حسين شفيق المصري وسرُّ المُشَعلقات

12:57 مساءً الثلاثاء 26 مارس 2024
مدونات

مدونات

مساهمات وكتابات المدونين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print


بقلم دكتور محمد يحيى فرج (كاتب و أكاديمي مصري)

من الشعراء من أوتي إلى جانب الأدب و البلاغة،  خفة الدم و الظرافة منقطعة النظير.  فلا يكاد العابس مقطب الجبين يستمع منه إلى بعض الابيات الا و تتهلل اساريره و تجد الابتسامة الواسعة طريقها إلى فمه. و من هؤلاء الشعراء الظرفاء الاستاذ حسين شفيق المصري الذي ملأ النصف الأول من القرن العشرين بفيض من الفكاهة و الأدب الساخر الساحر.

ولد حسين شفيق عام 1882 بالقاهرة لأب تركي و ام يونانية و أتاحت له موهبته الأدبية و اطلاعه العمل في الصحافة فعمل محررا بكثير من الجرائد و المجلات بذلك الوقت و عمل كرئيس تحرير لمجلة الفكاهة لأعوام طويلة. تميز حسين شفيق في مختلف فنون الأدب و برع في كتابة الشعر و المقال و المسرحية. و لكن حس حسين شفيق الفكاهي و نزعته الساخرة قد غلبت عليه و قادته الى التفنن في الشعر الفكاهي و الكتابات الساخرة حتى لقبه البعض بأبونواس الجديد و بفارس الشعر الحلمنتيشي. و بلغ التفنن و الابداع مداه مع حسين شفيق عندما راح يمزج الالفاظ الفصحى مع الالفاظ العامية و يضع القوالب الشعرية و الافكار الجديدة ليرسي اسس هذا اللون الفكاهي من الشعر المسمى بالشعر الحلمنتيشي، و التي صار معها هذا اللون الأدبي نوعا ادبيا مستقلا له لمعانه و رونقه و له اتباعه و محبوه الكثيرون بعد ذلك، و ليتبوأ حسين شفيق منزلة (أبو الشعر الحلمنتيشي) بلا جدال. وهو ما دفع الاستاذ محمود السعدني ليتعجب في كتابه الظرفاء من المفارقة التي جعلت اعظم من كتب بالعامية المصرية هما التركي حسين شفيق المصري و التونسي بيرم التونسي.

 و عندما رجع حسين شفيق إلى المعلقات لينظر فى هذه القصائد الخالدة التي تحدت الزمن، وليتأمل في مشهد الفارس الذي امتطى جواده و امتشق سيفه و عاد بعد غزواته ليقف امام خيمة حبيبته و يعلو صوته بأبيات الغزل و الفخر و الشجاعة، ما كان من فارس الشعر الحلمنتيشي إلى أن يحول هذه المشاهد بخفة دمه و عينه الفكاهية إلى المشعلقات  بكل ما فيها من كوميديا و فكاهة تنتزع الضحك انتزاعا.

فهذه قصيدة امرئ القيس يعارضها حسين شفيق بقصيدة من مشعلقاته كالآتي:

أدكتور مهلاً بعض هـــــذا التــــدلل    وإن كنت قد أزمعت قتلي فاقــــتل

أغرك مني أن جيبي فـــــــــــــارغ     وأنك مهما تقفل الباب أدخـــــــــــل

لقد كنت ذا عز وكنت منعــــــــــمًا    ومن يتقامر مرة يتبهـــــــــــــــــدل

يعالجه فقر يدق دمــــــــــــــــــــاغه    كجلمود صخر حطه السيل من عل

و أنكب حسين شفيق على القصائد المشهورة الأخرى يعارضها بعد أن يفعل حسه الفكاهي بها الأفاعيل، لينتج مجموعة من القصائد الكوميدية الفكاهية المليئة بالمفارقات المضحكة التي تعالت لأجلها الضحكات عالياً. و أستمر الاستاذ حسين شفيق في الكتابة و الابداع حتى رحل عن عالمنا في عام 1948 بعد أن ملأ دنيانا بفنون الأدب و الفكاهة، ليظل اسمه مقترنا بريادة الكتابة الفكاهية و الساخرة و لتظل كتاباته شاهدة على الابداع و مذكرة لنا بهذا الأديب الكبير الذي شكلت كتاباته رافدا من روافد نهر الحياة الأدبية و الفكرية المعاصرة.

بقلم دكتور/ محمد يحيى فرج (كاتب و أكاديمي مصري)

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات