من قلب السجن انطلقت نسمات الحرية … افتتاح مهرجان الكراكة

08:19 صباحًا الإثنين 28 أغسطس 2023
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أشهر نسمات تونس نسمتان .. نسمة حلق الوادي حيث البحر و الميناء و غزلان تونس البيضاء التي غنى لها فريد الأطرش ، و النسمة الكافية حيث الكاف العالية و جبالها الشاهقة ..
لكننا سنبرد القلوب هذه المرة بنسمة حلق الوادي البحرية القادمة من أفق البحر و الحرية .. حلق الوادي التي حولت سجن الكراكة العثماني البغيض و ثكنته إلى فضاء للجمال و الإبداع تسبح فيه نسمات الحرية ..
لم تذهب روح الثائر التونسي ” علي بن غذاهم ” الذي قضى نحبه جلدا في سجن الكراكة جزاء مطالبته بالحرية هدرا .. عندما ثأر له أحفاده من سجن الطغيان و حولوه إلى فضاء مسرحي يقام فيه مهرجان سنوي يحتفي بالحق و الخير و الجمال و تسري بين أرجائه نسمات الحرية ..

  • التخميرة المباركة :

“التخميرة” في اللهجة التونسية هي إصطلاح صوفي يعني درجة من درجات “الوجد” و هي “السكر” ، و هي لا تعني السكر الذي ينتج عن معاقرة الخمر .. ، أنما هو سكر المحبة و العشق الإلهي .. و الذي عبر عنه “الباز الأشهب في عالم الروح .. الحسين بن منصور الحلاج” في قصيده عندما أنشأ يقول ” فسكر الوجد في معناه صحو … و صحو الوجد سكر في الوصال ” .. إنه السُكر بخمر المحبة و العشق الخالص في مقام الفناء عندما يفني العاشق في المعشوق حتى لا يجد لنفسه أثر فيغيب عن الوعي و عن العالم و عن ذاته فلا يبقى منه شيئ ..


هذا ما يعنيه المصطلح في أعلى درجاته بطبيعة الحال ، أما “التخميرة” طبقا للمصطلح التونسي فهي درجة أولية مما ذكرنا يغيب فيها العاشق عنه وعيه و يخرج عن طوره مؤقتا فيقوم الشيخ و رعاة الحضرة الصوفية بكبح جماح “تخميرته” قبل تطورها .. ، و هي حالة معتادة في الإحتفالات الصوفية الشعبية تصاحبها مظاهر تحولت إلى مظاهر فرجوية فلكورية بمرور الزمن و بكثرة التدخل الفني الذي ربما يفقدها في بعض الحالات الكثير من جلالها و قداستها..

  • و بالعرض الفرجوي ” التخميرة ” قررت إدارة “مهرجان الكراكة .. البحر الأبيض المتوسط بحلق الوادي” إفتتاح مهرجانها السنوي الذي حول السجن و الثكنة العثمانية إلى فضاء تسبح فيه نسمات الحرية المتوسطية ..
  • عرض الإفتتاح “التخميرة” هو عرض فرجوي يرتكز أساسا على التراث الصوفي الطرقي المغاربي الخاص بتونس مع لمسات فنية من فنون فرجوية أخرى عرفتها تونس دون المساس قدر الأمكان بالمحتوى الركيزة ، و من سمات هذا العرض أيضا أنه عرف أكثر من رؤية متجددة حيث شاهده جمهور إفتتاح “مهرجان الكراكة” في هذه النسخة برؤية مخرجه الحالي “مراد باشا” الذي يطور العرض نسخة بعد الأخرى مع الحفاظ على جوهر الرؤية المسرحية الأولى لمخرجه الأول الذي وافته المنية المرحوم “مجدي عبرود” ، و من سمات العرض أيضا مشاركة أكثر من ستين عنصرا من ( منشدين ، و راقصين ، و عازفين ، و أداء حركي ) مما يمنح العرض ديناميكية مميزة و ثراء سينوغرافي يتبدل و يتجدد بتغيير مكان العرض ، و قد نجح مخرج عرض الإفتتاح في كسب تفاعل مميز من الجمهور منح الحفل بعدا كرنفاليا إمتد لكامل المحيط الذي شهد الإفتتاح ..
  • و يمتد المهرجان لخمسة عشر يوما ستشهد خمسة عشر عرضا مميزا ضمنها عروض مسرحية متنوعة بما في ذلك عرضا للأطفال ” تيمو ” ، و تتصدرها عدة عروض كوميدية في مقدمتها مسرحية BIG BOSSA للكوميديانة الكبيرة ” وجيهة جندوبي ” ..
    و من أهم سمات ” مهرجان الكراكة البحر الأبيض المتوسط بحلق الوادي ” أنه مهرجان تونسي بالكامل و رغم محدودية إمكاناته المادية إلا إنه نجح في توفير خمسة عشر عرضا لجمهوره على مدي أيامه الخمسة عشر بسعر زهيد في متناول المواطنين من سكان مدينة حلق الوادي و رواد المنطقة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات