتوري، وهو صحافي لامع، وصديق وزميل في جمعية الصحفيين الآسيويين.  شيوع الاسم؛ بيشنو، له سرٌّ، فتسمية طفل نيبالي بأحد الآلهة الهندوسية أمر شائع بسبب الطابع الديني لحياة اليومية، وبالتالي يطلق اسم الإله الهندوسي بيشنو أو فيشنو ، و150 من مفرداته التي يعرف بعضها أيضا بالحافظ ، على الصبية، وبيشنو  إله له أربعة أذرع تدل على قوته وسطوته.

طبقا لطقوس الترحيب كان بيشنو نيشتوري يحمل شالا حريريا بلون الشمس الذهبية، منقوشة عليه بحروف من دماء أبجدية نيبالية ورسوم ورموز، ليجعله وشاحا لي، أمام بوابة المطار، قبل أن تقلنا السيارة التي استأجرها  إلى الفندق الذي سأقطنه في قلب العاصمة.  

لوهلة، وقد غربت الشمس، أحسست أنني أدخل قلب مدينة هندية عتيقة، ربما إحساس التشابه بين الأبجديات، وربما الشعور بأن الملامح قُدَّتْ من شبه قارة في قلب آسيا، لكنني سأكتشف في الأيام التالية تلك الفوارق التي تجعلك تدرك أن النيباليين لهم وجوههم المميزة بملاحتها وملامحها العميقة، رجالا ونساء.

كهدية لزائر النيبال للمرة الأولى، كان بيشنو يدخر مفاجأة سارة، فقد حجز لي رحلة جوية في الصباح الباكر من اليوم التالي تطوف فيها الطائرة براكبيها فوق سلسلة جبال الهيمالايا، وتدور حول أشهرها؛ إيفرست. تحمل الطائرة شعارا لقدم عملاقة، تمثل قدم رجل الجليد (يتي) (Yeti ).

شهادة إيفرست فوق السحاب

حلقت بنا  يتي فوق كانشينكونجا (8586 مترا) وماكالو (8463 مترا)  وتشاملانج (07319 مترا) وآمادالبام (6812 مترا) ولوتسي (8516 مترا) وساجارماتا (إيفرست ) (8848 مترا) ونوبتسي (7855 مترا) وبوموري (7161 مترا) وجياتشونج كانج (7952 مترا) و تشو – أويو (8201 متر) وكاريولونج (6511 مترا) ونومبور (6957 مترا) وبيجفيراجو (6620 مترا) وتشوجيماجو (6297) وميلونجتسي (7181 مترا) وجاوري شانكار (7134 مترا ) وتشوبا – باماري (5970 مترا) وفوربي – جياتشو (6637 مترا) ودورجي – لاكبا (6966 مترا) وشيشا بانجما (جوسيان تان) (8013 مترا) جانيش هيمال ماناسلو آنبورينا دالجوري ( 8588 مترا) ولانجتانج ليرونج (7234 مترا). أتيحت لنا فرصة مشاهدة الطوبوغرافيا المشكلة للبلاد، بين وديان وصحراء وجبال وغابات، بيوت تتوزع ودروب تتفرع تبدو على أطرافها المباني الطينية والحجرية كحبات ثمار في طور النضج. 

أسطورة رجل الجليد  (يتي) يصدقها العامة في نيبال والهند وسيبيريا (روسيا) والتبت (الصين)، وقد صورته أفلام جديدة مؤكدة على حجمه العملاق، وهيئته التي تشبه القرد، رغم أن العلم يؤكد عدم وجود دليل على وجوده.

 في السماء، بدأ طاقم الضيافة يشرح ما نراه على يمين الطائرة الصغيرة ويسارها، واصطحبتنا مضيفة واحدا بعد الآخر لندخل مقصورة الطيارَين، أو بالأدق الطيار والطيارة، ففي السماء استوى المجتمع، بين من يقودها ومن على متنها من ركاب ومضيفين. بينما بدأت المضيفة الأخرى توزع المشروبات في كؤوس الكريستال، ليشرب الجميع نخب سيد الجبال؛ إيفرست. كنا نقترب من اختتام الرحلة حين بدأت مضيفتنا توزيع شهادات إنجاز رحلة فوق إيفرست، موقَّعة من الطيارين، ومختومة من شركة الطيران، وبدأ الجميع يحتفل كأنه نال شهادة جامعية.

