دعوة لحضور أفراح أنجال (أبو الأشبال)

07:56 صباحًا الثلاثاء 15 يناير 2013
سماح أبو بكر عزت

سماح أبو بكر عزت

كاتبة بجريدة الوطن المصرية ومجلة العربى الصغير الكويتية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

عربة الخديوي اسماعيل في متحف الاسماعيلية

هل تاريخ مصر هو تاريخ معاركها فقط ؟  هل لابد من قراءة بصمات الزمن على ملامح الوطن من خلال الغبار الذى تنثره سنابك الخيول ، و نسمع دبيب خطواته من خلال أصوات الرصاص ؟ / ألا نستطيع قراءة التاريخ من خلال كلمات مثل شعبى ، او ضحكات نكتة ساخرة ، أو زغرودة حفل زفاف ؟! سنحاول قراءته اليوم من خلال إطلالة فرح ، ولكنه ليس فرحاً عادياً ، إنه زفاف ملكى أقامه الخديوى إسماعيل أبو الأشبال للأنجال …

زوجة الخديوي اسماعيل في الحرملك

 برغم أن تلك الأفراح أقيمت قبل ما يقرب من 140 عام ، فإن أصداء لياليها الباهرة مازالت تتردد فى ذاكرة المصريين نظرأً لما عاشته مصر خلال أيامها الأربعين من إحتفالات فخمة وإسراف أسطورى لم تر مثله فى العصر الحديث حتى أنها ذكرت الناس بليالى ألف ليلة وليلة وبإحتفالات زفاف قطر الندى .. فى حفل مهيب عقد الخديو اسماعيل قران أبنائه الثلاثة وإحدى بناته فى يوم واحد ، فقد تم زفاف ولى عهده محمد توفيق على الأميرة أمينة هانم إلهامى باشا ابن عباس الأول و التى عرفت فيما بعد بأم المحسنين.

فرع السلطان حسين كامل من شجرة الخديوى اسماعيل

وكان هناك أيضاً الأمير حسين الذى عرف فيما بعد بإسم السلطان حسين كامل و نصّبه الإنجليز سلطاناً على مصر عقد قرانه على الأميرة عين الحياة هانم بنت الأميرأحمد رفعت ابن إبراهيم باشا نجل محمد على الكبير ، والأمير حسن ثالث أنجاله على خديجة هانم بنت الأمير محمد على وحفيدة محمد على باشا ، كما زوج الخديوى ابنته الأميرة فاطمة الزهراء شقيقة الملك فؤاد الأول و التى مازال كل حجر من احجار مبانى الجامعة المصرية يحمل بصماتها ، فهى أول من تبرع للجامعة القديمة بالهبات لمشروع إنشاء الجامعة وتم عقد قرآنها على الأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا ابن محمد على ، فى 15 من يناير 1873م بدأت أفراح الأنجال و استمرت أربعين يوماً كاملاً بإعتبار عشرة ايام لكل فرح منها ، وقد أقيمت هذه الأفراح أمام القصر العالى الذى شيدته والدة الخديو والتى كانت عاشقة للموسيقى والطرب وتمتلك فرقة موسيقية من أربعين عازفة ، فى المكان الذى يشغله الآن حى جاردن سيتى حيث شيدت والدة الخديو سراياها ، أقيمت الأفراح وأضيئت الأنوار أربعين ليلة حتى أطلق على هذا المكان بعد ذلك اسم المنيرة ليصبح حياً شهيراً.

استعاد أحد فنادق القاهرة الذي كان قصرًا للخديوي إسماعيل الأجواء الملكية لذلك العصر فأقام حفلا على أنغام أوبرا عايدة. ثم أطل على ضيوف الحفل ممثلان لدوري الخديوى إسماعيل والإمبراطورة أوجينى فى الشرفة الرئيسية للقصر

كما أصدر الخديو اسماعيل أمراً بأن يطلق اسم ( أفراح الأنجال ) على أحد شوارعه إحتفالاً بهذه المناسبة كرمز لأعظم زفاف رصده المؤرخون أمثال إلياس الأيوبى وأمين باشا سامى فى كتابيهما ( مصر فى عهد الخديو اسماعيل) و ( تقويم النيل) و أحصوا كم إلإنفاق السخى على هذه الإحتفالات و الذى بلغ اكثر من عشرة ملايين جنيه ، وقد جعل الخديو من حفل زفاف ابنائه الأربعة مناسبة قومية فعطلت المدارس وعم الفرح مصر المحروسة ، كما شارك الآلآف من المصريين من كل الطبقات فى هذه الإحتفالات و سارع بعضهم بعقد قران أولاده فى هذه الأيام وكأنهم يسرقون لحظات ارستقراطية من زمانهم البخيل وزينت شوارع العاصمة بالثريات و نصبت السرادقات الفخمة لإستقبال المدعوين ، كما وزعت على الأهالى صحون نحاسية مملوءة بالأرز المطهى بخلاصة رؤوس الضأن و أطلق عليه (أرز إسماعيل ) فى الثامنة مساء بدأ حفل عقد القرآن بسماع آيات  الكتاب الكريم ، و من عقد القرآن الى رحلة الشوار الذى خرج من سراى القصر العالى يوم 15 يناير ليجتاز كل شوارع العاصمة بين صفين من الجند حتى وصل الى قصر العريس وسط تجمع الأهالى وهم يدعون للخديو بدوام السعادة وعز الأنجال ، و قد حرص الخديو على شراء الجهاز من المحلات المصرية و تحديداً من محل (مدكور) الذى كان يقع امام البوستة الخديوية ، بهجة الزفاف لا تكتمل إلا بالغناء والطرب ، ولذلك قام الخديو بدعوة مشاهير المغنين مثل عبده الحامولى و محمد عثمان للغناء فى السرادقات كذلك ألمظ والأسطى ساكنة ، ومن المصادفات السعيدة ان زواج ألمظ و عبده الحامولى تم خلال هذه الحفلات ، و تبارى الشعراء والكتاب فى تأليف الأدوار الغنائية تخليداً لأفراح الأنجال ، فألف رفاعة الطهطاوى رسالة ادبية اسماها ( الكواكب النيرة فى ليالى أفراح العزيز المقمرة ) وخلدت النوتة الموسيقية أفراح الأنجال فألف محمد ذاكر بك مارش أفراح الأنجال و مارش افرح القبة.

الخديوي توفيق يتوسط أسرته الصغيرة، ويظهر على يمينه الأميرة نعمت ثم قرينته الأميرة أمينة  إلهامي وجلس أمامهما الخديوي عباس حلمي، وعلى اليسار الأمير محمد علي ثم الأميرة خديجة

ذاكرة الإنسان يصيبها الوهن لكن ذاكرة التاريخ ضد النسيان ،مرت السنون و أطفئت أنوار السرايات ، وتو قفت زغاريد أهل المحروسة ولكن هناك فى حى المنيرة مازالت اللوحة الزرقاء التى تحمل اسم شارع أفراح الأنجال شاهداً على لحظات الفرح التى صارت نادرة فى هذا الزمان ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات