بارك كون هيه: رخاء كوريا الموحدة

07:12 مساءً الخميس 7 فبراير 2013
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حاز إنتخاب بارك كون هيه كرئيسة جديدة لجمهورية كوريا على قدر كبير من الإهتمام عالمياً. وقد أكد العديد ممن تابعوا الإنتخابات على حقيقة كونها أول امرأة تقود دولة كوريا، بينما إختار آخرون أن يُرجعوا الفضل إلى كونها ابنة رجل كوريا الجنوبية السابق، بارك شونج هي.

ويبدو أن الأكثر أهمية وسط كل التغييرات التي تلت إنتخابها كرئيسة للدولة، هي الزيادة الكبيرة في الإنفاق على الرفاهية و الإنتعاش الإقتصادي. فقد كان أحد وعودها و أهمها في حملتها الإنتخابية أن تحول كوريا الجنوبية إلى دولة أوروبية غنية، و من الواضح أنها بدأت تتخذ خطوات جدية لتحقيق هذا الوعد.

من المقرر أن يصبح التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة مجانيا، مصاريف الدراسة في الجامعة ستقل بمقدار النصف لجميع الطلبة عدا 30% من الطلبة الأغنياء، كما أن خدمات العناية بعد المدرسة بالأطفال المجانية ستصبح متاحة لمعظم الأباء و الأمهات. الرعاية الطبية –التي قامت بدعمها بالفعل- ستصبح أرخص، و المعاشات سترتفع.

هذا برنامج طموح بالفعل و بمرور الوقت سيقود إلى إرتفاع واضح في نسبة الضرائب. ولكن يبدو حالياً على الأقل أن معظم الكوريين مستعدون لقبول هذه الصفقة، فمعظمهم يفضل الديمقراطية السويدية الإجتماعية على الرأسمالية الأمريكية. ربما سيغيرون من رأيهم عندما تبدأ الضرائب المرتفعة تؤثر عليهم بالسلب، و لكن مازالت الوقت مبكراً على هذا.

ووسط كل هذه التغييرات الدرامية في سياسة ومجتمع كوريا الجنوبية، من المذهل أن هنالك من يفكر في عواقب أو تداعيات سياسات كوريا الجنوبية الجديدة على مستقبل كوريا الموحدة (إن وُجدت في الأساس).

مدى إستحقاق السياسات الجديدة للرفاهية في كوريا مرهونة بالكامل على دخل الشخص، كما من المفترض أن يكون. ولكن إذا أخذنا في الإعتبار الفارق الكبير بين دخل الأشخاص في كلا من كوريا الشمالية و الجنوبية، يجب على المرء ألا يتفاجئ في المستقبل إذا حدثت الوحدة بين الكوريتين، ان معظم الكوريين الشماليين سيصبحون مؤهلين لكل سبل الرفاهية وفوائدها، التي سيتم تقديمها في الأصل للكوريين الجنوبيين. وفي نفس الوقت، لن يستطيع الكوريون الشماليون  تسديد الضرائب الكبيرة التي ستكون مطلوبة منهم في مقابل سبل الرفاهية التي سيحصلون عليها.

يبقى على المرء أن يشكك في إستمرارية سياسات الرفاهية الجديدة تلك، ولكن إذا زاد عدد المستفيدين من تلك السياسات إلى الضعف وبقى عدد المسددين للضرائب ثابتا، فهذه السياسات لن تعيش طويلاً. في الوقت نفسه، فإن الكوريين الجنوبيين لن يقبلوا أي نقصان من سبل الرفاهية التي توفرت لهم في حال الإتحاد بين الكوريتين. فكما أثبت التاريخ، سياسات الرفاهية من المستحيل تقليصها بسبب الدوائر الإنتخابية و كل الإستثمارات التي ستتأثر بها.

لذلك، هذه الحالة من تفجر سبل الرفاهية مرة أخرى تجعل أي مراقب محلل للموقف أكثر قلقاً من إمكانية توحيد الكوريتين مرة أخرى. فلو حدث ذلك، فعلى الكوريتين أن تبقيا في شكل إتحاد، لتحافظ كل منها على حكومتها الخاصة، نظمها القانونية و الإقتصادية، ضرائبها وعملتها الخاصة كذلك.

هذه الفكرة مشهورة في أوساط الشمال المتطرف عنها في كوريا الجنوبية الذين يبدون إعجابهم بدولة كوريا الشمالية مرنا نوعاً ما. معظم هؤلاء يرون في سياسات كيم إيل سونغ بعض المزايا الخفية التي من الممكن الإستفادة منها في مستقبل ما بعد الوحدة. وهؤلاء يرون كذلك أن الطريق الوحيد إلى الوحدة بين الكوريتين هو من خلال التفاوض و الوصول إلى تسوية بين الحكومتين، و هي عملية قد تستغرق عقودا.

والكاتب لا يوافق على أياً من الطريقتين. بينما أثبتت الإشتراكية فشلها في كل مكان، فإن النسخة الكورية الشمالية هي أكثرهم فشلاً، لذلك فأنت لست بحاجة إلى البحث عن أية مزايا خفية، هذا إن وجدت. ولكن الوحدة بالتدريج هي فكرة مقبولة، ولكنها ليست واقعية. فإذا حدث و تمت الوحدة بين الكوريتين، سيعلن عنها عن طريق أحداث كارثية، غالباً سيتسبب فيها إنهيار النظام الكوري الشمالي.

من المرجح أن يقوم نظام كونفدرالي ولكنه لن يكون نتيجة مفاوضات بين ملكية عائلة كيم ودولة كوريا الجنوبية، و لكن من الأرجح أن نظاما جديدا سيحل محل الحكومة الكورية الشمالية (لذلك من حق كوريا الشمالية أن ترى الوحدة بالتدريج كخطر محدق بها ولذلك يسعون لإستمرار الحال كما هو عليه، أي الإنفصال). ولكن النظام الكونفدرالي سيكون ضرورياً للتعامل مع الظروف المختلفة للكوريتين إقتصادياً، إجتماعياً، وسياسياً.

من المؤكد أنه إذا حدثت وحدة قريباً فإن الفارق الإقتصادي و الإجتماعي بين الكوريتين سيكون كبيراً، و سيزداد بمرور الوقت. كوريا الجنوبية هي مجتمع يعتمد على الرفاهية ما بعد الصناعية، وإقتصداها بدأ يعتمد بشدة على المعرفة و التكنولوجيا المتطورة، و مجتمعها من أكثر المجتمعات تعلماً في العالم. في حين أن كوريا الشمالية إقتصادها مشابه للمناطق الأكثر تطوراً في الصين في أخر أيام الرئيس ماو. كوريا الشمالية بالفعل نسبة التعليم فيها عالية، ولكن التعليم هناك يقود إلى نتائج سلبية، فمعظم الكوريين الشماليين منفصلين عن الواقع و العالم الخارجي.

النظام الكونفدرالي سيساعد على تخفيف العديد من المشاكل التي ستظهر بعد الوحدة بين الدولتين. من ضمن هذه المشاكل ستساعد على التحكم في هجرة الكوريين الشمالين إلى كوريا الجنوبية، و ستتحكم كذلك في وكلاء العقارات المخادعين والمضاربين الذين يرحلون إلى كوريا الشمالية ليستغلوا عدم خبرة الكوريين الشماليين ويخدعوهم. سيضمن هذا النظام كذلك أن نظام كلا من الدولتين سيضع في الإعتبار الإختلافات الشاسعة بين الدولتين.

من الضروري خلق سياسات رفاهية في كوريا الشمالية كذلك. ولكن بالطبع من الواضح أن لا يصح أن يكون نسخة من النظام الكوري الجنوبي للترفيه. سيكون بالتأكيد أقل كرماً، وتعريف الدخل المرتفع و المنخفض سيختلف بين الكوريتين كذلك، وكذلك سيختلف تفهمهم لإحتياجات المواطنين. ستكون هناك قائمة مختلفة تماماً عن الأولويات.

بالطبع ليس الهدف من النظام الكونفدرالي أن يقوم الكورييو الجنوبييو الأغنياء باستغلال الكوريين الشماليين الفقراء، بل العكس تماماً، يجب ان تكون هناك طريقة لحماية الكوريين الشماليين من أخوتهم الكوريين الجنوبيين. وكذلك هذا النظام سيضمن أن تبقى كوريا الشمالية صاحبة القرار فيما يخص مواطنيها. بالطبع فأن عدد اللخبراء في كوريا الشمالية قليل جداً، و لكن من المنطقي منح الفرصة لسياسي كوريا الشمالية و ناخبيها أن يخطئوا، و يعانوا من عواقب أخطائهم و يتعلموا من تجاربهم.

ليس من المفترض ان تستمر هذه الكونفدرالية إلى أجل غير مسمى. فهي ستكون بمثابة إجراء مؤقت لتكون حلقة الوصل بين الإقتصاد و المجتمع المختلف في كلا من كوريا الشمالية والجنوبية في أقصر وقت ممكن. وبإنتهاء تلك الفترة الإنتقالية سيكون القرار في يد مواطني الكوريتين لتحديد ما إذا كانوا يريدون العيش في دولة متحدة أو دولة كونفدرالية. ولكن من الواضح ان الخيار الكونفدرالي هو الأنسب خلال الفترة الإنتقالية، وبمرور الوقت تنجرف كلا من الكوريتين بعيداً، تزداد الحاجة إلى هذا الحل، و سريعاً.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات