احتفال يليق بالدّيك الأحمر

01:29 مساءً الأربعاء 23 يناير 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 استقبلت القاهرة بحميمية المجموعة القصصية الجديدة للكاتب المصري أحمد الخميسي (رأس الديك الأحمر) بحفل توقيع لم شمل الأصدقاء مبدعين وقراء. ونشرت وكالة أنباء رويترز تقريرًا مطولا عن المجموعة التي أصدرها الخميسي هذا الأسبوع ووقعها في (الكتب خان للنشر والتوزيع) بالقاهرة.

 يسجل التقرير أن الخميسي يبدو كمن يمشي على حد سيف، فلا يستدرجه أبطال قصصه إلى براءة الرومانسية ولا تغيب عنهم خبرة الحياة فيتمكن المؤلف كصائغ ماهر من نسج عواطف إنسانية في لغة عذبة رغم واقعية الحدث.

 ففي قصة (ومض) يتعرض أستاذ الفيزياء بالجامعة لأزمة بعد فقد زوجته رحاب ويشعر بطيفها حوله يحيط به ويشغله عن أي شيء وأي أحد، ويتساءل: “لماذا لا يؤمن الإنسان كما آمنت رحاب بأن أرواح الغائبين تنصت إليه حين يخاطبها؟ وبأن المدى الذي تبلغه قدرة الروح على البقاء والتحول لانهائي؟ أتكون الومضة روحا… أهي رحاب تذكرني… تعلم أن صوتها سيصلني؟”

 ويتصاعد شعوره بالومض الذي يتجسد له طيفا بدون وجه فيتحادثان ويتناجيان حتى إن الزوج يقول له: “لا بد أن هناك وسيلة تجتاز بها الروح المسافات المجهولة إلى الروح” ولكن الطيف لم يحتمل ولم ينصت ثم ارتجف وتسرب من أمام عيني الزوج الذي ينهار عالمه.

 وحمل الغلاف الأخير كلمة للمترجم أبو بكر يوسف الذي وصف قصة (ومض) بأنها “قطعة من الألماس النادر كتبت بقوة وحرارة وصفاء تستدر الدموع والحنان… نسيج من نور لا يمكن لمسه باليد الخشنة بل يحتاج إلى قلب طهور مشع بالنور لكي يحتضنه ويدس وجهه فيه ويبكي” إذ لم يقف المؤلف خارج الحدث بل تورط فيه لدرجة تجعل القارئ صديقا للبطل المعذب بالفقد.

من أجواء الحفل

 والمجموعة تقع في 160 صفحة متوسطة القطع وتضم 16 قصة قصيرة، وتأتي بعد رصيد حافل للكاتب الذي ترجم مجموعات قصصية وكتبا نقدية من الأدب الروسي؛ له مؤلفات عن التجربة السوفيتية منها (موسكو تعرف الدموع) 1991 و(حرب الشيشان.. رحلة إلى الجبال) 1996 و(نساء الكرملين) 1999 وصدرت له أربع مجموعات قصصية، آخرها (كناري) الفائزة بجائزة ساويرس لأفضل مجموعة قصصية فرع كبار الأدباء عام 2011.

 وفي مقدمة عنوانها (الكاتب والكتابة) استعرض الكاتب إبراهيم حمزة رحلة الخميسي مع كتابة القصة القصيرة منذ نشر قصته الأولى (الشوق) عام 1965 وكيف قدمه محمود السعدني ويوسف إدريس ليقول في نهاية المقدمة “عادة يقوم النقد بإضاءة العمل الإبداعي إلا أن القارئ لأعمال أحمد الخميسي سيشعر أن النص يضيء النقد” مضيفا أن في هذه القصص ما يدعو لتأمل الحياة.

 وإذا كانت (ومض) التي تقع في أكثر من 20 صفحة هي أطول قصص المجموعة فإن (قائمة للنسيان) تلخص في ست صفحات تناقضات وشفافية الشعور الإنساني حيث يقرر شاب قطع علاقته بحبيبته إذا لم تتصل به لتصالحه قبل أن يصل إلى بيته. وحين يقترب من البيت يتلكأ لكي يمنحها فرصة وهي لا تتصل ثم يدخل البيت ويجد زميله الذي يسأله “ألم تتصل؟” فيرد عليه أنها لم تفعل وأنه قرر أن ينساها تماما.

 ويقترح الشاب أن يكتب قائمة بالمواقف والذكريات التي جمعتهما لكي يستبعدها من ذاكرته ويسجل بخفة ظل وهو يحكي لزميله كيف ذهبا للسينما ثم قبلها “مشهد فظيع لا ينسى. تسجيله ضروري لكي أنساه” ثم يكتب أنها أعطته فرشاة أسنان وأنه كان يشعر بها كلما نظف أسنانه “أتعرف ما الذي فاتني تسجيله؟ نظرة عينيها بالذات حين كانت تنظر إلي بحنان. سجلتها” إلا أن اتصالا مفاجئا منها ينسف قائمة النسيان ويجعل الشاب ينطلق إليها طاويا كل درجات السلم بقفزة واحدة.وبقدر ما تعيد القصص لقارئها إحساسه بإنسانية الإنسان فهي تعلي أيضًا قيمًا في مقدمتها الحرية.

يد تصوِّر ويدُ تحمل الكتاب

 وبعد أن تحول حفل توقيع كتاب الي احتفال بالكاتب احمد الخميسي الكاتب ومجموعته القصصية الجديدة” رأس الديك الاحمر” ـ كما يقول الأديب زين العابدين فؤاد، واصفا المشهد بالحضور الجميل والاحتفال بأنه شديد الحميمية واعتبار الكتب خان مكانا للصداقة والثقافة والدفء الانساني.

  • قصة (رأس الديك الأحمر)

 ضغطت القبضتان جناحيه بقوة إلي جنبيه ، فأحالته إلي كتلة مدمجة لا يتحرك منها شيء ماعدا الرأس بعرفه الأحمر ومنقاره يضرب يمينا ويسارا بجنون . اجتهد ليتملص من القبضتين مهتاجا بحب البقاء . حث جناحيه على الرفرفة دون جدوى. لحظة، هوت بعدها السكين على عنقه بضربة باترة فصلت رأسه عن بدنه . طار الرأس في الهواء مسافة ثم هوى على الأرض ، تقلب متدحرجا حتى سكنت حركته تحت حافة الثلاجة . راحت العينان الضيقتان اللامعتان تحيطان بالمشهد أمامها ، تتابعان خيط الدم على البلاط الأبيض ، تلاحقان تخبط البدن بين قدمين بشريتين راسختين .

دم لم ينزفه الجرح بعد يواصل مسيرته في الدماغ والبدن المفصولين . يحدق الرأس مذهولا في جثمانه وهو ينهض وحده ، متحاملا على مخالبه وساقيه وفخذيه. ينفش ريش صدره ويتقدم خطوة للأمام من دون رأسه. يتمايل. يضغط على مخالبه ليحفظ توازنه . يتجه إلي اليمين . يتوقف مكانه متجمدا . بركة دم صغيرة تتسع حول مخالبه، وبقايا العنق المقطوعة تتلفت بالغريزة بحثا عن طريق.
يرمق الرأس ساقيه ترتجفان. هما ساقاه، وهذا صدره الذي شق الهواء فوق سور البيت القديم ، والريش البني الأقرب للأحمر ريشه اختال به بعد معاركه مع الديوك الأخرى . يشتعل الرأس رغبة في الزحف إلي بدنه ، وحين تغدو الرغبة جارحة من اليأس يرتد إلي ذكرياته . فجر القرية التي كانت تفيق على صيحته ، هوائها . حوش البيت الذي كان يلتقط الحبوب من أرضه . الغيطان المفتوحة خلف السور. بئر المياه الذي كان يثب إلي حافته . الدجاجات اللاتي كن يحطن به في نصف قوس في مشيه وفي جثومه حين تعتم الدنيا . الزرع الذي يبس فجأة من حوله . البقرة التي ماتت . الكلاب التي ضمرت . اليد القوية التي اختطفته وزجت به في قفص وساقته إلي مكان بعيد . منقاره الذي قصوه بآلة حادة . فتات الطعام . العش الغريب . الحلم الذي راوده مئات المرات كل مساء أن يستعيد حريته لولا بدنه الذي كان يتردد ويطوي جناحيه على السلامة في الليل . الآن يتفجر الجثمان بالمهانة التي اختزنها طويلا ، مهتاجا ثائرا يفتش عن منفذ . يخطو بمفرده إلي الأمام . يرتطم كالأعمى بساق سلم خشبي . يكاد أن يقع . يشد عضلاته ليظل واقفا . يندفع غير آبه بشيء فيصطدم بماسورة حديدية تحت حوض الماء .
الرأس الملقى تحت حافة الثلاجة يرى المنفذ إلي النجاة . الباب . إذا عبر منه سيسترد حريته ووقفته بشموخ . الباب . الباب .
خيوط الدم الأخيرة توشك أن تنهي مسيرتها في الرأس ، فيشعر بعطش قاس ، بالضعف ، بدوار ، باختلاط الأفكار والذكريات والرغبات ، بحاجة ماسة إلي دفء بدنه وحرارته ، بومضات عقله تتباعد وتبهت لحظة بعد أخرى ، بالمسافة القصيرة من البلاط الأبيض تغيم بينه وبين بدنه .
فجأة ، انفلت البدن من بين القدمين البشريتين . رفرف لأعلى ، دار في الهواء دورة عجيبة . ضربت جناحاه بين السقف والأرض . اندفع إلي نافذة مفتوحة وانطلق منها إلي الخارج .
لقد وجد طريقا .
العينان شاخصتان إلي النافذة . لقد نجا ! نجا !
كيف لم تخطر النافذة على بالي ؟!
إنه أنا من دوني ! كيف حدث هذا ؟
يخبو لون العرف الناري على البلاط الأبيض ، ويحشد الرأس كل ما تبقى من ومض يتسمع جناحيه في الهواء البعيد . 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات