شوكولا و”بون جوس” (قصة بقلم: د. إيمان بقاعي)

صرخَ موقوف شابٌّ غاضبًا:

– أريدُ أن أعرفَ “ابنَ الحرام” الذي تقصَّدَ سرقةَ ألواح الشوكولا التي جلبتها لي أمي في آخر “مواجهة”، وشربَ بسفالةٍ  موصوفةٍ كلَّ عصير الـ”بون جوس”.

ونظر الأربعون موقوفًا إلى بعضهم مستنكرين اتّهامَه، وكادَ أكثر من واحدٍ يلقّنه درسًا لن ينساه، لو لم يسبقهم موقوفٌ شابٌّ عصبيّ المزاج إلى شدِّ قبةِ سترتِهِ القطنيةِ القذرة، قائلًا:

– اتّهامُكَ باطلٌ يا روح الماما التي يبدو أنها لا تعرفُ أن صغيرها “النونو” كبُرَ وصار محترفَ…

وسكتَ لحظةً، ثم قال زافرًا:

– “خليني ساكتْ أحسن”!

ولما لم يردَّ المتَّهِمُ، تراجعَ العصبيُّ عن مشروع ضربِهِ، وجلسَ على فراشِه المقابل، وقال:

-ولنفترضْ أن اأتّهامَك كانَ صحيحًا، “يا خيي”، فمالُ الخسيس- أيها الحرامي القاتل- “يروح دْعيسْ”!

وكادَت قلوب الرجالِ تقفُ هلعًا ارتقابًا لتطور الأحداثِ، وإنْ أخفى معظمُهُم ابتساماتِهِ شماتةً بهذا الرَّجلِ الذي ادَّعى أن تهمةَ القتل للسّرقةِ التي وُجّهت إليه “باطلةٌ”، وأن التّحقيقَ لم يفضِ إلى إدانتِهِ، ولن.

وانسحبَ صاحبُ الشوكولا المسروقة بدورِهِ إلى فراشِهِ، وراحَ يتنفسُ بعمقٍ محاولًا كبتَ غضبه قبل أن يفضح الرجلُ تفاصيلَ تهمته التي يبدو أنه مصرٌّ على جعلها نارَ سهراتِ الشتاء الطويلة بدل لعب الورقِ من خلال ابتلاع طعامِهِ وعصيره، وصولًا إلى هدفِهِ المنشود.

ولم يخطرْ بباله أن الموقوفَ الخمسيني الذي أُوقِفَ في الأمن العامّ لفراره من الجيش قبل عشر سنواتٍ، بينما كان يعدُّ أوراق سفرِهِ في رحلة استجمامٍ إلى أوروبا، قد استعاضَ عن منع أخيه من المأكولات الحلوة التي كان يحضرها له كل مواجهةٍ تكفيرًا عن اقتراحِهِ عليه أن يسافرَ خارج لبنان ما كادَ يقتله بسبب ارتفاع السكري المفاجئ،  قد استعاضَ عن حرمانِهِ بسرقةِ شوكولا “الخسيس” وعصيرِهِ، ومسحَ بكمِّه آثار الشوكولا التي لمحَها صاحبُها قبل محو آثارِها، فشكرَ اللهَ أن الخمسينيّ هو الفاعل، لا ابنَ قريتِهِ الذي قامَ لضربِهِ مهددًا بفضْحِهِ.

ولم يعرفِ الجميعُ سرَّ ابتسامتِهِ، كما لم يعرفوا سرَّ دعوته المفاجئة للجميع:

– تلعبوا ورق شباب؟

14\11\2023