لكن مع صديقي المغامر شاكرا كاركي، متسلق إيفرست وأحد عشاقه، كانت قصة أخرى، لا تقل إدهاشا عن تسلق الجبل، وهي قصة أعلى من إيفرست، حيث قرر هو ومجموعة من عشاق معلَمهم الخالد تنظيم حملة لتنظيف الجبل من نفايات المتسلقين الذين يتجاوزون الآلالف، ولا يصل منهم قمته سنويا سوى العشرات. وبفضل دعم من بنك محلي،  بدأت حملة تنقيب تحت الثلوج التي غطت حطام ونفايات السنوات، والتي بدأت ظاهرة الاحتباس الحراري تكشف عن مخلفاتها،وضم الفريق 31 شخصًا متطوعا لتنظيف هذه الفوضى في هذه المنطقة الخطيرة جدًا وعلى ارتفاع شاهق. وحكى لي بسعادة عن الفيلم التسجيلي الذي وثقوا به هذه الحملة الفريدة لمسح النفايات من وجه إيفرست. وهو الفيلم الذي أصبح خير دعوة لتشجيع الناس للحفاظ على البيئة نظيفة، خاصة لدى أطفال المدارس .

لكن قصة صديقي المغامر شاكرا كاركي الأخيرة كانت الأكثر دهشة، عندما عرفت أنه من آل الشيربا؛ الاسم الذي أصبح مرادفا  لتسلق الجبال منذ الرحلة الاستكشافية الأولى إلى جبل إيفرست عام 1921.

في مكتبه تناول شاكرا كاركي ألبوما، به قصاصات صحفية، منها لقاء مع أنج تشيرينج شيربا، الرئيس السابق لجمعية تسلق الجبال في نيبال:  “كانت رحلة إيفرست الأولى في عام 1921 تضم ما بين سبعة إلى ثمانية أشخاص من الشيربا، بما في ذلك جدي”.

بدأت الرحلة الاستكشافية الأولى إلى جبل إيفرست، بقيادة العقيد هوارد بوري، من دارجيلنج بالهند، حيث لم تكن نيبال مفتوحة على العالم في ذلك الوقت. قامت البعثة التي ضمت جورج مالوري، الذي توفي في الحملة الاستكشافية الثالثة عام 1924 أثناء نزوله من جبل إيفرست بتجنيد الشيربا النيباليين كحمالين.

فتحت نيبال أبوابها أمام الغرباء فقط في عام 1949، لذا لم يُسمح بحملة تسلق جبل إيفرست من نيبال حتى ذلك الحين. وهكذا، كان على جميع الرحلات الاستكشافية قبل الافتتاح أن تبدأ من التبت. ومع ذلك، فإن جميع الرحلات الاستكشافية التي تتم من التبت كان بها شيربا.

قبل أن يتمكن إريك شيبتون من الوصول إلى منطقة خومبو، حيث تقع أعلى قمة، في عام 1949، تم إجراء ست رحلات لتسلق جبل إيفرست – في أعوام 1921، و1922، و1924، و1933، و1935، و1936 – وكلها من التبت. كل هذه البعثات استأجرت شيربا، معظمهم حمالين. وكان الدالاي لاما من التبت قد فرض حظرا على جبل إيفرست لمدة تسع سنوات ابتداء من عام 1924 بعد زيادة الوفيات في الجبل.

بدأت رحلات إيفرست من الجانب النيبالي رسميًا في عام 1951، بعد عامين من الافتتاح. أصبح فريق البعثة بقيادة اللورد هانت في عام 1953 تاريخًا في نهاية المطاف عندما قام اثنان من أعضائه – تينزنج نورجاي شيربا من نيبال والسير إدموند هيلاري من نيوزيلندا – بوضع أول قدم بشرية على قمة القمة التي يبلغ ارتفاعها 8848 مترًا لأول مرة. .

منذ ذلك الحين تم إجراء ما يقرب من 6000 صعود ناجح، حيث حقق الشيربا أكبر عدد من عمليات التسلق. كما سجلوا عدة أرقام قياسية في تسلق الجبال. من بين إجمالي 3700 شخص تسلقوا جبل إيفرست، سجل آبا شيربا رقمًا قياسيًا في 21 صعودًا، وفوربا تاشي شيربا 19 صعودًا، وأنجريتا شيربا الملقب بنمر الثلج تسلقته 10 مرات.

كان الراحل سوندار شيربا أول شخص يتسلقه للمرة الخامسة بينما كان ناوانج جامبو شيربا أول رجل يتسلقه مرتين. نجح كل من ابن وحفيد تينزينج في الوصول إلى أعلى قمة، ليصبحا أول عائلة لديها ثلاثة أجيال تنجح في الصعود إلى جبل إيفرست، بفضل  وصول ابنه جاملينج تينزينج العام 1996 وحفيده تاشي وانجتشوك تينزينج العام 1997.

سجلت مينغ كيبا شريبا، التي تسلقت القمة عام 2003 وعمرها 15 عامًا وتسعة أشهر، الرقم القياسي لأصغر متسلقة. وبالمثل، كان تيمبا تشيري شيربا، الذي تسلقها عام 2001 وكان عمره 16 عامًا، أصغر رجل يقف على سطح العالم. كانت باسانغ لامو أول امرأة نيبالية تصل إلى القمة. لقد تسلقته في عام 1993 لكنها ماتت أثناء نزولها.

وفقًا لأنج تشيرينج شيربا، من بين إجمالي 3700 شخص تسلقوا القمة، هناك حوالي 1900 شخص من الشيربا. وكان ثمانية منهم من النساء الشيربا.

قال صديقي المغامر شاكرا كاركي  إنه قبل وصولي وخلال هذا العام واصل سكان منطقة الهيمالايا المرتفعة مغامراتهم التقليدية على جبل إيفرست. ومن بين 205 مواطنًا نيباليًا من إجمالي 350 مشاركًا ، كان هناك 190 شخصًا من الشيربا.

وأصبحت نيما تشيمجي شيربا من كاتماندو ثاني أصغر فتاة تتسلق القمة هذا العام. وبالمثل، وصل 13 من شيربا من نفس القرية إلى قمة أعلى جبل في يوم واحد. وبالمثل، تسلقها كامي شيربا ثلاث مرات خلال ثمانية أيام هذا العام. ومع ذلك، قال أنجكاجي إن سجلات كامي قد تكون غير صالحة لأنه ربما لم يقم بجميع الصعودات الثلاثة من معسكر القاعدة. وقال: “يمكن للمرء أن يسجل مثل هذه الأرقام القياسية بسهولة إذا بدأ التسلق فقط من المعسكر الرابع الذي يقع على بعد 150 مترًا فقط من القمة”.

يعيش الشيربا في جبال الهيمالايا المرتفعة في نيبال من الشرق إلى الغرب. إنهم يتبعون البوذية التبتية ويتخذون الجبال إلهة أنثى. يحتفل هؤلاء الأشخاص المخلصون والشجعان الذين يعيشون في الجبال العالية بالعديد من المهرجانات ويحبون الإنفاق بإسراف. ولهذا السبب لا يزال العديد من الشيربا فقراء. يذكر أنج تشيرينج في ذلك اللقاء الذي ترجمه لي شاكرا كاركي  : “إنهم لا يترددون في إنفاق الأموال على المشروبات وحفلات المرح”. كانت تعدد الأزواج ممارسة شائعة في مجتمعات شيربا حتى عقود قليلة مضت، ولكن مع تزايد أعداد المتعلمين، لم تعد موجودة.

حتى عقود قليلة مضت، كان معظم أفراد شعب الشيربا يعملون حمالين لمتسلقي الجبال. لكن على مر السنين، أصبحوا متسلقين محترفين وأصحاب مشاريع سياحية، وذلك بفضل ازدهار تسلق الجبال الذي جلب الثروة لهؤلاء الفقراء في جبال الهيمالايا. اليوم يعيش عدد كبير من الشيربا في كاتماندو ويقومون بإدارة الرحلات والإرشاد السياحي.

يقدر آنج تشيرينج إجمالي عدد سكان الشيربا بنحو 380 ألف نسمة، ويعيش ثلثهم الآن في الهند والولايات المتحدة الأمريكية. ووفقا له، يعيش الآن حوالي 50 ألف شخص من الشيربا في الولايات المتحدة. وقال: “يبلغ عدد سكان الشيربا في نيويورك وحدها حوالي 16 ألف نسمة”.

وظهر  هلال رمضان في النيبال

في اليوم التالي كان لقائي مع بيشنو جديد، هو بيشنو جوتام، الصحافي في جريدة (رايزنج نيبال)، بعد أن قادنا سائقه حتى ميدان قريب من مبنى الجريدة حيث توقفنا ليريني الطريق سيرا على الأقدام وكأننا نسير في جاليري مفتوح. تحولت فيه مبان أثرية كثيرة إلى مطاعم ومتاجر، فضلا عن أنها مأهولة بسكان جدد ربما استأجروها، ليعيدوا استخدامها.

بعد صدورها بالنيبالية في العام 1901 أطلقت جريدة بيشنو جوتام  نسختها الانجليزية الشقيقة The Rising Nepal في سنة 1965 . الطريف أن المسؤول عن الملاحق أخبرني أن الجريدة النيبالية العتيقة تصدر ملحقها الأهم يوم الجمعة حيث تسجل أكثر مبيعاتها أيضا!

في مكتب الجريدة، أدهشني، وكنا سنستطلع هلال رمضان بعد أيام، أن أجد صورة لاستقبال الشهر الكريم بمصر على الصفحة الأخيرة بإحدى الصحف الصادرة بالإنجليزية.، حيث نشرت صورة بائع برتقال على عربة كارو وسط سوق متخم ببضاعته ومكسراته وفوانيسه، تحت عنوان التاجر الرحالة، أو المسافر، والطريف أن الكلمة تنطق مسافر أيضا بالنيبالية وتعني الرحالة وهي إحدى كلمات كثيرة نقلتها عن العربية مثلما نقلت عن الهندية والأردية.

هليوكوبتر تلقي الورد

اتفقت مع بيشنو جوتام على زيارة المواقع التاريخية، واخترت أن أذكر هنا بين رحلة معبد باشوباتيناث في كاتماندو حيث حكى لي دليلي عن الذين يفدون في الاحتفال السنوي للورد شيفا؛ سيد آلهة الهندوس الثلاثة الرئيسية؛ براهما ، فيشنو وماهيشوار، فهو مانح الطاقة، وراعي اليوجا وحارس الزمن، ومحب الفن والرقص، وإله التدمير أيضا. 

يقع المعبد على ضفة نهر باجماتي ،وكان مركزًا للمودة لجميع الهندوس منذ القدم، يفد إليه ليلة الاحتفال أكثر من 900 ألف مريد قدموا من الهند ومناطق نيبالية ليقفوا حوالي ثماني ساعات في طوابير مموجة، قبل الدخول للمعبد الرئيسي. لكن أكثر  المشاهد إثارة يمكن التقاطها لنحو أربعة آلاف ناسك عار يدخن ويطلق عليهم سادوس Sadhus  باللغة النيبالية المحلية ، تلمح أجانب وقد بسطوا سجاداتهم، ورفعوا أياديهم تبتلا، سيصوم الجميع إلى أن يقدم تلك المراسم فيحق له تناول الطعام.  سترى قراء للنصوص الدينية يتمتمون بصوت عال وهم يضعون قبعات إلى جوارهم بانتظار الصدقات. أكثر من يمنح الصدقات القادمون من ماليزيا، خلال منتصف النهار ، حلقت مروحية تابعة للجيش النيبالي فوق السماء وألقت الزهور على المعبد وهتفت الحشود، التي تحتفل برؤية المعبد ولو لمرة واحدة في حياتهم. بعضهم جاء من الصين عبر طريق دولي شيدته الصين على نفقتها خدمة للقادمين من أقلياتها لزيارة وطن بوذا.

ألف وجه لنساء النيبال

ليس غريبا أن تجدها بائعة في المتجر، وراقصة في المطعم، وساقية في المقهى، لكن المرأة هنا سائقة، ومدرسة وصحافية، وشرطية مرور، وطبيبة، وطيارة في الأعالي، لن تخطيء العين نساء النبال في ألف وجه ووجه، لكن الأمر المحزن أنهن أيضا ضحايا، وعلى رأس القائمة.

فالاتجار بالنساء والفتيات وتزويد أسواق الجنس في الهند وبلدان أخرى بهن ظل يمثل إحدى مشكلات النيبال الاجتماعية الكبرى ، خاصة بعد استحداث وجهات أخرى عن طريق جذبهن للعمل في آسيا وإفريقيا. في هذا الصدد، كان أهم لقاءات رحلتي مع السيدة أونورداها كويرالا، Anuradha Koirala مؤسسة ورئيسة منظمة مايتي نيبال؛ وهي منظمة أُنشئت لإنقاذ وإعادة تأهيل النساء والفتيات المتَّجر بهن ، واللائي تقدر عددهن بحوالي 300 ألف.

بفضل جهدها وتفانيها، اختيرت السيدة التي بلغت عامها السبعين (من مواليد 14 أبريل 1949) كأول حاكم للمقاطعة رقم 3 من قبل حكومة نيبال. في مكتبها، أشارت أونوردها إلى خريطة المقاطعات، وكيف توزعت عليها مراكز مؤسستها، التي تستعيد النساء من النقاط الحدودية قبل تهريبهن،. حيث تدير Maiti Nepal مكاتب إنقاذ تابعة لها في 11 نقطة دخول مختلفة من الحدود النيبالية-الهندية.

بعد لقاء مع الناشطة الاجتماعية التي فازت بجائزة الضمير الشجاع (ماساتشوستس ، 2006)، وجائزة بطل سي إن إن CNN Hero of the Year  عام 2010، فضلا عن فوزها بجائزة مانهي الكورية المرموقة لخدمة المجتمع. اصطحبتنا أونورداها لجولة في مؤسستها حيث التف حولها الأطفال المولودون  لضحايا الاتجار، وهم يحظون برعاية وتدريس، ينادونها بالجدة. (مايتي نيبال تعني “منزل الأم” في النيبالية). هنا ملاذ للنساء اللائي تم إنقاذهن حيث يمكنهن البقاء في المنازل التي تديرها مايتي نيبال حتى يتمكن من العودة إلى منازلهن، أو إذا لم يقبلن الآباء والمجتمع فيمكنهن البقاء حتى يتمكن من العيش بمفردهن. خلال عقد ساعدت (مايتي نيبال ) في إنقاذ وإعادة تأهيل أكثر من 12000 امرأة وفتاة. كما جمعت شمل النساء اللائي تم إنقاذهن مع أسرهن، والمشاركة بدوريات على الحدود الهندية النيبالية مع الشرطة وسلطات إنفاذ القانون الأخرى.    

في أمسية الوداع، وبعد شراء تذكرة العودة، كانت دعوة بيشنو نيشتوري إلى صحبة في أجواء موسيقية، تناولنا فيها العشاء، الذي امتزجت بها الأطباق النباتية مع أطباق الدجاج المطمور في النار، والمطبوخ مع الصلصة الحارة، مع رقصات شعبية وغناء، وظهرت المرأة النيبالية مجددا، لكنها في هذا المساء كانت تغني ومعها زميلها يرتدي زي الطاووس. نودع الأصدقاء، ونعدهم بزيارة أخرى، لنستكمل الاستماع إل باقي أغنيات نيبال.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات